أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد الهلالي - انحطاط المفاهيم أو الخصوصية القاتلة للكونية














المزيد.....

انحطاط المفاهيم أو الخصوصية القاتلة للكونية


محمد الهلالي
(Mohamed El Hilali)


الحوار المتمدن-العدد: 3543 - 2011 / 11 / 11 - 12:00
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


تولد المفاهيم وتموت مثل البشر، أي أنها لا تلتقط في الأزقة خلافا لما كان بعض البلاغيين العرب يقولونه عن المعاني، لأن ذلك سيعني الجمود والتكرار وانعدام تقدم المعرفة. بل إن أحد كبار فلاسفة القرن العشرين استخلص في آخر حياته الفكرية أن صناعة المفاهيم هي من اختصاص الفلسفة. لذلك وضع حدا فاصلا بين الكلمات العامة الفضفاضة التي لا تقول أي شيء في الوقت الذي تدعي فيه أنها تقول كل شيء من جهة، والمفاهيم الغنية بمضامينها الجديدة وإحالاتها المتعددة وبدورها الريادي في اقتحام المجهول ومقارعة الموجود من جهة أخرى. ولقد شن جيل دولوز جام غضبه على مجموعة من المثقفين الفرنسيين الذين يتعاطون للفلسفة كنوع من الخطابة أو الجدل العمومي والذين أصبحوا يعرفون بالفلاسفة الجدد.
لم يكن جيل دولوز فيلسوفا كباقي الفلاسفة الآخرين، لأن حياته كانت تجسيدا لحرية الفكر والتزام المثقف، ولذلك وصف ميشيل فوكو القرن العشرين بأنه "دولوزي"، نسبة إلى الأثر الذي تركه دولوز في الفكر البشري.
وإذا عدنا إلى تاريخ الفلسفة سنرى أن مفهوم السياسة احتل قلب ومركز فلسفة سقراط وأفلاطون، وهو لم يكن موضوعا عموميا تمزقه الآراء والأهواء، بل كان مفهوما مركزيا سواء في محاورة "السياسي" أو "الجمهورية" أو "القوانين". وكان يقترن بالانسجام والاعتدال وسيادة العقل والعدالة المنصفة.
وسيستمر هذا التقليد في الفلسفة إلى اليوم في الغرب، أي مرورا بأرسطو وحتى "جاك دريدا" في التفاتته الشهيرة إلى فكر "كارل ماركس" في مؤلفه "أشباح ماركس"، أي أطياف ماركس التي ستظل مرفرفة ومقلقة للعالم بأسره.
كانت الفلسفة هي مصدر المفاهيم والتصورات الكبرى في مجال الحقل السياسي، ولا يمكن التطرق لمفهوم السياسية أو الديمقراطية أو الحرية أو المشروعية أو العقد الاجتماعي أو العنف أو احتكار العنف المادي والرمزي أو الإجماع أو الحق والواجب أو التوتاليتارية... بدون الرجوع لمرجعية هذه المفاهيم الفلسفية أي لجون لوك وتوماس هوبز وباروخ سبينوزا وجون جاك روسو وحنا أرنت...
هذا فيما يخص الغرب، أما فيما يخصنا نحن مستهلكي السلع والمفاهيم، فإن هذه الأخيرة بمجرد ما تصل "سوق التداول الرمزي" تفقد أصالتها، ومرجعيتها، وتتعرض لمسخ عظيم ولتشويه أعظم، وهو ما ينتج عنه انحطاط لها يفقدها الفعالية والإجرائية والمصداقية.
يوجد منظور سلبي وسالب لكل معنى إيجابي كوني، وهو ليس خطأ في الفهم أو سوء تفاهم، وإنما هو "بنية مرجعية مستقبلة" تعكس عبر آليات إقصاء متعددة كل معنى أصيل يملك القدرة على الفعل في الفكر والواقع وتغييرهما وتوجيههما نحو وضع أفضل. ولهذه "البنية المرجعية المستقبلة" اسم وهو "الخصوصية".
وتعني الخصوصية بكل بساطة أننا نملك فكرا جاهزا مكتملا صالحا، ولسنا بحاجة لأي فكر آخر رغم أننا نتخبط في أوحال فكرنا وفي عفن واقعنا ونزداد انغماسا في التخلف الروحي وتعفنا في العلاقات الاجتماعية، بالرغم من تزايد عدد العمارات الشاهقة وعدد السيارات الفخمة والمساكن البحرية الرائعة، نزداد تعفنا بمقياس الحضارة، أي أن الأرقام لا تعكس إلا هامشا مركزيا من نمط العيش المقلد والمؤقت.
فالديمقراطية عندنا لا تعني فصل السلط ولا تعني المساواة الفعلية في الحقوق والواجبات بين الحاكم والمحكوم، ولا تعني سيادة الإرادة العامة، ولا تعني سيادة الدستور، ولا تعني حتى وجود المواطن الذي عليه أن يكون متعلما تعلما مدنيا يجعله يعرف من هو المواطن...
والحرية لا تعني مجموعة الحقوق المتمفصلة مع الواجبات والتي تضمن للإنسان بغض النظر عن معتقداته الدينية وعرقه وجنسه ولونه ووظيفته الاجتماعية الكرامة والسلامة البدنية والحماية ضد جميع أنواع الانتهاكات...
وحقوق الإنسان لا تعني أن الإنسان هو نفسه في كل مكان، وأنه لا يمكن حرمان هذا الإنسان من أي حق من حقوق الإنسان لأنه ولد في باكستان أو في المغرب، أو لأنه وجد في مجتمع يدين بالمذهب الحنبلي أو المالكي...
إن "الخصوصية" هي مجرد غطاء إيديولوجي شديد التعقيد يعبر من جهة عن رفض المضامين الفعلية الكونية للديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، ويعبر من جهة ثانية على أن الشعب لا زال بعيدا كل البعد عن الوعي بذاته وبضرورة انتقاله إلى "المواطنة"، وأنه غارق في تقليدانية موروثة ويتم الحرص على إعادة إنتاج جزء كبير منها، ويعني من جهة ثالثة أن الدولة لا تعمل إلا على ضمان مصالح الفئة المتنفذة فيها، وأنها هي نفسها تقليدانية في آخر المطاف، بحيث أن مظاهر العصرنة لا تدل إلا على سطحية التحرر وشكلانية الحداثة، ويدل من جهة رابعة على أن المثقفين لا وجود لهم كالتزام حضاري ضد الخلف والعبث بالكرامة، وأن المشتغلين بحقل الفكر ليسوا إلا كتابا ومبدعين، بالمعنى الذاتي والنرجسي لهذين الصفتين...
وليس غريبا أن نجد مثلا الراحل عبد الكبير الخطيبي يتحول إلى الأدب، أي الشعر والرواية... في حين انحجب مكونه العلمي المشع الذي جعل منه صاحب "النقد المزدوج" و"الاسم العربي الجريح"... كما نجد أن المفكر الوحيد الذي يمكن وصفه بالاستراتيجي والمثقف، عبد الله العروي، قد انجذب، ولأسباب أخرى، إلى الرواية، لأنها المجال الوحيد الذي يعبر فيه عن "ذاتية موضوعية"، بما أن مجال منافسة الغرب في العلوم والفلسفة هو مجرد خيال أو وهم...
يتضح مما سبق أن الخصوصية هي البركة العكرة التي تدفن فيها المفاهيم الأساسية التي تعتبر أساس الممارسة الجيدة والسليمة، هذه الخصوصية التي تقتل كل فكر جديد أثبتت صلاحيته في مجالات وأماكن عدة.



#محمد_الهلالي (هاشتاغ)       Mohamed_El_Hilali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سنة مهداة للشمس
- الإيديولوجية الدينية والديمقراطية وحقوق الإنسان
- الحداثة
- العقلانية
- الفلسفة والنساء
- العلمانية والإسلام


المزيد.....




- مكالمة هاتفية حدثت خلال لقاء محمد بن سلمان والسيناتور غراهام ...
- السعودية توقف المالكي لتحرشه بمواطن في مكة وتشهّر باسمه كامل ...
- دراسة: كل ذكرى جديدة نكوّنها تسبب ضررا لخلايا أدمغتنا
- كلب آلي أمريكي مزود بقاذف لهب (فيديو)
- -شياطين الغبار- تثير الفزع في المدينة المنورة (فيديو)
- مصادر فرنسية تكشف عن صفقة أسلحة لتجهيز عدد من الكتائب في الج ...
- ضابط استخبارات سابق يكشف عن آثار تورط فرنسي في معارك ماريوبو ...
- بولندا تنوي إعادة الأوكرانيين المتهربين من الخدمة العسكرية إ ...
- سوية الاستقبال في الولايات المتحدة لا تناسب أردوغان
- الغرب يثير هستيريا عسكرية ونووية


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد الهلالي - انحطاط المفاهيم أو الخصوصية القاتلة للكونية