أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح الانباري - خليل المعاضيدي بين شهادة الشعر و استشهاد الشاعر















المزيد.....

خليل المعاضيدي بين شهادة الشعر و استشهاد الشاعر


صباح الانباري

الحوار المتمدن-العدد: 3443 - 2011 / 7 / 31 - 13:20
المحور: الادب والفن
    


1. الشاعر:
بدء خليل المعاضيدي 1946_1981 مشواره الشعري متأثرا بالشاعر الراحل عبد الوهاب البياتي الذي كان واحد من دواوينه، على الأقل، لا يفارق المعاضيدي في حله و ترحاله. فهو جليسه في المقهى، و أنيسه في الليل و رفيقه في التجوال بين أزقة بعقوبة و شوارعها القصيرة. إلا أن ذلك التأثر و الإعجاب، سرعان ما، تقاطع مع بضعة آراء اختلفت في درجة تقييمها لتجربة البياتي فأفل نجمه ليسطع نجم سعدي يوسف و علي احمد سعيد و يوسف الخال. لقد تأنى المعاضيدي، كثيرا، قبل نشر أتولى قصائده. فهو من القلائل الذين أدركوا، منذ وقت مبكر، مهمة إغناء التجربة و تفرد الصوت الشعري. و عندما بدأ النشر شكلت قصائده الأولى، منذ البدء، إيذانا بينا لمشروع شعري واعد لم تترك له السلطة الغشوم فرصة بلورته و وضعه موضع الإنجاز إذ اغتالته قبل أن يتجاوز عامه الخامس و الثلاثين.

لقد ترك، لنا، المعاضيدي مجموعة من القصائد المكتملة الجمال و المبهرة الرؤى و لقد أسعفني الحظ فأسقط بين يدي بعضا منها لم أتباطأ في أن اقدم لهن قراءة نقدية آمل أن ترتقي الى مستواهن الفني و الجمالي و أن تكشف بوساطتهن ابرز ما اتصف به المعاضيدي شاعرا و إنسانا. ولعل أول تلك الصفات خجله الطفولي الذي عزز في نفسه الحياء و الكتمان فهو لا يصرح بمشاعره الجياشة إلا في الشعر. يحب المرأة حبا يستعمر كل كيانه لكنه يخشى البوح بذلك الحب. يمنعه حياؤه منها و تقديسه لها أن يقول فيها شيئا يخدش إحساسها المرهف أو ينتهك حرمة ملائكيتها الطاهرة.

والمعاضيدي، على الرغم من شفافيته العجيبة إلا أن، طبقات من الغموض الكثيف تغلف، أحيانا، تلك الشفافية فتحيله إلى شاعر مغرق في الغموض. و إذ يغوص في أغوار نفسه المتوترة و يصعب عليه سبر تلك الأغوار تداهمه كآبة لا تفارقه عدة أيام و ليالي مشكلة حالة مرضية لا خلاص له منها إلا بهروبه نحو القصيدة.

و المعاضيدي/ الرجل يحمل في دخيلته خوفا طفوليا نشأ في داخله و ترعرع في قصائده و فرض حضوره عليه من داخل تجربته الشعرية حتى و هو يكتب أغنية للطفولة.

2. الشعر:

(هبطنا، نبيين نلتف بالماء و العشب،)

تشكل مفردات البيت الأول من قصيدة المعاضيدي "صرخة ذات إيقاع خاص" مفتاحا لمغاليق عالمه
المغلف بالأسى و وحشة الحزن و الموت، و إطلالة من شرفة الشعر على عالم القصيدة و مدا ليلها المكثفة الرموز.

(هبطنا نبيين)

مفردتان تفصحان عن حالة الهبوط و ارتباطه، في الذاكرة الجمعية، بهبوط آدم و حواء، و تضفيان عليه هالة من البراءة و القداسة و الحياء. يكتمل فعل الهبوط بفعل آخر هو التفافهما بالماء و العشب في إشارة ممهدة لبدء حياة جديدة هما روحها مرموزا إليها بالماء، و خصبها و ثمرها مرموزا إليهما بالعشب.

المرأة، إذن، لا تأخذ شكلا مألوفا في "صرخة" المعاضيدي. إنها وجه ملكي محفوف بهالة تبلغ، في ذهن الشاعر، مبلغ القداسة. إنها كائن متخيل يهبط من عليائه، بخفر و دعة و براءة، مثل ملاك أنثوي، فيهيم به الشاعر حبا صوفيا خالصا كالماء، خصبا مثمرا كالعشب، مترفعا عن دنايا عالمنا، و هائما في فضاءات من الطهر و الحياء. هذه المرأة دخلت ملكوت المعاضيدي و تربعت على عرش قصائده فلم يعشق امرأة غيرها ، و لم يعتصم في محراب حبه إلا معها، و لم يحاور امرأة دونها، و ربما دفعه هذا الى الابتعاد عنها ماديا و الاقتراب من مخدعها ذهنيا فهو شاعر مغتلم و محكوم بالحياء و الصمت (يغادره البرد محترقا بالوجوه النسائية) التي كان يرنو إليها و يصطلى بنارها الأبدية و إذ يبلغها فأنه يبلغ معها طعم الانتهاك فيؤثر أن لا يقترن بها أن لا يلامس دفئها في زمهرير شتاء عمره القصير و اكتفى أن يحترق بوجوهها النسائية في ليالي وحشته المستمرة .

لقد عانى المعاضيدي، مثل مجايليه من الشعراء، من اضطرابات نفسية أكدها ترديده لعبارات و مفردات مثل:

(وحشة الحزن، وحشة الموت، الكآبة)

و عانى مثل اغلب مجايليه من آثار تلك الاضطرابات و انعكاساتها عليهم فكثرت في شعره عبارات دالة على عمق تلك المعاناة من قبيل:

مدار البكاء، زوايا الجراح، جرح نبي، طعم انتهاك، دمع النبوة، دمع المواعيد، حمى المواعيد.

لقد أراد المعاضيدي من كل هذه المفردات و العبارات أن تشكل صرخة شعرية قوية تأخذ إيقاعها الخاص من إيقاع و وقع تلك المفردات و العبارات على نفسه المضطربة .

قصيدة "صرخة ذات إيقاع خاص" ، إذن، هي في جوهرها تمثل لدخيلة المعاضيدي بكل آلامها و اضطراباتها و نزوعها نحو الصوفية و القداسة و الطهر و العشق الإلهي. إنها تجسيد، على جانب كبير من الدقة، لحياء المعاضيدي و صمته الصائت بكل اشتهاءاته و لواعجه و إرهاصاته و جنوحه نحو شواطئ الاغتراب.

في قصيدة "ليت البحر عندي العشبة" يكرر المعاضيدي ثنائيته التي صرح بها في القصيدة السابقة و اشتغل على جعل دالاتها تجنح نحو كشف ما ستربه ذاته المتسامية على الرغم من اضطراب دخيلته و قلقه و توقه نحو فضاءات من النور و الانبهار.

( قارتان بلا موعد تهبطان، مملكتي )

هكذا يبدأ فعل الهبوط تساميه عند المعاضيدي فلا شئ اقدر منه على اختراق جسده "المغلق في كآباته" وفتحه شبابيكه للرياح. و القصيدة في مجملها أمنية تتشظى ثلاث مرات:

(مرة،

تنحني عند فراشي مملكة المياه أحاسبها

و أروض فيها جنوني)

و(مرة اجلب البحر فوق موائد ليلي

أسوى سواحله ملجأ للقصائد)

و (مرة تصطفيني الطبيعة بارا

تفتش بين موائده عن أنيني القديم)

و على مدار هذه المرات الثلاث تتناثر أجزاء أمانيه (فتجئ العصافير لتحاكم الطيور العصية) في محاولة لتغليب جماليات الشاعر الافتراضية على جماليات الواقع المطبوع على المعاصي، أي انه يصل إلى تلك الافتراضات بطريقة تتقاطع فيها تضادية الألفة مع التوحش، و الجمال مع القبح، و الهدوء مع العاصفة، يقول في القصيدة نفسها آمرا:

(يا بحر، فلتغتسل كل دفاتري

بالقوارب أو

بالعواصف أو

بالتماسيح، مجنونة،

كالقصيدة.)

لكنه بعد هذا كله يشعر بالخيبة إذ يجد مغترباته في الواقع أقوى من افتراضاته في الشعر فيتفاقم، عنده، الشعور بالكآبة ويتعاضم أثرها عليه حتى يبلغ، عنده، مبلغ الحزن. و لذا فهو يحذر في نهاية القصيدة كل

(من يفتح البار هذي العشية يلق العصافير مذبوحة )

لقد كانت كآبة المعاضيدي مزمنة مثل حزيه و شجونه و تمزقه، لكنه على الرغم منها كان يغني للحياة و للطفولة التي نمت في روحه و ترعرعت في شعره و أثمرت فرحا طفوليا غامرا على الرغم من كونه فرح مشوب بالخوف كما في قصيدة "أغنيك يا طفلة الماء":

"يا زمن الخوف أنني طفلك الفج

مبتهجا بالمياه الجديدة"،

(وبالفقر كما في قصيدة "ما بين بعقوبة و النهر صبي جبهوي:

رأيت الذي غسلته الظهيرة،

يلبس دفء المقاهي،

يخبئ ما بين دشداشة الفقر و العشب،

أوراقنا،)

إن خوف المعاضيدي عميق كوحشته و وحدته لذا لم يستطع الفكاك منه حتى و هو يكتب أرق أغانيه و أكثرها بهجة. ففي قصيدة "أغنيك يا طفلة الماء" يكرر مفردة الخوف ثماني مرات، و في قصيدة "ما بين بعقوبة و النهر صبي جبهوي" يكرر مفردة الفقر أربع مرات ليؤكد بذلك التكرار على توجه الممتد من نزق الطفولة الى رزانة الشاعرية. لقد ظل الخوف يكبل المعاضيدي بقيود ظل المعاضيدي يعيد المحاولة تلو الأخرى ليحرر نفسه منها. خوف تبرره قسوة الواقع، و رهافة الحس الإنساني. و على الرغم من هول ذلك الخوف حاول المعاضيدي التخلص منه بشجاعة الوثوب عليه أو بالتطهر منه بعد أن يصل به الى أقصاه. و استطاع، بعد أن أعلن انتماءه الطبقي، أن يتطهر من تأثيراته عليه بنقاوة ذلك الانتماء.

"أيتها الطبقة

يا من مسحت غابة خوفي بالأمطار

يا من علقت الصبر على قلبي كالإعصار

يا من أطلقت اللحظة كل عصافيري

تخترق الكوكب

تحمل عشب مناشيري"

هكذا عمدته الطبقة بنيران الفكر فاكتوى بها و تسامى و أعاد النظر، بمسؤولية و التزام، الى مشروعه الشعري ليؤسس له صرحا شامخا شاهقا، و ليحتل له رقعة في مملكة الشعر ينفذ من خلالها الى ملكوت الإنسان أو يرنو من نوافذها الى عالم جديد حر و سعيد.



#صباح_الانباري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الارتقاء في نزهة الشاعرة فرات إسبر بين السماء والأرض
- التحويلية في نص عبد الباسط أبو مزيريق (افعل شيئاً يا مُت)
- قراءة في كتاب د. صالح الرزوق/ (الاجتماعي والمعرفي في شعر أدي ...
- اجتراح النص المفتوح في (ضراوة الحياة اللامتوقعة)
- رحيل جبل يدعى محي الدين زنكنه
- قراءة استبصارية في مسرحية (جنرال الجيش الميت)
- مساهماتية النص التجريبي في (قصرحية) محي الدين زنكنه (أوراقي)
- عبثية العزف في سوناتا الانتظار
- الهوامش وما بعدها في مجموعة الشاعر سهيل نجم لا جنة خارج النا ...
- الشاعر العراقي شيركو بيكه س في (البناء السردي)* للدكتور فاضل ...
- دلالة العنونة في مجموعة تحسين كرمياني القصصية ثغرها على مندي ...
- ناطحات الخراب*
- مسرح محي الدين زنكنه مسرحية الفصل الواحد أنموذجا ..قراءة تق ...
- الحروفي..محاولة في نمذجة انتولوجيا الشاعر
- منجز ما بعد الحروفية .. نماذج انتقائية من مجموعة أديب كمال ا ...
- باسم فرات ومراثي الأنا الجامحة
- - إعادة ترتيب - مؤالفة بين فوضى الخسائر و إعادة ترتيبها
- ملحمية الصور الدرامية في مسرحية كفر سلام او دستة ملوك يصبون ...
- المقروء والمنظور في مسرحية للروح نوافذ اخرى
- القمع والقتل الجماعي في رواية جهاد مجيد دومة الجندل


المزيد.....




- رابط نتيجة الدبلومات الفنية 2025 لكل التخصصات “تجاري، زراعي، ...
- بسبب شعارات مؤيدة لفلسطين خلال مهرجان -غلاستونبري-.. الشرطة ...
- العمارة العسكرية المغربية جماليات ضاربة في التاريخ ومهدها مد ...
- الجيوبولتكس: من نظريات -قلب الأرض- إلى مبادرات -الحزام والطر ...
- فيديو.. الفنانة الشهيرة بيونسيه تتعرض لموقف مرعب في الهواء
- بالأسم ورقم الجلوس.. نتيجة الدبلومات الفنية 2025 الدور الأول ...
- “استعلم عبر بوابة التعليم الفني” نتيجة الدبلومات الفنية برقم ...
- “صناعي – تجاري – زراعي – فندقي” رابط نتيجة الدبلومات الفنية ...
- إبراهيم البيومي غانم: تجديد الفكر لتشريح أزمة التبعية الثقاف ...
- بوابة التعليم الفني.. موعد إعلان نتيجة الدبلومات الفنية 2025 ...


المزيد.....

- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح الانباري - خليل المعاضيدي بين شهادة الشعر و استشهاد الشاعر