|
عقود اكسون موبيل غلطة الشاطر
حمزة الجواهري
الحوار المتمدن-العدد: 3559 - 2011 / 11 / 27 - 20:51
المحور:
الادارة و الاقتصاد
ما صرح به المسؤولون الأمريكيون عند الإعلان عن عقود اكسون موبيل مع إقليم كوردستان غير مقنع تماما، لأن أكسون موبيل تعتبر الشركة الأكبر في العالم، وهي السفير الاقتصادي للولايات المتحدة في العالم، فلا يعقل أن تنصح الإدارة الأمريكية أكسون موبيل بعدم التعاقد مع حكومة كوردستان، وتذهب الأخيرة وتفعل العكس، لأن الإدارة الأمريكية والرأسمال المالي الأمريكي والقطاع النفطي شركاء دائما بالقرار، سواء كان سياسي أم اقتصادي، وهذا ليس اكتشافا جديد، لكنه حقيقة عرفها العالم منذ زمن بعيد، لذا أعتقد جازما أن الإدارة الأمريكية لها دور في هذا الأمر، وقد تكون هي من دفع أكسون موبيل لهذا الأمر. يذهب البعض إلى تفسير الأمر على أنه نوع من العقوبة للعراق، لأن الانسحاب الأمريكي من العراق لم يكن برغبة من الولايات المتحدة، لكنه جاء من حيث الأساس كرغبة عراقية، بالرغم من افصاح امريكا عن رغبتها بالبقاء فترة أطول في العراق، ومازالت تبحث عن وسائل للبقاء مدة أطول، لكن لا يمكن تصور أن الأمور تجري على هذا النحو من المباشرة بردود الفعل، خصوصا وإن أمر الإنسحاب كان أيضا قرارا ووعدا حقيقيا من الإدارة الأمريكية لشعبها أكثر من كونه رغبة أو سياسة وفق مستجدات سياسية على الساحة، فالساحة السياسية في المنطقة العربية قد تدفع الولايات المتحدة بالإسراع، لا التريث والبقاء في العراق، كون شعوب الربيع العربي لا ترغب بالوجود الأمريكي على أراضيها أو في الجوار منها. إذ لابد من وجود أسباب أخرى دفعت أمريكا واكسون موبيل لمثل هذا التصرف الذي تعتبره الحكومة العراقية غير مسؤول ويعد تجاوزا على سياسة الدولة، فضلا عن تعارضه مع الدستور والقوانين العراقية النافذة حاليا. هذا الأمر يثير تساؤلات أخرى كثيرة، لماذا إذا قبلت الإدارة الأمريكية بالخفاء بهذا الأمر وسمحت؟ وقد تكون دفعت أكسون موبيل لتوقيع العقود التي بقيت تتفاوض حولها لمدة طويلة في لندن قبل الإعلان المفاجئ لقبولها؟ فهل هو عقوبة للعراق كونه رفض تجديد بقاء القوات الأمريكية من العراق؟ أم هو محاولة للعبث بالقوانين العراقية ومعرفة مدى تمسك الحكومة بسياستها المعلنة؟ أم هو محاولة أمريكية لجعل سياسة الإقليم الكوردي أمر واقع في العراق، كون هذه السياسة تتماشى والرغبة الأمريكية برفع يد الحكومة الإتحادية عن النفط العراقي وتركه بيد الأقليم والمحافظات، وبالتالي البدء بمرثون الاستكشاف والتطوير والإنتاج بين المحافظات والإقليم. لأن هذه السياسة تعني أن العراق سيكمل استكشاف ويطور في آن واحد أكثر من 524حقلا نفطيا وغازيا مكتشفة أصلا بالطرق الجيوفيزيائية، القيلل منها مطور وأخرى قليلة أيضا تحت التطوير، والباقي لا يقل عن500 حقلا، وهذا ما تتمناه أمريكا والدول المستهلكة للنفط، لأن النفط بهذه السياسة سيكون سعره أقل من خمسة دولارات، فلو تحقق لهم ما يرغبون به وسارت الأمور على هذا النحو الفضيع، سنقرأ آخر سطر من تاريخ العراق خلال عقد من الزمان. فهل العراق والعراقيين بهذه السذاجة ليكتبوا بأيديهم نهاية العراق؟ يبدو لي أن الحسابات الأمريكية مبنية على أساس أن العراق مهتم جدا بالوصول إلى المستوى المطلوب من الإنتاج في الوقت الذي رسمته تعهدات الشركات وهو عام2017، وذلك لحاجته لمزيد من الأموال لإعادة البناء وتطوير قطاعاته الإنتاجية الأخرى، لذا قد يكون سببا كافيا يدفع الحكومة العراقية للتخلي عن سياستها واتباع سياسة الإقليم على أنها سياسة الأمر الواقع. ما استطعنا فهمه من تصريح للناطق الرسمي باسم الحكومة خلال الشهر الماضي، تشرين الأول، من أن مشروع حقن الماء في ثلاثة حقول عملاقة جدا في الجنوب وهي الرميلة والزبير وغرب القرنة يعتبر غاية بالأهمية وله تأثير على بلوغ الشركات الى مستويات الإنتاج المخطط لها، إضافة إلى الأهمية الكبرى لمشروع حقل غرب القرنة1. على افتراض أن الموضوع بهذه الأهمية فعلا، وإن العراق لا يستطيع إلغاء عقود الشركة الأمريكية، لكن بالعودة إلى التحليلات التي تتعلق بقبول الشركات العالمية بشروط العراق القاسية، نجد إن الولايات المتحدة وباقي الدول المستهلكة للنفط في العالم ستكون هي الخاسر الأكبر، بل الوحيد، وستتأثر بمسألة عدم بلوغ العراق هذه المستويات من الإنتاج، وليس العراق. فلو عدنا إلى جولات التراخيص الثلاثة الأولى وأسباب قبول الشركات العالمية شروطها القاسية، كما أسلفت، لوجدنا أن هذه المستويات من الإنتاج لو تحققت بالفعل من شأنها أن تطمئن الأسواق العالمية للنفط لسنوات طويلة، لأن في الوضع الحالي تقترب هذه الأسواق من الحالة التي تخشاها، وهي أن يقترب العرض من الطلب، أو يتساوى الإثنين، حقيقة وليس بفعل فاعل، من خلال قرارات الأوبك بخفض الإنتاج، حيث بهذه الحالة ستصاب الأسواق بالذعر الشديد وترتفع أسعار النفط إلى مستويات عالية جدا، لا طاقة لبعض البلدان على تحملها، وبالتالي تكون سببا بإنهيار اقتصادها، وربما الاقتصاد العالمي برمته. أضف إلى ذلك أن المخزونات النفطية العراقية لها شأن يختلف عن تلك التي في البلدان الأخرى، حيث أمريكا وشركاتها والشركات العالمية الكبرى الأخرى تعرف تماما أن الأرقام المعلنة للإحتياطي في تلك البلدان غير صحيحة ومبالغ بها، في حين أن العراق فيه مخزنات نفطية أكبر بكثير من المعلن، لكن إعلان تلك الدول عن وجود مخزونات كبيرة فيها يعتبر ذو طابع سياسي وليس على أساس الواقع، وهذه الحقيقة عن تلك الأرقام لا تطمئن أسواق النفط فعلا بمستقبل الإمدادات الكافية، ولو لم يكن هذا الأمر صحيحا لما قبلت الشركات بالشروط القاسية جدا وتعاقدت مع العراق لتطوير حقوله العملاقة لتأمين الطاقة إلى عقود ثلاثة قادمة بلا خوف من عدم وجود عرض كافي للنفط في الأسواق. إذا فالحاجة لتطوير الحقول العراقية والوصول إلى تلك الطاقات العالية يعتبر حاجة ملحة للدول المستهلكة أكثر منه حاجة للعراق، وإن أمريكا أكثر اهتماما من العراق بالوصول إلى المستويات التي قالت الشركات أن باستطاعتها الوصول إليها وتعاقدت على هذا الأساس. تقول الشركة الأمريكية، أو يقول محللون اقتصاديون نيابة عنها، أن السبب الذي دفع اكسون موبيل للتعاقد مع حكومة كوردستان هو أن هامش الربح في تلك العقود أكبر مما ستحصل عليه من عقودها في الجنوب، وهذا صحيح فيما لو طبقنا نتائج الحسابات البسيطة، حيث أن نسبة الربح الذي تحصل عليه اكسون موبيل من إنتاج مئتي ألف برميل من كوردستان قد يفوق ما تحصل عليه من عقد غرب القرنة1 الذي يستهدف إنتاج مليونين وسبعماءة ألف برميل يوميا، لأن الربح في عقود الجنوب قليلا جدا مقارنة مع ما ستحصل عليه هناك، هذا إذا تحققت اكتشافات نفطية وغازية بالفعل. حقيقة إن هذا الحساب يعتبر ساذجا بالمعايير الاقتصادية والسياسية، ففي الواقع تتعارض هذه الطريقة بالحساب تماما مع التوجه العالمي وشركاته لتأمين استقرار طويل الأمد في الأسواق العالمية تبحث عنه دول تلك الشركات، كون الدافع كما أسلفنا من وراء العقود في جنوب العراق ليس الربح، وإنما الاستقرار طويل الأمد في الأسواق النفطية العالمية، هذا فضلا عن إهمال المحللين الاقتصاديين إلى أرباح اكسون موبيل المبالغ فيها جدا والتي ستحصل عليها من مشروع تجهيز مياه الحقن في الحقول الجنوبية، فالمشروع قدرت قيمته بحوال12مليار دولار، في حين لا يمكن أن يكلف هذا القدر من الأموال وفق الأسعار العالمية المعروفة لمشاريع من هذا النوع، حيث أن المشروع لا يحتوي إلا على مرشحات للماء ومضخات وأنابيب لنقل الماء لمسافة لا تزيد على مئة كيلو متر، وهذه الكلف قد تستطيع انشاء أربعة مشاريع من هذا النوع وبضخامة أكبر. مشاريع أكسون موبيل في الجنوب ليست لصالح العراق: في الحقيقة إن العراق ليست بحاجة إلى مشروع من هذا النوع، أي مشروع تجهيز ماء الحقن للحقول الجنوبية، لأن يوجد في الحقول بدائل مجربة في دول الجوار مثل السعودية والإمارات والكويت التي تقع على شواطئ طويلة جدا، وقريبة جدا من حقول النفط فيها، لكنها مع ذلك لا تستعمل مياه الخليج للحقن في المكامن النفطية، وذلك لأن البدائل المتوفرة أرخص بكثير، وهي تلك المياه التي يمكن انتاجها من طبقات السمسمة وأم الرضومة والدمام التي تعتبر مالحة جدا وليست ذات جدوى اقتصادية حاليا، وهذا البديل يعتبر أفضل بكثير من الناحية الفنية، لأنه يوفر نصف الطاقة المطلوبة للحقن والتجهيز، كما وأن كلف المشاريع من هذا النوع قد لا تزيد على نصف مليار دولار للحقل الواحد، وإن إكسون موبيل نفسها تستخدم هذا الأسلوب بتوفير مياه الحقن في تلك البلدان، والعراق لا يختلف عنها بشيء على الإطلاق، فهذه الطبقات موجودة في العراق وفيها من المياه أكثر من تلك الدول، وخصوصا الإمارات العربية المتحدة. وهنا لا نريد أن نسال عن سبب ذهاب العراق لاختيار هذا البديل السيء، ولكن نريد التأكيد على أن مشروع توفير الماء يعتبر خيارا غير صحيح وبعيد عن كل الحسابات الاقتصادية والفنية، ويمكن توفير البديل له وبكلف واطئة جدا. في حين يعتقد الساسة العراقيون أنه مهما جدا، وبدونه لا يستطيع العراق الوصول إلى أهداف الإنتاج التي رسمتها الجولات الثلاثة لعقود التراخيص، ربما يكون هناك من أوهمهم بأن هذا الخيار لا بديل له، لذا أجد إن مسألة إلغاء المشروع بالكامل يعتبر ضرورة قصوى للعراق، حيث باستغلال الأموال التي ستصرف عليه، يستطيع العراق بناء ميناء كبير جدا في البصرة بدلا من الميناء الصغير نسبيا الذي تنوي الدولة بناءه والذي حكم عليه بالاختناق من قبل ميناء مبارك الكويتي. أما بالنسبة إلى مشروع غرب القرنة1 الذي تعاقدت عليه اكسون موبيل فإنه هو الآخر لا ضرورة له، بل يضر بالاقتصاد العراقي، لأن وكما أجمع المحللون الاقتصاديون على أن أسواق النفط العالمية لا تستطيع استيعاب كميات النفط العراقي عند بلوغ الذروة خلال عام2017، وحتى بعد هذا التاريخ بسنوات، لأن السوق ستكون بحاجة إلى كميات أقل بكثير مما سينتجه العراق، هذا إذا وافقت الأوبك على منحه حصة أكبر من حصة السعودية مثلا، والتوقعات الأكثر تفاؤلا تقول إن إنتاج تسعة ملايين برميل في ذلك العام ستكون كبيرة، وفيها طاقات إنتاجية فائضة قد تصل إلى ثلاثة ملايين برميل يوميا، والتي ستكون موضوع خلاف دائم مع الشركات العالمية صاحبة التراخيص آن ذاك، لذا أعتقد جازما أنه من صالح العراق التريث بتطوير حقل غرب القرنة1 لحين وضوح الصورة في الأسواق العالمية، ومعرفة الحاجة الحقيقية لكميات أكبر من النفط، وإلا ستؤثر الطاقات الإنتاجية الفائضة سلبا على سعر النفط بشكل كبير، وهو ما سيضر بمصلحة العراق ومصلحة شركائه المنتجين، سواء كانوا في الأوبك أو المنتجين الأحرار. وهكذا أجد أن ما أقدمت عليه أكسون موبيل يعتبر مغامرة غير محسوبة العواقب، وعلى العراق استغلال هذه الفرصة الذهبية قبل أن تتراجع أكسون موبيل عن عقودها مع كوردستان، لأن إلغاء عقود هذه الشركة مع الحكومة العراقية سيكون من مصلحة العراق بالمطلق.
#حمزة_الجواهري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مقارنة بين مسودتين لقانون النفط والغاز وموقف الكورد
-
من أجل بناء قطاع خاص في الصناعة النفطية - رابعا
-
من أجل بناء قطاع خاص في الصناعة النفطية – ثالثا
-
من أجل بناء قطاع خاص في الصناعة النفطية - ثانيا
-
من أجل بناء قطاع خاص في الصناعة النفطية - أولا
-
من أجل إدارة أفضل للتنفيذ عقود النفط - ثامنا
-
من أجل إدارة أفضل للتنفيذ عقود النفط - سابعا
-
من أجل إدارة أفضل لتنفيذ عقود النفط - سادسا
-
من أجل إدارة أفضل لتنفيذ عقود النفط - خامسا
-
من أجل إدارة أفضل لتنفيذ عقود النفط - رابعا
-
من أجل إدارة أفضل لتنفيذ عقود النفط - ثالثا
-
من أجل إدارة أفضل لتنفيذ عقود النفط - ثانيا
-
من أجل إدارة أفضل للتنفيذ عقود النفط - أولا
-
تسعيرة الكهرباء تدفع لمزيد من الفساد
-
أبو دلامة وعرقوب الكهرباء
-
عقود النفط-أول الغيث قطر
-
المسيح يحيي الموتى
-
قصة العقود النفطية الجديدة-أولا
-
دروس من جولة التراخيص الأولى
-
ليس دفاعا عن الوزير-3
المزيد.....
-
“سيتخطـــى حاجـــز الــ55“!! سعر الدولار مقابل الجنيه المصري
...
-
”الجرام عامل كام” سعر الذهب عيار 21 اليوم الخميس 12 ديسمبر 2
...
-
انخفاض أسعار الذهب وسط جني الأرباح
-
المغرب يخطط لتأسيس صناعة قطارات وبطاريات السيارات الكهربائية
...
-
مصر تسلم شركة إماراتية 20 مليون دولار
-
الأخضر رايح على فين؟ سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم ف
...
-
روسيا تسبق فرنسا بإمدادات القمح إلى المغرب
-
تراجع سعر اليوان أمام الدولار
-
ألمانيا: صادرات السلاح إلى تركيا تسجل أعلى مستوياتها منذ 200
...
-
أسعار النفط سترتفع إلى 200 دولار للبرميل بسبب العقوبات الأمر
...
المزيد.....
-
الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل
/ د. جاسم الفارس
-
الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل
/ دجاسم الفارس
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|