أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد الهلالي - العقلانية














المزيد.....

العقلانية


محمد الهلالي
(Mohamed El Hilali)


الحوار المتمدن-العدد: 3541 - 2011 / 11 / 9 - 12:48
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


إذا كانت الثقافات الغربية التي خبرت الحداثة وطرقت أبواب ما بعد الحداثة تستطيع أن تبلور أصواتا تنتقد العقل وتسلطه ومركزيته وتحوله إلى آلة رهيبة تسحق بقية مكونات الإنسان، وخصوصا المكونات اللاعقلية، فإننا نحن الذين ننتمي لثقافة ما قبل حداثية لفي أمس الحاجة إلى العقل وتمجيد العقل وتنمية قدراته، نحن في أمس الحاجة للعقلانية.
لكن لا حداثة بدون عقلانية، لأن الحاثة ليست هي تمجيد الحداثة وليست هي الكتابة عن الحداثيين والدعاية لهم، لأنه لا حداثة بدوق عقلانية.
يمكن القول بأن العقلانية هي المذهب الفكري الذي يجعل العقل الخطابي المصدر الوحيد الممكن للحصول على المعرفة الصحيحة. ويمكن التأريخ لها منذ الفيلسوف الفرنسي "روني ديكارت" إلى اليوم. مع ضرورة التمييز بين عقلانية حديثة من ديكارت إلى ليبنتز، وعقلانية نقدية من كانط إلى كارل بوبر، وعقلانية مطبقة مع غاستون باشلار. دون أن ننسى وجود استعمال آخر للعقلانية في إطار اللاهوت الغربي مع القديس أنسلبم مثلا، وعلم الكلام الإسلامي مع المعتزلة.
ما الذي يميز العقلانية كتفكير؟ خلافا للتجريبيين الذين يرون في الحواس المصدر الوحيد للمعرفة، ويرون في العقل ذاته حصيلة التجارب والخبرات المحصل عليها من الواقع، يتجه العقلانيون إلى انتقاد الحواس واعتبارها مصدرا للخطأ والوهم، وذلك منذ أفلاطون الذي اعتبر الرياضيات وسيلة تساعد الإنسان على التخلص من استعمال حواسه ليمارس التفكير بالعقل وحده. وبهذا المعنى يمكن الحديث عن عقلانية أفلاطونية سبقت العصر الحديث تقوم على معرفة المثل أو الماهيات الثابتة بواسطة العقل وحده.
لكن استعمال العقل وحده ليس كافيا لاعتبار فكر ما فكرا عقلانيا. لهذا فالعقلانية هي بالضرورة نتاج حديث، تشكل كنسق فكري في نهاية النهضة وفي خضم إعادة اكتشاف الإرث اليوناني واستعمال الرياضيات في الفيزياء.
تقوم العقلانية الحديثة على أن القوانين أو المبادئ التي تتحكم في الواقع هي نفسها التي تتحكم في العقل، وهذا التطابق هو الذي يجعل معرفة العقل للواقع ممكنة. وحسب هذه الفرضية، لا يحدث شيء في الكون بدون سبب محدد لوجوده وسبب كاف لتفسير هذا الوجود، وهذا السبب المحدد هو الذي يمكن قبليا من معرفته عقليا، وإلا لماذا حدث هذا الشيء عوض أن يحدث شيء آخر؟ ولماذا حدث بهذه الكيفية عوض كيفية أخرى؟ إذن فوجود الأسباب بحتم المعرفة العقلانية التفسيرية لما يوجد.
الخاصية الأخرى للعقلانية الحديثة وهي أن العقل، الذي يحتوي على مبادئ كونية، هو كيان ثابت في أسسه لا يتغير من شخص لآخر، وحسب تعبير ديكارت "فالعقل هو أعدل قسمة بين الناس".
ويمكن تعريف العقلانية أيضا بنقيضها الذي هو اللاعقلانية التي تعني الاعتماد عل مرتكزات لا تمت للعقل بصلة مثل السحر والخرافة والتصوف والإيمان والنزعات العاطفية. فالعقلانية تطالب بإخضاع ثقافة الإيمان والنصوص المقدسة للعقل. وإذا كان سبينوزا قد قام بنقد لاذع للتوراة في مؤلفه الشهير "الرسالة اللاهوتية السياسية" فإن ديكارت وضح في مقدمة مؤلفه "تأملات ميتافيزيقية" "أن كل ما يمكن معرفته من الله يمكن البرهنة عليه بالعقل، مما لا يبقي ضرورة للبحث عن تلك الحقائق بعيدا عن أنفسنا، لأن عقلنا قادر بقوته الخاصة على تمكيننا من تلك المعرفة". فالعقل بإمكانه البرهنة في استقلالية تامة عن الوحي على وجود الله عبر "الحجة الأنطولوجية" القائلة بأن "وجود الله ينتج عن ماهيته".
تعرضت العقلانية الحديثة لنقد عنيف من طرف كانط الذي برهن على حدود العقل وعدم استطاعته معرفة الموضوعات المفارقة للطبيعة، مما أدى إلى إحلال الإيمان محل المعرفة في أمور ميتافيزيقية مثل الله والروح...
ومثلت الفلسفة الوضعية مع أوجست كونت نهاية لادعاء العقل القدرة على معرفة موضوعات ميتافيزيقية، لأن الحالة الوضعية التي يصل إليها الفكر البشري عبر التطور، من الحالة اللاهوتية إلى الحالة الميتافيزيقية، تعني عجز العقل عن الحصول على مفاهيم مطلقة، مما دفعه للتخلي عن البحث عن أصل ومصير الكون... أي أن العقل سيقتصر فقط على اكتشاف القوانين المتحكمة في الظواهر.
لقد تحولت العقلانية الحديثة إلى عقلانية نقدية تحدد حدودها وتتجاوز نفسها باستمرار وتعترف بتاريخيتها، فأين نحن من هذه العقلانية؟
إن أزمات الفكر العربي الإسلامي تعود أيضا، ولكن بشكل أساسي، إل أزمة غياب العقلانية وليس لغياب العقل سواء بمعناه "الموهوب أو المكسوب". فسيطرة الديني على الزمني وانتشار الخرافات والسحر وقضايا المصير والأصل والكائنات المفارقة للطبيعة والقضاء والقدر... تجعل من المستحيل تشكل فكر عقلاني يتحكم في واقعه ويحقق الانتقال إلى مرحلة يكون فيها الإنسان –في مجال المعرفة- سيد نفسه وسيد الكون، على أن تحظى القضايا الميتافيزيقية بالاهتمام الملائم في المجالات الخاصة بها.
لقد كانت للعرب المسلمين فرصة لبلورة بداية حركة عقلانية متقدمة مع المعتزلة تمثلت في عقلنة "المعطيات الدينية"، خصوصا في قولهم بأن الإنسان مختار بشكل مطلق في كل أفعاله، مما يبرر التكليف والمسؤولية، واعتماد العقل في التمييز بن الأشياء والأفعال الحسنة والقبيحة. وقاد إعطاء العقل الأولية في المعرفة والتصرف المعتزلة إلى رفض كل ما ليس مقنعا بالحجة العقلية وفق قدرة الإنسان عل التفكير.
ويمكن أن نفهم فداحة الخسارة التي مني بها الفكر العربي الإسلامي مع انحسار الاعتزال انطلاقا مما قاله أحمد أمين في "ضحى الإسلام" بهذا الصدد: "في رأيي إن من أكبر مصائب المسلمين موت المعتزلة".



#محمد_الهلالي (هاشتاغ)       Mohamed_El_Hilali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفلسفة والنساء
- العلمانية والإسلام


المزيد.....




- مصر.. ساويرس يرد على مهاجمة سعد الدين الشاذلي وخلافه مع السا ...
- تصريحات لواء بالجيش المصري تثير اهتمام الإسرائيليين
- سيدني.. اتهامات للشرطة بازدواجية المعايير في تعاملها مع حادث ...
- ليبيا وإثيوبيا تبحثان استئناف تعاونهما بعد انقطاع استمر 20 ع ...
- بحضور كيم جونغ أون.. احتفالات بيوم الجيش في كوريا الشمالية ع ...
- بلينكن يأمل بإحراز تقدم مع الصين وبكين تتحدث عن خلافات بين ا ...
- هاريس وكيم كارداشيان -تناقشان- إصلاح العدالة الجنائية
- ما هي شروط حماس للتخلي عن السلاح؟
- عراقيل إسرائيلية تؤخر انطلاق -أسطول الحرية- إلى غزة
- فرنسا تلوح بمعاقبة المستوطنين المتورطين في أعمال عنف بالضفة ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد الهلالي - العقلانية