أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فريد يحي - نحن وهي...حبيبتي














المزيد.....

نحن وهي...حبيبتي


فريد يحي

الحوار المتمدن-العدد: 3555 - 2011 / 11 / 23 - 15:07
المحور: الادب والفن
    


كانت شاهدة على العصر أكثر منا، فهي رأت كل الأحداث بنظرة متفحصة..أي نعم كانت من فوق ، ولكن مملوء بالعطف. سكنت بيتنا بعدنا، رفضت أن تكون في الداخل، واكتفت فقط بمساحة تضمها في الخارج...بالحديقة، لم تكلفنا شيء، فلقد اعتمدت على نفسها كليا...لا طعام ،ولا شراب ،ولا كسوة ، ولا كساء،ارتدت ثوب المتصوفة،فارتداها الكفاف،الذي استغنت عليه ...هو الأخر، لتطير عارية وعالية إلي أحضان السماء.

كنا ندخل ونخرج، نمر من أمامها ومن خلفها، نكاد لا نعير لها اهتماما...أو لنقول بصراحة لم نلتفت لها أصلا،بقدر ما كانت هي موجودة ،نكرنا وجودها نحن ،وكأنها لم تكن ،والواقع هو أن ،بالمقارنة معها ،فنحن الذين لم نكن ،....فأين نحن من هامتها الكبيرة،من جمالها الأخاذ، ومن كبرياها المزدان بالصمت...الصمت التام.

لم تعاتبنا، ولم تغضب منا، ولم تعاملنا بالمثل، بل على العكس من ذلك، فلقد كانت تفتح ذراعيها، لتضمنا حولها وداخلها...تظلنا كلما هربنا إليها، خائفين، نطلب الحماية من هول الطبيعة، ومن الأيام، أصبغت علينا الحنان، بسرور أعمها، حتى كنا نشعر به، لقد كنا نرى ابتسامتها ونحن في حضنها، ولقد كنا نرى استعدادها للموت مستبسلة في الدفاع عنا...لن تذهب إلي الشر، ولكن ويلا للشر إذا أتى لها، وحاول إيذاء من يحتموا بها...ستكون انتحارية...فهي موجودة لنا ومن أجلنا.

لقد راقبتنا عندما كنا أطفال، وراقبت أطفالنا حين كانوا أطفال، كبرت معهم، كما كبرت معنا...غادر بعضنا، وذهب بعضنا، ورحل بعضنا...تألمت للفراق، سكنها الحزن، استعانت بالصبر، وهي ترفع وجهها إلي السماء، من أجل أن تخفي دموعها...لهذا هي لا زالت باقية.

حتى الموت خاف عندما حاول الاقتراب منها ، نزفها،قطع بعضا من أوصالها ،لم تستسلم، ولم يجرؤ هو على الاقتراب منها...فبقت.لم نساعدها في محنتها، ولم نكترث إلي آهاتها، لقد كنا نجري من أمامها...لا نريد أن نسمع آهاتها...للحقيقة مرة أخرى ...آهاتها كانت مكبوتة ، لم ترد أن تزعجنا بها،كنا نرى دمائها تسيل على الأرض،فنكتفي بالنظر إليها،لتأتي أمي أو أحد أخواتي،لغرض تنظيف الأرضية من هذه الدماء...وهن يلعن،ويبالغن بالشكوى...يطلقن شعارات الويل والثبور،رافعين القبضات،مهددين بإرغامها على الخروج من المكان،وطردها شر طردة، عاقدين هن العزم في بعض الأحيان،على قتلها...قتل رحيم...فارفض أنا.

شفيت هي...ولازالت، تأخذ الجميع إليها سواء، ليس كالسابق بأوصالها...لأنهم ببساطة قطعوا،ولكن بحنانها وحبها للتضحية...هي تعطي الشعور، والشعور لا يحتاج إلي أطراف.
لازالت تسأل عن أبي، الذي خرج ولم يعد، وتسأل عن الجدة التي خرجت ولم تعد، وتسأل عن الأخت التي خرجت ولم تعد...حتى قطتنا رفيقتها لم تكف بالسؤال عنها منذ أن غابت ولم تعد تراها...ولم تعد.

لم أعرف إن كان ما فعلت تكريما لها، أم أنه تكريما لي....أما أني وأنا أتقدم في العمر، أريد أن أستعير منها الشجاعة والصبر...والحكمة، أو أن أتعلم في عمري هذا أن أعطي بدون أن أخد، أو أنني أردت رفيق، بعد أن غادرني أطفالي...وصرت أسأل عنهم...لأنهم لم يعودوا...لا أدري ،فأنا لا أعرف أن أصف ما يعتريني،فحياتي اقتصرت على الجري وراء الأشياء،ولم أكن مثلها قانعا، اكتفي بالوقوف وارقب سخرية الحياة.

فقررت... أن أفتح في حائط منزلي ناقدة كبيرة...جدا،وتعمدت غياب الستائر،كي أراها كل وقتا وحين...تقدم بها العمر، ولكن أتعلمون... إنها لازالت جميلة، يانعة.أفتح النافدة ،تدخل إلي ،تعانقني...آه ما أطيب روائحها الزكية،التي تزداد ،كلما بللها المطر...لم أصدق نفسي، وأنا أرى أوصال جديدة قد نمت وامتدت لتدخل إلي عبر النافدة...من أجلي لبست حلة، تمنع الخريف أن ينتزعها، فلأجل إنني أريد أن أراها، تسعي هي لتعطيني كل شيء... لازالت تحتفظ بالجميل.
حبيبتي هي...هذه الشجرة.



#فريد_يحي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المثلية...وراثة أم اكتساب
- الجنس والشهوة
- حكمة...قبل الموت
- الرحيل إلي حبيبتي... الحرية
- هل ستتحول التشافيزية الي ظاهرة؟...بعد موت شافيز
- لعبة الديمقراطية...والتأرجح بين الصعود والسقوط
- رسالة ...للعزيز محمد بوعزيزي
- اليسار...طريق الحرية
- الاحتجاج...طريق الثورة السلمية
- اليسار الألماني:صراع الأقطاب


المزيد.....




- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فريد يحي - نحن وهي...حبيبتي