أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - تيسير عبدالجبار الآلوسي - فقدان احترام العلم والعلماء وفقدان الاتزان الاجتماعي















المزيد.....

فقدان احترام العلم والعلماء وفقدان الاتزان الاجتماعي


تيسير عبدالجبار الآلوسي
(Tayseer A. Al Alousi)


الحوار المتمدن-العدد: 1062 - 2004 / 12 / 29 - 07:03
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


بالأمس كان كبير القوم هو الذي يبدأ الحديث وهو الذي يفتتح أو يبتدر الحركة ويتقدم الصف، حتى كان الأولون في زمن ولادة المجتمع البشري يقدّسون الأسلاف؛ فتحولوا بالأمر إلى عبادتهم وتمثل قيمهم وتصوراتهم بقدسية مطلقة.. ولعلَّ بعض هذا الأمر يعود إلى مسائل منها توارث المعرفة ومنها الاعتراف بجميل الأسبق ومنها غير هذا وذاك من غني القول الذي درسناه وعرفنا تفاصيله عبرتمعن في بطون كتب التاريخ وتجاريبه..
وما زالت الدول التي تحترمُ إنسانَها وعالمَها ومعارفهما وأخلاقياتهما، تقدِّمُ المكانة الأولى [للكبير] فيكون على رأس أول جلسة حتى ينتخبوا خبيرا متخصصا في الشأن المعيّن.. ولقد تأسَّسَ في قيم البشرية بالخبرة وعبر الاعتقاد بالقيم الإيجابية الصحيحة، أنْ لابد من احترام أهل العلم والخبرة لأسباب غير مجهولة على القارئ الحصيف..
وفي يومنا نجد انشطارا بين قيمتين ووضعيتين واحدة (وهي قلة محصورة محدودة محاصرة) تجلّ العلم والعلماء وتتمسك بسلوكيات أخلاقية تُعلي من شأن صاحب الخبرة لعمره ولدربته وتجاريبه.. وأخرى وهي شائعة اليوم واسعة العدد والانتشار كثرما نجدها تُهين العلم والعلماء ولا تجد في متقدِّمِ ِ عمرا أو سنّا أو تجربة إلا هزءة ومسخرة لهذر ألسنة تلك المجموعة الجاهلة وخواء قيمها وبؤس سلوكياتها!
فنحن نرى [في أحايين] الصغير لا يحترم الكبير في شئ [ولا نشير هنا إلى ما يعود سببه لكبير يمارس صياعة بائسة رعناء] والتلميذ لا يقف لأستاذه ولا يؤدي له من التأدّب أو الاحترام ولو قناع غشّ ومواربة؛ حتى صار المعلم يُضرب ويُشتم ويُهان ويُنتهك له حتى وجوده الإنساني ..
فحين يجلس الأب إلى أبنائه، كل يأخذ جلسة لا تنمّ عن ذرة قيم سلوكية تحترم الذات لا الأب؛ والأبناء يأتون بهذا من مدارسهم ومن الشارع ومن التلفزة ووسائل الاحتكاك البصرية وغيرها أيّ من ثقافة التسطيح والتهميش والتفريغ وانتهاك الإنسان وقيمه وكرامته ..
تلامذة [بتنكير المفردة للتبعيض] ينتهكون كل شئ فما عادت قاعة الدرس مكانا لاحترام تبادل المعرفة بين طرفين يؤمنان بقيم العقلنة ومنطقها السامي، بل صارت حضيرة للحركات الطائشة و [الانفلاش] بكل معاني الرداءة وخسارة الجوهر القيمي للوجود الإنساني.. فعدم احترام المعلم لا يقف عند حدود العلاقة بين طرفين بل إلى اختلاف منهج الوجود في محراب المعرفة والقيم السامية..
وفي الوجود الاجتماعي هناك انتهاك للتراتبية وللمسؤوليات ولتوزيع التناسب بين الواجبات والحقوق؛ وللتوازن بين موضع الكبير والصغير.. الممتلئ علما وخبرة وأخلاقا والفارغ منها جميعا.. وصار التوازن يعود لما يملك فرد من مال أو جاه أو منصب أو ما إليها!!
وهكذا صار يتصدر الجلسة من يعلو صوته ويجهر بوجه السيد العالم الجليل [بعد أنْ كنّا نخفظ "ولا تجهروا له بالقول"]، ومن يجلجل بفارغ الكلم ومن يتنطع ويدلّس وينتهز ويتملق يواري بأقنعة متزلفا ليبيع ويشتري..
وصار الجميل هو الذي يلبس الأنيق غالي الثمن دينارا أو دولارا وليس جميل اللسان والجوهر، والمحبوب هو الذي يدهن شعر رأسه بزيوت ما أنزل الله بها من سلطان وليس الذي يغتسل بماء فرات، والمحترم من ثقل جيبه وغلا محبس أصبعه وليس من جاءنا برأسه ممتلئا علما وأدبا!
وما عاد في أفضل الأحوال من مكان أو مكانة للعالم الجليل؛ فلمجرد اتصاف العلماء بالتواضع وبمخالطة الناس ومجالستهم والإصغاء إليهم، صار [الناس؟] يتحدثون متعالمين ومتعالين على آبائهم وأساتذتهم ومفكريهم وعلمائهم حتى بدأ بعضهم يشتكي بالمقلوب؟؟؟!
فبدلا من شكوى العلماء من جهل الجهلاء وتماديهم في سلوكهم ونزوات أهوائهم، اشتكى هؤلاء من العلماء ومن تعاليهم وتكبرهم وليس من قيم تجاوز الجاهل وإهاناته للعلم وأهله..
فإذا نظرت لجلسة يثرثر في ساعة منها [الناس العامَّة أو العوام ؟] لخمس وخمسين دقيقة ولا يبقى للعالم المُصغي إلا خمس دقائق ليدلو بكثير علمه وغنيِّه، فإنَّك لا تجد أغلب المثرثرين إلا لاهين عن الاستماع لا الإصغاء!!
ومع ذلك يزعم الجاهل تسلّط العالم وطغيانه ومصادرته حق الكلام والمناقشة على قدم المساواة بين العالم والجاهل!!؟ ولا ندري أيّ نوع من المساواة يطالب بها الجاهل حتى نسأله ليصرخ بنا: كلنا بشر سواسية وكلنا نعرف ونعلم ونقرأ ونكتب بل هو يحفظ مما يسميه الفن والغناء ونجومه ما لايعرفه هذا [العالم] الجاهل بمعارف العصر الخطيرة التي لديه ..
يريد عامّة الناس [طبعا من الجهلاء الفارغين المسطحين فقط] إلغاء المعرفة والعلم واختزاله بالشطب على جهود العلماء بذريعة المساواة بين الجاهل والعالم وقد جاء في الكتب المقدسة "هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون" ويستهويهم أنَّهم يجلسون إلى عالم أو في مجلسه فيناكفونه بلا استماع إليه بمقابل إصغاء العالم إليهم..
ومن [قشمريات: أي من سخرية] زمننا أنَّ بعضنا يستمع لبعض الجهلة وهم يتبجحون لأنَّهم جالسوا عالما [فرزَّلوه (أي أنَّبوه وأهانوه على فِعلة ما) أيَّما رزالة ومسحوا به البلاط ومرغوه بالـــ...]
إنَّ الديموقراطية والمساواة والعدالة لا تعني إلغاء مكانة العلماء وسحقهم في محضر الأوباش والسوقة والرعاع الجهلاء! بل تؤكد في الجوهر مكان العلم والعلماء ومكانتهما العالية. ومكانة إنسان يجالس عالما أو فقيها أو كبيرا تتشرف وتعلو وتسمو بتبادل الاحترام الإنساني الصادق الصحيح ..
وفي الوقت الذي يعتز الكبير بتواضع ومحبة ورعاية منه للآخر فإنَّ من الصحيح تماما أنْ نستذكر زمن كان يتشرّف فيه الابن بمجالسة أبيه والتلميذ بحضور ديوان أستاذه والمتعلِّم بمخالطة العلماء ووجهاء الخبرة والخبر.
بينما ينبغي لنا اليوم التأسي على زمن الاحترام الإنساني في أدناه وهو يغادر [كمّا] كبيرا من العامّة، من الذين صاروا حيث يلتقون العالم الجليل ينهرونه ليُفسِح لهم الطريق وليس ليخطو أحدهم مجرد خطوة عن طريق الشيخ العالم الطاعن سنّا والمثقل همّا وعلما، من الذين صاروا إذا التقوا عالما فقيها صاروا يتندرون بحركات [أراجوزية] عليه، وصاروا يناكفون في اختلاق المشكلات معه من باب ثقافة [مافيش حد أحسن من حد] بمعنى لا قيمة لعلم يحمله عالم جليل أمام مال يملكه جاهل وجيه...
ألا بئس زمن الجهل والجهلاء من أصحاب كروش المادة الفارغةِ من أخلاق تحترم الذات وتملأها بغير ديدان الدينارات والدولارات [وياريت المال المتأتي من صحيح الجهد ونظيفه!] ولكن عسانا نسطيع ألا نقف عند اللعنة على زمن الرداءة وتسطيح منطق الناس ..
وعسانا نسطيع إلهام الناس قيم احترام الذات والإنسان الحق لكي نعيد احترام العلم والمعرفة والعلماء.. فالعالم لا يُضاف له شئ من جاهل، ولا ينتظر علما من سفيه اللهمَّ إلا مزيد صبر وتدبّر ومزيد معالجة لثغرات تلك الأوضاع ومثالبها ونواقصها...
وليس بغير احترام الذات واحترام العلم يُعاد الاتزان الاجتماعي المفقود على خلفية أهواء وأمزجة مريضة تنظر لمجالسة العالم بوجوب أنْ يجلَّ العالم الجاهل لأي ذريعة أو حجة ووجوب قبوله بتنطّع الجاهل وثرثرته وفوق ذلك سكوته على تجاوزات واعتداءات وإهانات من عامّة الناس!!؟
أفي تقوّلات وتجاوزات مفتعلة على حساب قيم السلوك وقيم العقل ومنطق الحكمة والرشاد يكمن التوازن الاجتماعي المنشود؟ أهذا ما تريد العائلة الكريمة تربية أبنائها عليه؟ طبعا، سيكون: بلى ونعم، بكل لغات الخضوع وتمامه لأنَّ فاقد فلسفة الحق ومنطقه لا يمكنه أنْ يقدمها صائبة لأحد حيث لم يكتسبها ولم يمنحها لذاته قبل غيره..
فأهلية تقديم الخير وقيمه موجودة حاضرة حيث الذين اكتسبوه وتعلموه وامتلأوا به.. فعلامَ وعلى مَنْ يعول العلم والعلماء في الإجلال بما يساعد على توسيع دائرة التحضّر والتمدن واكتساب منطق الرشاد والعقل ومن ثمَّ الاتزان والتوازن الاجتماعيين الصحيحين بلا مرض ولا عدوى ولا منقصة ولا ثغرة؟
على الإنسان كريم المحتد، الذي يحترم ذاته فيحترم الآخرين إنسانية في الجوهر والدافع وعلو قيم وعمق سلوك ومصداق أخلاق وعظيم معرفة وعلم يُكبرونه ويتشرفون به.. هنا يعود التوازن ويعود الرشاد، فتنطلق مسيرة أقوى للحضارة عندنا نحن أهل الحضارة وقد تمَّ قطع مسيرتنا ردحا غير قليل من الزمن.. فهل نعاود يا أهلي من أبناء سومر الحضارة أخلاقا ومعارف وعلوم؟



#تيسير_عبدالجبار_الآلوسي (هاشتاغ)       Tayseer_A._Al_Alousi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التصدي للإرهاب وتوفير الأمن بتضافر الجهود الوطنية الشعبية وا ...
- من واجبات الناخب وحقوقه في مرحلة الحملة الانتخابية والتصويت؟
- السيد الكريم علي آل شفاف..رسالة سلام وتسامح في ضوء دعوتكم لي ...
- المسيحي العراقي بين البحث عن أمان المكان والمكانة وتفعيل مشا ...
- الأيزيديون: المكان والمكانة في العراق الجديد؟
- اللعب على حبال القرار واللعب بالنار فديراليات عراقية على أسا ...
- شيعة العراق: رفض للطائفية والتدخلات الأجنبية وتمسّك دائم بال ...
- مواقع الإنترنت الدور المسؤول المؤمَّل فيها، الحوار المتمدن ن ...
- أحزاب للسنّة أو الشيعة أم قوى طائفية تتطفل على جمهورها؟
- هواجس المواطن والانتخابات الوطنية العامة
- الانتخابات العراقية موعدها، أهمية إجراؤها ، نتائجها المرتجاة ...
- تجارب عراقية رائدة لضبط الأمن والاستقرار مدينة الناصرية نموذ ...
- أجواء السلام والتسامح والحوار الموضوعي الهادئ
- خلود شهداء الشعب
- بين حقوق الجاليات وواجباتها ضرورة التأكيد على قضايا الاندماج ...
- مهاجمة زهور عراقنا الجميل؟ وخلفية أسس مهاجمة حلم كردستان حرة ...
- مواقع عراقية تحمل شعار الجمهورية العراقية؟
- مرة أخرى مع الطائفية وبعض ما يرد عنها وفيها
- اتهامات وشتائم وحالات تخوين الآخر وتجريمه؟!
- عيون العراق وخزائنه الحضارية


المزيد.....




- أسير إسرائيلي لدى حماس يوجه رسالة لحكومة نتنياهو وهو يبكي وي ...
- بسبب منع نشاطات مؤيدة لفلسطين.. طلاب أمريكيون يرفعون دعوى قض ...
- بلينكن يزور السعودية لمناقشة الوضع في غزة مع شركاء إقليميين ...
- العراق.. جريمة بشعة تهز محافظة نينوى والداخلية تكشف التفاصيل ...
- البرلمان العراقي يصوت على قانون مكافحة البغاء والشذوذ الجنسي ...
- مصر.. شهادات تكشف تفاصيل صادمة عن حياة مواطن ارتكب جريمة هزت ...
- المرشحة لمنصب نائب الرئيس الأمريكي تثير جدلا بما ذكرته حول ت ...
- الاتحاد الأوروبي يدعو روسيا إلى التراجع عن قرار نقل إدارة شر ...
- وزير الزراعة المصري يبحث برفقة سفير بيلاروس لدى القاهرة ملفا ...
- مظاهرات حاشدة في تل أبيب مناهضة للحكومة ومطالبة بانتخابات مب ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - تيسير عبدالجبار الآلوسي - فقدان احترام العلم والعلماء وفقدان الاتزان الاجتماعي