أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - طارق الاعسم - رحلتي في بلاد العمائم مذكراتي في الاسر 1982-1990 الحلقة السادسة















المزيد.....

رحلتي في بلاد العمائم مذكراتي في الاسر 1982-1990 الحلقة السادسة


طارق الاعسم

الحوار المتمدن-العدد: 3453 - 2011 / 8 / 11 - 22:05
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    


خطوات في طريق العفن
الإنسان هو الحيوان الوحيد الذي يثير رعبي.. بينما لا يشكل الأسد الشبعان أي أذى؛ فليس لديه أي مذاهب أو طوائف أو أحزاب..”.شكسبير
كان (دجبان مركز) معسكرعظيم المساحة مليء بالبنايات واشجار القوق العملاقة يقع في قلب طهران العاصمة وهو مقر الانضباط العسكري العام وفيه دوائر للاستخبارات الايرانية(دايرة دوفوم) وفيما بعد علمت ان من هذا المعسكركانت تتم ادارة كافة معسكرات الاسرى استخباريّا من الخبز حتى قطع القابلوات التي يتم جلدنا بها دونما رحمة.
كان هنالك في المعسكر مركز تسفيرات مزري للغاية وكان محطة ارسال واستقبال اسرى ومن خلاله كان يتم ارسال الاسرى الى المحاكمات الهزليّة التي يتولى بها معممون الضرب والشتم واصدار الاحكام الجائرة بالسجن داخل السجن وبالجلد والاعدام المؤجل احيانا.
بعد آذان المغرب جاء عسكريان لنقلي انا وعبد الستار الى سجن التسفيرات الذي يبعد بضعة مئات من الامتار عن المستوصف .
كانت بوابة التسفيرات تتوسط جناحين في كل جناح قاعة فيها مجموعة من الاسرى خصصت القاعة اليمنى وهي غرفة صغيرة للجرحى الذين تجرى لهم اسعافات اولية والتي سنبيت فيها ريثما يتم توزيعنا على معسكرات الاسر, فيما علمت ان القاعة الثانية تحوي على طباخين وحمّالين من الاسرى القدامى ممن يعملون في المطبخ المركزي الذي يورّد الطعام لمعسكرات الاسرى.
وقد كان هنالك في معسكر (دز- مر) كما يختصرونه مطبخ مركزي لطبخ وجبات الطعام لاسرى معسكرات طهران العاصمة وكان كادره في باديء الامر هم الطباخون العسكر من الايرانيين والحقيقة فان بعض ضعاف النفوس منهم كانوا يعمدون الى خلط التراب بالرز والقاء المسامير في المرق ووصل الحال الى ان يرمي احد الجنود الايرانيين ببسطاله العفن في قزان ساخن للمرق مما اثار نوبة احتجاجات كبيرة في احد المعسكرات ووصل الامر الى اضراب عن الطعام صدر بعده قرار بان يكون مطبخ الاسرى المركزي في دز مر باشراف عرفاء طباخين ايرانيين وكادر طباخين من الاسرى وكذلك حمالين للمطبخ وتكون اقامة هؤلاء في قاعة التسفيرات المقابلة لقاعتنا وكان الاتصال بيننا ممنوعا للغاية.


كانت الغرفة التي دخلناها مغطاة ببطانيات سوداء رديئة النسج تصبغ الوجه والكفين وتنثر صبغها علينا كلما احتكت بها اجسادنا كما ان صوفها سهل الحك بشكل غريب .
وقد سلمت المستشفى لكل منا بيجاما زرقاء فاتحة من قطعتين ونعال بلاستيك ومنشفة للوجه وكان الجميع يئن من الالم وكان الليل قد خيّم علينا ونحن ممددون بشكل عشوائي في الغرفة الضيقة (12 متر مربع)التي لم تعد تحتمل انّات اكثر من ثلاثين جريحا بعظهم حالتهم صعبة بشكل جعلني احمد الله على اصابتي.

ظل حيطة ولاظل راجل!!!

حشرت نفسي بمكان قرب الزاوية التي كان يشغلها اسير عراقي باسم الوجه طويل القامة اسمه (جمال) جريح في قدمه جرحا في اللحم وكان على جنبي الاخر اسير حلاوي اسمه حيدر قصير القامة ابيض البشرة مشرب بالحمرة بوجه طفولي لايتناسب ونفثه للسيجارة التي كان يدخنها بشراهة المهموم وكان مصابا في كتفه وكانت تصرفاته غريبة والمفارقة ان اذرع الاثنين كانت مليئة بالوشوم ,وتوجست خيفة حين دققت بوشم حيدر الذي كتب به عبارة (اهل الوفه ماوفوا!!!)فيما كان جمال يملا زنده بوشوم للعقارب والافاعي وبدا اسامة يجري حديثا غريبا في مفرداته مع حيدر وانا ممدد وسطهما ,علمت من حديث الاثنين ان جمال بحّار سابق من اهالي البصرة وانه قد قضى عمره هاربا من الخدمة العسكرية وان هنالك لغة مشتركة قد بنيت بين الاثنين ابتدأت بحنان الام المفقود و(مشتاق لحضن الوالدة )وصار جمال يغمز لي باسما بما لاأفهمه فيما كان يسأل حيدر عن قصّة وشمه فحدّثه حيدر عن قصة تافهة عن صديق غدر به وخانه (كذا!!)وحينها بدأت عينا جمال باللمعان وبدا يمد حيدر بالسيجارة تلو الاخرى في كرم غريب (ولاأدري من اين اتى بالسجاير)!!!كنت اتمنى ان يقدم لي سيجارة ولكنني خجلت ان اطلب منه.
اطفا الحارس الايراني النور صارخا فينا بكلمات بالفارسيّة فهمنا منها انه يريد منا الصمت والنوم, وماأن حلّ الظلام الدامس حتى بادر جمال لأن ينفحني لفافة سجائر هامسا في اذني وهو يشعل السيجارة لي (خوية انته تعبان والزاوية احسن الك فخلّي نبدّل بالمكان آني وياك لان حيدوري محتاج حنان الوالدة!!)اصبت بالرعب والذهول وسارعت بالموافقة ورغم المكان الضيّق فان جمال ابتعد عني مقتربا من حيدوري و اصبح الاثنان متلاصقان وبدا الهمس ,ومع اول ضحكة كتومة وانّات خافتة رأيت ان من الاسلم الاحوط وجوبا!!! ان الصق ظهري للحائط بحركة لاشعوريّة مرددا المثل المصري معكوسا ليصبح (ظل حيطة ولاظل راجل) وغطيت رأسي بمنشفة ورغم رعبي رحت اغط في غيبوبة نوم عميق.
الداوودية
صحونا على صراخ الحراس فينا ووزعوا علينا شوربة هرطمان وقطعة خبز وجلب لي جمال افطاري باناء معدني فيما جلب افطاره وافطار حيدر باناء واحد (افطار عرايس).
بعد حوالي ساعة دخل عريف ايراني معه مترجم عربستاني وبيده قائمة اسماء وامرنا بان كل من يذيع اسمه يتوجه الى الخارج واذيعت اسماء 18 اسير واخرجونا الى الساحة واعانونا للركوب في سيارة مرسيدس 24 راكب وتوجهت بنا بصحبة ستة من الحرس الى طريق تحفّه الاشجارالى المستوصف لنقل الاسير المصاب في عينه بشضية والذي لازال مصرّا انه ايراني من الاهواز!!!!توجه بنا الباص بعدها الى خارج المعسكر واذا بنا في قلب العاصمة طهران وقد ذهلنا لجمال المدينة والعمارات الشاهقة والنظافة المتناهية في الشوارع والفاترينات الجميلة توجهنا بطرقات جبلية وسط منطقة ارستقراطية ,استغرقت الرحلة نصف ساعة تقريبا حتى وصلنا الى بنايات كانت في الاصل مدرسة داخلية خاصة بالسفارة الامريكيّة تعنى بابناء الدبلوماسيين الامريكان تقع في حضن جبل في شمال طهران في منطقة الداوودية هامش(حيث كانت هنالك سفارة امريكيّة ضخمة جدا في طهران في زمن الشاه تحتل مساحة شاسعة بنيت عليها 68 عمارة تابعة للسفارة ويقال ان فيها غابة ضخمة وان التنقل بين انحاء السفارة كان يتم بقطار صغير او مترو!!!)
وصلنا للمعسكر الذي كان يؤهّل ليكون اول معسكر اسرى اريد له بعدئذ ليكون معسكرا سرّيا بعيد ا عن انظار الصليب الاحمر الدولي وايّة منظمة دولية لان ايران قد قررت تصحيح خطا قد وقعت فيه وهو انها سمحت للصليب الاحمر ان يسجّل روتينيّا كل اسير يقع في قبضتها قبل معارك ديزفول في اذار 1982 بل كانت تذيع لهم لقاءات في الراديو , ولكنها عمدت بعد هذا التاريخ الى خطة شيطانية مفادها ان تختار مجموعات من الاسرى تضعهم في معسكرات اسر سرّية لتستفيد منهم كورقة مستقبلية للتفاوض وساعدها على ذلك الاعداد الهائلة التي وقعت في الاسر في معارك دزفول والمحمرة والطاهري والتي بلغت عشرات الالوف فقامت بانتقاء الاف منهم لتخفيهم عن عيون المنظمات الدولية الى حين وقد بررت السلطات فعلتها تلك بان الجانب العراقي يخفي الاف الاسرى في سجون سرية في العراق .
ثم طوّرت ايران خطتها الاجرامية بان بدأت بانتقاء نوعيات معينة من الاسرى لتخفيهم كالاسرى العرب او الاسرى الذين يرفضون ان يكونوا طيّعين لها والذين يعمدون الى مقاومة غسيل الدماغ الذي ابتدا بشكل منظم في اواخر عام 1982
كانت البنايات في المعسكر تحتضن مرتفعا جبليا حتى ان جانبا من القاعات كان بمستوى الارض فيما كانت القاعات من الجانب الاخر تطل على واد ,وضعونا في قاعات تطل على ساحة معبدة بالحصباء ولم يكن هنالك سياج محيط بالمعسكر وكانت اعمال لحام تجري على للشبابيك على عجل ,صعد بنا الحرس الى الطابق الاول من بناية من (طابقين وارضي ) وساروا بنا في ممر طويل تقع غرفه على جانب واحد حين وضعونا في قاعة كبيرة مدهونة حديثاقبل نهاية الممر الذي ينتهي بحائط بلا شباك وسلم كل منا بطانيتين ومنشفة نفرش واحدة ونعمل من الاخرى مخدّة وبذا كنا نحن اول تسعة عشر اسير دشّنوا المعسكر كنت من بينهم.



#طارق_الاعسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رحلتي في بلاد العمائم ...مذكراتي في الاسر 1982- 1990 الحلقة ...
- رحلتي في بلاد العمائم ...مذكراتي في الاسر 1982- 1990 الحلقة ...
- رحلتي في بلاد العمائم مذكراتي في الاسر 1982- 1990 الحلقتين ا ...
- رحلة في بلاد العمائم مذكراتي في الاسر 1982-1990 الحلقة الاول ...
- سمعة شعب بين اسلوبين
- بين كارتر و فِريضة آل بدير..دروس في حيثيّات وثائق ويكيليكس
- كتابات ساخرة (حمّام السفارة)
- في رحاب عاشوراء الحسين يذبح من جديد!!
- مقال(قبل فوات الاوان
- تساؤلات على بوابة يوم السيادة


المزيد.....




- رئيس البرلمان التونسي: الادعاءات بالتعامل غير الإنساني مع ال ...
- أزمة مياه الشرب تزيد محنة النازحين في القضارف السودانية
- الأمم المتحدة: غوتيريش سيوجه رسالة إلى بوتين بشأن تنصيبه
- رئيس بعثة الجامعة العربية بالأمم المتحدة: إسرائيل غير راغبة ...
- تحقيق لبي بي سي يكشف شبكة عالمية لتعذيب القرود
- -كرّمها بلينكن-.. القضاء التونسي يأذن بالاحتفاظ برئيسة جمعية ...
- الأمم المتحدة: مخزونات الغذاء بغزة تغطي الاحتياجات من يوم إل ...
- كاميرا العالم تنقل جانبا من معاناة النازحين الفلسطينيين في ر ...
- اعتقال اثنين من ضباط حرس الدولة الأوكراني.. كييف تعلن إحباط ...
- العضوية الكاملة.. آمال فلسطين معقودة على جمعية الأمم المتحدة ...


المزيد.....

- في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية * / رشيد غويلب
- الحياة الثقافية في السجن / ضرغام الدباغ
- سجين الشعبة الخامسة / محمد السعدي
- مذكراتي في السجن - ج 2 / صلاح الدين محسن
- سنابل العمر، بين القرية والمعتقل / محمد علي مقلد
- مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار / اعداد و تقديم رمسيس لبيب
- الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت ... / طاهر عبدالحكيم
- قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال ... / كفاح طافش
- ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة / حـسـقـيل قُوجـمَـان
- نقش على جدران الزنازن / إدريس ولد القابلة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - طارق الاعسم - رحلتي في بلاد العمائم مذكراتي في الاسر 1982-1990 الحلقة السادسة