أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الشحماني - من دفاتر الذكريات . . . امرأة تشعل الف شمعة حب للفقراء















المزيد.....

من دفاتر الذكريات . . . امرأة تشعل الف شمعة حب للفقراء


أحمد الشحماني

الحوار المتمدن-العدد: 3589 - 2011 / 12 / 27 - 00:54
المحور: الادب والفن
    


نسي الطين ساعة أنه طين حقير فصال تيهاً و عربد
وكسى الخزّ جسمه فتباهى و حوى المال كيسه فتمرّد
يا أخي لا تمل بوجهك عنّي ما أنا فحمة و لا أنت فرقد
أنت لم تصنع الحرير الذي تلبس واللؤلؤ الذي تتقلّد
قمر واحد يطلّ علينا وعلى الكوخ والبناء الموطّد
* * *
يكاد المرء احيانا يختنق من هول المشاهد اليومية أمام عدسات الواقع المؤلم المزري لعشرات ومئات بل وآلاف الفقراء والأيتام والمعوزين وهم يفترشون الشوارع في ليل المدن الغافية فوق رمال الزمن . . . في احضان الفقر يولد البؤس وتولد الآهات وتطلق الزفرات ويطول الليل, وفي أحضان الفقر تشتعل حرائق المعاناة وتهطل امطار الحزن والمكابدات والضياع اليومي وتتشظى احلام الأنسان وينتهي به مطاف العمر الى نهاية مأساوية مؤلمة حيث يطرق الموت أبوابه فيجده ممددا محزون الفؤاد وعيناه ترنوا الى السماء . . .!!

وفي الضفة الأخرى لمشاهد حياتنا اليومية نرى ونتحسس وندرك مدى تبجح المنافقين وتجار المليارات وهلوسة السياسيين وهم يلعقون السنتهم بالكذب والخداع ليل نهار ويكتنزون الذهب والأموال يحسبون أنهم حاملينها معهم الى قبورهم دون أن يعرفوا ان الموت حق وان عذاب الله آت لا ريب فيه . . هم هائمون في عالمهم الوردي المخملي يجهلون أنفسهم ويتجاهلون الناس ولا يشعروا بعذاب الفقراء وجوع الأيتام ومرض الأطفال . . هم ربما (يتصوروا لشدة غرورهم وزهوهم وحلاوة عيشهم ونكهة عالمهم الوردي) بأنهم ولدوا هكذا اغنياء فلماذا يشغلوا أنفسهم بعذاب الفقراء !! . . . والفقراء ربما ( يتصوروا لشدة عذاباتهم وحرمانهم وضياعهم) بأنهم ولدوا هكذا فقراء فمالذي يفعله لهم الأغنياء أصحاب المليارات؟؟!.

في طهران وتحديدا في (دولت آباد) الحي السكني الشعبي الذي يقع في جنوب طهران والذي يقطنه عدد كبير من العراقيين السياسين واللاجئين والمسفرين قسرا آبان عهد الرئيس العراقي السابق أحمد حسن البكر في فترة السبعينيات وكذلك اثناء الحقبة المظلمة من حكم فرعون وطاغية العراق الرئيس المخلوع صدام حسين في الثمانينيات واثناء فترة الأنتفاضة الشعبانية عام 1991 .

(دولت آباد) المنطقة السكنية الشعبية الجميلة بكل شيء – طيبة اهلها, جمال شوارعها, محلاتها, أزقتها, أرصفتها, أطعمتها, نضارة حدائقها, هدوء لياليها الصيفية, وحلاوة شتاءها ببرودته المنعشة - دولت آباد المنطقة الشعبية الجميلة بكل شيء والتي تستقبلك بحسينياتها الجميلة الزاهية وتشعرك بأجواء عراقية كما لو أنك مقيم في (العراق). . .
دولت آباد هي المنطقة السكنية الوحيدة التي التصقت بها روحي وبكيتها بألم وحرقة عندما فارقتها في ليلة 10-10-2007 تاركا لياليها الجميلة المعطرة بطيب شبابها الحلوين, حاملا حقائبي الى مطار مهرباد متجها الى بلاد المنفى البعيد. . !

ولكي لا يأخذني الحنين والأشتياق بعيدا وتسرقني ذكريات دولت آباد الجميلة التي نقشت حلاوتها في ذاكرتي وأنسى حكاية تلك المرأة الفاضلة المؤمنة التي اطلقت رصاصتها بوجه تجار المليارات وشعلت الف شمعة حب وأمل وأبتسامة لتنير ظلام الفقراء والمرضى والمعوزين . . .
في احدى الأيام الصيفية كنت جالسا في حسينية أمير المؤمنين في (دولت آباد) اتجاذب أطراف الحديث مع باقة ورود طيبة من الشباب العراقيين واذا بأمراة متوسطة العمر محتشمة الثياب بسيطة المظهر تدخل علينا برفقة شاب يبدو على محياه الخجل والهدوء والتقوى . . من ينظر الى هذه المرأة ويتأمل جسدها النحيف وملامح وجهها الحزين ولباسها البسيط المتواضع للوهلة الاولى يشعر بأن هذه المرأة جاءت تطرق ابواب الحسينيات والجوامع من أجل صدقة ولكن ما ان تقف امامك بشخصها المتماسك تشعر بأن وراء هذه المرأة يقف جبل من ايمان وتقوى وزهد ونبل وتواضع – انسانة ولا الف رجل من تجار النفاق وعبيد الدينار, بدأت هذه المرأه المحتشمة التحدث بهدوء وأدب مع اصحاب الحسينية وطلبت منهم السماح لها بمقابلة العوائل العراقية القادمة من العراق من مدن ومحافظات متعددة, بعضهم جاء لزيارة طهران والبعض الآخر جاء للعلاج او لأجراء عمايات جراحية – جلست تلك المرأة الفاضلة امام العوائل بهدوء وحشمة وحيتهم بتحية السلام والأسلام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته - وقالت لهم ارجوا ان تعذرو قدومي لزيارتكم بدون موعد مسبق ولكني أحببت فقط أن تخبروني ان كانت لديكم ثمة جوائج او مشاكل او عوائق لكي اساعدكم في قضاءها او تذلليها, وما أن انهت تلك المرأة الفاضلة حديثها مع العوائل العراقية حتى طلبت من الأشخاص المخولين بادارة الحسينية بتكليف أشخاص من ضمن العوائل المقيمة في الحسينية بتسجيل قائمة لأسماء المعوزين والمحتاجين والمرضى ووعدت بزيارة الحسينية في الساعة العاشرة من صباح اليوم التالي - في اليوم التالي وفعلا في العاشرة صباحا جاءت تلك المرأة المؤمنة المحتشمة ذات الملبس البسيط المتواضع والقت التحية على الجميع وجلست بهدوء, كان برفقتها ذلك الشاب المهذب الذي جاء معها في اليوم السابق وكان يحمل كيسا كبيرا من الأموال – بدأ ذلك الشاب المهذب بقراءة أسماء الفقراء والمعوزين الذين يرومون أجراء عمليات جراحية في طهران وأخذت هي (السيدة الفاضلة) بنفسها أعطاء كل شخص منهم مبلغا من المال, مبلغا ربما لم يحصل عليه اي شخص من هؤلاء الفقراء والمعوزين طوال حياتهم الماضية لا من بطاقة الحظ يانصيب ولا من صندوق الأمم المتحدة لمساعدة الفقراء والمعوزين ولا من أموال العراق المحروقه والمنهوبة في الحروب والارتجالات والمراهنات والمساومات ولعبة (الختيلات) التي لم يجني منها العراقيون الا الفقر والبؤس والتشتت والضياع في بلاد المعمورة - بدت ملامح الأستغراب والدهشة على وجوه العوائل وبدأت الفرحة تدب في قلوبهم, بعضهم قال يا ألهي هل نحن في حلم أم حقيقة - لم تنتهي هذه المبادرة الأنسانية عند هذا الحد فقط بل خاطبت تلك المرأة الفاضلة العوائل بكلام ملئه عاطفة وحب واحترام حيث قالت سأوفر كل ما تحتاجونه من طعام وشراب لكي تشعروا انكم في بلدكم وفي بيوتكم, فطلبت من الأشخاص المسؤولين بتقديم قائمة من المشتريات تتضمن المواد الغذائية المهمة: اللحوم والرز والخضار والزيوت والفواكهة والشاي والسكر وحتى حليب الأطفال, ثم توجهت بعد ذلك بهدوء وبدون أدنى تكلف او رياء او دعاية اعلامية الى بقية الحسينيات وبيوت العبادة في دولت آباد تتفقد الفقراء والمعوزين والمرضى ولا اعرف ربما توجهت بعد ذلك الى مدينة قم أو الى مشهد (خرسان) حيث الكثير من الحسينيات والعوائل العراقية – ولا اعرف كم مرة فعلتها من قبل تلك المرأة الطيبة؟؟! وقفت أنا اتساءل مع نفسي بصمت وتأمل:"ماذا لو فعلها أصحاب المليارات المتكدسة في خزائنهم المنسية التي ستلتهمها يوما حرائق الزمن وتحيلها الى رماد . . ."؟!!

أموالنا لذوي الميراث نجمعنها وقصورنا لخراب الدهر نبنيها
كم من مدائن في الآفاق قد بنيت أمست خرابا وزار الموت أهليها
أين الملوك التي كانت مسلطة حتى سقاها بكأس الموت ساقيها

ماذا لو وهبوا جزءا من أموالهم للفقراء والمعوزين والمرضى بدلا من تبديدها وحرقها في امور لا تسمن ولا تغني, ماذا لو تسابقوا كما النحل وتبرعوا بجزء بسيط من أموالهم لبناء مؤسسات خيرية تصب في مصلحة الفقراء والموزين والمرضى, ماذا لو شطبوا جزءا من تاريخهم اللاأنساني الملبد بغيوم القسوة والجشع والبخل وسجلوا هدفا واحدا ولو مرة واحدة في شباك ملعب الأنسانية!!!, بالتأكيد سيصفق لهم الفقراء والأيتام والمعوزين وسيدعوا لهم بالخير والتوفيق مثلما توجه الفقراء والموزين والمرضى بصلاتهم ودعواتهم في حسينية أمير المؤمنين في (دولت آباد) الى الله العلي العظيم ليبارك ويحفظ هذه المرأه النبيلة الطيبة التي نضحت مروءة وشهامة وأنسانية لا توصفها الكلمات. . .



#أحمد_الشحماني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رأيتُ العصافيرَ تبكي عليه حزناً . . .
- اعلان عن فقدان حبيبة العمر (لوبيتا). . .!
- للذكريات طعمٌ وعطرٌ ولونْ . . . يوتيوب أنترنيت الذكريات!!
- من دفاتر الذكريات . . . معسكرات الطلبة عام 1986
- صديق قديم وحميم يشعل نار الذكرى من جديد في أكواخ الزمن المتآ ...
- قحطان العطار . . . الغائب الحاضر - جراحات وعذابات الغربة -
- سامحك ألله ياقلبي الملوث بالخيانة
- - سومرية العينين -
- سومرية العينين -
- وداعا . . . أيها الطائر الجنوبي الجريح - كمال سبتي


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الشحماني - من دفاتر الذكريات . . . امرأة تشعل الف شمعة حب للفقراء