أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد أبو شرخ - الصهيونية المسيحية (1-2)















المزيد.....


الصهيونية المسيحية (1-2)


خالد أبو شرخ

الحوار المتمدن-العدد: 3512 - 2011 / 10 / 10 - 08:51
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


المسيحية هي ديانة إبراهيمية, دعا إليها السيد المسيح, وتعد أكثر الأديان انتشارا في العالم، حيث يفوق عدد معتنقيها ملياري نسمة, وجذور المسيحية هي الديانة اليهودية, التي تتشارك وإياها الإيمان بالتوراة.
والصهيونية اختصارا هي أيديولوجية, تؤيد قيام دولة يهودية في فلسطين, ونقل اليهود إليها, بوصفها أرض الميعاد لهم, وتوطينهم بعد إقتلاع الشعب الفلسطيني .
أما "الصهيونية المسيحية", فهي الدعم المسيحي للفكرة الصهيونية، وهي حركة مسيحية, تقول عن نفسها إنها تعمل من أجل عودة الشعب اليهودي إلى فلسطين, وسيادة اليهود على الأرض المقدسة, ويعتبر الصهيونيون المسيحيون أنفسهم, مدافعين عن الشعب اليهودي خاصة دولة إسرائيل، ويتضمن هذا الدعم, معارضة وفضح كل من ينتقد أو يعادي الدولة الصهيونية.
ويمكن تعريف "المسيحية الصهيونية", بأنها "المسيحية التي تدعم الصهيونية"، وأصبح يطلق على من ينتمون إلى هذه الحركة, اسم "مسيحيين متصهينين".
وتتلخص فكرة هذه الحركة, في ضرورة المساعدة, لتحقيق نبوءة الله, من خلال تقديم الدعم لإسرائيل.
وتتصل جذور هذه الحركة, بتيار ديني يعود إلى القرن الأول للمسيحية, ويسمى بتيار "الألفيه"، و"الألفية" هي معتقد ديني, نشأ في أوساط المسيحيين, من أصل يهودي، ويعود إلى استمرارهم في الاعتقاد, بأن المسيح سيعود إلى هذا العالم, محاطا بالقديسين, ليملك في الأرض ألف سنة, ولذلك سموا بالألفية.

هناك تفسير اعتمد تاريخيا, في العقيدة المسيحية, ينص على أن الأمة اليهودية, انتهت بمجيء المسيح، وأن خروج اليهود من فلسطين, كان عقابا لهم على صلب السيد المسيح، ودأبت الكنيسة الكاثوليكية على تحميل اليهود, المسؤولية الكاملة عن مقتل المسيح, وكان بعض المسيحيين في أوروبا, يحتفلون بمقتل المسيح, عن طريق إحياء طقوس عملية الصلب، بل وكان سكان مدينة "تولوز" الفرنسية, يحرصون على إحضار يهودي, إلى الكنيسة أثناء الاحتفال, ليتم صفعه من قبل أحد النبلاء, بشكل علني إحياء لطقس الضرب, الذي تعرض له المسيح من قبل اليهود.
كما أن هناك نصا في إنجيل "متى", يحمل اليهود مسؤولية مباشرة, عن مقتل المسيح, ويذكر بالتفصيل كيف غسل "بيلاطس" الحاكم الروماني للقدس, آنذاك يديه بالماء, معلنا براءته من دم المسيح, الذي كان الرومان على وشك صلبه, قبل أن يصيح فيه اليهود قائلين "ليكن دمه علينا وعلى أولادنا".

إلا أن حركة الإصلاح الديني في أوروبا, في القرن الـسادس عشر, تبنت مقولة أن "اليهود هم شعب الله المختار"، وأنهم الأمة المفضلة عند الرب، وأن هناك وعدا إلهيا, يربط اليهود بفلسطين، لذا ارتبط الإيمان المسيحي البروتستانتي, بعد حركة الإصلاح, بأن الإيمان بعودة المسيح الثانية, مشروطةً بعودة اليهود, إلى أرض فلسطين.
بدأت حركة الإصلاح, بإعادة الإعتبار لليهود, مع دعوة القس "مارتن لوثر", كتابه "عيسى ولد يهوديا" سنة 1523م وقال فيه, إن اليهود هم أبناء الله, وإن المسيحيين هم الغرباء, الذين عليهم أن يرضوا, بأن يكونوا كالكلاب التي تأكل ,ما يسقط من فتات من مائدة الأسياد.
ويرى الكثير من الكتاب والمؤرخين, أن هذه الفترة تعد الولادة الحقيقية والفعلية, للمسيحية اليهودية.
ووصلت محاولة استمالة "لوثر" لليهود, من أجل الدخول في مذهبه, حدا قال فيه يوما أمام عدد من اليهود, الذين كانوا يناقشونه :"إن البابوات والقسيسين وعلماء الدين ذوي القلوب الفظة, تعاملوا مع اليهود بطريقة, جعلت كل من يأمل أن يكون مسيحيا مخلصا, يتحول إلى يهودي متطرف, وأنا لو كنت يهوديا, ورأيت كل هؤلاء الحمقى, يقودون ويعلمون المسيحية, فسأختار على البديهة, أن أكون خنزيرا بدلا من أن أكون مسيحيا".
"مارتن لوثر"عمل على تهويد المسيحية, عندما أصر على اعتماد التوراة العبرانية, بنفس مرتبة " العهد الجيديد", وقد قام عدد من رجال الدين البروتستانت, مثل القس الإنجليزي "جون نلسون داربي", بإعادة قراءة العقائد المسيحية المتعلقة باليهود، ومنحهم مكانة متميزة, حتى أصبحت الكنيسة البروتستانتية, هي حاملة لواء الصهيونية المسيحية أينما حلت.
تتباين المراجع التاريخية في تقييم ما قام به "مارتن لوثر"، فهناك من ينظر إليه على أنه ثائر إصلاحي, خلص الكنيسة الكاثوليكية, من الكثير من الأساطير اللاهوتية التي أفسدتها، وهناك من يرى أنه أفسد العقيدة المسيحية, بمنحه اليهود مكانة رفيعة, جعلتهم يستعملون المذهب البروتستانتي, لتحقيق أهدافهم الخاصة، غير أن الكثير من المصادر تتجاهل حقيقة عودة مارتن لوثر, عن الكثير من مواقفه وآرائه, خاصة تلك المتعلقة منها باليهود.
فقد كتب "مارتن لوثر" في آخر أيامه, كتاب "اليهود وأكاذيبهم", أعرب فيه عن خيبة أمله من اليهود, وأقر بالفشل في استقطابهم لعقيدته الجديدة, كما أقر في شبه استسلام تلقفته الصهيونية قبل غيرها, بأن دخول اليهود في الدين المسيحي, لن يتم إلا عبر عودتهم لأرض فلسطين, وعودة المسيح الذي سيسجدون له, ويعلنون دخولهم في الدين المسيحي, حتى يعم السلام العالم.
على الرغم من تباين المراجع التاريخية, في تقييم ما قام به "مارتن لوثر", إلا أتها تجمع على أن رغبته الجامحة, في إعادة الاعتبار لليهود و"تمسيحهم", كانت تعود لإيمانه العميق, بضرورة وجودهم في هذا العالم, تمهيدا لعودة المسيح.


وقد حصل انشقاق داخل الكنيسة البروتستانتية نفسها, بسبب الموقف من اليهود, فبينما أعرب بعض البروتستانت الإنجليز, عن اعتقادهم بأن اليهود سيعتنقون المسيحية, قبل أن تقوم دولتهم في فلسطين، ذهب بعض البروتستانت الأميركيين, إلى أن اليهود لن يدخلوا في المسيحية, حتى لو قامت إسرائيل, وأن عودة المسيح هي الشرط النهائي لخلاصهم, وتوبتهم ودخولهم في الدين الذي جاء فيهم أصلا.
وقد تزعم القس "نلسون داربي" هذا الفريق, وينظر إليه على أنه الأب الروحي للمسيحية الصهيونية, قبل أن يعمل العشرات من القساوسة, على نشر نظريته تلك.
ونشر "وليم بلاكستون" الذي كان من أشد المتحمسين الأميركيين, لأطروحة "داربي" كتاب "المسيح آت" سنة 1887م, وترجم الكتاب إلى عشرات اللغات, وركز فيه على حق اليهود التوراتي في فلسطين, و"بلاكستون" كان وراء جمع 413 توقيعا, من شخصيات مرموقة مسيحية ويهودية, طالبت بمنح فلسطين لليهود, وتم تسليم عريضة التوقيعات للرئيس الأميركي آنذاك "بنيامين هاريسون".
أما القس "سايروس سكوفيلد", فيعتبر من أشد المسيحيين الصهيونيين تشددا, وقام بوضع إنجيل سماه "إنجيل سكوفيلد المرجعي", نشره سنة 1917م, وينظر إليه اليوم على أنه الحجر الأساس, في فكر المسيحية الأصولية المعاصرة.
ومن أشهر السياسيين, الذين أسهموا في نمو حركة المسيحية الصهيونية, عضو البرلمان البريطاني اللورد "شافتسبري"، وكان "شافتسبري" مسيحيا محافظا, وعلى علاقة جيدة بصانعي السياسة البريطانيين, في منتصف القرن الـ19, وفي العام 1839م, ذكر "شافتسبري" أنه "يجب أن نشجع عودة اليهود إلى فلسطين بأعداد كبيرة، حتى يستطيعوا مرة أخرى القيام بالرعي في سامراء والجليل"، وكان ذلك قبل 57م عاما, من ظهور الحركة الصهيونية العالمية، وكان اللورد "شافتسبري", هو أول من وصف اليهود وفلسطين قائلا "شعب بلا وطن.. لوطن بلا شعب".
يعد "تيودور هرتزل" مؤسس الصهيونية الحديثة, هو أول من استخدم مصطلح "الصهيونية المسيحية"، وعرف المسيحي المتصهين بأنه "المسيحي الذي يدعم الصهيونية"، بعد ذلك تطور المصطلح, ليأخذ بعدا دينيا، وأصبح المسيحي المتصهين, هو "الإنسان الذي يساعد الله لتحقيق نبوءته من خلال دعم الوجود العضوي لإسرائيل، بدلا من مساعدته على تحقيق برنامجه الإنجيلي من خلال جسد المسيح".
"تيودور هرتزل" نفسه, آمن وطرح فكرة الدولة اليهودية, ولم تكن دوافعه دينية بالأساس، فهو قومي علماني، وأعلن استعداده لقبول استيطان اليهود في أوغندا أو العراق أو كندا أو حتى الأرجنتين، أما المسيحيون المتصهينون فقد آمنوا بأن فلسطين هي وطن اليهود، واعتبروا ذلك شرطا لعودة المسيح، لذا انتقدوا الموقف المتساهل, من قبل "تيودور هرتزل".

وتأثرت المسيحية الصهيونية, بثلاثة توجهات, يجمع بينها خلفية التفسير الديني المعتمد, على النصوص التوراتية، ورغم تباين هذه التوجهات وتناقضها بعضها مع بعض أحيانا، فإن التفسير الحرفي للتوراة, والإيمان بضرورة مساعدة إسرائيل, جمع بينهم. والتوجهات الثلاث هي:
• توجه يهتم بقضية نهاية العالم ومؤشراته, والتمسك بالتراث المسيحي اليهودي المشترك .
• توجه يهتم بقضية التقرب من اليهود والتمسك بالاخلاق اليهودية المسيحية من أجل المسيح.
• توجه يهتم بالدفاع عن إسرائيل والإلتزام الأدبي والأخلاقي وعلى مباركتها ودعمها بكل ما هو ممكن ومتاح.
يستند توجه نهاية العالم, في التراث المسيحي والبروتستانتي, إلى عقائد إسطورية مثل " العقائد الالفية ", و " العقائد الإسترجاعية ", وأساطير " هرمجدون " و " المسيح الدجال " و "يأجوج ومأجوج" وغيرها من الأساطير.

والعقيدة الألفية, تعود جذورها إلى اليهودية، ولكنها أصبحت فكرة مركزية, في المسيحية البروتستانتية, إذ يؤمن كثير من المسيحيين البروتستانت, بأنه حينما يعود "المسيح المخلِّص" أو "الماشيَّح", حسب الرؤية اليهودية, الذي يُشار إليه فيها بـ "الملك الألفي", سيحكم العالم باعتباره "الملك المقدَّس", هو والقديسون لمدة ألف عام, يشار إليها أحياناً باسم "أيام الماشيَّح" أو "أيام المسيح"، وهي فترة سيسود فيها السلام والعدل, في عالم التاريخ والطبيعة وفي مجتمع الإنسان والحيوان.
وعقيدة الملك المقدَّس هذه, لم يأت لها أي ذكر في العهد القديم, ويبدو أنها مجرد صدى في الوجدان العبراني, لمؤسـسة الملكية المقدَّسـة العبرانية, وما حدث هو أن مؤسسة الملكية المقدَّسة, اختفت مع انهيار الدويلات العبرانية, ولم تتم استعادتها, حتى بعد عودة اليهود بأمر قورش الفارسي, فأسقط الوجدان العبراني فكرة الملك المقدَّس, على المستقبل, أصبحت جزءاً من الأفكار الأخروية.
وتظهر العقيدة الألفية, في العهد الجديد, في سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي, والذي يدور حول عودة المسيح الثانية, وحُكْمه العالم لمدة ألف عام, والنص مثل كل كتب الرؤى، مركب مضطرب, تتزاحم فيه صور الحشر الأخروية, والنص يتحدث عن تقييد الشيطان, ثم حكم المسيح للعالم, مع قديسيه لفترة تمتد لمدة ألف عام, بعد ذلك يُطلَق الشيطان من سجنه لهجمة أخيرة،عند هذه اللحظة يظهر المسيح الدجال, فتدور المعركة الفاصلة النهائية " هرمجدون", ويُلاحَظ أن المسيح الذي يعود هذه المرة, ليس هو مسيح الأناجيل المعروف لدينا, الذي يشيح بوجهه عن مملكة الأرض, والذي يعرف أنه سيُصلَب فداءً للبشر، وإنما هو مسيح عسكري, يجيئ راكباً حصاناً أبيض, وعيناه كلهيب نار, ومتسربل بثوب مغموس بدم, ومن فمه يخرج سيف ماض, لكي يضرب به الأمم، وهو سيرعاهم بعصاً من حديد (رؤيا يوحنا 19/11 ـ 16), فهو إذن مسيح جدير بالرؤية المعرفية الإمبريالية، يشبه جيوش أوربا التي داست الأرض, ولوثت البيئة وثقبت الأوزون, وهو مسيح سيقتحم التاريخ عنوة, ويدخل المعركة النهائية، معركة "هرمجدون"، ضد ملوك الأرض, الذين يساعدهم الشيطان، فيُلحق بهم جميعاً الهزيمة النكراء, ثم يبدأ المسيح حكمه الثاني والنهائي، ويبعث كل البشر، المحسن منهم والسيِّئ, وذلك لمحاسبتهم ومجازاتهم, وينتهي الزمان, ويبدأ حكم مدينة الإله, وتختفي مدينة الأرض, وتختلط بكل هذا أقوال عن "يأجوج ومأجوج" وعلامات الساعة والنهاية، كما أن هناك العديد من الروايات الأخرى, التي لا تقل اختلاطاً عما لخصناه.
وأهـم النقـط التي يدور حـولها الخـلاف, بين الروايات المختلفة هو: متى تكون النهـاية النهـائية، هل تكــون بعد عودة المسيح أم قبلها؟ وما علامات هذه العودة الثانية، أهي مزيد من الشر والتدهور أم الخير والتقدم؟ ويُقسَّم الألفيون، أي المؤمنون بالعقيدة الألفية، إلى قسمين حسب رؤيتهم لزمن ظهور المملكة الألفية:
• أنصار ما قبل الألف: وهؤلاء يؤمنون بأن الملك الألفي, أي المسيح سيأتي فجأة, ويبدأ مملكة الألف عام التي سيسود فيها العدل والسلام، وهذه الرؤية هي الأكثر شيوعاً, وعلامة النهاية عند هؤلاء تكون عادةً انهيار الحضارة وتدهورها, وعندما ترد كلمة "ألفية" دون إضافات أو تحفظات, فهي تشير عادةً إلى العقيدة ما قبل الألفية.
• أنصار ما بعد الألف: وهؤلاء يرون أن الملك الألفي, سيأتي بعد الألف عام, التي سيسود فيها السلام والمحبة, وتعم فيها النعمة, بسبب أن المسيحيين سيتخذون موقفاً أخلاقياً ويطيعون إلههم, وستكون العودة الثانية للمسيح, هي ذروة هذه المرحلة، فهو سيأتي ليبعث الموتى ويحاسبهم على أفعالهم، وهذا هو يوم القيامة أو الحساب الأخير, وعلامة النهاية هنا, هي شيوع السلام والمحبة والرخاء في الأرض.
والخلافات هنا عميقة، فما قبل الألفيين يرون أن التغير فجائي, ناجم عن تَدخُّل أو تجسُّد إلهي في التاريخ, دون محاولة من جانب البشر، فهم عنصر سلبي في الدراما الكونية، وسيصاحب تَدخُّل الخالق مذابح وحروب, أما ما بعد الألفيين، فيرون أن التغيُّر تدريجي، وأنه ناجم عن أن المسيحيين, سيقومون بتغيير أنفسهم وتحسين دنياهم, والذروة التي يصل إليها التاريخ تدريجياً, هي إذن تعبير عن فعل إنساني أخلاقي, وليس مجرد تجسُّد فجائي للإله, في التاريخ, فالإنسان ليـس عنصراً سـلبياً, في الدراما الكونية، بل هو فاعل لا يخضع للحتميات.
ويذهب الألفيون, إلى أن ما ورد, في العهدين القديم والجديد, نبوءات حرفية عن المستقبل, على عكس الرؤية المسيحية التقليدية, التي تذهب إلى أن آيات الكتاب المقدَّس, إما آيات عن أحداث وقعت في الماضي, أو نبوءات وردت ثم تحققت, فيرى الألفيـون، على سـبيل المثال، أن العبارات التي وردت عن خراب أورشليم (القدس), تشير إلى حروب عام 1967م أو عام 1948م, أما الرؤية المسيحية التقليدية، فتذهب إلى أنها تحققت بالفعل, عام 70م ميلادية على يد "تيتوس".
والعقيدة الألفية، في كل مفاهيمها، تدور حول تجسُّد الإله في التاريخ, بشكل فعلي فجائي، وحول تَدخُّله فيه, حتى يمكن مشاهدته في آثاره الفعلية، وفي كل الشواهد المادية, التي يمكن إدراكها بالحواس الخمس الآن, وهنا في مملكة الأرض، وقد استفاد الألفيون من التأملات "القبَّالية اليهودية" الخاصة بحساب نهاية الأيام, وموعد وصول الماشيَّح, وبهذا المعنى، تكون العقيدة الألفية تعبيراً عن تهويد المسيحية.
وقد أدركت الكنيسة الكاثوليكية منذ البداية, خطورة العقائد الألفية على العقيدة المسيحية, وقد وصفت الكنيسة العقيدة الألفية, بأنها "عقيـدة على طـريقة اليهـود", أي تشبه الفكـر المشـيحاني اليهودي, وقد حاول القديس "أوغسـطين" محـاصرة ذلك المفهوم الألفي المعادي للتاريخ، وقد بيَّن أن الكنيسة الكاثوليكية هي مملكة المسيح، وأنها التجسيد التام للعصر الألفي، وأنها حالة روحية وصلت إليها الكنيـسة في عيـد العنصرة، أي بعد موت وبعث المسيح, وهذا لا يعني انتهاء الفوضى في الطبيعة والتاريخ، بل إن الفوضى ستستمر إلى نهاية الزمان, حتى يعود المسيح ثانيةً، وهي العودة التي سوف تتم, في وقت لا يمكن التنبؤ به، أي يتم خارج التاريخ (في يوم القيامة), وقد واكب تلك الرؤية, تقديم التفسير المجازي للعهد القديم, بحيث تصبح كل القصص والأحداث فيه, رموزاً لحالات روحية وأخلاقية.
وقد بُعثت الفكرة من جديد مع الإصلاح الديني, الذي تزامن أيضاً مع هيمنة "القبَّالاه" على اليهود, وانتشارها في الأوساط الدينية الغربية, ورغم أن "لوثر" و"كالفن", تمسكا بتعاليم أوغسطين حول هذه الفكرة، فإنها أخذت تتسـرب إلى الجمـاهير, وتسـتقطب أعداداً كبيرة منهم، ثم صارت فكرة محورية, في عقول كثير من غلاة البروتستانت، وهو أمر منطقي يتسق مع بنية الفكر البروتستانتي, وتُعَدُّ "العقيدة الاسترجاعية" من أهم تجليات العقيدة الألفية.

"العقيدة الاسترجاعية" وهي الفكرة الدينية, التي تذهب إلى أنه كي يتحقق العصر الألفي، وكي تبدأ الألف السعيدة التي يحكم فيها المسيح (الملك الألفي)، لابد أن يتم استرجاع اليهود إلى فلسطين, تمهيداً لمجيء المسيح, ومن هنا، فإن "العقيدة الاسترجاعية", هي مركز وعصب العقيدة الألفية, ويرى الاسترجاعيون, أن عودة اليهود إلى فلسطين هي بشرى الألف عام السعيدة، وأن الفردوس الأرضي الألفي, لن يتحقق إلا بهذه العودة, كما يرون أن اليهود هم شعب الله المختار القديم, أو الأول باعتبار أن المسيحيين هم شعب الله المختار الجديد أو الثاني, ولذا، فإن أرض فلسطين هي أرضهم, التي وعدهم الإله بها، ووعود الرب لا تسـقط, حتى وإن خرج الشـعب القـديم, عن الطريق القويم, ورفض المسيح وصلبه, ولذا، فإن كل من يقف في وجه هذه العودة, يُعتبَر من أعداء الإله, ويقف ضد الخلاص المسيحي، فأعداء اليهود هم أعداء الإله .
ويُلاحَظ هنا أن الفكر, يجعل اختيار اليهود كشعب مختار, ليس منوطاً بفعلهم الخير وتحاشيهم الشر، فهي مسألة عضوية حتمية, تتجاوز الخير والشر, كما أن جَعْل الخلاص, مسألة مرتبطة باليهود، ومَنْح اليهود مركزية, في رؤيا الخلاص، هو جوهر "القبَّالاه", التي تجعل خلاص الإله من خلاص اليهود، إذ يستعيد ذاته المبعثرة من خلالهم.
ومن الواضح أن العقيدة الاسترجاعية، شأنها شأن العقيدة الألفية، تفترض استمراراً كاملاً, ووحدة عضوية بين اليهود في الماضي والحاضر والمستقبل، ومن ثم فهي تنكر التاريخ تماماً, والاسترجاعيون عادةً حرفيون في تفسير العهد القديم.
ولكن هذا التقديس لليهود, يُضمر كرهاً عميقاً لهم, ورفضاً شاملاً لهم ولوجودهم، ذلك أن بنية العقيدة الاسترجاعية هي نفسها بنية فكرة الشعب العضوي المنبوذ، شعب مختار متماسك عضوي, يرفض الاندماج في شعب عضوي آخر، ولذا لابد من نبذه, ويمكن أن نلخص هذا الكره وذلك الرفض في العناصر التالية:
• يذهب الاسترجاعيون إلى أن اليهود, أنكروا المسيح وصلبوه، وأن عملية استرجاعهم, إن هي إلا جزء من عملية تصحيح لهذا الخلل التاريخي, وجزء من عملية تطهيرهم من آثامهم, فاليهود ليسوا مركز الخلاص بل هم مركز الخلل وسببه.
• تذهب العقائد الألفية والاسترجاعية, إلى أن عملية الخلاص النهائي, ستصاحبها معارك ومذابح تصل ذروتها, في معركة واحدة أخيرة (هرمجدون)، وهي معارك سيروح ضحيتها ثلثا يهود العالم, وستخرب أورشليم (القدس), بل إنه كلما ازداد العنف, ازدادت لحظة النهاية اقتراباً، فكأن التعجيل بالنهاية, لا يتم هنا من خلال فعل أخلاقي, يقوم به المسيحيون, وإنما من خلال تقديم قربان مادي جسدي للإله (هولوكوست), بل إن أبعاد هذه المذبحة, ستكون أوسع مدىً من المحرقة النازية، فكأن العقيدة الاسترجاعية هي عكس العقيدة المسيحية, ففي العقيدة المسيحية، يأتي المسيح ويُنزَف دمه ويُصلَب ويُهزَم، فهو قربان يُقدِّمه الإله فداءً للبشر بأسرهم، قربان لا حاجة بعده إلى قرابين, أما العقيدة الاسترجاعية فتذهب إلى أن المسيح قائد عسكري, يدخل المعارك ويثخن في الأعداء ثم ينتصر, واليهود هم الذين سينزفون، وهم قربان الرب الذي لا حاجة بعده إلى قرابين، ولذلك فإن ذَبْحهم (أو صَلْبهم) يشير إلى النهاية الألفية السعيدة, كما أن اليهود، حسب الرؤية المسيحية التقلـيدية، كانوا دعـاة القـومية، على حين أن المسيح هو داعية العالمية, أما هنا، فإن العكس هو الصحيح، فاليهود هم مركز خلاص العالم, والمسيح هو القائد القومي, الذي سيؤسس مملكته في صهيون.
• انتهت حياة المسيح الأولى, بإنكار اليهود له وصلبه، أما حياته الثانية, فستنتهي بإعلان انتصاره, وبالتدخل في آخر لحظة, لإنقاذ البقية الباقية من اليهود, وإعادتهم إلى أرضهم، فيخر اليهود أمام المسيح, ويعترفون بألوهيته, ويقابلونه باعتباره الماشيَّح المنتظَر, ويتحولون إلى دعاة تبشير بالمسيحية, ينشرون الإنجيل في العالم، أي أن المسيح سينجح في إقناع اليهود, بما فشل في إقناعهم به أول مرة.
• العقيدة الاسترجاعية, عقيدة تُوظف اليهود تماماً، وتُحوِّلهم إلى وسيلة أو أداة نافعة وأساسية لخلاص المسيحيين, ولكنها لا قيمة لها في حد ذاتها، فهم يستمدون قيمتهم من مقدار أدائهم لوظيفتهم, ومقدار تعجيلهم, بعملية الخلاص المسيحية.
فبنية الصيغة الاسترجاعية "شعب عضوي منبوذ يمكن توظيفه", هي نفسها الصيغة الصهيونية الأساسية، وعلى هذا فإن الفكر الصهيوني, في شكله الديني والعلماني فكر استرجاعي.

أما فيما يخص أسطورة "هرمجدون", وهي كلمة مكونة من كلمتين "هار" بمعنى "تل" و"مجدو", اسم مدينة في فلسطين, والتي تقع بالقرب منها عدة جبال ذات أهمية إستراتيجية، وهو ما جعل المدينة حلبة لكثير من المعارك العسكرية في العالم القديم, و"هرمجدون" هي الموضع, الذي ستجري فيه المعركة الفاصلة والنهائية, بين ملوك الأرض, تحت قيادة الشيطان (قوى الشر), ضد القوى التابعة للإله (قوى الخير) في نهاية التاريخ، وسيشترك فيها المسيح الدجال, حيث سيُكتَب النصر في النهاية, لقوى الخير وستعود الكنيسة لتحكم, وتسود مع المسيح, على الأرض لمدة ألف سنة، وبعدها ستأتي السماوات الجديدة والأرض الجديدة والخلود, وقد ورد ذكر "هرمجدون" مرة واحدة في العهد الجديد (رؤيا يوحنا اللاهـوتي "فجَمَعـهم إلى الموضع الذي يُدعَى بالعـبرانية هرمجدون"), ويرتبط كل هذا بعودة اليهود إلى أرض الميعــاد مرة أخرى، فهذا شرط الخلاص (وإن كان يرتبط أيضاً بهلاك أعداد كبيرة منهم تبلغ ثلثي يهود العالم), و"هرمجدون" هي الصورة المجازية الأساسية, في العقائد الألفية الاسترجاعية البروتستانتية, وهي تتواتر في الخطاب الغربي السياسي الديني (خصوصاً في الأوساط البروتستانتية المتطرفة واليهودية الصهيونية), لوصف المعارك بين العرب والصهيونية، أو لوصف أي صراع ينشب في الشرق الأوسط، أو حتى في أية بقعة في العالم، كما يتم إدراك الصرع العربي الإسرائيلي, من خلال هذه الصورة المجازية "هرمجدون", وكثيراً ما يشير بعض رؤساء الولايات المتحدة, إلى هذه الصورة المجازية في تصريحاتهم الرسمية, ولا يمكن الحديث هنا, عن أي تأثير يهودي أو نفوذ للوبي الصهيوني، فمثل هذه المصطلحات المشيحانية متأصلة في الخطاب الديني البروتستانتي, منذ عصر النهضة الغربية، حيث نرى كل التعبيرات والأحداث المجازية, في العهدين القديم والجديد, كنبوءات تاريخية لابد أن تتحقق بحذافيرها.

ومن المعروف أن الأساطير والعقائد الألفية والاسترجاعية, غير معروفة لدى المسيحيين الشرقيين، كما أنها ليست موضع حوار أو مناظرة بينهم.

تترجم حركة المسيحية الصهيونية, أفكارها إلى سياسات داعمة لإسرائيل، وتطلب ذلك خلق منظمات ومؤسسات, تعمل بجد نحو تحقيق هذا الهدف, لذا قامت حركة المسيحية الصهيونية, بإنشاء العديد من المؤسسات, مثل " السفارة المسيحية الدولية" و" التحالف المسيحي الأمريكي" و" أصدقاء إسرائيل المسيحيون" و " مؤتمر المعمدانيين الجنوبيين" و "اللجنة المسيحية الإسرائيلية للعلاقات العامة" ومؤسسة "الائتلاف الوحدوي الوطني من أجل إسرائيل"، ومن أهداف هذه المؤسسات دعم إسرائيل لدى المؤسسات الأميركية المختلفة، السياسي منها وغير السياسي.



#خالد_أبو_شرخ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا نرفض يهودية إسرائيل
- الصهيونية (34) .. الدور الوظيفي الجديد
- الصهيونية (33) .. الدعاية المراوغة
- الصهيونية (32) .. إسرائيل العظمى إقتصاديا
- الصهيونية (31) .. المفهوم الصهيوني - الإسرائيلي للسلام
- الصهيونية (30) .. عسكرة المجتمع الإسرائيلي
- الصهيونية (29) .. نظرية الأمن الإسرائيلية (2)
- الصهيونية (28) .. نظرية الأمن الإسرائيلية (1)
- الصهيونية (27) .. الديموقراطية الإسرائيلية
- الصهيونية (26)..الإرهاب الصهيوني من عام 1967م وحتى إعلان الم ...
- الصهيونية (25).. الإرهاب الصهيوني حتى عام 1967
- الصهيونية (24).. التطهير العرقي في فلسطين أعوام (49-48-47)19 ...
- الصهيونية (23).. التطهير العرقي في فلسطين أعوام (47-48-49)19 ...
- الصهيونية (22) .. الإستعمار الإستيطاني حتى عام 1948م
- عودة إلى موضوع الهولوكوست
- الصهيونية (21) .. التخطيط للتطهير العرقي
- الصهيونية (20) .. الإرهاب الصهيوني حتى عام 1947م
- الصهيونية (19) .. الدولة اليهودية الوظيفية
- الصهيونية (18).. سمات المشروع الصهيوني
- الصهيونية (17)..موقف الجماعات اليهودية


المزيد.....




- -التعاون الإسلامي- يعلق على فيتو أمريكا و-فشل- مجلس الأمن تج ...
- خريطة لموقع مدينة أصفهان الإيرانية بعد الهجوم الإسرائيلي
- باكستان تنتقد قرار مجلس الأمن الدولي حول فلسطين والفيتو الأم ...
- السفارة الروسية تصدر بيانا حول الوضع في إيران
- إيران تتعرض لهجوم بالمسّيرات يُرَجح أن إسرائيل نفذته ردًا عل ...
- أضواء الشفق القطبي تتلألأ في سماء بركان آيسلندا الثائر
- وزراء خارجية مجموعة الـ 7 يناقشون الضربة الإسرائيلية على إير ...
- -خطر وبائي-.. اكتشاف سلالة متحورة من جدري القرود
- مدفيديف لا يستبعد أن يكون الغرب قد قرر -تحييد- زيلينسكي
- -دولاراتنا تفجر دولاراتنا الأخرى-.. ماسك يعلق بسخرية على اله ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد أبو شرخ - الصهيونية المسيحية (1-2)