أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شاكر النابلسي - من أوهام وأحلام الثورات















المزيد.....

من أوهام وأحلام الثورات


شاكر النابلسي

الحوار المتمدن-العدد: 3422 - 2011 / 7 / 10 - 11:38
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


-1-

ليست هناك فرحة لشعب من الشعوب المظلومة، والمسلوبة خيرات وطنها، والمحكومة بالحديد والنار عقوداً كثيرة، والشعوب التي لم يجد أبناؤها فرصاً للعمل، مثل فرحتهم لنجاح ثورة في بلادهم، حيث تأتي هذه الثورة مبشرةً بالسمن والعسل، وإقامة العدالة، وتوفير فرص العمل للشباب المنشور على الأرصفة والمقاهي، وإصلاح التعليم، وإقامة المجتمع المدني، وإتاحة هامش كبير للحريات العامة، واحترام قيم الديمقراطية، واستقلال القضاء، ومساواة المرأة بالرجل والرجل بالمرأة في الحقوق والواجبات.. الخ. ولكن ما أن تمضي عدة أيام، وفي بعض الأحيان عدة شهور، على قيام الثورة، وسقوط النظام القديم، حتى تُفاجأ الشعوب بأن الثورة لم تأتِ بغير الكساد، والتراجع الاقتصادي، والفوضى الأمنية، والانفلات في الإدارة, وأن الحكومة التي تتولى الحكم في الفترة الانتقالية، لا خبرة لها في إدارة شؤون البلاد والعباد، وأن الجميع يطالبون بزيادة رواتبهم، وأن الدولة تكاد تعجز عن دفع الرواتب السابقة. وأن الجميع يدعي بأنه هو من أشعل الثورة، ولا أحد يعتبر نفسه من الممتطين، أو الخاطفين للثورة. في حين أن الفرد لا دور له في أية ثورة وأن العقل الجمعي والعمل الجمعي، هو الذي يحرك أمور الوطن. وربما كانت الثورة عبارة عن تراكمات تاريخية وجغرافية وسياسية. وربما هي كبرميل البارود، أو برميل البنزين، الذي ينتظر من يقذفه بالشرارة الأولى لكي يشتعل. ولو كان هذا البرميل فارغاً من البارود أو من البنزين لما انفجر، ولو أُلقي فيه نار جهنم الحارقة. ولذا، اعتبر هيجل أن "الفلسفة تأتي دوماً في الهزيع الأخير من الليل بعد اكتمال الحدث". ووجد هيجل مصاعب جمة في بلورة مسالك الخروج من الثورة، الذي هو في الواقع مفارقة عصية، بما هو خروج إرادي من حالة الحرية المطلقة المجردة إلى حالة الانتظام المؤسسي، الذي يقتضي إضفاء الشرعية على علاقات السلطة.


-2-
على مر التاريخ، واختلاف الزمان والمكان والمقدمات والنتائج، أصبح للثورات في التاريخ أوهام وأحلام. ومن هذه الأوهام والأحلام التي لم تتحقق في كثير من الأحيان لأسباب كثيرة:
1- عدم تحقيق الديمقراطية التي كانت مفتقدة في عهود سبقت الثورة. وذلك في ظرف ستة أشهر أو سنة على الأكثر. في حين أن تحقيق الديمقراطية يحتاج إلى سنوات طويلة، ربما تصل إلى عشر سنوات، أو أكثر. ولكن الثوار يظنون أن الديمقراطية قرار سياسي، وليست تربية، واستعداد مجتمع وشعب على تقبلها. فالديمقراطية فيها مرارة الحداثة للحاكم والمحكوم. وهي ليست عسلاً، بقدر ما هي حنظلاً، لا بُدَّ من تعاطيه. وعلى قدر مرارة هذا الحنظل، يتم تحقيق بعض قيم الديمقراطية على أرض الواقع. يقول الفيلسوف الفرنسي المعاصر، وعالم الانثروبولوجيا، والسوسيولوجيا والناقد الأدبي، روجيه كايوا في كتابه (الإنسان والمقدس sacré L’home et le) أن العرب كانوا يستعملون أكثر مكونات الترياق مرارة واشمئزازاً للنفس، كأدوية لأوجاعهم وأمراضهم، قبل أن يكتشف الطب والعلم الأدوية الحديثة. وكذلك فعل قبلهم الرومان. ويقول كايوا: "وفي أيامنا، لا يزال هناك اعتقاد سائد - بنسب تتفاوت وعياً- بأن الدواء الأنجع هو الأكره مذاقاً. وأن أكثر من دواء كريه، تجد الأمم نفسها في بعض الأحيان، مضطرة إلى التماس الخلاص المنشود فيه." ومن هنا، كان "دواء الديمقراطية" للدكتاتورية من الناحية السياسية، والثقافية، والاجتماعية، والاقتصادية، هو الدواء الأكره مذاقاً. ولعل الحالة التونسية والحالة المصرية، وما ستؤول إليه الحالة في ليبيا، وسوريا، واليمن، خير دليل على الثمن الغالي والباهظ، الذي سيدفعه الشعب لتحقيق الديمقراطية على مرِّ السنوات القادمة. وهو الدواء الأنجع، ولكنه الدواء الأكره مذاقاً.
2- ومن أوهام وأحلام الثورات القضاء على الفقر. فمن المعروف أن الثورات يشعلها الفقراء. الأغنياء لا يثورون، لأن لا دوافع لديهم للثورة. فلا شكوى للبطون المتخمة شبعاً. البطون الخاوية والجائعة هي التي تثور طلباً للخبز. والقضاء على الفقر لا حل سياسياً له. وإنما حله يكمن في رجال الاقتصاد، وفي النخب الاقتصادية. والفقر يُشكِّل عائقاً لتفوق معدلات النمو الاقتصادي على معدلات النمو الديمغرافي. وأن لا ديمقراطية للجياع، حيث أن معظم سكان البلدان العربية الكبرى، يعيشون تحت خط الفقر. والفقراء تعاملوا حتى الآن مع الانتخابات الديمقراطية إما بالاستنكاف عن التصويت (مصر) ، وإما ببيع أصواتهم (المغرب، والهند، ولبنان) ، وإما بالتصويت الاحتجاجي لأكثر الحركات تعصباً وعنفاً (الجزائر). إن الديمقراطية لا تتأصل إلا في مجتمعات الوفرة، إلى درجة أن رئيس البنك الدولي السابق يقدر، أن بلوغ متوسط الدخل الفردي السنوي عشرة آلاف دولار، هو الشرط المناسب لتوطين الديمقراطية. عندئذ، تتضاءل إمكانية التصويت الاحتجاجي، والعنف السياسي، ويختفي بيع الأصوات. والفقراء هم عادة ضحايا الأميّة والجهل. وهذا لا يساعدهم على وعي أهمية الديمقراطية كعامل استقرار سياسي، يساعد على التنمية الاقتصادية باستقطاب الاستثمارات الخارجية، وبإقناع الرساميل الداخلية بعدم الفرار. ولا يساعدهم فضلاً عن ذلك على وعي أهمية حقوقهم المدنية. "وهم الذين لم يترك مطلب توفير لقمة العيش في رؤوسهم مكانا لأي مطلب سواه." كما يقول المفكر التونسي العفيف الأخضر في مقاله "عوائق توطين الديمقراطية في المجتمعات العربية".

3- ومن أوهام وأحلام الثورات القضاء على البطالة، أو تخفيف نسبتها العالية في العالم العربي. (بلغت نسبتها 20- 30 %) وانتشار البطالة بهذه النسبة العالية في العالم العربي، ووجود هذه الملايين من العاطلين عن العمل، والذين يحملون شهادات مدرسية وجامعية، لا قيمة لها في سوق العمل المحلي والإقليمي والدولي، دليل واضح على تخلُّف التعليم، وانتشار الفساد السياسي والمالي في العالم العربي، وبالتالي تخلُّف هذا العالم. وهذا الواقع قائم، رغم ازدياد عدد الجامعات في العالم العربي (10 جامعات في 1950 إلى 175 جامعة في 1995)، ورغم زيادة الإنفاق عليها ( وصل في 1996 إلى 9و6 مليار دولار)، ورغم زيادة حاملي الشهادات العالية (وصل عددهم في 1990 إلى 500و80) من حملة شهادة الدكتوراه، والذين يعانون هم أنفسهم أيضاً من البطالة، حيث تظاهر في الأردن أخيراً أكثر من خمسين شخصاً من حملة شهادة الدكتوراه في مختلف التخصصات، أمام مبنى مجلس الوزراء مطالبين بإيجاد عمل لهم. كما أن البلدان العربية تعاني فائضاً في الموظفين، في وظائف متدنية الكفاءة ومنخفضة القيمة في قطاع الخدمات. والبطالة في العالم العربي آخذة بالازدياد. فماذا يمكن للثورات والثوار، أن يفعلوا في مثل هذا الواقع الصعب والبالغ التعقيد في ظل الضعف الاقتصادي في بعض الدول العربية، مما يشير إلى استغراق الثورات لزمن طويل لحين البدء بحل مشكلة البطالة في البلاد الثائرة.

وبعد، فإن الثورات ليست – كما يُظن - هي "الريموت كنترول"، الذي سوف يفتح كل القنوات الفضائية السياسية والاقتصادية والتعليمية وغيرها.



#شاكر_النابلسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل يقود -الأزهر الجديد- مصر الى الحداثة؟!
- الأزهريون يكتبون دستور -مصر الجديدة-!
- الأردن والملكية المُكْلِفَة
- لماذا لم يبدأ المستقبل في مصر حتى الآن؟
- لماذا لم تجد مصر مرشحها للرئاسة حتى الآن؟
- التحليل النفسي للدكتاتورية العربية
- يا أدونيس: لا حياة لمن تنادي!
- الدكتاتوريون يفرِّغون السجون ويملأون المقابر!
- العراق الى أين في خضم الثورات العربية؟
- ليست كل الزهور تتفتح في 25 يناير!
- ثمن الدكتاتورية الباهظ
- اليمن بين مثقفي الطليعة وفساد السياسيين
- هل يصبح عبد المنعم أبو الفتوح الرئيس المصري القادم؟!
- هل أصبح مبارك رمزاً يختصر تاريخ الدكتاتورية؟!
- مصر: هبوب نسائم الدولة الدينية
- مصر: من استبداد الدولة الى استبداد الفوضى
- لكي لا تتحول الثورات الى أزمات!
- يا كاهنة المعبد: كفى عبثاً!
- لماذا كانت وعود الدكتاتوريات كاذبة؟
- لنتعلم قليلاً من أخطاء الثورات في التاريخ


المزيد.....




- شاهد رد مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأمريكي عن مقتل أطفال ...
- مصادر تكشف لـCNN كيف وجد بايدن حليفا -جمهوريا- غير متوقع خلا ...
- إيطاليا تحذر من تفشي فيروس قاتل في أوروبا وتطالب بخطة لمكافح ...
- في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشارالمرض ...
- لماذا تحتفظ قطر بمكتب حماس على أراضيها؟
- 3 قتلى على الأقل في غارة إسرائيلية استهدفت منزلًا في رفح
- الولايات المتحدة تبحث مسألة انسحاب قواتها من النيجر
- مدينة إيطالية شهيرة تعتزم حظر المثلجات والبيتزا بعد منتصف ال ...
- كيف نحمي أنفسنا من الإصابة بسرطانات الجلد؟
- واشنطن ترسل وفدا إلى النيجر لإجراء مباحثات مباشرة بشأن انسحا ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شاكر النابلسي - من أوهام وأحلام الثورات