أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - عبد الغني سلامه - مناقشة في أطروحات من يدعو لحل السلطة الفلسطينية















المزيد.....

مناقشة في أطروحات من يدعو لحل السلطة الفلسطينية


عبد الغني سلامه
كاتب وباحث فلسطيني

(Abdel Ghani Salameh)


الحوار المتمدن-العدد: 3559 - 2011 / 11 / 27 - 12:46
المحور: القضية الفلسطينية
    


سيناريوهات محتملة لمرحلة ما بعد حل السلطة

قد يكون قرار حل السلطة من أخطر القرارات التي يمكن أن تتخذها القيادة الفلسطينية، ذلك لأنه سيترك آثارا بالغة الأهمية، ستطال بتأثيراتها المنطقة بأسرها ولأمد طويل. وعن التداعيات السياسية والسيناريوهات المتوقعة في حال اختارت القيادة الفلسطينية هذا الحل، قرأ بعض المراقبين والمحللين تأثيرات تلك الخطوة وانعكاساتها على المشهد السياسي الشرق أوسطي بشكل عام، والفلسطيني بشكل خاص، في ظل الظروف الراهنة والمتوقعة .

وحسب المحللين، فإن الاحتمال الأول والبديهي بعد حل السلطة هو قيام إسرائيل بإعادة احتلال المناطق التي كانت تسيطر عليها، وإعادة الإدارة المدنية والحكم العسكري. وتحت حجة فرض النظام ستعمد لضرب فصائل العمل الوطني المختلفة، وستشن حملة اعتقالات واسعة للحيلولة دون إعادة إحياء خيار المقاومة، أو اندلاع انتفاضة جديدة. وستواصل جهودها القديمة في خلق قيادة بديلة، ولإنجاح هذا الخيار فإن إسرائيل ستسعى إلى اعتماد سياسة الفوضى المنظمة، من خلال خلق البلبلة وإثارة الفتن والنـزاعات الداخلية العشائرية والطائفية، والأخذ بالثأر والانتقامات الشخصية، بحيث يصبح إيجاد قيادة بديلة مقبول شعبيا ومطلوب محليا. وما يسهل تحقيق هذا الخيار هو أن حل السلطة كإطار سياسي رسمي سيرافقه غياب للحاضنة الشعبية، والمرجعية السياسية، في ظل تهميش وضعف دور منظمة التحرير الفلسطينية.

ويرى البعض أن الاحتمال الثاني هو إحياء خيار دول الجوار، أي الخياران الأردني والمصري، وهي من الخيارات التي مازالت قائمة ويمكن إحياءها عبر أشكال وأنماط جديدة، بحيث تكون مقبولة عند الشعب الفلسطيني. وقد أبدى العاهل الأردني قلقه من تلميحات إسرائيلية بإعادة تبني مشروع الوطن البديل، كوسيلة للضغط على الأردن للاضطلاع بدور مباشر في الضفة الغربية، كالاستعداد للقبول ببعض الصلاحيات الإدارية والدينية والقانونية، مع احتفاظ إسرائيل بسيطرتها على المواقع الحيوية في الضفة. أما في غزة، فقد تلجأ إسرائيل للاستعانة بمصر، لتسهيل مهمة خلق قيادات مؤقتة مقبولة عربيا، وتستجيب لمتطلبات التسوية السياسية أو الإدارية. أو يمكن أن تكون المشاركة الأردنية والمصرية المباشرة من خلال صيغة دولية لنشر قوات حفظ سلام تتبع الجامعة العربية أو الأمم المتحدة، تكون مسؤولة عن فرض النظام وتسهيل حياة المواطنين وتسيير أمورهم اليومية.

وهنالك احتمال التدويل، أي خيار نقل الملف الفلسطيني إلى الأمم المتحدة، والطلب منها تحمل مسؤولياتها تجاه الشعب الفلسطيني. وهو من الخيارات التي باشرت بها القيادة السياسية في ظل وجود السلطة، على اعتبار أنه جزء من النضال السياسي والدبلوماسي.

وبالطبع هنالك احتمال صعود حماس إلى منصة تمثيل الشعب الفلسطيني، وما يتيح لحماس لعب هذا الدور، هو حديثها المتواصل عن تمثيلها للشعب الفلسطيني بعد نجاحها في الانتخابات التشريعية (2006)، وطموحها المعلن في استلام منظمة التحرير ووراثتها عن فتح، واستعدادها لتسوية مع إسرائيل، ترتكز على هدنة لمدة معينة، قد تمتد لسنوات طويلة، مقابل دولة بحدود مؤقتة، وما يرجح هذه الفرضية حالة كسر الجليد بين إسرائيل وحماس في أعقاب إتمام صفقة شاليط، والتطور الكبير في خطاب حماس وطرحها السياسي، ومن قبلها المصداقية التي اكتسبتها حماس إزاء قدرتها على ضبط الشارع الغزاوي، ونجاحها في فرض التهدئة على فصائل المقاومة في غزة.

أما احتمال اندلاع انتفاضة جديدة، فيبقى هذا الخيار حياً طالما استمر الاحتلال في ممارساته القمعية وفي سياسة التهويد، والتوسع الاستيطاني، والاعتقالات، وهدم البيوت. ولكن تحقيق هذا الاحتمال يتطلب بعض الوقت.

ومع كل ما تقدم، فإن أي من السيناريوهات حتى يتحقق يحتاج إلى نضوج جملة من العوامل الذاتية والموضوعية، وهي وأن بدت متناقضة إلا أنه لا يمكن فصلها عن بعضها، أو الجزم بحتمية خيار دون الآخر، لأن العوامل الذاتية حتى لو كانت ناضجة، لا يمكن لها أن تتحقق بمعزل عن جدل الواقع المحيط به وتعقيداته الكثيرة.

تداعيات حل السلطة

بغض النظر عن مدى صوابية قرار حل السلطة، وإذا كنا مؤيدين أم معارضين له، لنتخيل معا مشهد الساحة الفلسطينية في مرحلة ما بعد حل السلطة. وتأثير ذلك على الشعب داخل الأراضي الفلسطينية؛ من الناحية الأمنية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وقد يكون من المفيد أن نستحضر مشاهد انهيار السلطة في العراق بعد الاحتلال الأمريكي، أو مشاهد انهيار سلطة المجتمع والقانون في أيٍ من البلدان التي مرت بحروب أهلية.

فإذا كان الأمن الشخصي والمجتمعي قيمة مقدسة، وشرطا أساسيا لاستقرار المجتمع وازدهاره، فإنه سيكون أول ضحايا حل السلطة، حيث ستحِل الفوضى في الشوارع، وسيأتي الفلتان الأمني على الأخضر واليابس. فمن غير المتوقع بعد تفكيك أجهزة الأمن الفلسطينية وإلغاء القضاء والمحاكم أن تسود حالة من السلم والأمان. فالفراغ الأمني يؤدي عادة إلى انتشار الجريمة، وتزايد الاعتداءات على الأملاك العامة والخاصة، التي لن تجد من يوقفها هذه المرّة. ومن المؤكد أن تسريح عشرات الآلاف من الموظفين سيزيد من نسبة البطالة بشكل كبير، وربما يؤدي ذلك لانهيارات اقتصادية، وزيادة الفقر، سينتج عن ذلك كله مشاكل وتبعات اجتماعية، ستعجز جميع منظمات الأمم المتحدة عن حلها، خاصة بعد توقف عمل الوزارات كافة، وتعطّل مصالح الناس.

وإذا كان حل السلطة تعبيرا عن حالة يأس فلسطيني، تتزامن مع حالة ضعف وترهل لمنظمة التحرير الفلسطينية، فإنه سيكون مقدمة لحل المنظمة نفسها، وبالتالي لن يكون للشعب من يمثله، وعليه البحث عن كيان جديد بصيغة مختلفة، وانتظار خمسين سنة أخرى، وذلك يعني ضياع هذا الانجاز التاريخي، والعودة بالشعب الفلسطيني إلى نقطة الصفر، وتفتيت الكيانية الفلسطينية إلى ما كانت عليه في الخمسينات، إي جموع من اللاجئين تنتظر فتات الأمم المتحدة، وأحزاب سياسية متناحرة تتجاذبها دول المنطقة، ويعني تبديد كل التضحيات التي قدمها الشعب لبث الروح في قضيته، بعد أن تراكم عليها الغبار في أروقة الأمم المتحدة، ويعني الارتهان والتبعية لدول الجوار، لتصبح ذكرى معارك الثورة لصون القرار الوطني المستقل كحلم عبثي أفنينا من عمرنا له سنين بالمجان.

حل السلطة في هذا الوقت بالذات، يعني أنه ليس أمام إسرائيل شريك لصنع السلام، وبالتالي ستعمل على تنفيذ مخططاتها وتحقيق رؤيتها للحل النهائي دون أن يزعجها أحد، فإذا كانت إسرائيل تواصل بناء المستوطنات، وتبني على الأرض حقائق مادية وتفرضها كأمر واقع مع وجود السلطة والعملية السلمية، فإن غياب السلطة سيوفر لإسرائيل المناخ الملائم لإتمام مشروعها الاستيطاني. وربما تتمكن من قضم كل ما تبقى من الأراضي الفلسطينية وبناء مدن إسرائيلية كاملة عليها قبل أن يبلور المجتمع الدولي أي حل. وحينها سيصبح الفلسطينيون أقلّية، تماماً كما حدث في فلسطين التاريخية، وكما هو متوقع، ستتمكّن إسرائيل من خلق صورة أكثر سلبية للفلسطينيين، بأنهم أقلّية فوضوية، تنتهج العنف، ويقيمون حالياً على أراضٍ إسرائيلية، وتتسامح معهم إسرائيل في السماح لهم بالبقاء، ولكن بعد فترة سيكون حل مشكلة هؤلاء "الأقلية المزعجة" بترحيلهم إلى حيث يشكلون أغلبية، أي إلى الأردن، لإقامة الوطن البديل .

مناقشة في أطروحات من يدعو لحل السلطة

السلطة الفلسطينية كأي كيان سياسي في العالم لديها معارضة، ولكن هذه المعارضة "جذرية"، تريد إزالة السلطة كليا، لا التعايش معها وإصلاحها، حيث أن تيارا فلسطينيا مهما، ظلَّ معارضا لاتفاقية أوسلو، وداعيا لحل السلطة والعودة لخيار المقاومة، بغض النظر عما سيترتب على ذلك من نتائج.

وأولئك المعارضون للسلطة يدعون لحلها، لأنهم يعتبرون أن أي حل يحظى بمباركة أمريكا وإسرائيل لن يكون في مصلحة الفلسطينيين. ومن وجهة نظرهم فإن السلطة من الأساس؛ هي بحد ذاتها مشروعا أمريكيا وإسرائيليا، يخدم مصالحهما، وبالتالي ستكون السلطة ضد المصلحة الفلسطينية، ويرون أن السلطة قد حُدِّد لها أدوارا وظيفية معينة: هي محاصرة وتقييد المقاومة الشعبية، وتحمّل كلفة الاحتلال الإسرائيلي، والإبقاء عليه في وضعية مريحة. ويعتبر هؤلاء المعارضون أن مستوى الرضا عن السلطة يُقاس بمقدار استعدادها للتنازل عن الحقوق الفلسطينية، ويتساءل البعض منهم: "إذا كان عباس بتهديده بالاستقالة، أو بحل السلطة يعني إزعاج إسرائيل، لأنها ستتحمّل من جديد تكلفة الاحتلال، فلماذا لا ينفذ تهديده، طالما أن هذا الحل سيضر بإسرائيل وسيفيد الفلسطينيين" ؟

ومنهم من يرى أنه لا مفر أمام عباس – في ظل الخنوع والركوع الرسمي العربي للإرادة الأمريكية – سوى أن يلغي اتفاقية أوسلو، ثم يصدر بيانا يعلن فيه عن حل السلطة، والتخلي عن مشروع الدولة الفلسطينية، وتوجيه الدعوة للفلسطينيين ولمعسكر السلام الإسرائيلي للنضال من أجل قيام دولة ثنائية القومية. معتبرين أن إعادة الاحتلال سيترتب عليه أعباء أمنية ومالية باهظة، كانت تتكفل بها السلطة الفلسطينية، تتمثل بتوفير خدمات لأكثر من أربعة ملايين فلسطيني، فضلا عن توفير الأمن للمستوطنات والمدن الإسرائيلية. ومنهم من يرى أن الدعوة لدولة ثنائية القومية هي الوسيلة الكفيلة بالضغط على نتنياهو، حتى يأتي للمجتمع الدولي جاثيا، مؤكدا التزامه بوقف الاستيطان، والعمل على إقامة الدولة الفلسطينية.

وإذا أردنا تلخيص أهم النقاط التي ينطلق منها هؤلاء المعارضون في دعواتهم لحل السلطة، سنجد أنهم إما ينظرون للسلطة كعائق أمام الشعب لخوض غمار الكفاح المسلح، أو تصعيد المقاومة الشعبية. أو لأنهم يعتبرونها وكيلا عن الاحتلال، تتكفل بالنيابة عنه بتحمّل تكاليف الخدمات التي يحتاجها الشعب، وتكاليف ضمان الأمن لإسرائيل، دون أن إنهاء للاحتلال، ودون سيادة حقيقية على الأرض، الأمر الذي جعل الاحتلال الإسرائيلي أرخص احتلال في العالم. ومنهم من يرى أن السلطة ستبقى محصورة في هذا الإطار، ولن تتحول إلى دولة، لأنهم لا يرون أي بارقة أمل بامتلاك إسرائيل الإرادة السياسية للاعتراف بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، والقبول بدولة مستقلة، والوصول إلى حل عادل لقضية اللاجئين. وقد باتوا أكثر اقتناعا بأن الأمور آخذة في التراجع، وأن ممارسات إسرائيل تؤكد عدم جديتها في التوصل لأي تسوية، بل أن المسافة باتجاه الدولة الفلسطينية تزداد بُعداً، بدلا من أن تقصر. ومنهم من يريد حل السلطة لأنها لم تقدم نموذجا صالحا للحكم، بل أن الفساد ينخر مؤسساتها، ويفقدها مشروعيتها الوطنية.

ومع تسليمنا بصحة هذا التحليل، إلا أننا لا نتفق معه في ما توصل إليه من استنتاجات، فإذا كانت السلطة بسقفها السياسي دون مستوى الطموح الوطني، ولا تلبي الحقوق السياسية الكاملة للشعب، فلأنها تمثل مرحلة انتقالية، ولأنها مجرد محطة في مسيرة النضال، أملتها ظروف ومستجدات المرحلة.

وفيما يخص المقاومة، يمكن القول أن السلطة لم تكن في يوم من الأيام مانعا أمام المقاومة بأي شكل، حتى في أشكال المقاومة التي تدينها بالعلن مثل العمليات التفجيرية أو الصواريخ. والشعب الفلسطيني حينما انتفض في وجه الاحتلال، فَعل ذلك لأنه شعب حر، ولم تمنعه السلطة من ذلك، بل شجعته، ووفرت له كل مقومات الصمود، وعندما كان التصعيد العسكري مطلوبا، جرَت أعنف المواجهات العسكرية بين أجهزة السلطة والقوات الإسرائيلية، ونفذت فصائل المقاومة عمليتها الفدائية انطلاقا من أراضي السلطة، وفي حمايتها. حيث كانت السلطة توفر الملاذ الآمن لخلايا المقاومة. وعندما كانت التهدئة مطلوبة، اتفقت فصائل المقاومة عليها والتزمت بها. أما المقاومة الشعبية، فهي ما زالت قائمة ومستمرة وتتصاعد أكثر، وتحظى بدعم علني مادي ومعنوي من قبل السلطة.

وإذا كان حل السلطة سيساهم في إزالة أسباب الانقسام، لكنه لا يضمن عودة وحدة الصف الوطني. لذلك فإن انطلاقة انتفاضة ثالثة بعد حل السلطة مسألة ليست مؤكدة، وحتى تحصل ستحتاج فترة زمنية غير محدودة، وستحتاج لجهود وطنية مكثفة لإعادة صياغة عقل الشارع الفلسطيني وبناء جاهزيته الذهنية والمادية للانطلاق من جديد. سيما وأن الجماهير استفادت من تجارب الانتفاضات السابقة.

أما فيما يخص تكلفة الاحتلال، فمن المعلوم أن إسرائيل لا تبني إستراتيجياتها استنادا للتكاليف المادية، لأن ميزانيتها تعتمد بشكل أساسي على الدعم الأمريكي المباشر وغير المباشر، وهي مطمئنة لاستمرار هذا الدعم وتدفقه بما يغطي تكاليف أي مشروع سياسي تقْدم عليه. وعندما كانت تحتل الضفة الغربية وقطاع غزة بالكامل لم تكن تولي سكان هذه المناطق أي أهمية تُذكر، خاصة بشأن تقديم الخدمات وتنظيم أمورهم اليومية والمعيشية، إلا بالحدود الدنيا، أي إبقائهم على قيد الحياة فقط، لذلك ظلت هذه المناطق متخلفة اقتصاديا وعمرانيا وسكانيا، وتفتقر للبنية التحتية. ومن المؤكد أن الاحتلال إذا عاد مرة ثانية لن تتغير الصورة كثيرا، إلا للأسوأ. وبالنسبة لإسرائيل فحتما ستجد التمويل الأمريكي والأوروبي ينتظرها، بل وستغطي معظم تكاليف الاحتلال من أموال الضرائب الفلسطينية.

ويمكن القول أن دعوات البعض بشأن موضوع حل السلطة الوطنية، وتسليم الملف الفلسطيني برمته إلى الأمم المتحدة، وإحراج إسرائيل، وتحميلها المسؤولية الكاملة .. هي دعوات مفرطة في التفاؤل، وغير واقعية، وستؤدي إلى عكس ما تدعو إليه تماما. فالمجتمع الدولي الذي يراهَن عليه في تحمل مسؤولياته، لا يعرف أكثر من تقديم مِنَح وأموال مشروطة، وكذلك، الرأي العام العالمي، فهو لا يحترم إلا القوي، ولا يسمع إلا ما تفرج عنه وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الصهيونية العالمية، وهو لم يغير موقفه من القضية الفلسطينية إلا بعد صعود منظمة التحرير، وإثبات حضورها السياسي بقوة الكفاح الفلسطيني. أما أمريكا، فمن الوهم أن نعتقد أن ضميرها سيصحو، لتبدأ بممارسة الضغط على إسرائيل لتطبيق قرارات الشرعية الدولية. واللجوء لخيار الأمم المتحدة في ظل غياب السلطة، حتى لو أدى لإنهاء خيار
المفاوضات الثنائية، إلا أن فُرص نجاحه ستكون أقل بكثير مقارنة بحالة وجود السلطة. فقد سبق تحميل الأمم المتحدة مسؤولياتها القانونية تجاه الشعب الفلسطيني بعد النكبة، واتضح أن أقصى ما يمكنها تقديمه هو خيام ومعونات للاجئين، وحصر القضية الفلسطينية في إطارها الإنساني، بعد تفريغها من مضامينها السياسية.

أما فيما يتعلق بإحراج إسرائيل، فالفلسطينيون أكثر من يعرف أنها لا تقيم وزنا للشرعية الدولية، ولا تحفل بقرارات الأمم المتحدة، إلا بمقدار تضرر مصالحها، أو تعرضها لضغوط دولية، أو نتيجة تغيير في خارطة التحالفات الداخلية، وضغوط الرأي العام الإسرائيلي. أما "الإحراج"، فهو مصطلح لا وجود له في قاموس الحكومة الإسرائيلية. وحتى لو أعادت إسرائيل احتلال الأراضي الفلسطينية مرة ثانية، وتسبب لها ذلك بإحراج سياسي، فإن هذا الإحراج لن ينـزع عنها الشرعية، ولن يتسبب بعزلتها، أو بفرض عقوبات عليها، ولن يؤدي ذلك لإنهاء الاحتلال. وأقصى مدى يمكن لهذا الإحراج أن يصل إليه، هو الضغط الدولي على إسرائيل لتحسين مستوى خدماتها للسكان.

وفيما يخص فساد السلطة، إذا كان ثمة نواقص وعيوب ومظاهر فساد في السلطة الوطنية – وهي كثيرة - فالمطلوب معالجتها وتحسين أدائها، والإرتقاء بأداء السلطة، والتركيز على كونها كيان سياسي يتولى تنظيم أوضاع الفلسطينيين، وتأمين متطلبات صمودهم في وجه الاحتلال، بما في ذلك إدارة المقاومة الشعبية ضده، بحيث تكون السلطة بمثابة جنين الدولة الفلسطينية القادمة، تمهيدا للوصول للاستقلال الحقيقي. ومطلوب أيضا - بدلا من القضاء على التجربة كليا - وقف حالة الذوبان والتماهي بين المنظمة والسلطة، وإعادة الاعتبار لدور المنظمة، وتنشيط أطرها، وتفعيل هياكلها، وضخ الدماء الجديدة فيها، باعتبارها كياناً يمثل كل الفلسطينيين، ويقود كفاحهم ضد إسرائيل، مع بقائها مرجعية سياسية للسلطة، وهذا يأتي متزامنا مع تنفيذ اتفاق المصالحة وترسيخ الوحدة الوطنية، وتفعيل دور الفلسطينيين في الشتات.

والمطلوب أيضا من القيادة الفلسطينية الاستفادة من معطيات اللحظة التاريخية التي تمر بها القضية الفلسطينية، وأن تكون شديدة الحذر والتنبه لكل ما ستُقْدم عليه، لأنه سيمتد بتأثيره لأجيال قادمة. فإذا كانت اللحظة الراهنة تتسم بصعود قوة ودور الجماهير الشعبية، وهو ما بات يسمى بالربيع العربي، وظهور علامات الضعف التي تمر بها الولايات المتحدة إزاء قدرتها على التحكم بالنظام الدولي، ومرور إسرائيل في واحدة من أسوأ لحظاتها التاريخية، حيث بدأت تطفو على السطح دعوات نزع الشرعية الدولية عنها، وتزايد عزلتها وتدهور سمعتها، وهذا بمجمله يمنح الفلسطينيين هامشا أوسع للعمل والمناورة. إلا أنه يجب أن لا نغفل عن الجانب الآخر من الصورة، والمتمثل بضعف النظام العربي الرسمي، وأيضا حالة الانقسام الفلسطيني.

وهذا يعني أن على الشعب الفلسطيني وسلطته الوطنية مواصلة النضال والاشتباك مع الاحتلال، حتى تستعيد السلطة سيادتها، وتتحول إلى دولة مستقلة، وعلى القيادة أن تتمرد على الاستسلام للخيارات الدولية، التي لا تنظر بعين العدالة للقضية الفلسطينية.



#عبد_الغني_سلامه (هاشتاغ)       Abdel_Ghani_Salameh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حصاد خمسة سنوات من حكم حماس لغزة - الوضع الأمني والاقتصادي
- الحريات العامة في عهد حماس
- من هو فارس عودة ؟؟
- لسنا استثناءً على هذه الأرض
- المليار السابع
- التاريخ اليهودي بين الحقيقة التاريخية والرواية الدينية - الأ ...
- فلسطين بين الروايتين: التاريخية والدينية - الصراع على التاري ...
- فلسطين بين الرواية التاريخية والرواية الدينية - الصراع على ا ...
- 1 مقابل 1000 - من المنتصر في صفقة شاليط ؟!
- لمن نكتب !؟؟ وعن ماذا !؟
- عن جدوى صفقة شاليط، وأسئلة أخرى
- كيف كبرت أحزاب الإسلام السياسي ؟! ولماذا تعاظم دورها ؟!
- الإسلام السياسي والإرهاب
- ثقافة الموت وعوامل إزكاء العنف والتطرف
- كيف انفجر مرجل الإرهاب في مصر؟ وكيف انتشر لبقية العالم؟
- الإخوان المسلمون العباءة التي خرجت منها التنظيمات الأصولية
- الحرب المزعومة على الإرهاب
- حديث في العنف والإرهاب والتطرف
- الخطاب المغلق - من أنماط التفكير لدى العقل السياسي العربي
- المجتمعات العربية في عيون الآخرين


المزيد.....




- لوحة كانت مفقودة للرسام غوستاف كليمت تُباع بـ32 مليون دولار ...
- حب بين الغيوم.. طيار يتقدم للزواج من مضيفة طيران أمام الركاب ...
- جهاز كشف الكذب وإجابة -ولي عهد السعودية-.. رد أحد أشهر لاعبي ...
- السعودية.. فيديو ادعاء فتاة تعرضها لتهديد وضرب في الرياض يثي ...
- قيادي في حماس يوضح لـCNN موقف الحركة بشأن -نزع السلاح مقابل ...
- -يسرقون بيوت الله-.. غضب في السعودية بعد اكتشاف اختلاسات في ...
- -تايمز أوف إسرائيل-: تل أبيب مستعدة لتغيير مطلبها للإفراج عن ...
- الحرب الإسرائيلية على غزة في يومها الـ203.. تحذيرات عربية ود ...
- -بلومبيرغ-: السعودية تستعد لاستضافة اجتماع لمناقشة مستقبل غز ...
- هل تشيخ المجتمعات وتصبح عرضة للانهيار بمرور الوقت؟


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - عبد الغني سلامه - مناقشة في أطروحات من يدعو لحل السلطة الفلسطينية