أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد منصور - سماح ملاك يتألّم















المزيد.....

سماح ملاك يتألّم


خالد منصور
عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني


الحوار المتمدن-العدد: 1020 - 2004 / 11 / 17 - 11:41
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


سماح طفلة بريئة وادعة ، في الحادية عشرة من عمرها ، حباها الله من الجمال والرّوعة الشيء الكثير ، لا يمكن لمن يراها إلا أن يحبها وينشد إليها .. فهي من المؤكد أنها تبدو دائما كملاك في هيئة إنسان .. هي ابنة للاجئ فقير معدم ، تهرب الفئران من بيته لأنها لا تجد فيه ما يقيتها .. عامل عاطل عن العمل ، كان معروف عنه فيما مضى – أي قبل الانتفاضة – انه مجد ومجتهد ، يحصل على لقمة عيشه حتى ولو كانت في ( سابع ارض ) .. لكنه اليوم مثل الغالبية العظمى من عمال شعبنا المعذبين المقهورين بدون عمل دائم ، ولا يكاد يكسب حتى ما يكفي لإشباع أطفاله الثلاثة وامرأته ، فقد تراجع مستوى معيشته إلى ما دون مستوى خط الفقر بكثير ، واصبح يعتبر العديد من احتياجاته الرئيسية كماليات ، ومضطر للاستغناء عنها ، والتعوّد على العيش بدونها .
شاءت الأقدار أن تمرض هذه الطفلة الملاك ، وتبدأ أعراض المرض بالظهور سريعا عليها ، فحرارتها وصلت إلى ما يزيد عن 39 درجة ، وبدأت تعاني باستمرار من نوبات ألم حادة في خاصرتها ، فيشتد بكاءها وتنهار دموعها.. ويحتار أبويها .. ماذا يفعلون للتخفيف عنها .. فيحملوها مسرعين إلى عيادة وكالة الغوث في المخيم – تلك العيادة التي يزورها في اليوم الواحد وخلال 6 ساعات من عمل الطبيب العام ما يقارب من أل 150 مريض ، الأمر الذي يعني أنّ المريض سيحظى فقط بدقيقتين من اهتمام ورعاية الطبيب ، ( هذا على افتراض أنّ الطبيب يصل إلى عمله في الوقت المحدد ويغادر العيادة أيضا في الوقت المحدد ، كما ولا يتناول القهوة ولا الشاي ولا وجبة الفطور ) .. وصلت سماح إلى العيادة منهكة مرهقة ، وبعد الفحص قال الطبيب لذويها أنها تعاني من التهابات ، يمكن أن تنتهي إذا ما تناولت الدواء الذي كتبه لها ، فعاد الأبوان إلى بيتهم ، وواظبوا على إعطاء ابنتهم فلذة كبدهم الدواء بالمقادير وبالأوقات المحددة ، لكنها لم تتحسن واستمرت تعاني من آلام الخاصرة ومن ارتفاع الحرارة ، وهزل جسمها وذبلت وصارت تبدو وكأنها وردة عطشى ، فجن جنون أهلها ، وحملوها مسرعين إلى المستشفى الحكومي في مدينة جنين – وهو مستشفى تم بناؤه حديثا .. مستشفى نظيف وواسع ومنظم بشكل جيد لكنه يعاني من فقر بالكوادر الطبية المختصة – واقامت سماح بالمستشفى لمدة أربعة أيام ، فحصها هناك العديد من الأطباء ، وعملوا لها التحاليل اللازمة ، واعطوها أدوية خافضة للحرارة ومضادة للالتهابات ، لكن الحرارة لم تزول ، وظلت الطفلة تتألم بشدة من خاصرتها ، واخبر أبواها الأطباء بان موضع ألم الطفلة في خاصرتها ، وتمنّوا عليهم تصويرها بالأشعة ، لكن الأطباء لم يوافقوا ، وهنا قرر ذوي الطفلة التصرف على عاتقهم ، وقاموا بنقل ابنتهم إلى مركز خاص للأشعة ، وعملوا لها صورة أشعة على حسابهم الخاص ، وعادوا بعد ذلك إلى المستشفى ، ليظهروا للأطباء بما لا يدع مجالا للشك أن ألم الطفلة ناتج عن وجود عدد من الحصى في الكليتين ، وان الحالب في إحدى الكليتين مقفل تماما ، الأمر الذي يؤدي إلى احتقان شديد في الكلية الأخرى .. وبعد كل ذلك وبعد أن عرف أطباء المستشفى أن حالة الطفلة حرجة ، قرروا لها صورة أشعة طبقية وملونة ، فاستبشر ذوي الطفلة كثيرا ، لان علاج ابنتهم الحقيقي قد يبدأ فورا .. لكن مفاجأتهم كانت بموعد إجراء الصورة .. !! حيث علموا من الأطباء أن الموعد سيكون بعد عشرة أيام ..!! فاذهلهم الأمر كثيرا ، لان ذلك يعني أن ابنتهم ستظل تعاني لعشرة أيام أخر ، وقد تتطور حالتها إلى فشل كلوي ومضاعفات لا يعلم بها إلا الله ، فحاولوا تقديم موعد الصورة لتقصير فترة العلاج ، شارحين للأطباء خطورة وضع ابنتهم ، وان حالة ابنتهم استثنائية وانه لا يمكن تأخيرها أو إلزامها بنظام الدور (( المقيت )) المعمول به في المستشفى .. وتوسلوا واستعطفوا …. لكن الأطباء أصرّوا على موقفهم قائلين ( أن هناك مواعيد مسبقة وعلى المرضى الالتزام بها ، وان طاقم العاملين على جهاز الأشعة يعانون من ضغط شديد في العمل ) ... فحمل ذلك العامل الفقير ابنته ، وعاد بها إلى البيت ناقما حاقدا على كل شيء .. شاعرا أن الجميع قد تخلى عنه وتركوه في محنته ، وان الرحمة قد ذهبت من قلوب جميع الناس ، وخصوصا من قلوب من يفترض فيهم أن يعملون على شفاء آلام وجراح الناس ، ولكنه أيضا فكر .. وقرر أن يفعل المستحيل وكل ما يستطيع كي ينهي آلام ابنته ، فاستدان بعض المال ، وحمل ابنته إلى مركز خاص ومتطور لتصوير الأشعة في مدينة نابلس ، قاطعا الحواجز والمسافات ومتعرضا لكل مضايقات الجيش الإسرائيلي ، وهناك دفع 80 دينارا أردنيا ليحصل لابنته على صورة ملونة طبقية ، وتوجه بعد ذلك إلى عيادة وكالة الغوث في المخيم، حيث تعاطف مع وضع ابنته كل من الطبيب وطاقم الفنيين ،وابلغوه انهم سيساعدونه لنقل ابنته إلى مستشفى المطلع بالقدس لإجراء العملية الجراحية لها هناك … وهكذا وصل حجم المبلغ الذي دفعه هذا الأب المسكين لكشف سبب مرض ابنته ، إلى اكثر من مائتي دينار.. فمن أين سيتدبّرها وهو لم ينتهي بعد من دفع ثمن احتياجات أبنائه الأساسية لدخول المدارس .
هذه هي قصة سماح الملاك الذي لا زال يتألم .. وهي قصة كل أبناء الفقراء من لاجئين وغير لاجئين .. قصة تكشف كم نحن بحاجة إلى إصلاح وتغيير وطني شامل .. إصلاح يعالج سوء الأداء .. ويواجه الإهمال واللا مبالاة التي يتعرض لها أبناء الفئات الشعبية ..إن قصة سماح تطرح أسئلة كثيرة لم تجد لها إجابات منذ عدة سنين –-- من مثل ما هو سلم أولويات الصرف في الموازنة الفلسطينية العامة .. ؟؟ هل هو على أجهزة الأمن التي لا يلمس المواطن من عملها شيئا جدّيا .. في الوقت الذي تحظى به بأكثر من ثلث الموازنة..!! أم على مجالات الصحة والتعليم والعمل والزراعة والعدل .. ؟؟ ولماذا لا نزوّد مستشفياتنا بما يكفيها من طواقم الفنيين والاختصاصيين والأجهزة الطبية لتغطية الاحتياجات المتنامية للمواطنين بدلا من أن نعطي ونهب الأموال لمن لا يستحقّها..؟؟ وهل هناك رقابة إدارية على عمل وسلوك من يقومون بتقديم الخدمة للمواطنين ..؟؟ ولماذا يكون نظام المحسوبية هو السائد في كل معاملاتنا .. بحيث يتلقى المسؤولين وأبناءهم والمدعومين وأبناءهم الرعاية الطبية الكاملة ، وفي احدث وارقى المستشفيات المحلية والخارجية ، وعلى حساب السلطة .. أما أبناء العامة من الناس فليس لهم إلا الله … أو في احسن الأحوال …. أن يرأف بحالهم أحد الأعوان المقربين من السلطة – الحاجبين دوما للرئيس – فيرفع لهم كتابا إلى الرئيس للحصول منه على تغطية جزئية لنفقات علاج مريضهم – أو للحصول على مساعدة مالية طارئة -- قد تصرفها وزارة المالية وقد ترفض ..!!

خالد منصور
عضو المكتب السياسي
لحزب الشعب الفلسطيني
مخيم الفارعة – نابلس – فلسطين
16/11/2004



#خالد_منصور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من قتل ابو عمار .. ؟؟
- الفقراء يموتون بصمت
- لماذا نمنحهم شرف وداع الرئيس
- المعادلة الصعبة في الحالة الفلسطينية
- عرفات زعيم نحبّه .. ولكن ..
- غول الحواجز الاسرائيلية .. هل نقتله ..؟؟ ام يقتلنا ..؟؟
- هذا في فلسطين وليس في ابي غريب
- اطفال المخيم
- وقفة مع الذّات الفلسطينية
- السمات الخاصة بمجتمع اللاجئين الفلسطينيين
- غياب الرئيس .. ؟؟ التحديات والاسئلة الصعبة
- شركاء في المسؤولية
- عفوا معالي الوزير
- من قصص المعاناة الفلسطينية .. يوم في حياة موظف
- زيتنا احمر


المزيد.....




- وزيرة تجارة أمريكا لـCNN: نحن -أفضل شريك- لإفريقيا عن روسيا ...
- مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية
- استئناف محاكمة ترمب وسط جدل حول الحصانة الجزائية
- عقوبات أميركية وبريطانية جديدة على إيران
- بوتين يعتزم زيارة الصين الشهر المقبل
- الحوثي يعلن مهاجمة سفينة إسرائيلية وقصف أهداف في إيلات
- ترمب يقارن الاحتجاجات المؤيدة لغزة بالجامعات بمسيرة لليمين ا ...
- -بايت دانس- تفضل إغلاق -تيك توك- في أميركا إذا فشلت الخيارات ...
- الحوثيون يهاجمون سفينة بخليج عدن وأهدافا في إيلات
- سحب القوات الأميركية من تشاد والنيجر.. خشية من تمدد روسي صين ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد منصور - سماح ملاك يتألّم