أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد منصور - عفوا معالي الوزير















المزيد.....

عفوا معالي الوزير


خالد منصور
عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني


الحوار المتمدن-العدد: 1002 - 2004 / 10 / 30 - 13:01
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كانت الساعة حوالي الرابعة من بعد ظهر يوم اشتد برده ، وهاجت رياحه ، والمكان عند اسفل - المعرجات – على طريق رام الله - أريحا ، امّا المشهد فهو الانتظار المقيت أمام حاجز – طيّار - أقامه جيش الاحتلال الإسرائيلي ، مثل مئات وآلاف الحواجز التي تقطع أوصال بلادنا وتخنقنا ، وكأنها عقد في حبال مشانق ، أو تجلطات في شراييننا تمنع انسياب الدم لتقتلنا ، مئات المركبات تتسمر على جانبي الحاجز ، ويحظر على ركابها حتى فتح أبوابها ، فما بالك النزول ( لتحريك المفاصل والعضلات ) ، وعشرات الجنود منتشرون عند الحاجز وعلى أطرافه يصوبون بنادقهم تجاه جميع المركبات ، مستنفرين وكأنهم في معركة ، الشرر يلمع في عيونهم ، وألسنتهم تقذف كل من يحاول الخروج من مركبته بأسفل واقبح الألفاظ ، وبالتهديد بالضرب والقتل والاعتقال … مئات المسافرين الذين أوقعهم حظهم العاثر بهذا الحاجز ينتظرون دورهم ، نساء وأطفال وشيوخ ومرضى ، وموظفين عائدين إلى مناطق سكناهم … تسمع بكاء الأطفال الجوعى والعطشى وانين المرضى … وتحاول بعض النسوة التقدم نحو الجنود ، علّهنّ يجدن في قلوبهم شيء من الرحمة والإنسانية !! ، لكن الجنود هم نفسهم الجنود ، إما أن يكونوا قد تربوا على الحقد والكراهية لكل ما هو عربي ، أو أنهم ينفذون أوامر قادتهم ، الذين يصورون لهم حتى أطفالنا بالإرهابيين ، فيتصرفون وكأنهم ذئاب مجنونة … كانوا يصدّون النساء بقسوة ،غير مكترثين بما يطلبنه حتى لتلبية الحاجات الأساسية للأطفال .
مرّت ساعتان دون أن يسمح الجنود بمرور أي سيارة ، وبدا الظلام يدب والبرد يشتد ، والناس في سياراتهم عيونهم تحدق في الفضاء ، علّ الأمور تتحرك حتى ولو ببطيء ، ---- وإذا بسيارة من نوع جيب بيضاء اللون حديثة الصنع ( ذات دفع رباعي ) تصل إلى الحاجز ، وتتوقف على جانب طابور السيارات ، وينزل السائق وبيده بعض الوثائق ، تقدم مسرعا نحو جنود الحاجز بثقة زائدة … لكن الجنود نهروه بصوت عال ، وطلبوا منه العودة إلى سيارته ، فلم يستجب ، واستمر بالتقدم رافعا صوته بالقول (V I P V I P معي وزير معي وزير ) ، وعندها سمح له الجنود بالتقدم ، واطّلعوا على الوثائق التي يحملها ، واجازوا له المرور بعد برهة قصيرة … فعاد إلى سيارة الجيب متبخترا ، وكأنه حقق انتصارا مذهلا في إحدى المعارك ، وقاد سيارته ومر من أمام جمهور الغلابى المنتظرين … كانت السيارة فاخرة جدا وزجاجها مغلق ، فبدا الناس بالتحديق لمعرفة من هو ذلك الوزير العظيم ،الذي تفتح له الحواجز ، البعض من الناس خدع نفسه ، وظنّ أن الوزير قد يتوقف عندهم كنوع من التضامن ، ليطرح السلام عليهم أو ليسألهم عن معاناتهم ، أو يحاول مساعدتهم لدى الجنود ، بصفته مسئولا رفيعا… لكن ظنونهم قد خابت ، ومرت سيارة الوزير مسرعة ، وشوهد ذلك الوزير مطرقا رأسه الضخم حتى لا يعرفه الناس ، أو حتى لا يتكدر مزاجه قبيل حفلة خاصة من المؤكد انه قد دعي إليها … وعاد الناس إلى أحاديثهم السابقة ، عن العذاب والمعاناة التي يواجهونها كل يوم على الحواجز ، بعض النساء نطقن بصوت خافت حزين – حرام لو أخذنا الوزير معه بسيارته – بعض الشباب صرخ ولعّن على الوزير وامثاله ، ممن يحملون بطاقات ألVIP ، واطلقوا العنان لشتى الاتهامات ، وتحدث شيخ طاعن بالسن موجها كلامه للشباب ، - انتم مجانين هل كنتم تتوقعون أن ينزل الوزير بعظمته وجلاله ليتحدث معكم والتعرف على همومكم ، أو حتى أن يقف مثلكم على الحاجز ، كان الشيخ يائس محبط فدعى الناس إلى تسليم أمرهم إلى الله وعدم انتظار الفرج على أيدي هذا الوزير وأمثاله.
واستمرت المعاناة والانتظار ساعتين إضافيتين ، وبعدها عبرنا الحاجز وتنفسنا الصعداء ، وواصلنا سيرنا من جديد لنصل إلى حاجز الحمرا ، وعدنا مجددا للانتظار بالطابور لاكثر من ساعة ، واخيرا عبرنا الحاجز، وانطلقت السيارة بنا في الظلام الدامس ، حتى وصلنا إلى منازلنا في حوالي الساعة الثامنة ليلا ،حيث كان جميع أفراد أسرتي بانتظاري الكل يسال ويستفسر، لم هذا التأخر ؟؟ وماذا حصل ؟؟ ولم يكن لدي شيء جديد أحدثهم عنه ، لأنهم قد اعتادوا على السماع مني عن حكايات العذاب والمعاناة على الحواجز ، والشيء الوحيد الذي حدثتهم عنه ، هو مرور ذلك الوزير عنا ونحن على الحاجز ، والكيفية التي تعامل بها الجنود معه .
وفي تلك الليلة ، ورغم الإجهاد الكبير ، إلا أنني لم استطع النوم إلا بعد منتصف الليل ، وبقيت استعرض ما جرى معي طيلة النهار ، وظلت صورة الوزير ماثلة أمامي ، والغضب يتملكني …. احتسيت خمسة فناجين قهوة ، واستنفذت كل سجائري ….. مرات عديدة حاولت أن أتفهم موقف الوزير ، لكنني لم استطع …. استرجعت ما قاله الشيخ لحظة مرور الوزير == هؤلاء الناس ليسوا من طينتنا ولا يرجى منهم شيء == فهدأت نفسي واقتنعت أنّ من لم يعش مثل حياتنا لا يمكنه أبدا أن يفكر مثلنا ، أو يعمل من أجلنا ، ومن لم تحفى قدماه ويتسخ حذاؤه وتتغبّر ملابسه وهو يسير على الحواجز وفي الدروب الجبلية.. لا يمكن أن يشعر معنا == نحن في واد وهو في واد == .
وتعمق لدي الإدراك بأن من ابتدع بطاقات أل V I P كان في منتهى الدهاء ، لأنّه أعطاها كامتياز للمسؤولين ، وأذاقهم حلاوتها حتى يستميتوا في الحفاظ عليها ، كجواز مرور سحري يعفيهم من الوقوف بالطوابير لساعات تحت أشعة الشمس اللاهبة ، أو في البرد وتحت المطر ، وبذلك يكون هدف من منحوهم هذا الامتياز بسلخهم عن شعبهم قد تحقق .
منذ بدء الانتفاضة أوقف المحتلون كافة أشكال التنسيق مع السلطة الوطنية الفلسطينية ، لكنهن – أي المحتلون - ما زالوا يوافقون على التنسيق في الأمور التي تخدم الأغراض الخاصة بأصحاب أل V I P ( لغاية اليوم يستمر العديد من المسؤولين وممن كانوا يقومون بعمليات التنسيق مع الجانب الإسرائيلي بالاحتفاظ بأرقام هواتف نظرائهم الضباط الإسرائيليين ويستخدمونها للحصول على تسهيلات في الحركة وفي السفر لانفسهم ولمن يطلبها من أصحاب النفوذ ) فهم يسافرون داخل الوطن وخارجه بمنتهى السهولة ويعبرون الحواجز وحتى الخط الأخضر دون أي عائق وهو أمر ليس بالسري ، إذ بمقدور كل المواطنين أن يروهم وهم يستمتعون بالامتيازات التي منحهم اياها الاحتلال ( وفي كل مرة تنصب على رؤوسهم اللعنات ) ، وتضمحل الثقة فيهم ، وبقدرتهم على تحقيق أدنى المطالب التي يناضل من اجلها شعبنا منذ عشرات السنين .

خالد منصور
عضو المكتب السياسي
لحزب الشعب الفلسطيني
26/10/2004



#خالد_منصور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من قصص المعاناة الفلسطينية .. يوم في حياة موظف
- زيتنا احمر


المزيد.....




- تطاير الشرر.. شاهد ما حدث لحظة تعرض خطوط الكهرباء لإعصار بال ...
- مسؤول إسرائيلي لـCNN: الاستعدادات لعملية رفح مستمرة حتى لو ت ...
- طبيب أمريكي يصف معاناة الأسر في شمال غزة
- بالفيديو: -اتركوهم يصلون-.. سلسلة بشرية من طلاب جامعة ولاية ...
- الدوري الألماني: شبح الهبوط يلاحق كولن وماينز بعد تعادلهما
- بايدن ونتنياهو يبحثان هاتفيا المفاوضات مع حماس والعملية العس ...
- القسام تستدرج قوة إسرائيلية إلى كمين ألغام وسط غزة وإعلام عب ...
- بعد أن نشره إيلون ماسك..الشيخ عبد الله بن زايد ينشر فيديو قد ...
- مسؤول في حماس: لا قضايا كبيرة في ملاحظات الحركة على مقترح ال ...
- خبير عسكري: المطالب بسحب قوات الاحتلال من محور نتساريم سببها ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد منصور - عفوا معالي الوزير