أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هدى حاجي - مراسم الرياء














المزيد.....

مراسم الرياء


هدى حاجي

الحوار المتمدن-العدد: 3504 - 2011 / 10 / 2 - 00:14
المحور: الادب والفن
    


حين كانت طفولتي ضفافا مفتوحة على موجة السّؤال كانت أصداف الألغاز مرميّة هنا و هناك على وجنة براءتي أتلمّسها بأنامل مغلّفة بالحيرة و الدّهشة...الغول و الأشباح و الخفافيش التّي تخنق الولدان..و ليل رهيب أعد فيه أنفاس خوفي تحت ملاءة الهواجس و الكوابيس..

لما كبرت أدركت أنّ الغول هو محض حكاية طالعة من جرار العتمة و هو مجرد وهم غزلته عناكب في شرنقة ذاكرة جدتي ..

اليوم لما غادرت بحيرة طفولتي الغامضة بمياهها العذبة و المرة ..كنت أشتهي أن أسحب أقدامي من طينها الرخو لأقف على أرض أشدّ صلابة و أقلّ عتمة ..

آلمني أنّي تركت أسماك أحلامي الملوّنة تتقافز في نوافير الدّهشة لكنّي وعدت روحي بأن أجدها هنا ترقص في لازورد المتوسط الذي يلف خصر بلدي ..

غير أني فوجئت بمجموعتها النّادرة السّحر ميتة على ضفاف الجراح النّازفة بأزهار الدّم ..

من قتل أحلامي و أحلام أمّي و جدّتي منذ خمسين عاما ؟؟

كنت أحلم بشيء بسيط كالماء و عبق كالزعتر الجبلي ..و لذيذ كتينة ملفوفة في شهدها..

شيء ينفجر من أعماقي كما الينابيع الكوكبية حين تفيض بالنّجوم ..فرح ما يغمر رئتي و يرفرف بجناحيه الخفيفين كطائر غيبي يحملني الى حدود الشّمس ..

حلمت أن أحب هذا البلد دون أن يكون ملتفّا في عباءة أحد..حلمت أن أسرح نظري في هامات النخل المثقل بالرّطب الشّفاف غير أنّي لم أر في أعذاقه غير حبّات عرق الكادحين .

كم اشتهيت أن تضيء فوانيس الزّيتون المنبجسة من تحت القباب الفستقية كي ترقص الفراشات الثّملة بالحبّ و يوشوش النحل بأهازيج الحرّية

غير أنّ سحائب غمام رصاصيّ لفتّ الأشفاق الزرق و غطّت تيجان الشّجر و ذرت رمالها الحارقة في عيون النّاس

و قال شيخ طاعن في الولاءات إنّ هذا جلباب أبينا و حامينا و محرّرنا فلولاه ما انفلقت نوافير القمر بوادينا ..

و قال آخر :في حقيقة الأمر ما كان الزّعيم بأبينا غير أنّه الغول الذّي تغوّل فينا .. فنحن قد جُبلنا على الطاعة و تقديم القرابين للواحد الأوحد المتربّع فينا

قلت لقصيدتي التّي انفطرت من ضلع نبوءتي ..كوني طاهرة من مراسم المدح و الرياء ..كوني أنا..

حين هرم الغول المتعملق فينا و انتابته اعراض الوهن تقافرت البراغيث تمتصّ ما تحت جلده الشّاحب من سؤدد باهت و سطوة خائرة و تجاسر قراد الخيل يمتّص دم العرش الخرف . و لمّا كان دم العرش من سلالة الغيلان بات القراد غولا صغيرا ..كان شرها و دمويا .. حين نما نابه المجبول من الغدر و الخّسة نهش يد الغول الذي بات مجرد مومياء تحرّكها خيوط ديدان خفيّة..و أضحى الغول الغدّار منقذ البلاد و العباد و أطلت من شقوق الأرض المكسوّة بغلائل شقائق النعمان و الحبق البريّ ديدان صغيرة و كبيرة وطفقت تنهش الأخضر و اليابس..

رأيت جحافل جراد تقضم جذوع اللّوز و المشمش و شاهدت ذئابا تنهش نهود الدوالي الملتمعة بالأمنيات ..كانت خناجر مخالبها تخدش خدّ الّتفاح البلوريّ الرؤى .

رأى فلاّح طين حقله الشّاحب يتضرّع للسّماء كي لا تموت جميزة وعدت عصفورين عاشقين بفنن أقل يباسا و أكثر نضارة لعشّ محتمل في ربيع الحبّ ..

و ظلّت صبيّة تنتظر فتاها عشرين عاما .. شابت جدائلها و هو خلف قضبان زنزانته الباردة لكن جديلة الحلم ما شابت

لم ينس الجلّنار أن يهدي لوعته للمنافي خلف البحار .. و هناك في شرق المتوّسط تينع حرائق في أفئدة أمّهات يحترفن الصبر و الانتظار..

و ذات غيمات غضب نارّي اعتمل التّمرد في هتافات الحناجر و سفحت أنهار الاباء جداول الدّماء و شوهدت زنبقة حريّة تسامق بهامتها الهشّة نخلات الضّياء .. و قالت قنوات أجنبية أنّ الغول فرّ على عجل الى دولة عربية...

في تلك اللّيلة المنفلة من معاريج السّماء ..كان التّرقّب جبلا و الحريّة سدرة المنتهى .

أطلّت من الشّاشة الفضّيّة غيلان طاعنة في المكر و الخداع ..في تلك الليلة احتفل العالم بالمعجزة الأسطورية .. غير أنّ قلبي المتوجّس كان طائرا حزينا يشتهي أن يزقرق و لو كذبا في كرنفال الفرح المسروق..

رأيت الثّوّار يعتصمون بحبل الثّورة و يجدلون من أوراقها النّضرة أحلامهم المطرّزة بالملاحم وشاهدت اللّصوص القدامى و قراصنة الحريّة و غيلان أخرى وليدة في حفلة التّكاذب العلني..

لكنّي لم أر بعد قلبي يتفتح وردة فرح لحورية الأزمان تونس التّي تاهت عني منذ أزمان .. كما أنّي لم استطع أن أندسّ في حضنها الأخضر كي أنسى سنوات القمع و حزني المقيم



#هدى_حاجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة الى أبناء قراد الخيل :العبيد الذين استكانوا لعبوديتهم
- رسالة المعتصمين بحبل الثورة الي النّخب السياسيّة المتكالبة ع ...
- رسالة لجرحنا المغدور بخنجر أخويّ : لو أحبّ إخوة يوسف يوسف


المزيد.....




- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هدى حاجي - مراسم الرياء