أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رضا الشوك - رحلة مغترب














المزيد.....

رحلة مغترب


رضا الشوك

الحوار المتمدن-العدد: 3547 - 2011 / 11 / 15 - 23:03
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



د. رضا الشوك
حينما وصلت حدود محلتي التي كنت أعرفها ، بدت لي غريبة لا أثر فيها يدلني على ما أختزنت ذاكرتي ، وقد غامت عيناي وأنا أرى وجوها تقترب مني وكأنها أشباح أستردت حياتها فجأة لتحل محل ملامح رافقتني سنينا مديدة فأشعرتني وقتها وكأني قادم من كوكب آخر. وحينما يستقر لقائك وسط أصدقاء هرموا ولكن مازالت بعض ملامحهم تضئ ، ولعل هذه الإضاءة هي التي منحت روحي سكينتها وهدوءها ، فأخذت أهمس في نفسي قائلا : أين ثوابت الماضي ؟؟ يبدو أن كل شئ يتداخل ، الزمان والمكان والوجوه والأحاسيس وأنت في أقصى إنفعالاتك فَرحا أم حُزنا، وحين يلاقيك صديق قديم تهدأ روحك حينا ولكن يبقى السؤال يتردد في نفسي وهو : أين أختفت محلتي التي ولدت ورأيت نور الحياة فيها ؟؟ لقد كانت محلتي جنتي الأولى وأيام طفولتي التي لا تزال خزانة ذاكرتي ، تحتفظ بها .
قال لي بعض معارفي إنك مصاب بصعقة حينما ترى أمامك أطلال هجرها أهلها الى عالم آخر ولم يبقى منها غير ركام من البيوت ينعق فيها البوم وشوارع فارغة من كل أشكال الحياة لأن كل شئ مسحته عوامل التعرية الزمنية . عندها شعرت بالإحباط والكآبة تغمرني وتلح عليّ بالعودة من حيث أتيت ، لأن ذلك يساهم في التخلص من أعباء كثيرة ، أعباء عاطفتي المتحشدة لأعود وكأني لم أسافر ولم أغترب وليس لي بيت ، هناك على تلك الأرض التي ولدت ونشأت فيها وأحببتها لأنها كانت تمثل هويتي وأنتمائي في يوم من الأيام .
لعل الشئ الوحيد لعدم شعوري بالحزن على خراب محلتي هو أندثار ما يثير أشجاني ويجعلني رهين التيه في هذا النفق الدامس الذي يسمونه الحياة . هل أقول لنفسي : ما أسعدك حظا حتى في أحزانك ؟؟ بعد أن حجزتنا الفتاوي عن الشمس وأصبح مطري قاحلا منذ طوفان " أوتو نبشتم" عندما أنبأ "كلكامش" به ، منذ ذلك الحين أتخذت المنفى صورة للوطن الأبهى ورحت أتطلع من غيمة الى غيمة لعلها تبارك الزرع والبشر .
مزقت أحشاء الظلام بمشعل الأمل وروضت أجنحة الكآبة بالمحبة كي تتراقص البسمات وتهرب الأحزان الى الأبد حتى تحين ساعة الوداع لهذا السراب المغبر الذي يسمونه الحياة .
كنت أغني بصوت خافت والرغبة تساورني وتطلب مني العيش ولو للحظات أشعر فيها بنكهة الماضي، الماضي الذي كنا نمضي وقتنا نلعب في حارتنا المقدسة حتى يحل الغروب الذي ينازع الليل وهو يزحف ببطئ مثل غول مخيف يبتلع في جوفه كل ما يصادفه من موجودات الكون ، هذا الماضي أصبح الآن يمثل جزءا من حياتي ويعيدني الى الحاضر الذي يجرني الى متابعة أحداث دامية ووقائع مضيئة وأزمنة صدئة تقابلها أزمنة مشرقة تلوح في الأفق ، وشباب أبتكروا سبلا شتى لفعل الخير لأبناء جلدتهم بعد أن فجروا ثورات الغضب في أوطانهم . هؤلاء الشباب الذين يعشقون الكلمة الحرة التي تعبر عن طموحاتهم بمستقبل مشرق تسوده حياة هنيئة ومستقرة بعيدة عن العنف والقلق.
هكذا ودعت رحلتي الخيالية الى بلدي مهد أول حضارة بشرية لكني بقيت أتطلع الى بريق الأمل علّـه يبزغ في الأفق لأقوم برحلتي من جديد الى وطني الذي يحلو للكثيرين وأنا منهم أن يسميه " أرض الميعاد" .
هذه الخاطرة تبدو كأنها أحاسيس موسيقية عنيفة تغزو عمق المشاعر في روح الأنسان ، إنها نموذج لحياة أحد المغتربين الذين حاربهم القدر ورماهم في وادي النسيان في غفلة من الزمن . فالأيام تتسلل ومعها السنين ونحن سائرون نحو"حياة أفضل" كما يظن البعض .
إن الحياة كما هي دون رتوش وتزويق لا تتعدى عن كونها ملحمة خالدة عاشها البشر على أمتداد التاريخ منذ ظهور الخليقة على وجه الأرض .



#رضا_الشوك (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تناقص الأوكسجين في الجو
- رياح التغيير في الوطن العربي
- هل الحكم الديمقراطي فيه منافع للناس
- حول مظاهرات - جمعة الغضب - في العراق
- ايام الغضب في الوطن العربي
- ثقافة الخوف
- الذهنية العربية
- الفن في حياة الناس .
- مقارنة بين العلم والفن
- من تاريخ الفكر البشري
- حول انتخابات مجالس المحافظات
- نهاية العالم
- مع قهوة الصباح لعام ٢٠٠٩
- مع قهوة الصباح
- العزل السياسي إجرء تعسفي معادي للديمقراطيه
- الديمقراطية في العالم العربي ورياح التغير .
- نشأة الكتابة العربية
- التصحر الســــياسـي
- العنف والاعنف


المزيد.....




- من أجل صورة -سيلفي-.. فيديو يظهر تصرفا خطيرا لأشخاص قرب مجمو ...
- من بينها الإمارات ومصر والأردن.. بيانات من 4 دول عربية وتركي ...
- لافروف: روسيا والصين تعملان على إنشاء طائرات حديثة
- بيسكوف حول هجوم إسرائيل على إيران: ندعو الجميع إلى ضبط النفس ...
- بوتين يمنح يلينا غاغارينا وسام الاستحقاق من الدرجة الثالثة
- ماذا نعرف عن هجوم أصفهان المنسوب لإسرائيل؟
- إزالة الحواجز.. الاتحاد الأوروبي يقترح اتفاقية لتنقل الشباب ...
- الرد والرد المضاد ـ كيف تلعب إيران وإسرائيل بأعصاب العالم؟
- -بيلد-: إسرائيل نسقت هجومها على إيران مع الولايات المتحدة
- لحظة تحطم طائرة -تو-22- الحربية في إقليم ستافروبول الروسي


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رضا الشوك - رحلة مغترب