أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عزيز باكوش - الأعمى وجرائد الصباح














المزيد.....

الأعمى وجرائد الصباح


عزيز باكوش
إعلامي من المغرب

(Bakouch Azziz)


الحوار المتمدن-العدد: 3419 - 2011 / 7 / 7 - 02:33
المحور: الادب والفن
    


يلامس حافة الطوار الأحمر والأبيض وهو يتمتم بصلاة ، يرج بعصاه البيضاء المفككة برفق رغام الأرض الأصفر المتشقق ،ورأسه في السماء بعينين مثل بئر مهجور ، يتحسس بإفراط ذاته المشطورة على نحو قلق ، يبحث عن أشياء تعيق خطواته المترددة الواثقة فلا يجدها ، تنزلق قدمه فجأة ، تطأ فراغا ، يجنح به جهة مجهولة ، رصيف عبور الدراجات وحده يسنده، ينحرف يمينا ، ثم الى زاوية 180 درجة ، يقطع الممر المحاذي لمبنى مولد الكهرباء المنطقة في حذر ، ينعطف شمالا ، ثم يستعجل الارتماء في ثقة الى الرصيف الآخر ، كل مرة تنزلق خطاه يعيد فيها نظارته السوداء الى موقع متقدم من أرنبة انفه ،لكن زعيق أبواق السيارات المربك يرج دواخله ، فيستقر في هلع ، فقط حين يدفع بجسده الضامر حد المنعطف الأول من شارع المدينة الرئيس ، تفجعه أبواق السيارات من جديد وتفرغ أحشاءه بكسل ، فلا يكترث ، بل يتصنع عدم الإكتراث ويواصل ، يعاند ، يكابد، يتحسس بقلبه ما يمور به الشارع المسنود بفراغات وأعطاب لا مدى لها ، وببديهته يقود روحه الهامدة المسكونة بعناد وسط عربات مخبولة ، وأجساد مسطولة، وأرواح تبحث لنفسها عن موطئ قدم وسط بحر من صخب والتباس بلا ضفاف.
اللحظة ، لا شي ء يربطه بالأرض سوى قدميه. قبل أسابيع مضت ، قرر مجلس المدينة الهجين المولد تهيئ الممرات وتوسيعها من غير تثبيت علامات تنظم السير والجولان للمبصرين، بله، غير المبصرين.
وتبعا لذلك ، ظلت الخطوات العشر التي تفصله عن هدفه المنشود محفوفة بالمخاطر ، فعمليات الحفر والردم متواصلة ، في ارتجال مقصود ، مما حول الممشى المحسوب بدقة الى معسكر تدريب بالذخيرة الحية. يتوقف لحظة ، يأخذ نفسا ، الشارع حمام تغتسل بطقسه الكائنات المزحومة افتراضيا، المعطوبة بالكتاب والسنة .في البدء تصدمه عربة بائع خضراوات ، يلتفت الى مصدر الصدمة متضايقا ، يسمع كلاما مألوفا، الله يلعن الأعمى الذي أنجبه......" وسهر على تربيته ورعى أصوله، جسدا لا يكترث. روحا سيكترث .
ارتفعت حرارة جسمه ، وغلى الدم الإنساني في عروقه، وتوجه ناحية الصوت ، منقبض الأسارير. وبسخاء ، منح مهلة للصمت كي ينوب عنه في ما يعتمل داخله.
المسافة بينه وبين هدفه بدأت تتحدد، منذ 14 سنة مرت ، وهو يرفع عينيه كي لا يرى شيئا من ألوانه وخطوطه وصوره الجميلة الفاتنة ، فقط يأتي كي يسمع رجولته تتمرغ في تراب، وإنسانيته في وحل وطين . الأصوات والضوضاء والصدمات تتكالب على حسه المتهالك المرهف ، تتواطأ ، تتآمر ، يقترب شيئا فشيئا من هدفه ، الذي أدمنه كل صباح ، هدف بات أمره اليومي ، وشغله الذي لا يعترف بالأيام دون حدوثه ، وبعينين مفتوحتين على نفق عميق يحدج ، ويكبر توقه ، تجتمع في أحاسيسه كل الكائنات، فجأة ، تحيق به لحظة للهرب ، الى أي مكان ، يركض حيث هو ، ينتفض، يتحسس أشياءه ، وأشلاءه ، صدمة ثم صرخة ، وسيارة إسعاف . لكن نغما رتيبا ينبعث من ساعته التي يتحسس ميناءها الناتئ كصخر محيط هامشي. آه الوقت يزحف ، والهدف بات على مرمى حجر.
الآن يقف قبالة الهدف ، يحدق فيه بعينين بلا أهداب وبلا صور ، كما دأب مذ وقعت الواقعة ، يحاول أن يعثر للأشياء على لون فلا يستطيع ، كل الأشياء والأصوات والأحداث والوقائع لها طعم واحد ، صخب وصخب.
كان نحيفا كريشة في مهب ريح ، ونظيفا كحمامة وديعة ، صوته اختنق بفعل الصراخ الدائر من حوله ، "شوف قدامك".. ابتعد وإلا كسرت عظامك " أنت أيها الأبله".. ،" أيها الأعمى.".. لا يكترث، يفولذ أذنيه المتدليتان نحو المدى ، تصعد ثورة من الأعماق داخله تلعن نظام العالم بفوضاه . فيكتمها . عاد يمضغ حسراته من غير أن يذكر تفاصيل الماضي ، حين كان يقصد الهدف ولا يستغرقه سوى خمس دقائق ، ثم يشفي غليله ، ويعود بسرعة البرق ، الآن يتذكر كان طفلا وكان مشاغبا ، لكن سائقا متهورا كان الأعمى .
أحب الجريدة التي علمته كيف يرضى بالقهر ويسميه سترا وواقعية. وتمسك بقراءة صفحاتها من الافتتاحية حتى الأخيرة . وحين ينتهي من قراءتها يسلمها الى رفيقه في النضال.
الآن في قلب الهدف ، تأمل المشهد من جديد أمامه ، مآت العناوين الملونة ، عشرات الصور ذات الجودة العالية ... مسح عينيه من دموع لم تسقط أبدا ، وقال لصاحبه: جئت متأخرا ..أليس كذلك ؟ لا بأس يا أستاذ ..رد صاحب الكشك.
ثم ترجل عتبة الكشك، وبعد أن اقتعد كرسيا من اللدائن . شرع الكشكي يقرأ عناوين صحف الصباح المحلية والعربية ، الواحدة تلو الأخرى ، فيما جفناه مرتبكتان مفتوحتان على ظلام اصطناعي لا ينتهي

قبل أن يغادر الهدف ، كانت ذاكرته لا تتسع ، وقد رشفت من بئر الكلام كمية كبيرة ، انتابته شكوك وأحاطت به هواجس ، وهو الذي لا يرى ويعرف ، ونادى على صديقه الكتبي ليهمس في أذنه : لا شيء جديد إذن صديقي ، عناوين الصحف كلها باتت متشابهة .



#عزيز_باكوش (هاشتاغ)       Bakouch__Azziz#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- باكالوريا دورة يونيو 2011 ، أكاديمية فاس بولمان تحقق 56،62 ب ...
- تجليات..الوطن في الورشة الفنية بإعدادية المسيرة
- اللغات في المدرسة المغربية : عرض وتقديم عزيز باكوش
- فاس...والكل في فاس 232
- انخفاض قياسي لمستوى الغش في اختبارات الدورة العادية لامتحان ...
- فاس...والكل في فاس 231
- سؤال التربية والتعليم للدكتور محمدبودويك
- كتاب أنثربولوجيا الأدب:دراسة أنثربولوجية للسرد العربي للدكتو ...
- الأطفال يحتجون ويرددون في شوارع فاس لا لا لتشغيل الأطفال
- المنتدى الجهوي للمبادرات البيئية بفاس 15 يونيو 2011 التزام و ...
- المثقف .. وسيكولوجيا التزييف
- فاس والكل في فاس 230
- فاس والكل في فاس 229
- الاخفاق الاجتماعي بين الجنس،الدين والجريمة - إصدار جديد للبا ...
- مشروع تأمين الزمن المدرسي وزمن التعلم في أجندة أكاديمية فاس ...
- من أجل تحقيق : مساواة في التمدرس - مكافحة العنف المبني على ا ...
- السينما والتربية أو حتى لا نبخس ابناءنا حقهم في الفرجة
- من أجل موقع الكتروني متفاعل
- إعداد الطفولة استثمار حقيقي لتحديات المستقبل
- -روح فاس- باتت علامة مميزة تمتد آثارها وإشعاعها إلى مختلف من ...


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عزيز باكوش - الأعمى وجرائد الصباح