أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح الانباري - ناطحات الخراب*















المزيد.....

ناطحات الخراب*


صباح الانباري

الحوار المتمدن-العدد: 2802 - 2009 / 10 / 17 - 16:25
المحور: الادب والفن
    



ومحاولات إيذاء النص في مجموعة الشاعر علي شبيب ورد الجديد
العنونة
اشتغلت عنونة مجموعة علي شبيب ورد على بنيتين جمعاهما الخراب والأذى وصاهر بينهما العار والدمار على الرغم من ورودهما في نصفين مستقلين شكل الأول منهما نصف المجموعة الأول (ناطحات الخراب) بواقع 45 صفحة وشكل الثاني منهما نصف المجموعة الثاني (محاولات في إيذاء النص) بواقع 41 صفحة.

من بوابة النصف الأول ندخل الى عالم شبيب الذي طاله الدمار والبوار لتصدمنا قصائده باجتراح عالمين متناقضين أو اتجاهين متعاكسين أحدهما استأثر ببناء ناطحات السحاب واستأثر الآخر بتشييد ناطحات الخراب..الخراب الذي تمحور حول قصائد هذا النصف وطال،بجنون، بيئته الشعرية. ولعل صيغة الجمع (ناطحات) أكدت شيوع (الخراب) وانتشاره على رقعة الواقع المعيش كدلالة تمييزية عن الواقع المنصوص المرهون بفعل الكتابة.

من هنا جاءت عنونة النصف الثاني(محاولات في إيذاء النص) لتشكل خطراً أكثر جسامة وأذى لأنها في واقع الأمر مست دخيلة الإنسان(الشاعر) دافعة إياه في أتون عالم لن يعرف الهدوء،ولا السلام، ولا السكينة. جاءت هذه العنونة أيضا بصيغة الجمع (محاولات) لتكون قاسم القصائد المشترك وثرياها التي سلطت مساقطها واضاءاتها على مطبات النصوص وخفاياها القصية. وهي(محاولات)لا تعني بالتأكيد حدوث فعل الإيذاء لأن المحاولة لغة، تنطوي على شروع القيام بالفعل المقرون بحيلة ما، أو هي نيل الشيء بحيلة كما أورد ذلك (المنجد في اللغة). وعلى الرغم من الشروع بالمحاولة أو القيام بها يظل السؤال ماثلا: لماذا يحاول الشاعر إيذاء نصوصه؟ إن فاعلية التشويق تدفعنا لمعرفة التفاصيل من خلال إطلاعنا على سائر نصوص هذا النصف من المجموعة، لقد أدت العنونة الثانية وظيفتها ولكن الشاعر لم يكتف، على الرغم من هذا الأداء، باضاءات ثرياه، ولهذا نجده يعمد الى اقتباس نص توراتي ليكون بوابة أخرى للدخول الى ما يريد. يؤكد النص التوراتي على أن آدم وحواء أكلا من الشجرة المحرمة ليرى كل منهما ما لم تكن رؤيته ممكنة من قبل وليعرف كل منهما الخير والشر، وفور أكلهما عرفا أنهما عاريان فسترا عورتيهما بورق من شجر التين. ومنذ ذاك فتح الانسان عينيه على الشر الذي تربص به على مر الزمن. وما ناطحات الخراب إلا الجزء المكمل من ذلك الشر الذي عرفه العراقي منذ القدم وحتى زمن الحروب الديكتاتورية والكولنيالية.

1. بيت الترباس
عنونة تثير الدهشة والغرابة،وتستفز التأمل واستقراء مدياته..عنونة مشفوعة بإرادات قسرية سوّغت القتل وجمّلت مستقبحاته، وأعادت للذاكرة الجمعية تاريخ جيل سيق الى الموت بمسميات وطنية..عنونة موحية بأفعال الترباس القهرية والتدميرية..فمن هو هذا (الترباس) وأي (بيت) وسع غاياته المبيتة؟
إنه أداة فاعلة لاجتراح القتل والنحر والنطح والذبح..إنه جزء معدني صغير داعم لأجزاء البندقية ،ومحفز للرصاص الذي يستهدف الحياة ويغلق في وجهها سبل البقاء والنماء مشكلا بديلا موضوعيا لقوة الشر وتوقها الى إزاحة كل ما هو إنساني وجميل..وهو عند علي شبيب ورد مشخَّص بهيئة لها صفاتها ومواصفاتها وأسلوبها في سرطنة الحياة وشل حركتها وحيويتها ومن ثم الاستئثار بملذاتها،وهو يعمل بآلية جنوسايدية موتورة داخل بيت تحول الى بؤرة استقطابية تحصن خلف جدرانها أبشع المردة وأعتى الطغاة.وهو مسحور بنشوة الصولة، ومأخوذ بجذوة المحاولة، ومغتلم نحو الامتلاء والارتواء. إنه يبادل الفجيعة، ويبيرق الجراح داخل بيت وسع الوطن فأغرقه في جحيم الظلمات:
أيبادل الفجيعة..بحنق مكتوم؟
ويبيرق الجرح بهذيان أخرس؟
أم يترقب افتتاح قلاع أخر؟
يتساءل الشاعر وهو العارف انه يتوق الى توسيع رقعة ظلامه واشتهائه المفتوح، ولا سبيل الى ذلك بدون نذر جديدة من الأحياء، وهو لهذا (يبادل الفجيعة) و(يبيرق الجرح) مترقبا فتوحاته الجديدة التي ما كانت سوى (قلاع محجبة بفخاخ فاسدة)لا يهمه من فسادها سوى أنها غير قادرة على مواجهته وانه قادر على تدميرها وعلى تشييد مجده الدموي على ما انهدَّ منها من البناء والأشلاء. الشاعر لا يقرر ذلك وليس من همه أن يقرر ذلك وفقط يطرح سؤاله بارتياب:(من يدري؟)
ليجيب إجابة احتمالية(ربما..) محيلة القارئ الى أكثر من فكرة تشتغل على عدد وافر من (ال_ربما_ت) التي تتناسل داخل القصيدة ولكنها توزع أجنتها خارج تخومها الشعرية.
الشاعر من جهته يفترض الرتابة كموجه ومحفز ومحرك لنزعة (الترباس) الاستحواذية واشتهاءاته التدميرية كلما تولد لديه شك بالآخر الذي يروم الهيمنة على مفاصل حياته:
ربما..
ينتف زغب الرتابة
عندما تسحره نشوة الصولة
ويطرد الوهن عن جذوة المحاولة
عندما يشك بالآتي
وفي لحظة من لحظات حاجته لسفك الدم ينحر القصائد ويعصف بالجمال والكمال والرجال ظنا أنه الأوحد القادر على تسيير الأقدار والأفكار، ولا حاجة به لمن يقارع الموت في ردهات الانتظار الطويل بعد أن قرر له الموت بمشيئة لا تعلو عليها مشيئة وهو العارف أن كل الأشياء تشيأت على وفق إرادته وان جيلا سيولد تحت راجماته وسيرضع لبن الحرب في بيته الترباسي اللعين، وسيشب على حب الصولات والجولات والانتهاكات في الوقت الذي يبحث فيه الشاعر في الأوجار كلها عن عشبة سرقتها أفعى"من سيدنا كلكامش"كوسيلة لتجدد حياته المهددة بالزوال الأكيد ولكنه بدلا من الوصول إلى تلك العشبة يصاب بدوار البحث:
واليوم..ولأني مصاب بدوار البحث
عن سر الخفوت
تقيأت من المجارف والمخاوف والرمال
ما يكفي.....
لردم "البحر
الأرعن
المتورط"
الشاعر،إذن،اشتغل على الترباس كشخصية ملحمية،وبديل موضوعي،وحالة تشخيصية،ودلالة بينة على إشعال فتيل الحرب،ودفعه إلى الاكتواء بلظاها وجحيمها بمباركة ترباسية خالصة.وبهذا تكون العنونة قد حققت ما أرادت ووصلت إلى غايتها كثريا ألقت بأضوائها على مفاصل المتن الشعري وتجلياته وقداسته ونزوعه نحو استبطان ماهية الترباس وغاياته.

2. قمر شرقي
من بين سبع محاولات تواترت في إيذاء النص اخترنا هذه المحاولة كأنموذج نحاول من خلاله بيان موجهات الإيذاء اللائي جعلهن الشاعر سبعا ليضفي عليهن شيئا من قداسة وهيمنة سابوعية تتخطى النص والمنصوص لتستقر في جوهر القصد، ولتتهيأ لمتوالية أخرى قد تكون تكرارا، أو استذكارا، أو عود على بدء، أو تدوير لسابوعية الإيذاء المقصود بعد سبع غزوات متواترة لـ (أمير البوح).
العنونة هنا اشتغلت على تحديد صفة الموصوف (شرقي) تمييزا له عن الأقمار الأخرى لاكتمال دورته في أربعة أسابيع تدور حول محور واحد هو الرقم سبعة (محاولة سابعة..سبع غزوات..سبع فضاءات) وعلى مدار رتابته السابوعية اجترح إيذاءات النص وأحال المنصوص إلى واحة للبوح والشكوى وهو المأخوذ ببهائه وسنائه فضلا عن شرقيته التي أشرنا إليها.
في هذه المحاولة ،كما في المحاولات الأخرى، اشتغل الشاعر على ما تيسر له من البوح لذاته الشعرية التي تكاد تكون منفصلة عنه وملتحمة به ومتقاسمة معه فعل القصيدة، وهو العارف والعليم بمجريات حياته النصية والواقعية ولكنه وهو يقوم بمحاورة المروي له (ألذات الشعرية) ومشاكسته نصياً ينزل به قصاصه محاولا إيذاءه كرد فعل للأذى الذي لحق به جرّاء تحمله أعباء المعايشة والتكوين والتدوين والنوح والبوح.. يقول متسائلاً إياه بتأنيب:
من؟ أجَّجَ فيكَ الإسرافَ بطعنِ جَبُلاّتٍ
شاهقاتٍ راسخاتٍ،
بشكوكِ تخومٍ آيلةٍ لهبوب،
غير هياج قبائل فجرِ نفورِك؟
المروي له هنا يتماهى مع النص ويتقاسم الأذى وينصهر بعذاباته ومعاناته في الوقت الذي يتمترس الشاعر بمحاولاته الدائبة لزعزعة المنصوص برسم صورة له أكثر شبها به وأقرب توصيفا لحالته إذ يقول:
عينُ رؤاكَ.. عينُ سنونو
يبحث عَمَّنْ أكلَ فراخَهُ.
في مملكة يحكمها بومٌ يهذي وسطَ عنادل.
في هذه الأبيات الثلاثة اشتغل شبيب على تكثيف شخصية المروي له وصفيا فهو يرى الأمور من عل كما يراها السنونو وهو كالسنونو مأخوذ بالهجرة ومحموم في البحث عمن فُقِدَ منه في لحظة من لحظات أيامه المستلبة في بيئة(مملكة) يتردد فيها نعيب آكل أبنائه وهذيانه المندلق على امتداد طغيانه المريب ولا يكف عن افتراس أجمل الفراشات وأزكى الزهور وأبهى الأحلام.ومن هذا التوصيف والتكثيف ينتقل علي شبيب إلى التعنيف:
حريّ بك.. أن تجرفَ كلَّ ركاماتِ الملحِ
المبثوثة في درب خطاك.
وتمشطَ حقلَ الألغامِ المزروع بسحنتهِ.
والذي من خلاله تتضح ملامح الشخصية الثالثة في النص غيابياً وتفعل فعلتها فيه كما فعلت ذلك في شخصية المروي له إلا أن الشاعر لا يكف عن تحريض ذاته لتقف بوجه غطرسة الشخصية الثالثة ولتدخل في صراع معها ولتقوض صرحها
وتقابلُ عتمتَها.. بنقاءٍ مشرقٍ،
أبهى من قمرٍ شرقيّ.
علي شبيب إذن لم يخاصم نصوصه ولم يناصبها العداء وفقط أراد ،في سبع محاولات، مشاكستها فنياً ليصل بها إلى مبتغاها بطريقة تميزه أدائيا وفكريا ولا يسعنا إلا أن نتمنى له النجاح وهو يحث الخطى على طريق سوف لن تكون وعرة
بعد عدد من المحاولات الأخر.
.....................................
ناطحات الخراب ـ علي شبيب ورد ـ دار الشؤون الثقافية العامة ـ بغداد 2009



#صباح_الانباري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مسرح محي الدين زنكنه مسرحية الفصل الواحد أنموذجا ..قراءة تق ...
- الحروفي..محاولة في نمذجة انتولوجيا الشاعر
- منجز ما بعد الحروفية .. نماذج انتقائية من مجموعة أديب كمال ا ...
- باسم فرات ومراثي الأنا الجامحة
- - إعادة ترتيب - مؤالفة بين فوضى الخسائر و إعادة ترتيبها
- ملحمية الصور الدرامية في مسرحية كفر سلام او دستة ملوك يصبون ...
- المقروء والمنظور في مسرحية للروح نوافذ اخرى
- القمع والقتل الجماعي في رواية جهاد مجيد دومة الجندل
- دراما في تنغيل الموروث وتفعيل الوارث.. قراءة في مسرحية حازم ...
- الموناليزا السومرية .. سيدة الوركاء .. دراما في تنغيل المورو ...


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح الانباري - ناطحات الخراب*