أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - صباح كنجي - الرحيل المؤلم لعاشق الحرية..















المزيد.....

الرحيل المؤلم لعاشق الحرية..


صباح كنجي

الحوار المتمدن-العدد: 3492 - 2011 / 9 / 20 - 12:54
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    


الرحيل المؤلم للمخرج والصحفي، الصديق هادي المهدي، لا يشكل صدمة وفاجعة كبيرة لمن عرفهُ أو سمِعَ به من الناحية العاطفية وفي المقدمة منهم زوجته الفنانة ميديا معروف وبقية أفراد عائلته و اصدقائة، بقدر ما هو جريمة بحق من عشق الحرية والحياة وتطلع إلى الشمس..
هادي المهدي لم يكن مخرجاً أو فناناً مسرحياً وكاتباً مبدعاً، أنتجَ في مراحل صعبة العشرات من المسرحيات والأفلام والمسلسلات والبرامج الجريئة والكتب ناهيك عن مساهماته الصحفية. بل كان إنساناً.. إنساناً في غاية البساطة والوضوح..
تعرفتُ عليه في دمشق في أجواء الغربة التي منحتنا نصف حرية والكثير من المعاناة.. كنا نلتقي ونتحاور وجمعتني به علاقة صداقة بدأت في أروقة مقهى الروضة مع صديق آخر هو المخرج ناجي عبد الأمير الذي كانَ قد غادر العراق أيضاً من جراء التعسف والقمع مع العديد من المثقفين والفنانين الذين كانت دمشق محطة مفروضة عليهم..
في دمشق مارس هادي العمل الصحفي وبدأ في كتابة المقالات لعددٍ من صحف المعارضة التي كانت تدفع بالقيراط.. إذ كنا نواجه خطر الجوع والطرد من السكن في حالة عدم توفير الأجار المطلوب في كل شهر.. مشكلتي كانت اخف وطأة من هادي.. كنت قد استأجرت غرفة الصديق الدكتور العراقي علي هاشم وفي حالة عدم استكمال مبلغ الإيجار كان بالإمكان ترحيل بقية المبلغ للشهر التالي.. أما هو فكانت زوجته ميديا مرافقة له وكان بالإضافة إلى ذلك يعمل في مجال الإخراج الذي يتطلبُ في سوريا البعث أن يصرف المخرج من جيبه على العمل ناهيك عن التفكير بالحصول على مبلغ من المال من جهده الإبداعي في هذا المجال..
على سبيل المثال كانت صحافة المعارضة العراقية في أجواء الغربة و شحت الأموال تدفعُ لمن يكتب عن المقال بحدود 1500 ليرة سورية بينما تدفع صحف الدولة السورية لمن يكتب فيها مبلغ150 ليرة فقط، وهذا لا يسدُ أجور التاكسي في حالة اضطرارك لإيصالها إلى مبنى الجريدة..
مع ذلك فقد غامر مهدي عاشق الحرية الذي لم تكن تحد من تطلعاته الحواجز والموانع إلى إخراج عدد من المسرحيات في دمشق.. وأذكر انه حينما بدأ بالتهيؤ لعرض مسرحية (دائماً وأبداً) التي تطلبت منه عملاً وجهداً مستمرأ لأكثر من شهرين مع الممثلين الذين تدربوا على بروفاتها بشكل منتظم، قد أعطاني عدداً من البطاقات لأوزعها مجاناً للعراقيين الذين لا يملكون إمكانية شراءها، وفي حينها أثناء العرض واجهته مشكلة غير عادية.. كان الإحراج بادياً عليه..
إذ بدأ موعد العرض لكن الممثل السوري زكي كورديللو احد الشخوص الخمسة للمسرحية مع نضال سيجري وبقية الممثلين المؤدين لأدوارهم كشخوص مهمشة في المجتمع وبالذات زكي الذي يؤدي دوراً مهماً وصعباً لمهمش يعاني من حالة تلعثم وتأتأة، لم يحضر في تلك الساعة إلى مكان العرض، وبعد دقائق من الانتظار الأصعب قررَ هادي البدء بعرض المسرحية احتراماً للجمهور، وحسم الموقف ليؤدي هو الدور..
لكن بعد دقائق توقف هادي ليعلن ويوضح معتذراً للجمهور:.. أن الممثل كورديللو الذي تأخرَ لسبب لا نعرفه قد حضرَ.. لذلك سأدعكم معهُ.. لنبدأ من جديد... وهكذا تقدم الممثل كورديللو ليعتذر للحضور من جراء حادث سَيْر أدى لتأخيره.. وقد أبدع كورديللو في تقديم الشخصية المقهورة، المستلبة، المهشمة، المهمشة، المكسورة المصابة بالتلعثم والتأتأة بأسلوب جميل ومحكم أذل المشاهدين.
قلت لهادي مستفسراً بعد انتهاء العرض..
ـ كيف كنت ستقدم هذه الشخصية هل كنت ستنجح مثل ما نجح في أداءها كورديللو؟..
ـ قال من المستحيل أن يؤدي ممثلين نفس الدور بنفس الدرجة من الإجادة بالتأكيد كنتُ سأتجاوز الكثير مما أداه كورديللو بإبداع يحسد عليه.. وحدثني في حينها بألم أيضاً عن المبلغ البائس الذي خصصته وزارة الثقافة للعمل والممثلين..
كان هادي رغم هذا الشح المالي يتجاوز كل العقبات ومستعد للتضحية في سبيل الآخرين وحينما دعوته لجلسة شرب في غرفتي التفت ليسألني.. الأ تملك تلفزيون؟.. قلت لا.. قال بعفوية: سأكتب ثلاثة مواضيع جديدة ليكون ريعها لتلفزيون لك وعليك استكمال الباقي.. لكن المشكلة حُلت حينما وصلني دعم مائة دولار من أبو عمشة خصصته لشراء تلفزيون قديم من جوزيف ابن الفقيد توما توماس، وبات هادي في حل من وعده لي..
هكذا كان مستعد أن يعطي من حوله ما في جيبه، واجزم أن ذلك كان على حساب وضعه ألمعاشي وتستطيع ميديا أن تكتب عن هذا الموضوع و ما واجههم من صعوبات في دمشق في تلك الفترة التي أبدعوا فيها رغم تلك المعاناة، فقد كان عطاء ميديا لا يقل عن هادي، إذ اشتركت في عدد من المسرحيات واعتقد كانت واحدة منها من إخراج الصديق ناجي عبد الأمير أبدعت ميديا في دورها بشكل ملفت للنظر أشاد به المختصون والنقاد السوريون في أكثر من صحيفة و محفل في حينها..
هادي لا يمكن اختزاله في حدود الفن والإبداع المسرحي أو العمل الصحفي.. هادي الإنسان كان جمرة متقدة تشع ضياء وأملاً.. بسيطاً وصريحاً يقول كلمته دون لف أو دوران.. ينتقد بشجاعة.. ويواجه السيئين وإساءاتهم.. يرفض المساومات ويتقدم في الرأي والموقف.. كان دائم الانفعال والتوتر رغم ملامحه الهادئة.. مارس حقه في المعارضة وانتقد سلطات القمع وأخطاء الأحزاب وممارسات المعارضة الخاطئة كان يوزع انتقاداته دون توقف من دون غطاء بالرغم من عدم انتمائه لطرف أو فكرة محددة.. كان هادي ينتمي إلى اللاانتماء بمعنى من المعاني لا يمكن تحجيمه و تأطيره في حدود مفهوم محدد لجهة محددة..
يخالط الشيوعيين وهو قريب منهم وله صلات عميقة ببقية الأطراف من قوميين وتقدميين كرد وعرب والى حد ما مع بعض الإسلاميين وتجمعه معهم علاقات شخصية طيبة دفع ثمنها غالياً منذ أن كان طالباً في أكاديمية الفنون، إذ جرى اعتقاله وتعذيبه بحجة علاقة لأبيه وشقيق له مع حزب الدعوة، أشد ما آلمه في ذلك الوقت اكتشافه الرهيب وتشخيصه في المعتقل لأستاذ له في الأكاديمية يعذبه كأي صعلوك من صعاليك الأمن والمخابرات..
كانت حالته في هذا مناقضة لحالة معكوسة وردت في كتاب القسوة لعامر بدر حسون حينما استرسلت المناضلة المعتقلة لعامر عن حكاية اعتقالها وتعذيبها في ذلك العهد وأن جلاداً بينهم اغتصبها هو طالب جامعة تدرسهُ المناضلة المغتصبة..
كان هادي دائم الحديث عن هذه الحادثة القبيحة التي تركت في نفسه أثراً عميقاً خاصة بعد أن فقد أبيه وشقيقه في دهاليز الأمن بحجة تعاونهم مع حزب الدعوة وانعكس هذا على عمله وإبداعه الذي كرسه لمواجهة الظلم والتعسف والدفاع عن الكادحين والمهمشين والمتابع لما أنجزه من أفلام ومسرحيات ومسلسلات يجد هذا الهاجس يؤرقه ويدفعه لمواجهة المغتصبين للحرية غير عابهاً بهوياتهم واتجاهاتهم وميولهم سواء كانوا من بين المستبدين أو متخفين بين تنظيمات المعارضة وأروقة الدين من المعممين المزيفين..
بعد رحيل الدكتاتورية شهدناه يواجه زيف الحرية عبر نشاطات إبداعية وبرامج متنوعة بدأت بقفشات مسلسله الذي عرض في تلفزيون كوردسات وبرنامج صورة نيكتيف من قناة الفيحاء والبرنامج الشهير في راديو تموز .. وكل هذا لم يمنع هادي من النزول إلى ساحة التحرير ليشارك ويقود جزء من توجهات الشباب الداعية للتغيير ورغم اعتقاله وتعذيبه فقد واصل السير بيقين يدفعه رسوخ قناعته في أداء الدور العاشق للحرية ولم يرى أجمل وأفضل من ساحة التحرير لتقديم عرضه القادم..
كان هادي كعادته يعد نصه بنفسه ويخرجه وفي هذه المرة اختار جموع الثوار ليكونوا مشاركين له في العرض.. كان المشهد.. كل المشهد طبيعياً.. سطوع الشمس أضاء المسرح.. الدم.. دم المخرج هادي.. كان الماكياج.. والممثل رفض بديلا من الدوبلير.. وقرر أن يؤدي المشهد الأخير بنفسه، تقدم وصرخُ في وجه الاستبداد.. لا تتوهموا.. هذا ليس نهاية العرض.. هذه هي البداية.. ـ سنعود من جديد..
نعم يا هادي قتلوك.. قتلك السفلة الواهمون.. قتلك شرذمة من المستبدين.. قتلة وأفاقون هم خليط من عهد قديم مضى.. ودعاة طغاة يتشبهون بأسلافهم يعبثون ويتمادون.. مستبدون مغلفون من سلاطين السلطة وعبيد رأس المال.. توهموا انك بعد تلك الرصاصات الغادرة ستغيب و لن تعود..
لكنك ستعود.. أجل ستعود.. رمزاً للحرية .. يرفرفُ في ساحات التحرير..
ستعود.. أنا واثق هذا ليس نهاية العرض.. أنها البداية..

صباح كنجي
منتصف أيلول 2011
ـــــــــــــــــــــ
بعد رحيل مهدي قرأت الكثير مما كتب عنه البعض من تلك الكتابات يفضح قتلته من أعداء الحرية والبعض كتب ملتبساً بأمر هادي من جراء نشاطه مع المنتفضين واصفاً إياه بالبعثي تارة ومن أعوان الخشلوك في أخرى وو كان هناك من يتهمه بالعمالة للبعث السوري..
مهدي لم يكن إلا مهدي/ المستقل/ الكادح/ الثوري/ المتنور/ المواجه/ والفنان والمثقف المستقل الذي يرفض بيع نفسه مهما كان الثمن.. وما عداها ليس إلا هراءً



#صباح_كنجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار مع المعقبينَ على الرسالةِ المفتوحةِ..
- شاهد على جريمة العصر سائق الجرافة الذي دفن مجموعة من المؤنفل ...
- لقاء مع الكاتب والنصير صباح كنجي
- رسالة مفتوحة إلى السكرتير العام للحزب الشيوعي العراقي..
- مِنْ حَكايَا الأنفال..
- خلف جنيب ذلك البدوي والنصير الشيوعي الأصيل..
- أبو ظفر.. الطبيب الماهر والإنسان النادر
- حياة شرارة .. شعلة الكفاح وجريمة السفاح..!
- اختفاء نبيل فياض....
- سوريا الشعب وسوريا الدكتاتورية..!!
- جيش البعث السوري وجيش الاحتلال الإسرائيلي..
- أفياء وليل حمودي الطويل..
- -المنسيون-.. بقايَا ذكرى وبقايَا جُرح..
- إلى صديق غاب من بيننا ولم يرحل..إلى أبو جنان في ذكراهُ الأول ...
- كتاب عن الفرمانات الإسلامية ضد الأيزيديين ..!
- جذور الاستبداد الشرقي والكفاح من أجل الحرية والانعتاق
- مَلامِحُ عصر جديد..
- برقيات زمن التغيير العاصف..1
- نخب مصر... لقد انتحر مبارك!
- أثيل النجيفي* في ألمانيا.. وهذا الخبر المَسْخرة!!


المزيد.....




- غزة: السابع من أكتوبر في المنظور التاريخي
- بحجة “اللاساميّة” تترافق إبادة شعب فلسطين مع محاولة إبادة قض ...
- الشرطة تعتقل متظاهرين مناهضين للحرب الإسرائيلية على غزة في ج ...
- العدد 555 من جريدة النهج الديمقراطي
- الجيش التركي -يحيد- 17 مسلحا من حزب العمال الكردستاني
- الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع تدعو إلى الاستنف ...
- اتحاد النقابات العالمي (WFTU – FSM)”، يُدين استمرار المحاكما ...
- شاهد ما قاله السيناتور ساندرز لـCNN عن تعليق أمريكا شحنات أس ...
- م.م.ن.ص// يوم 9 ماي عيد النصر على النازية.. يوم الانتصار الع ...
- آلاف المتظاهرين احتجاجا على مشاركة إسرائيل في -يوروفيجن-


المزيد.....

- سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول / ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
- سلام عادل -سیرة مناضل- / ثمینة یوسف
- سلام عادل- سيرة مناضل / ثمينة ناجي يوسف
- قناديل مندائية / فائز الحيدر
- قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني / خالد حسين سلطان
- الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين ... / نعيم ناصر
- حياة شرارة الثائرة الصامتة / خالد حسين سلطان
- ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري ... / خالد حسين سلطان
- قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول / خالد حسين سلطان
- نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - صباح كنجي - الرحيل المؤلم لعاشق الحرية..