أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - خالد منصور - هذا في فلسطين وليس في ابي غريب















المزيد.....

هذا في فلسطين وليس في ابي غريب


خالد منصور
عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني


الحوار المتمدن-العدد: 1009 - 2004 / 11 / 6 - 09:36
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    



أجبرونا على التعرّي ….والقوا بنا خلف الحدود

طفش طافش بن ابي طافش من بيته ، بعد أن تناهى إلى سمعه أنّ امرأته سوف تهجره وتحرد في بيت أبيها ، إن لم يجد زوجها عملا يستطيع من خلاله سد رمق أطفاله الأربعة ، وتوفير الحد الأدنى من احتياجات المنزل .. وكان طافش قد اعتكف منذ عدة أيام ، كي لا يواجهه أصحاب الديون وما أكثرهم ، ومنهم جاره صاحب الدكان ، كما انه لم يكن ليجرؤ على النظر في عيون أطفاله ، الذين لم يلبي أي من طلباتهم على صغرها منذ زمن طويل …
عندها قرر طافش أن يطفش من بيته ، ويسعى في مناكب الأرض ، عله يتمكن من إيجاد أي عمل حتى ولو كان وضيعا .. ولان فرص العمل موجودة فقط في إسرائيل - فقد قرر الدخول إلى إسرائيل - فكر طافش .. ولكن كيف الدخول وهناك ألف حاجز وحاجز يفصله عن إسرائيل وهو لا يملك تصريح رسمي ..؟؟ إذا ما عليه إلا أن يتسلل عبر الخط الأخضر – الفاصل ما بين مناطق الضفة الغربية والأراضي المحتلة عام 1948 – .. وكيف يتسلل وإسرائيل قد بنت جدار العزل والفصل العنصري بحيث أغلقت كل طرق التهريب التي اعتاد عشرات آلاف العمال الفلسطينيين المرور عبرها يوميا في طريقهم لاماكن عملهم ..؟؟ فكر طافش كثيرا ، وسال واستفسر من عمال آخرين ، فعلم أن هناك مقطع من الجدار العازل بمحاذاة قرى رام الله الغربية لم يتم إنجازه بعد .. فشد طافش رحاله وودع أهله وأصدقاؤه وداعا حقيقيا ، لانه قد لا يعود أبدا ، وقد يصطاده رجال الجيش الإسرائيلي وحرس حدوده ، وقد يقتلوه بدم بارد بعيدا عن الأعين ، ويدّعوا زورا انه كان يحمل أسلحة ومتفجرات ، وقد يعتقلوه وتنقطع أخباره لشهور عدة ، قبل أن يستطيع أهله الاهتداء إلى مكانه ، بالاستعانة بأحد منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية – الغير حكومية .. واستطاع طافش عبور الخط الأخضر ، والوصول إلى بعض العمال العرب العاملين في منطقة تل ابيب ، الذين وفروا لهم مكان عمل في قطاع البناء ، عند رب عمل إسرائيلي اعتاد على استغلال العمال الفلسطينيين من سكان الضفة ، فيعطيهم أجورا منخفضة ، ويعاملهم معاملة لا إنسانية لحاجتهم الماسة للعمل، ولخوفهم الدائم من إلقاء القبض عليهم .. لكن حظ طافش كان سيئ جدا ، إذ لم يمر على عمله إلا بضعة أيام ، وإذا بالشرطة الإسرائيلية ( البوليشت ) تداهم مكان عمله ، وتعتقله ومجموعة من زملائه العمال الفلسطينيين ، ويسوقوهم إلى مركز الشرطة ، ويكتشف طافش أنّ الشرطة قد قامت في ذلك اليوم بحفلة صيد للعمال ( الغير قانونيين كما يسمونهم ) أي أولئك الذين لا يملكون تصاريح عمل رسمية .. تم احتجاز ما يزيد عن 56 عاملا فلسطينيا ، منذ ساعات الصباح وحتى وقت غروب الشمس ، وجرى التحقيق المكثف معهم ،وتفحص الشين بيت سجلاتهم الأمنية ، وبعد التحقق من عدم وجود ملفات أمنية لأي من العمال ، تم شحنهم بحافلة سارت مخفورة بسيارتي جيب عسكريتين ، تابعتين لقسم من الشرطة الإسرائيلية يطلق عليه حرس الحدود -- وهو جهاز أمني إسرائيلي معروف بقسوة تعامله مع الفلسطينيين وبوحشية وسادية ضباطه وأفراده -- وعندما اجتازت الحافلة الخط الأخضر وبوابات الجدار العازل الذي يليه ، أوقف الجنود الحافلة وامروا العمال بالنزول منها والوقوف صفوفا منتظمة ، وبعد أن انهالوا على العمال بأقبح الشتائم -- باللغة العربية كون عدد من الجنود هم من عرب الداخل من البدو والدروز – فاجئوهم بطلب غريب عجيب لدرجة انهم - أي العمال - اعتبروا أن الأمر غير جدي وما هو إلا تخويف لهم .. لكن الجنود أعادوا الأمر من جديد مشهرين بنادقهم الرشاشة باتجاه رؤوس الجميع .. قائلين على كل واحد فيكم أن ينزع كامل ملابسه .. بسرعة .. بسرعة .. وكل من يرفض سنطلق النار عليه .. ولزيادة الضغوط النفسية وتحطيم إرادة الرفض لدى العمال ، تقدم الجنود من أحد العمال وكان رجلا كبير السن ، وضربوه بأعقاب البنادق حتى سالت دماؤه ، واجبروه على التعري الكامل ، واتجهوا لاخر .. حتى أيقن جميع العمال انهم قد يواجهوا الموت إن لم يستجيبوا لأوامر الجنود ، ( وبالفعل هناك حوادث كثيرة قتل فيها الجنود عمال فلسطينيين في مناطق نائية ، ليس لسبب أمني ولكن لان الجنود كانوا يتسلّون ويمارسون تعطشهم لسفك الدم العربي ، ودائما يكون الجنود موقنين بان قيادتهم ستصدق روايتهم المألوفة عن الحادث ، باعتباره حادث أمني ويتم تزوير كل الأدلة والإثباتات عليه ) .
يقول طافش ذلك الفلاح الخجول جدا جدا .. لم أتخيل في حياتي كلها هذا الأمر .. 56 رجلا عاريا يقفون أمام والى جانب ووراء بعض .. والجنود يقفون أمامهم وخلفهم يتقهقهون ويشيرون إلى عوراتهم ويجبرونهم على الاستلقاء والجلوس أو الانحناء بأوضاع مهينة شاذة لا تليق حتى بالبهائم .. انه أمر لا يصدق وحتى الخيال الواسع لا يمكن أن يتوقعه .. حاولنا ستر عوراتنا بأيدينا ولكن كيف لنا أن نستر عوراتنا الأمامية والخلفية .. وبعدها امرنا الجنود بالانصراف بعد أن جمعوا ملابسنا ، وقالوا لنا عودوا هكذا عراة إلى منازلكم ،وتذكروا أنكم ستتعرضون لنفس الموقف إن صدف والقينا القبض عليكم بدون تصاريح داخل إسرائيل .. كان النهار في نهايته والشمس توشك على الغروب ، والعمال المصدومين المقهورين لا يعرفون ماذا سيفعلون وأين سيتجهون ؟؟ وقد اخذوا قرارا بان لا يسيروا في الطرق العامة ، بل إن يسيروا بين حقول الزيتون كي لا يراهم أحد بهذا المنظر ويصاب بالجنون ، إلى أن يصلوا إلى اقرب قرية عربية .. وبالفعل وعندما وصلوا إلى أول قرية عربية ، كمنوا بين أشجار الزيتون ، وتقدم واحد منهم من أحد البيوت المقامة على أطراف القرية ، وحاول جاهدا إخفاء جسده خلف ( سنسال حجارة ) وبدأ ينادي على صاحب البيت .. وبعد عدة نداءات خرج صاحب البيت وفتح باب بيته ، وقال .. من المنادي .. ونظر في جميع الاتجاهات ليرى من يناديه ، فلم يجد أحدا ، وكاد يعود إلى داخل منزله ويغلق بابه مرة أخرى ، لولا أن العامل رفع رأسه مرة ثانية وخاطب العجوز بصوت عال .. أنا عربي مثلك ولا تخف مني .. كان العجوز قد ارتاب في البداية من الأمر ، ولكي يتأكد من أن الشاب عربي .. طلب منه أن يخرج من وراء السنسال ليراه .. لكن الشاب المختبئ خلف السنسال قال للعجوز بأنه لا يمكنه أبدا فعل ذلك لانه بدون ملابس .. واوجز للعجوز حكايته ، وحكاية رفاقه العمال الآخرين مع جنود الجيش الإسرائيلي ، وطلب من العجوز المساعدة .. فدهش العجوز من الرواية وتألم كثيرا ، وقال للشاب انتظرني لحظة حتى احضر لك ما يكسوك ، وبالفعل احضر له بعض الملابس الداخلية ودشداش ، والقى بها إليه ، فتناولها الشاب مسرعا وارتداها وخرج من خلف السنسال ، وتقدم من العجوز ليعانقه والدموع في عينيه شاكرا له فعله ، طالبا منه مساعدته لدى أهل القرية ، للحصول على ملابس لبقية العمال المختبئين بين أشجار الزيتون ، وينتظرون قدومه على أحر من الجمر ، وفي خلال اقل من نصف ساعة ، كان رجال القرية قد جمعوا الملابس المطلوبة ، واخذها الشاب إلى رفاقه فلبسوها وخرجوا من مخابئهم ، فاستقبلهم أهل القرية احسن استقبال ، وقدموا لهم الطعام والشراب ، وخيّروهم بين أن يقضوا الليل في منازل القرية ،وبين أن يوفروا لهم سيارات تنقلهم إلى قراهم والى أي مكان يريدون ..
لكن طافش الذي خرج من هذه الورطة الفظيعة .. عاد ليفكر من جديد ماذا سيفعل ؟؟ وهل يستمر بالطفشان من البيت ؟؟ والهجرة للبحث عن عمل في كل مكان في هذه الدنيا ، التي لم تعد كبيرة كما كانت ..!! وحتى ولو كلفه ذلك القرار روحه ودمه … أو أن يعود ليشرح لامرأته واهلها ما قد حصل له .. علهم يتفهمون ظروفه ويتوقفوا عن الضغط عليه ، وتهديده بتركه مع أطفاله وحيدا بدون زوجه .. والعجيب أنّ طافش قرر أن يعاود التسلل مرة أخرى إلى إسرائيل ، والبحث عن عمل هناك ، لانه اقتنع أن عمله هو الوحيد الذي سيحسن مكانته في البيت لدى زوجته وابناءه ، وانه بدون عمل سيدفع بأبنائه إلى الشارع ليتسولوا ويتشردوا وتتحطم بذلك أسرته نهائيا .. وما زال طافش لغاية الآن متسللا متشردا في إسرائيل ، ويرسل بين الفترة والأخرى عبر البنك كل قرش يجمعه لأسرته ، كما واصبحت زوجته هي التي تدعوه باستمرار للعودة إلى بيته ، حتى تراه ويراه أبناؤه ..
خالد منصور
عضو المكتب السياسي
لحزب الشعب الفلسطيني
6/11/2004



#خالد_منصور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اطفال المخيم
- وقفة مع الذّات الفلسطينية
- السمات الخاصة بمجتمع اللاجئين الفلسطينيين
- غياب الرئيس .. ؟؟ التحديات والاسئلة الصعبة
- شركاء في المسؤولية
- عفوا معالي الوزير
- من قصص المعاناة الفلسطينية .. يوم في حياة موظف
- زيتنا احمر


المزيد.....




- أعاصير قوية تجتاح مناطق بالولايات المتحدة وتسفر عن مقتل خمسة ...
- الحرس الثوري يكشف عن مسيرة جديدة
- انفجارات في مقاطعة كييف ومدينة سومي في أوكرانيا
- عشرات القتلى والجرحى جراء قصف الطيران الإسرائيلي لمدينة رفح ...
- القوات الأوكرانية تقصف جمهورية دونيتسك بـ 43 مقذوفا خلال 24 ...
- مشاهد تفطر القلوب.. فلسطيني يؤدي الصلاة بما تبقى له من قدرة ...
- عمدة كييف: الحكومة الأوكرانية لا تحارب الفساد بما فيه الكفاي ...
- عشرات الشهداء والجرحى في غارات إسرائيلية متواصلة على رفح
- الجامعات الأميركية تنحاز لفلسطين.. بين الاحتجاج والتمرد والن ...
- بايدن يؤكد لنتنياهو -موقفه الواضح- بشأن اجتياح رفح المحتمل


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - خالد منصور - هذا في فلسطين وليس في ابي غريب