أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حامد الحمداني - من ذاكرة التاريخ : الحرب العالمية الثانية وتأثيرها على العراق/ الحلقة السادسة والأخيرة















المزيد.....


من ذاكرة التاريخ : الحرب العالمية الثانية وتأثيرها على العراق/ الحلقة السادسة والأخيرة


حامد الحمداني

الحوار المتمدن-العدد: 3506 - 2011 / 10 / 4 - 07:52
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


أولاً: نوري السعيد يؤلف وزارته السادسة، وينتقم من الانقلابيين
فور استقالة حكومة جميل المدفعي، في 21 أيلول 1941، أوعزت السفارة البريطانية إلى الوصي عبد الإله أن يستدعي نوري السعيد، الذي كان يشغل منصب وزير العراق المفوض في القاهرة لتشكيل الوزارة الجديدة، وهذا ما كان، فقد صدرت الإرادة الملكية بتكليفه في 9 تشرين الأول 194 ، وبدأ نوري السعيد باختيار أعضاء وزارته من العناصر المشهود لها بالولاء التام لبريطانيا، وعدائها لحركة الكيلاني والعقداء الأربعة لكي تستطيع تصفية الحسابات مع جميع العناصر التي ساندت حكومة الكيلاني، ولتنفيذ معاهدة 1930 العراقية البريطانية بما يؤمن مصالح بريطانيا ومجهودها الحربي في العراق، وجاءت الوزارة السعيدية على النحو التالي :
1 ـ نوري السعيد ـ رئيساً للوزراء ووزيراً للدفاع.
2 ـ صالح جبر ـ وزيراً للداخلية .
3 ـ علي ممتاز الدفتري ـ وزيراً للمالية.
4 ـ صادق البصام ـ وزير العدل.
5 ـ تحسين علي ـ وزيراً للمعارف.
6 ـ محمد أمين زكي ـ وزيراً للمواصلات والأشغال.
7 ـ جمال بابان ـ وزيراً للشؤون الاجتماعية .
8 ـ عبد المهدي ـ وزيراً للاقتصاد.
وضع نوري السعيد في منهاج حكومته ثمانية أهداف سطرها في رسالة شخصية إلى السفير البريطاني، وبعث بنسخة منها إلى السفير الأمريكي، الذي أرسلها بدوره إلى حكومته ببرقيته المرسلة في 15 تشرين الأول 1941، وجاء فيها: (1)
1ـ تنفيذ المعاهدة العراقية البريطانية بصورة كاملة، ولاسيما بالنسبة لتحضيرات بريطانيا الدفاعية، والمواصلات.
2ـ تطهير الجيش من العناصر المؤيدة لحركة رشيد عالي الكيلاني وللمحور.
3 ـ إحالة الكيلاني والعقداء الأربعة الذين ساهموا وساندوا الحركة إلى القضاء.
4 ـ فصل كافة الموظفين المؤيدين لحركة الكيلاني والمحور، واعتقال العناصر النشطة منهم.
5 ـ فصل كافة المعلمين والأساتذة الذين أيدوا حركة الكيلاني، وتغير كافة المناهج والكتب المدرسية المعادية لبريطانيا.
6 ـ إجراء تغيرات واسعة في وزارة الداخلية بمشورة المستشار البريطاني للوزارة
7 ـ عدم إثارة قضية فلسطين والقضايا العربية الأخرى خلال فترة الحرب.
8 ـ غلق سفارة حكومة [ فيشي ] الفرنسية التي نصبها الألمان بعد سحق فرنسا.
وهكذا بدأ نوري السعيد خططه باعتقال عدد من كبار الشخصيات السياسية الوطنية وتم حجزهم في معتقل [الفاو] في جنوب البصرة، في 29 تشرين الأول 1941، ثم أعقبهم بمجموعة أخرى جاوزت الأربعين من الشخصيات السياسية المعارضة للاحتلال البريطاني، في 20 تشرين الثاني، ثم جرى اعتقال مجموعة كبيرة من الضباط الذين أحيلوا على التقاعد بعد فشل حركة الكيلاني في 27 منه، وتم إيداعهم معتقل الفاو أيضاً.(2)
وفي 7 آذار 1942 جرى اعتقال وجبة رابعة من الوطنيين، وسيقوا إلى معتقل الفاو كذلك، ثم تلتها وجبة خامسة في 7 تموز من نفس العام، وجرى إيداعها معتقل العمارة، وقد ضمت تلك الوجبات خيرة الشخصيات الوطنية من المهندسين والأطباء والمدرسين وأساتذة الكليات ورجال الصحافة، والسياسيين الحزبيين ،والكسبة والعمال والطلاب والتجار، وقد جرى اعتقالهم جميعاً بموجب مرسوم صيانة الأمن العام وسلامة الدولة رقم 56 لسنة 1940 الذي تم بموجبه تعطيل الحقوق الدستورية للمواطنين، وإطلاق أيدي الأجهزة القمعية لوزارة الداخلية [الأمن والشرطة] لتعتقل من تشاء دون أسانيد أو أدلة أو مسوغ قانوني .
وبسبب تمادي نوري السعيد في حملته ضد الوطنيين استقال وزير العدل احتجاجاً على تلك السياسة، وقد تم قبول استقالته في 9 شباط 1942، وصدرت الإرادة الملكية بتعين [داؤد الحيدري] بدلاً منه.
بدأت حكومة السعيد بعد تلك الاعتقالات بمحاكمة رشيد عالي الكيلاني ورفاقه الوزراء كل من:
[علي محمود الشيخ علي] و[يونس السبعاوي]، و[الفريق أمين زكي] وكيل رئيس أركان الجيش، والعقداء قادة الجيش [صلاح الدين الصباغ] [محمود سلمان] و[كامل شبيب] [وفهمي سعيد]، حيث أصدر المجلس العرفي العسكري حكمه بالإعدام غيابياً بحق الجميع، وتم أبدل حكم الإعدام الصادر ضد الفريق أمين زكي إلى الأشغال الشاقة المؤبدة.
كما صدر حكم بالأشغال الشاقة لمدة 15 عاماً على الوزير[ناجي شوكت]، وحكم على الدكتور[ محمد حسن سلمان] بالسجن لمدة سنة، وعلى [ صديق شنشل] بالسجن لمدة 5 سنوات.
ولم يكتفِ نوري السعيد بكل ذلك، بل حرض المحتلين على اعتقال الوزراء السابقين كل من [ناجي السويدي] و[رؤف البحراني] و[محمد علي محمود] و[موسى الشابندر] و[عبد القادر الكيلاني]، وتم إبعادهم إلى [ سالسبوري ] في جنوب أفريقيا.
وفي 4 مايس 1942، سلمت بريطانيا كل من :[يونس السبعاوي] و[محمود سلمان] و[فهمي سعيد] إلى الحكومة العراقية التي أعادت محاكمتهم بنفس اليوم أمام المجلس العرفي العسكري، والذي أيد الحكم السابق الصادر بحقهم، والقاضي بإعدامهم، ونفذ بهم الحكم في اليوم التالي المصادف 5 أيار 1942 بحضور عبد الإله ونوري السعيد.
كان الجو العام ذلك اليوم مكفهراً، وكان الحقد والغضب على حكومة نوري السعيد وعبد الإله والمحتلين البريطانيين يتطاير كالشرر من عيون أبناء الشعب، مما ألقى الرعب في نفوس أولئك القتلة لدرجة أن نوري السعيد لازم داره شهراً كاملاً خوفاً من غضب الجماهير. وقد رثى الشاعر العراقي الكبير [معروف الرصافي] أولئك الشهداء بقصيدة عصماء.
بعد تنفيذ تلك الأحكام طلبت حكومة نوري السعيد من بريطانيا إعادة المعتقلين في جنوب أفريقيا لمحاكمتهم، وقد تمت إعادتهم بالفعل، وأحيلوا إلى المجلس العرفي العسكري الذي أصدر حكمه على كامل شبيب بالإعدام في 16 آب 1944، ونفذ الحكم فيه في اليوم التالي المصادف 17 آب.
كما حكم على كل من الوزراء :
[محمد علي محمود] و[موسى الشابندر] و[رؤف البحراني] بالسجن لمدة خمس سنوات، وعلى الوصي [ شريف شرف] بالسجن لمدة ثلاث سنوات، وعلى رؤف البحراني بالسجن لمدة سنتين، وعلى عبد القادر الكيلاني بالسجن لمدة ثلاثة أشهر، وقد أمر عبد الإله اعتبار هؤلاء جميعا سجناء عاديين، كما أمر بربط أرجلهم بالسلاسل الحديدية.
أما[ صلاح الدين الصباغ ] فقد فرّ إلى تركيا، وبقي هناك حتى عام 1945، حيث سلمته الحكومة التركية تحت الضغط الشديد من الحكومة البريطانية إلى الحكومة العراقية في تشرين الأول 1945، حيث جيء به إلى بغداد، وأمر الوصي عبد الإله بشنقه أمام وزارة الدفاع صباح يوم 16 تشرين الأول، وبقي معلقاً فـوق مشنقته لعدة ساعات، وحضر الوصي لمشاهدته، والشماتة به.
وقد وصف السيد توفيق السويدي إجراءات نوري السعيد تلك بقوله:
{لقد قامت الحكومة السعيدية بأعمال لم تكن الوزارة المدفعية مستعدة للقيام بها، وقد كان من المتوقع أن تقوم الوزارة السعيدية بأعمال ملائمة جداً للرغبات البريطانية}. (2)
أما[ ناجي شوكت] فقد اعتقلته القوات الأمريكية بعد نهاية الحرب في إيطاليا وأعيد إلى العراق حيث حكم عليه بالسجن لمدة 15 عاماً.(3)
أدت إجراءات نوري السعيد القمعية ضد الوطنيين من أبناء الشعب، والطاعة العمياء لإرادة المحتلين البريطانيين، إلى خلق جو من التذمر الشديد، وصل حتى إلى مجلس وزرائه، وأخذ الوزراء يتسللون من الوزارة واحداً تلو الآخر بحجج شتى، تخوفاً مما قد تسببه سياسة نوري السعيد من رد فعل شعبي.
فقد وصف السفير البريطاني في برقيته إلى وزارة الخارجية البريطانية إجراءات نوري السعيد بحق الوطنيين العراقيين قائلاً:
{لقد استمرت حكومة نوري السعيد في قمع النشاطات المعادية للتحالف البريطاني العراقي، فكانت نشاطاتها مرضية بصورة عامة}. (4)
ونتيجة لانسحاب العديد من الوزراء من الحكومة اضطر نوري السعيد إلى تقديم استقالة حكومته إلى عبد الإله في 3 تشرين الأول 1942، بغية إعادة تأليفها من جديد، وجاءت الوزارة على الوجه التالي.
1 ـ نوري السعيد رئيساً للوزراء ووزيراً للدفاع .
2 ـ تحسين العسكري ـ وزيراً للداخلية.
3 ـ صالح جبر ـ وزيراً للمالية.
4 ـ عبد الإله حافظ ـ وزيراً للخارجية.
5 ـ داؤد الحيدري ـ وزيراً للعدل.
6 ـ عبد المهدي ـ وزيرا للأشغال والمواصلات.
7 ـ تحسين علي ـ وزيراً للمعارف.
8 ـ عبد المحسن شلاش ـ وزيراً للاقتصاد.
9 ـ احمد مختار بابان ـ وزيراً للشؤون الاجتماعية.
وفي معرض حديثه عن منهاج وزارته الجديدة، قال نوري السعيد أن الوزارة الجديدة هي امتداد للوزارة السابقة، وأنه سوف يركز جهوده لإصلاح وزارة المعارف!!، وعلى تنظيم الشؤون الاقتصادية، وقضايا التموين.
لم يمضِ أسبوعان على تأليف الوزارة حتى استقال اثنان من أعضائها هما [عبد المحسن شلاش] وزير الاقتصاد، و[عبد المهدي] وزير الأشغال والمواصلات بسبب خلافاتهم مع نوري السعيد حول السياسة الاقتصادية والخارجية، واضطر السعيد إلى إدخال وزيرين جديدين في وزارته هما عبد [الرزاق الازري] و[سلمان البراك] .

ثانياً : نوري السعيد يعلن الحرب على دول المحور
كان على نوري السعيد أن يمضي قدماً في تنفيذ كل ما يطلبه منه المحتلون البريطانيون، وفي مقدمة تلك المطالب إعلان الحرب على دول المحور، وهكذا لم يمضِ على تأليف الوزارة سوى 28 يوما حتى بادر نوري السعيد إلى دعوة مجلس النواب الذي يتمتع فيه بالأغلبية المطلقة إلى النظر في إعلان الحرب على دول المحور، وقد تم له ما أراد، حيث صوت المجلس على قرار يدعو الوصي عبد الإله إلى إعلان الحرب، وقد بادر عبد الإله على الفور إلى إعلان الحرب على دول المحور، حيث صدرت الإرادة الملكية بإعلان الحرب ليلة 16 / 17 كانون الثاني 1943، وبذلك أدخل نوري السعيد وعبد الإله العراق في أتون تلك الحرب التي لا مصلحة له فيها سوى خدمة المحتلين البريطانيين. (5)
وأخذ السعيد يوغل في سياسة القمع واعتقال الوطنيين، وكل من يشم منه رائحة العداء لبريطانيا، واستمرت المحاكم العرفية العسكرية تطحن بالأبرياء، فلم يكن نوري السعيد سوى أداة منفذة لإرادة الإمبرياليين البريطانيين الذين صاروا هم الحكام الفعليين للبلاد، يتدخلون في كل صغيرة وكبيرة، ويصدرون الأوامر باعتقال وسجن من يشاءون من المواطنين. كما عمل نوري السعيد على تعديل القانون الأساسي[ الدستور]، ووسع بموجبه صلاحيات الملك، وخاصة منحه صلاحية إقالة الوزارة، وإقرار تنصيب عبد الإله ولياً للعهد. (6)

ثالثاً: نوري السعيد يزور الانتخابات،ويعيد تأليف وزارته:
في التاسع من حزيران 1943، أقدم نوري السعيد على حل البرلمان، وأجرى انتخابات جديدة تحت ظل الأحكام العرفية، و[مرسوم صيانة الأمن العام وسلامة البلاد] السيئ الصيت، وقد تم إعداد قائمة بمرشحي الحكومة والسفارة البريطانية والوصي عبد الإله، وجاء المجلس الجديد بأكثرية موالية للوصي.
وبعد الانتهاء من الانتخابات تقدم نوري السعيد باستقالة حكومته، في 19 كانون الأول 1943، وتم قبول الاستقالة، وكلفه عبد الإله من جديد بتأليف الوزارة الجديدة في 15 منه، وجاءت الوزارة على الوجه التالي: (7)
1 ـ نوري السعيد ـ رئيساً للوزراء، ووزيراً للدفاع.
2 ـ توفيق السويدي ـ نائباً لرئيس الوزراء.
3 ـ محمود صبحي الدفتري ـ وزيراً للخارجية.
4 ـ عمر نظمي ـ وزيراً للداخلية.
5 ـ علي ممتاز الدفتري ـ وزيراً للمالية.
6 ـ أحمد مختار بابان ـ وزيراً للعدل.
7 ـ صادق البصام ـ وزيراً للأشغال والمواصلات.
8 ـ عبد الإله حافظ ـ وزيراً للمعارف.
9 ـ سلمان البراك ـ وزيراً للاقتصاد .
10 ـ محمد حسن كبه ـ وزيراً للشؤون الاجتماعية.
11 ـ ماجد مصطفى ـ وزيراً بلا وزارة.
كان في مقدمة المهام التي أخذها نوري السعيد على عاتقه بعد تأليف وزارته الجديدة هي ترويض الجيش عن طريق تقليصه وإضعافه، وتجريده من سلاحه، لكي يأتمن جانبه بعد تلك الحركة التي قادها الكيلاني خلال شهري نيسان وأيار 1941، والتهاب الشعور الوطني الجياش الذي عم جنوده وضباطه على حد سواء، وخاصة بعد اصطدامه بالجيش البريطاني الذي احتل العراق مجدداً.
فبعد أن كان الجيش العراقي قبل أحداث أيار 1941 يضم [ 45 ألف جندي ] و[1800 ضابط ] قلّصَ نوري السعيد عدد أفراده إلى [ 25 ألفا] .
كما فصل عدداً كبيراً من الضباط، وضباط الصف، وأعاد إليه الضباط والمستشارين البريطانيين الذين كانت حكومة الكيلاني قد أنهت خدماتهم.
وبنفس الوقت سعى نوري السعيد إلى زيادة عدد أفراد جهازي الأمن والشرطة وتنظيمهما وتدريبهما، وتم رفع ميزانيتهما إلى ثلاثة أضعاف عما كانت عليه قبل أحداث أيار 1941، من أجل إعدادهما لقمع الحركة الوطنية.(8)
كما أقدم نوري السعيد على إعارة كل ما لدى العراق من معامل عسكرية وذخائر للجيش البريطاني لتعزيز مجهوده الحربي، وجاء فيضان نهر دجلة، وغرق معسكر الرشيد، ومعسكر القوة الجوية، وغرق مخازن العتاد المشيدة تحت الأرض فيهما على البقية الباقية من العتاد الذي أصابه التلف، وبذلك غدا السلاح العراقي البسيط أصلاً بدون عتاد.
كما أقدم نوري السعيد على زج بقية القطعات العسكرية في الحرب ضد الأكراد في كردستان، حيث أعلن الملا مصطفى البارزاني الثورة على الحكومة، وقيل آنذاك أن بريطانيا وسفارتها في بغداد لم تكن بعيدة عن تدبير ذلك، فقد كان المخطط البريطاني يرمي إلى إضعاف الجيش العراقي وإنهاكه،عن طريق إشغاله في حرب أهلية مع الأكراد.(9)
ولم يكتفِ نوري السعيد بكل ذلك، بل سخر كل إمكانيات البلاد المدنية والعسكرية والخدمات المخصصة أصلاً لأبناء الشعب لخدمة جيش الاحتلال.
فقد وضع الميناء، وسكك الحديد، ودوائر البريد والبرق والهاتف في خدمة القوات البريطانية دون مقابل، حارماً أبناء الشعب من الاستفادة منها، وحتى المستشفيات، ومديرية الأشغال العامة، والمعامل العائدة لمدارس التدريب اليدوي كلها تم وضعها في خدمة القوات البريطانية.
كما أدى استخدام القوات البريطانية للآليات الثقيلة إلى إتلاف الطرق العراقية دون أن تقدم بريطانيا أي تعويض عن تلك الأضرار. (9)
وخلاصة القول لم يترك نوري السعيد شيئاً إلا وقدمه للمحتلين ودون مقابل، فيما سيطرت قوات الاحتلال على الفائض الزراعي والحيواني، كالقطن والصوف والتمور، وبذور السمسم، والحبوب، والفواكه والخضراوات وغيرها، لقاء أسعار زهيدة، مما سبب في قلة المعروض في السوق، وبالتالي ارتفاع أسعارها، وتحمل أبناء الشعب العراقي الذي يعاني أصلاً من ضائقة اقتصادية صعبة أعباء اقتصادية جديدة نيابة عن المحتلين.
وعلى الصعيد المحلي أقدم نوري السعيد على إلغاء رخص كافة الأحزاب والجمعيات التي كانت موجودة اسمياً، ومجمدة فعلياً بسبب سياسة القمع، وذلك بموجب قانون جديد للجمعيات أصدرته حكومته، وخول القانون المذكور وزير الداخلية صلاحية تصفية كافة ممتلكاتها لصالح الدولة.
إن السياسة التي سارت عليها حكومات نوري السعيد الثلاثة المتعاقبة، كانت تلقى الاستهجان والازدراء من قبل الشعب العراقي، وكلما كانت تلك الحكومات توغل في جرائمها بحق الشعب والوطن، كلما كانت المعارضة لنوري السعيد تتصاعد حتى وصلت إلى النواب الذين جاء هو بهم إلى المجلس النيابي، وبدأ العديد من النواب يشنون حملات عنيفة على الحكومة، وإجراءاتها المعادية لمصالح الشعب والوطن .
ضاق نوري السعيد ذرعاً بالنواب المعارضين له، وشكاهم للوصي عبد الإله، ولاسيما وأن قسماً منهم كان يلمح إلى أنهم مسندون من البلاط، وفي حقيقة الأمر أن عبد الإله نفسه لم يكن مرتاحاً لاستئثار نوري السعيد بكل شيء، وخاصة بالنسبة لعلاقاته بالسفارة البريطانية، مما جعل نفوذه يتصاعد يوماً بعد يوم، وقيل آنذاك أن الوصي نفسه أوعز لبعض النواب المحسوبين على البلاط ليهاجموا نوري السعيد وحكومته بأقذع الكلام، مما دفع السعيد إلى تقديم استقالة حكومته في 19 نيسان 1944، بعد أن أرفق استقالته بمذكرة رفعها للوصي وتحدث فيها عن أعماله ومنجزات حكوماته الثلاث، صانعاً من نفسه ذلك الرجل الذي خدم بلاده وشعبه أعظم خدمة، في حين لم يكن سوى خادماً مطيعاً للمحتلين البريطانيين. (10)
لم يستطع الوصي البت في استقالة حكومة السعيد فوراً، إذ كان عليه أن يحصل على موافقة السفارة البريطانية قبل البت فيها، والاتفاق على شخصية رئيس الوزراء الجديد، ولذلك فقد تأخر البت في الاستقالة أكثر من شهر، فما كان من السعيد إلا أن بعث للوصي بمذكرة جديدة في 23 مايس، وقد اتسمت بلهجة حادة هاجم فيها نواب المعارضة المحسوبين على البلاط، والذين تهجموا على أشخاص الوزارة، ونعتوهم بنعوت قاسية، متهماً البلاط بدور له فيها. (11)
أثارت مذكرة نوري السعيد المرسلة للوصي في 22 أيار 1944 غضب عبد الإله وانزعاجه، وقام برد المذكرة إلى نوري السعيد، و سارع إلى قبول الاستقالة مستنداً إلى كتاب الاستقالة المرفوعة في 19 نيسان 1944، وصدرت الإرادة الملكية في 3 حزيران 1944، من دون أن يشير عبد الإله إلى مذكرة نوري السعيد، بل تجاهلها تماماً. (12)
وتم تكليف [حمدي الباجه جي ] في نفس اليوم، وتأليف الوزارة الجديدة على الوجه التالي :
1 ـ حمدي الباجه جي ـ رئيساً للوزراء.
2 ـ أرشد العمري ـ وزيراً للخارجية، ووزيراً للتموين.
3 ـ مصطفى العمري ـ وزيراً للداخلية.
4 ـ صالح جبر ـ وزيراً للمالية.
5 ـ أحمد مختار بابان ـ وزيراً للعدل.
6 ـ تحسين علي ـ وزيراً للدفاع .
7 ـ عبد الأمير الأزري ـ وزيراً للمواصلات والأشغال.
8 ـ إبراهيم عاكف ـ وزيراً للمعارف.
9 ـ توفيق وهبي ـ وزيراً للاقتصاد.
10 ـ محمد حسن كبه ـ وزيراً للشؤون الاجتماعية.
جاءت هذه الوزارة على غير انسجام بين أعضائها، فقد ضمت عناصر تريد السير في ركاب المحتلين البريطانيين دون قيد أو شرط، وعناصر أخرى تحاول الموازنة بين مصالح المحتلين ومصالح البلاد، وكان على رأس المجموعة الأخيرة وزير الدفاع [ تحسين علي]،الذي اختلف مع رفاقه الوزراء حول طلب الجنرال [رنتن] الذي أرسلته بريطانيا على رأس وفد عسكري لتفقد الجيش العراقي، فقد طلب رنتن إلغاء فرقتين من الجيش العراقي المؤلف من أربعة فرق، وعارض تحسين علي الطلب البريطاني، وأحال تقرير[ رنتن] إلى مجلس الدفاع الأعلى لدراسته، وإبداء وجهة نظره في الموضوع .
وجاء قرار مجلس الدفاع بالإبقاء على الفرق الأربعة خلافاً لإرادة البريطانيين، والعمل على تنفيذ قانون التجنيد الإجباري من قبل الأجهزة الإدارية والعسكرية لرفد فرق الجيش بالجنود، وإكمال نواقص الملاك في الوحدات العسكرية، ووقف وزير الدفاع [تحسين علي] إلى جانب المجلس الأعلى للدفاع .
لجأ الجنرال رنتن إلى عبد الإله شاكيا له موقف وزير الدفاع، وسارع عبد الإله إلى عقد اجتماع في مصيف سرسنك حضره وزير الدفاع [ تحسين علي] ووكيل رئيس أركان الجيش [الفريق إسماعيل نامق] ومدير الحركات [الزعيم الركن إسماعيل صفوت] و[المقدم وفيق عارف]، وحضر الاجتماع [الجنرال رنتن ]، وقد جرى نقاش مطول حول طلب الجنرال رنتن، وفي ختام الاجتماع تقرر كحلٍ وسط،الإبقاء على الفرقتين المطلوب حلهما، على أن تكون غير مسلحة، وتخصص للتدريب!!.
وجراء هذا الأجراء أصبح حوالي 400 ضابط خارج ملاك الجيش، وكان رأي وزير الدفاع عدم إحالتهم على التقاعد، وتوزيعهم على ملاكات الجيش، لكن وزير الخارجية أرشد العمري أعترض في اجتماع مجلس الوزراء على خطة وزير الدفاع، وأصر على إحالة هؤلاء الضباط على التقاعد، ونتيجة لذلك حدثت مشادة بين الوزيرين، حيث اعتبر وزير الدفاع موقف أرشد العمري تدخلاً في شؤون وزارته، وهدد بالاستقالة.
غير أن وكيل رئيس الوزراء [ صالح جبر] قرر إرجاء البت في الموضوع لحين عرضه على الوصي عبد الإله، ولدى عرض الموضوع عليه أيّد الوصي موقف أرشد العمري، مما دفع بوزير الدفاع إلى تقديم استقالته، والخروج من الاجتماع وكان ذلك في 28 آب 1944.
لكن وزير الدفاع فوجئ بصدور إرادة ملكية بتعينه وزيراً للأشغال والمواصلات بدلا من قبول استقالته، وقد رفض القبول بالمنصب، وأصر على الاستقالة، وفي الوقت نفسه هدد كل من أرشد العمري، ومصطفى العمري، وصالح جبر بالاستقالة إذا ما بقي تحسين علي وزيراً للدفاع. (13)
لم يكن أمام رئيس الوزراء إلا أن يقدم استقالة حكومته، بغية التخلص من تحسين علي، وعليه فقد توجه إلى الوصي عبد الإله في 28 آب 1944 لتقديم استقالة حكومته، وقد تم قبول الاستقالة، وكلف الوصي رئيس الوزراء المستقيل بتأليف الوزارة الجديدة في اليوم التالي 29 آب، وجاءت على الوجه التالي:
1 ـ حمدي الباجه جي ـ رئيساً للوزراء.
2 ـ ارشد العمري ـ وزيراً للخارجية، ووزيراً للدفاع وكالة.
3 ـ صالح جبر ـ وزيراً للمالية، ووزيراً للتموين وكالة.
4 ـ عبد الأمير الأزري ـ وزيراً للأشغال والمواصلات.
5 ـ توفيق وهبي ـ وزيراً للاقتصاد.
6 ـ محمد حسن كبه ـ وزيراً للشؤون الاجتماعية.
7 ـ مصطفى العمري ـ وزيراً للداخلية.
8 ـ أحمد مختار بابان ـ وزيراً للعدل.
9 ـ إبراهيم عاكف ـ وزيراً للمعارف.
وهكذا تبين أن الهدف من التغير الوزاري كان التخلص من وزير الدفاع، تحسين علي، وتنفيذ ما أراده الجنرال [رنتن] في تقريره لتقليص الجيش، وإحالة الضباط على التقاعد.



#حامد_الحمداني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من ذاكرة التاريخ: الحرب العالمية الثانية وتأثيرها على العراق ...
- من ذاكرة التاريخ: الحرب العالمية الثانية وتأثيرها على العراق ...
- من ذاكرة التاريخ: الحرب العالمية الثانية وتأثيرها على العراق ...
- من ذاكرة التاريخ: الحرب العالمية الثانية، وتأثيرها على العرا ...
- من ذاكرة التاريخ: الحرب العالمية الثانية، وتأثيرها على العرا ...
- هكذا تم تشريع الدستور على مقاس الحلف الشيعي الكردي
- تحالف الاحزاب الطائفية الشيعية والقومية الكردية
- المالكي، والدستور ، ومشاريع القوى القومية والطائفية لتمزيق ا ...
- من ذاكرة التاريخ: مؤامرة نوري السعيد لاسقاط حكومة جميل المدف ...
- من ذاكرة التاريخ : وفاة الملك فيصل الأول في ظروف غامضة وتولي ...
- هذا هو الطريق لإنقاذ العراق وشعبه من الأزمة الراهنة
- من ذاكرة التاريخ: الملك فيصل يطلب من نوري السعيد تقديم استقا ...
- من ذاكرة التاريخ: هكذا فرض نوري السعيد معاهدة 1930 على العرا ...
- من ذاكرة التاريخ: معاهدة 1930 وراء انتحار عبد المحسن السعدون ...
- من ذاكرة التاريخ: اسرار مقتل الملك غازي
- مَنْ المسؤول عن انتكاسة واغتيال ثورة 14 تموز؟/ القسم الثاني ...
- مَنْ المسؤول عن انتكاسة واغتيال ثورة 14 تموز؟ القسم الأول
- وحدة قوى التيار الديمقراطي طريق الخلاص للشعب العراقي من أزمت ...
- هذا ما قدمه الزعيم الوطني عبد الكريم قاسم، فماذا قدمتم يا حك ...
- هذا ماقدمه الزعيم الخالد عبد الكريم قاسم فماذا قدم حكامنا ال ...


المزيد.....




- فرنسا: الجمعية الوطنية تصادق على قانون يمنع التمييز على أساس ...
- مقتل 45 شخصا على الأقل في سقوط حافلة من على جسر في جنوب إفري ...
- جنرال أمريكي يوضح سبب عدم تزويد إسرائيل بكل الأسلحة التي طلب ...
- شاهد: إفطار مجاني للصائمين في طهران خلال شهر رمضان
- لافروف عن سيناريو -بوليتيكو- لعزل روسيا.. -ليحلموا.. ليس في ...
- روسيا تصنع غواصات نووية من جيل جديد
- الدفاع الأمريكية تكشف عن محادثات أولية بشأن تمويل -قوة لحفظ ...
- الجزائر تعلن إجلاء 45 طفلا فلسطينيا و6 جزائريين جرحى عبر مطا ...
- لافروف: الغرب يحاول إقناعنا بعدم ضلوع أوكرانيا في هجوم -كروك ...
- Vivo تكشف عن أحد أفضل الهواتف القابلة للطي (فيديو)


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حامد الحمداني - من ذاكرة التاريخ : الحرب العالمية الثانية وتأثيرها على العراق/ الحلقة السادسة والأخيرة