|
اليسار و البدائل الديموقراطية بالمغرب
بودريس درهمان
الحوار المتمدن-العدد: 3500 - 2011 / 9 / 28 - 13:10
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
خلال عشرية الستينات و عشرية السبعينات بل حتى إلى حدود منتصف عشرية الثمانينات من القرن الماضي، كان الاعتقاد في أجرأة بعض المفاهيم الفكرية المستمدة من المادية التاريخية جد سهلة و واضحة. في حين، اليوم، هذه المفاهيم، لم تعد، ليس فقط، قابلة للاعتقاد بل غير قابلة حتى للأجرأة. هذه المفاهيم الإجرائية المستمدة من المادية التاريخية و التي وضحها بشكل مفصل المفكر اليوناني نيكوس بولانتزاس في جل مؤلفاته هي مفهوم الهيمنة الإيديولوجية و مفهوم السيطرة السياسية. هذه المفاهيم كانت خلال العشريات السابقة الذكر أي عشريات الستينات و عشريات السبعينيات و الثمانينات من القرن الماضي، كانت تنظم الحقل السياسي و الإيديولوجي و كانت تساهم في حدوث نوع من الاستقرار الذهني و نوع من الوضوح المعرفي؛ لكن انطلاقا من بداية عقد تسعينات القرن الماضي مع اجتياح قيم العولمة لم تعد هذه المفاهيم قابلة لخلق القناعة و قابلة لهيكلة الحقل السياسي و الإيديولوجي. من بين المفاهيم الأساسية التي وطدها المفكر اليوناني نيكوس بولانتزاس، و هو واحد من المفكرين المنتمين إلى ما يسمى بالماركسيين الجدد، نجد مفهوم الهيمنة الإيديولوجية و مفهوم السيطرة السياسية هذان المفهومان كانا يشكلان خلال تلك الحقبة التي ظهروا فيها نوعا من تقاسم المجالات ما بين الدولة من جهة و القوى السياسية المعارضة من جهة أخرى. المجال السياسي المحدد في التمثيلية البرلمانية الوطنية و التمثيلية المحلية الممثلة في البلديات و الغرف المهنية كان من اختصاص الدولة التي كانت تستفرد به لوحدها و كانت تمارسه عن طريق الأحزاب الإدارية الممثلة في البرلمان و التي صنعت لهذا الغرض؛كانت الدولة تستفرد بالمجال السياسي الممثل في البرلمان و الجماعات المحلية و كانت المعارضة الممثلة في الأحزاب اليسارية بالخصوص تستفرد بالمجال الثقافي الإيديولوجي و تستفرد حتى بالمحددات الأساسية للمجال التربوي و الإعلامي. استمر هذا التقسيم للمجالات إلى حدود سنة 1982، أي مباشرة بعد التظاهرات الجماهيرية للدار البيضاء التي حصلت صيف سنة 1981 و بالضبط يوم 20 يونيو. سنة 1982 بدأت الدولة في تطبيق سياسة جديدة ممثلة في منازعة اليسار في المجال الثقافي الإيديولوجي و في منازعته حتى في تحديد الموجهات الأساسية للحقل الإعلامي و التربوي و قد لجأت لإنجاح هذه المنازعة المجالية إلى خلق جمعيات ثقافية كبرى بوسائل إمكانيات مالية و لوجيستيكية ضخمة. استفراد الدولة بالمجالين الرئيسيين، أي المجال السياسي و المجال الثقافي الإيديولوجي الذي يدخل ضمنه حتى المجال الإعلامي و المجال التربوي لجأت الدولة من أجل خلق عملية استقطاب ذهني و وجداني إلى المجال الديني. هكذا تم تحويل المجال الديني، الذي هو مجال شخصي بامتياز إلى مجال اجتماعي و سياسي قوي الانفعالات... تنظيم المجالات و اقتسامها ما بين السلطة و المعارضة كان تقريبا حلا ذكيا مؤقتا، لأنه استطاع تهميش المطلب الأساسي لقوى اليسار الذي هو فصل السلط و تنظيم جهاز الدولة عن طريق دعم حياده و تقويت خبرته. لكن مباشرة مع بداية التخلي على حل تنظيم المجالات و اقتسامها، و بداية الاستثمار في المجال الديني عن طريق تحويله إلى مجال إيديولوجي لخلق القناعة السياسية و التربوية دخلت قوى أجنبية على الخط و استثمرت هي الأخرى في المجال الديني و بدل أن يقوم هذا المجال بوظيفته الإيديولوجية و التربوية كما كانت تقوم بذلك مختلف العلوم و الفنون و التيارات الثقافية و المعرفية المتعددة أصبح هذا المجال مجالا يهدد النظام الدولي و يعرقل الاقتصاد العالمي بالإضافة إلى نشره لقيم التخلف و الفوضى الغير معترفة بكل الحدود. هكذا، لما كان اليسار يشكل القوة السياسية الأساسية للمعارضة و لما كان هو من يمارس الهيمنة الرمزية الإيديولوجية بداخل الحقل الفكري و الثقافي و لما كانت فيه الدولة بواسطة ما كان يسمى الأحزاب الإدارية تمارس السلطة السياسية. كان هذا النوع من التقسيم نسبيا مرضيا للجميع و بداخله كانت تتم ممارسة كل أشكال التعبير المختلفة، لكن انطلاقا من سنة 1981 و مع بداية هبوب رياح العولمة بدأ التفكير في إعادة النظر في هذا الهيكل المنظم. الدافع الأساسي للتفكير و لإعادة النظر في ذلك الهيكل التنظيمي المتقادم هو أن القوى السياسية المهيمنة إيديولوجيا و فكريا ، اليسار بشكل عام، استطاع إيجاد بدائل ديمقراطية للسلطة السياسية المهيمنة التي كانت تمثلها المكونات البرلمانية المتحكم فيها و المكونات التمثيلية المحلية المتحكم فيها أيضا؛ القوى السياسية اليسارية استطاعت إيجاد بدائل ديموقراطية في حين القوى البرلمانية و القوى المحلية لم تستطع إيجاد مخارج فكرية و إيديولوجية و مخارج سياسية لتفادي المجابهة، كالمجابهة التي حصلت سنة 1981 بالدار البيضاء و المجابهة التي حصلت سنة 1984 بالريف الأوسط و مجابهة سنة 1994 بفاس بالإضافة إلى مجابهة سنة 1999 بالعيون و غيرها. عدم الاعتماد على البدائل الديمقراطية التي أفرزها اليسار الديمقراطي بالمغرب و الاستمرار في الاستثمار في المجال الديني جعل الواقع المغربي: مجابهات و اصطدامات.
#بودريس_درهمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاحتياط الاستراتيجي لممارسي التخلف السياسي
-
-الناس العاديون- و -الناس المحترمون- لغة القاموس الدولي الجد
...
-
مخاطر الهوياتيين الممانعين و البعد الاستراتيجي لترسيم اللغة
...
-
ميشيل دوبري و الملكية الرئاسية في فرنسا
-
آلام عنف الثوار
-
المندوبية السامية للتخطيط، مجموعة باريس 21 و دول التعاون الخ
...
-
الحكم الذاتي المحلي: الخيار الدولي بالقانون
-
-المجلس السياسي الأمريكي الأوروبي- و موجة الثورات
-
معالم الدستور المقبل
-
الثورات و تقنيات الجيل الرابع من الحروب
-
التدبير المفوض و الجهوية المدسترة
-
حزب العدالة و التنمية و الشرعية الديمقراطية
-
دساتير النظام العالمي القديم
-
الثورات و الفلسفة الأوروأطلسية الجديدة
-
مخيم اكديم ازيك و الإيديولوجية الأوروأطلسية
-
رؤساء أم عملاء؟
-
الرعب الأبيض و عملية التشبيك الاجتماعي
-
مفاتيح الثورات توجد في ثنايا التاريخ
-
أجيال الخيبة، جيل الثورة و النظام الإقليمي الجديد
-
الجامعة العربية و روح و عقل الشعوب
المزيد.....
-
لدرجة لا يمكن التعرف عليها.. شاهد مقدمة حفل تخطئ بشدة في نطق
...
-
مسؤول أمريكي يكشف عن أهم مطلب لولي العهد السعودي خلال اجتماع
...
-
إطلاق النار على فلسطيني عند نقطة تفتيش إسرائيلية قرب القدس
-
عوامل جذب جديدة.. آخر صيحات الموضة على شواطئ السعودية
-
باير ليفركوزن يطمح إلى -غزو الكرة الأوروبية- بعد تسيد البوند
...
-
نائبة مصرية: مشاركة القطاع الخاص -يوم أسود في تاريخ الصحة ال
...
-
سياسية ألمانية تنتقد استراتيجية بلادها تجاه أوكرانيا: ستدفعن
...
-
مسؤول دفاعي ردا على دعوة سموتريتش للسيطرة على جنوب لبنان: هل
...
-
هنغاريا.. اصطدام سفينة مع زورق في نهر الدانوب يسفر عن مقتل
...
-
علييف يرفض تدخل الدول غير الإقليمية في شؤون جنوب القوقاز
المزيد.....
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
المزيد.....
|