أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - عبد الغني سلامه - من هو فارس عودة ؟؟














المزيد.....

من هو فارس عودة ؟؟


عبد الغني سلامه
كاتب وباحث فلسطيني

(Abdel Ghani Salameh)


الحوار المتمدن-العدد: 3533 - 2011 / 11 / 1 - 16:23
المحور: القضية الفلسطينية
    


ظل الزعيم الراحل ياسر عرفات في أيامه الأخيرة يردد اسم "فارس عودة" في كل لقاء مع الصحافة أو مع الجماهير التي كانت تؤم المقاطعة، كان عرفات فخورا ومزهّوا بهذا الفتى إلى أبعد حد، كان يريد من خلاله إيصال رسالة إلى جماهير الأمة وزعاماتها، ويقدّمه كرمز للتضحية والشجاعة، ونموذج في المقاومة، كان يريده صورة جديدة للفلسطيني المقاوم، خلافا لأي صورة أخرى.

عرفات في أيامه الأخيرة ظل متقد الذهن، ولكنه كان يستحضر روح الشهيد، ورغم ذلك في تكراره هذا الشعار لم يكن صوفيا بقدر ما كان سياسيا وبامتياز، فلماذا يتخذ زعيمٌ بحجم ياسر عرفات من هذا الفتى رمزية للنضال، وهو القائد الذي خاض غمار الحروب واختبر ميادين الوغى، الذي كانت يومياته هي التاريخ المعاصر للقضية الفلسطينية ؟!

فارس عودة ابن الخامسة عشر، طفل عادي .. يحب الفلافل والدجاج المحمر، ويكره الواجبات المدرسية، يرمي حقيبته فور وصوله البيت، لينطلق بعدها في الشوارع، يملؤها مرحا وصخبا، لم يعرف بلداً غير غزة، أقصى أمانيه كانت أن يشتغل عاملا بأجرٍ يكفيه بناء غرفة إضافية، أما أبوه فكان يريده أستاذ "وكالة"، ومع ذلك كان من الممكن أن يصبح طيارا أو محاسبا في شركة كبرى، كان مشاكسا ومسالما في نفس الوقت، ولكنه كان يخبّئ في شرايينه دماء كنعانية، كان قلبه يخفق نبضاً فلسطينياً خالصاً، أما أغنيته المفضلة فهي "لو كسروا عظامي مش خايف لو هدوا البيت مش خايف"، في هذا الخريف سيكون قد مضى على رحيله أحد عشر عاما كاملة، وطوال هذه الفترة والسؤال الذي يلح علي: هل كانت مصادفة أن يكون اسمه فارس ؟؟
"
فارس" لمن لا يعرفه هو ذاك الفتى الذي نشرت صورته أشهر صحف العالم، وهو يتصدى للدبابة الإسرائيلية بحجارته وصدره العاري، 55 طن من الفولاذ تمثل خلاصة التكنولوجيا الإسرائيلية، وتحمل ذخيرة تكفي لإبادة حي كامل، سخِرَ منها "فارس" وأوقف زحفها، ومرّغ كرامتها بالوحل، لم يحفل بكل هذه الشهرة، لأنه ببساطة لا يقرأ الصحف الغربية وهو بالكاد يقرأ دروسه غصبا، فالدرس الوحيد الذي حفظه عن ظهر قلب قصيدة لفدوى طوقان عنوانها "لن أبكي"، كانت كافية لتملأ قلبه بالحب، لكن دبابة "الميركافا" كانت كافية لتفجر في كل خلية منه بركان غضب.

في ذلك الصباح المشمس خرج "فارس" مبكرا من منـزله، وكان على غير عادته معطرا مبتسما، يحمل بيده حقيبته المدرسية، وقد خبأ بداخلها مقلاعا، وإكليلا من الزهور، كان يريد التوجه إلى "المنطار" .. فذهب بعيدا خلف السياج ووراء المدى .. حيث لا صدى للصوت، ولا ظل للأشياء، وأوغل في الغياب، لم يعد لبيته كما وعد أمه، لم يحتمل الجنود إهانة "فارس" فانتظروه تسعة أيام فقط، وعندما كرر رقصته أمام "الميركافا" أطلقوا عليه رصاصة من عيار 500 ملم فتّتت صدره وأجزاءً من رقبته، ولكن يديه الصغيرتين لم يمْسَسْهُما سوء. ترجّل الفارس بعد أن سجل للتاريخ صورة الفتى الذي تحدى بعظامه ولحمه الطري دبابة الاحتلال.

لم تنتهي قصة فارس في ذلك اليوم الخريفي الحزين، فقد ظلت أمه ترتّب خزانته كل صباح، وظل أخوته الستة يخصصون له صحنا كلما حمّرت لهم أمهم دجاجة، أو أعدت طبقاً من الملوخية، وظلت باقة زهور تحتل مقعده في الصف، يُرفّعها أقرانه صفا صفاً .. وهي الآن جاهزة للتخرج من الجامعة.

لم يكن "فارس" أول فتيان فلسطين ولا آخرهم، لكنه سيظل جرحا مفتوحا في خاصرة الكرامة العربية، ووجعا يدمي قلوبنا، ودمعا ساخنا في عيوننا، وحشرجة تخنقنا كلما رددنا أنشودته المحببة، ونيشانا حقيقيا على صدر الجيوش التي أراد لها أصحابها أن تظل وهمية.

بعد رحيله بعام، كان الجيش يجتاح رام الله، ويفرض عليها حظرا للتجول، مرت "ميركافا" أخرى من أمام منـزلنا، كان هديرها يهز البناية، وقفت على الشباك أرقب المشهد، فرأيت طفلا يتربص بها، اتخذ من "الحاوية" كمينا لها، وقد أعد أمامه كومة حجارة، وبدأ يرشق الدبابة، فأطل الجندي من جوفها وأطلق عليه صلية رشاش، ولكنها لم تصبه، ثم أطل الفتى برأسه ورماها بحجر، فأطلق عليه الجنود صلية أخرى، لسبب ما لم يكونوا يريدون قتله، ولكنهم حتما توقعوا منه أن يخاف ويهرب، ولكنه ظل في مكمنه مصمما على إصابة الدبابة بحجر، استشاط الجنود غضبا، وصرخوا عليه بمكبر الصوت، لم يستمع لهم، واستمر في رشق الحجارة، أطلقوا قنبلة صوتية قلبت الحاوية من شدة صوتها، ولكنه لم يهرب، فما كان من الجنود إلا أن انسحبوا، والحيرة تعلو على وجوههم، لم أره بعدها ولم أعرف اسمه، ولكنه حتما واحد ممن أنبتهم الأرض التي ارتوت بدم فارس.

قال عنه شاعرنا الكبير سميح القاسم:
"تعطيك قنبلة الغار إيقاع رقصتك القادمة
إمض في اللحظة الحاسمة
أشد من الماء حزنا
وأقوى من الخاتمة ..."


سلامٌ عليك أيها الشهيد البطل ..
سلامٌ عليك وأنت تنتزع استقلال فلسطين بأظافرك الصغيرة ..
سلام عليك وأنت تنـزع الخوف من قلوب الكبار ..
وسلام عليك يوم ولدت.. ويوم استشهدت .. ويوم تبعث طفلا فلسطينيا


استشهد فارس عوده وهو يواجه بجسده الغض الدبابات الإسرائيلية في معبر المنطار شرقي غزة يوم 8 – 11 – 2000 م



#عبد_الغني_سلامه (هاشتاغ)       Abdel_Ghani_Salameh#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لسنا استثناءً على هذه الأرض
- المليار السابع
- التاريخ اليهودي بين الحقيقة التاريخية والرواية الدينية - الأ ...
- فلسطين بين الروايتين: التاريخية والدينية - الصراع على التاري ...
- فلسطين بين الرواية التاريخية والرواية الدينية - الصراع على ا ...
- 1 مقابل 1000 - من المنتصر في صفقة شاليط ؟!
- لمن نكتب !؟؟ وعن ماذا !؟
- عن جدوى صفقة شاليط، وأسئلة أخرى
- كيف كبرت أحزاب الإسلام السياسي ؟! ولماذا تعاظم دورها ؟!
- الإسلام السياسي والإرهاب
- ثقافة الموت وعوامل إزكاء العنف والتطرف
- كيف انفجر مرجل الإرهاب في مصر؟ وكيف انتشر لبقية العالم؟
- الإخوان المسلمون العباءة التي خرجت منها التنظيمات الأصولية
- الحرب المزعومة على الإرهاب
- حديث في العنف والإرهاب والتطرف
- الخطاب المغلق - من أنماط التفكير لدى العقل السياسي العربي
- المجتمعات العربية في عيون الآخرين
- ما المميز في خطوة أبو مازن وخطابه في الأمم المتحدة ؟!
- هل تسهم مدارسنا في تكريس التخلف ؟؟ الرياضة والفن والموسيقا م ...
- نماذج من القهر الاجتماعي - النساء والأطفال ضحايا تخلفنا


المزيد.....




- قائد الجيش الإيراني يتوعد أمريكا بـ-رد قوي- بعد ضرباتها على ...
- رسم بياني يوضح تفاصيل عملية -مطرقة منتصف الليل-
- بعد الضربات الأمريكية إسرائيل لا تسعى لـ-حرب استنزاف- مع إير ...
- ترامب يؤكد تدمير المواقع النووية الإيرانية ويجتمع مع فريقه ا ...
- مركز أصفهان لمعالجة اليورانيوم منشأة إيرانية تعرضت لقصف إسرا ...
- عاجل.. الجيش الإسرائيلي: عطلنا القدرة التشغيلة لستة مطارات ع ...
- العربدة الصهيو-امبريالية تتصاعد ولا حلّ إلا في أن تواجهها ال ...
- منظومة الامتحانات عنوان لفشل المنظومة التّربويّة
- كوريا الشمالية تُعلّق على ضربات أمريكا لمنشآت نووية إيرانية ...
- شاهد.. طاقم CNN يضطر للإخلاء أثناء البث المباشر تزامنًا مع إ ...


المزيد.....

- 1918-1948واقع الاسرى والمعتقلين الفلسطينيين خلال فترة الانت ... / كمال احمد هماش
- في ذكرى الرحيل.. بأقلام من الجبهة الديمقراطية / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها / محمود خلف
- الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها / فتحي الكليب
- سيناريوهات إعادة إعمار قطاع غزة بعد العدوان -دراسة استشرافية ... / سمير أبو مدللة
- تلخيص كتاب : دولة لليهود - تأليف : تيودور هرتزل / غازي الصوراني
- حرب إسرائيل على وكالة الغوث.. حرب على الحقوق الوطنية / فتحي كليب و محمود خلف
- اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني / غازي الصوراني
- دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ ... / غازي الصوراني
- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - عبد الغني سلامه - من هو فارس عودة ؟؟