أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - ماجد الشيخ - سيرورات التغيير والثورة والديمقراطية















المزيد.....

سيرورات التغيير والثورة والديمقراطية


ماجد الشيخ

الحوار المتمدن-العدد: 3416 - 2011 / 7 / 4 - 21:53
المحور: المجتمع المدني
    


لا شئ يمكن أن يبرر الاستبداد، أو ديكتاتورية الفرد أو النخبة أو الطغمة. كما لا شئ يبرر وجود الدولة البوليسية، واحتفاظها بمجتمع أهلي، ممنوع عليه التقدم أو التمدن، بمعنى تحوّله إلى مجتمع مدني. بهذا المعنى تقارب الدولة البوليسية بناءها لمجتمعها بذات الطريقة الشمولية لبناء القبيلة وتراتبياتها، كما بناء التوتاليتاريات الشمولية وتراتبيات أجهزتها.

لا يفارق مجتمع الدولة البوليسية أهلويته كمجتمع تابع، هو نتاج الخوف والصمت والممالأة والتبعية المطلقة. لا ديمقراطية يمكن أن تنشأ تحت ظلال النظام القمعي؛ الطائفي أو الفئوي، حيث الاستبداد برأي النظام فردا أو طائفة أو عائلة، نخبة أو جماعة طغموية أو مافيوية، هو ديدن أنظمة كهذه، تحكم بعيدا عن أي جهاز من أجهزة الرقابة أو المحاسبة، فالديمقراطية لا يمكنها إلاّ أن تكون هكذا؛ واضحة وضوح الهدف والغاية، كوضوح الشمس، لا تحمل أوجها عدة، هي ليست حمّالة أوجه كما أي شئ آخر يمكن تأويله أو تقويله، أو أخذه على محمل آخر أو محامل أخرى، من قبيل ما تراه السلطة من أهداف أنسب لها، وفق معايير خاصة بها وبمصالحها ومصالح أصحابها. حتى الأديان وشرائعها لم تكن لتنجو من تحميلها العديد من الأوجه، هكذا كانت منذ البدء وحتى أيام الناس هذه. أما الديمقراطية فما ينبغي لها وفق القانون أن تكون حمّالة أوجه، وإلاّ انحطت بذاتها، وبالمؤمنين بها إلى حضيض الاستبداد.

لذلك يخطئ المثقف حين يتعاطى مع الديمقراطية باستخفاف، كونه لا يريد خسارة نظام حاكم، يعرف أن استبداديته متجذرة، تمتنع كل بنياته الفوقية والتحتية عن إمكان رعاية أي شكل من أشكال الإصلاح، أو بناء أي مدماك من أبنية الديمقراطية، كل هذا ممتنع في نسيج أنظمة بوليسية كما في أبنية دولة حزبية طائفية مغلقة، حتى وهي تدّعي علمانوية زائفة. هنا قد يخون المثقف ثقافته، كما يخون إيمانه المزعوم بالديمقراطية وبالتنوير وبالاستنارة والنهوض الوطني.

الديمقراطية ليست إرثا توارثيا ناجزا، يمكن أن تتوارثه الأجيال كخبرة تمت وانتهى "كمالها" الناجز. لهذا لم يرث الأثينيون شيئا من قبيل ما ابتدعوه وابتكروه هم، كابتكار أول غير مسبوق، فصار هذا الإرث الأثيني من تراثنا الإنساني الذي نفتخر به حتى يومنا هذا. فإذا ما أردنا مواجهة استبداد أنظمة بوليسية فردية أو طغموية، تعادي كل معايير الدول الديمقراطية وقوانينها المجتمعية والدستورية، وكل معايير التعددية والعلمانية التي لا يمكن إقامة نظم ديمقراطية، من دون وجودها والإقرار بها مرجعية ناظمة للحياة السياسية؛ فإن مواجهة كهذه تتطلب الانطلاق من إرث إنساني في المقاومة الشعبية الشاملة. وبالتالي فإن إنجاز مسار ديمقراطي فاعل، هو ما يبني وعلى قاعدة صلبة، سيرورة تجربة ديمقراطية جديدة، قوامها العديد من قوى الشعب الفاعلة، المتحدة على هدف الإطاحة بالاستبداد وبنظامه، لا الاكتفاء بإطاحة رأس النظام وبعض المحيطين به من الفاسدين والمفسدين.

إن فكرة الثورة وسيرورتها كذلك حتى النهاية، ليست نقيضة للديمقراطية، بل هي نقيضة مؤكدة للاستبداد وعدوته الرئيسة. لهذا يقوم بالثورة ديمقراطيون أحرار، وقد يندس بين صفوفها انتهازيون، أما السلطة ومن يواليها ويُشايعها؛ لهدف أو لأهداف مصلحية ومنفعية خاصة، فهؤلاء قد يشكلوا مادة لقوى الثورة المضادة في لحظة من اللحظات، قبل أن ينقلب بعضهم فينقل البندقية من كتف إلى كتف آخر. وهذا ما يحصل اليوم في كل من تونس ومصر، وهما يعيشان مخاض سيرورة ثورية تتوالى فصولا، وستبقى كذلك طالما أن الثورة لم تنجز كامل أهدافها ومطالبها بعد. وهذه السيرورة لا يمكنها أن تتم في فضاء استبدادي مغلق، بل لا تحيا ولا تواصل حيويتها إلاّ في فضاء ديمقراطي منفتح، وهذا تحديدا ما تحرص قوى الثورة الحقيقية على إتاحته، حتى في مواجهة قوى استبدادية متخلفة، هي قرينة استبداد السلطويات الشمولية التي أريد للثورة الشعبية أن تطيحها؛ من أجل الانتقال خطوة إلى الأمام، نحو بناء مجتمع مدني حقيقي وسلطة دولة مدنية حقيقية، مرجعيتها الشعب نفسه لا اللعب أو التلاعب بغرائز الناس والتشدق بألفاظ ترفضها الأغلبية الشعبية؛ إذا ما أتيح لها مراكمة ثقافة مدنية، تقود خطاها نحو صناديق انتخاب حقيقية، لابتناء ديمقراطية حقيقية يعم خيرها الجميع.

ولئن لم تنجح ثورة شعبية من ثورات ربيع التحرر والتحولات العربية، حتى الآن، فلأن طبيعة الثورة ما تني تؤشر إلى نقصانها، فهي لم تنجز كامل أهدافها ومطالبها في التغيير؛ تغيير بنى النظام القديم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والأهم الثقافية والقيمية والأخلاقية. فحتى في تونس ومصر، فإن إنجاز إسقاط رأسي نظاميهما، لا يعتبر انتصارا للثورة، بقدر ما يعتبر إنجازا أوليا يتطلب تحقيق ومراكمة المزيد من الإنجازات، حتى بلوغ انتصار ناجز للثورة، ما يضع على عاتق قوى الثورة الحقيقية، أصحاب المصلحة المباشرة بانتصارها؛ مواصلة واستمرار التصدي لمؤامرات ومغامرات قوى الثورة المضادة، الداخلية منها والخارجية، على اختلاف تشكيلة تدخلاتها السياسية والاقتصادية، والعسكرية على ما جرى ويجري في ليبيا واليمن والبحرين وأخيرا في سوريا، حيث الاستقطاب الحاد بلغ حدوده القصوى، ما يضع المجتمع السوري بكل أطيافه في مواجهة احتمالات حرب أهلية موسعة.

وما لم تحقق ثورات التغيير التي يعوّل على إنجازها لتحولات تاريخية هي الأهم في هذه الفترة، عملية انتقال المجتمعات والدول والشعوب في هذه المنطقة من العالم، في اتجاه الضفة الأخرى النقيضة للاستبداد وللتخلف وللتبعية، بما يعنيه ذلك من تحقيق إنجاز نجاحات هامة ضمن سيرورة ديمقراطية حقيقية، تفضي أو تسبق إعلاء شأن التحرر الوطني في هذه البلاد التي طالما اكتوت بنار أنظمة تابعة، سمحت للقوى الاستعمارية أن تواصل هيمنتها على كل المجالات العامة، حتى وهي تحافظ على وجود أنظمة استبداد شمولية، حمت مصالحها ونهبت ثروات شعوبها واستنزفت طاقاتها وفوائضها على أنظمة تسليح ثانوية، أو مشروعات استثمارية غير منتجة، أهلكت الزرع والضرع. ولهذا نحن في مواجهة سيرورات لم تكتمل؛ لا الثورة اكتملت، ولا التغيير نال النصيب الأكبر بعد، ولا الديمقراطية يمكن أن تتحقق في غياب انتصار الديمقراطيين، ومن لهم مصلحة مباشرة، في إقامة تعددية سياسية ناظمة للحياة العامة، طبيعية وغير مفتعلة.



#ماجد_الشيخ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثورات الانعطاف التاريخي الراهن ومحنة الاستبداد
- حداثة متجددة لا عثمانية جديدة
- في شأن الطبيعة العفوية للثورات الشعبية
- بناء الدولة وسط ركام التحولات
- حطابات لفظية ضيّعت فلسطينية الدولة
- المجتمع الجديد والمواطنة
- ربيعنا الديمقراطي وحلم النهضة المؤجل
- الهوية لا يصنعها الطغاة
- اي مصالحة في ظل نظام إشكالي؟
- سلطويات مانعة للمواطنة
- الإصلاح الشامل كمسألة وجودية
- سلطويات الذات الاغترابية ونزعتها النيرونية
- آلام التغيير وثقل الستاتيك الفلسطيني
- فجر ليبيا وغروب الأوديسة
- في تعددية ولا معيارية الثورات الديمقراطية
- ليبيا الحرة دولة مدنية حديثة
- دولة الحل المرحلي: دويلة منزوعة السيادة
- روح التغيير وبدء الإنفراج التاريخي
- محفزات احتضان السياسة.. وصناعتها
- فات أوان الإصلاح.. هبت رياح التغيير


المزيد.....




- نتنياهو يتعهد بإعادة كافة الجنود الأسرى في غزة
- إجراء خطير.. الأمم المتحدة تعلق على منع إسرائيل وصول مساعدات ...
- فيديو خاص: أرقام مرعبة حول المجاعة في غزة!!
- محكمة العدل تأمر إسرائيل بفتح المعابر لدخول المساعدات إلى غز ...
- مسؤول أممي لبي بي سي: -المجاعة في غزة قد ترقى إلى جريمة حرب- ...
- الأونروا تدعو لرفع القيود عن وصول المساعدات إلى شمال غزة
- الأمم المتحدة: هناك مؤشرات وأدلة واضحة تثبت استخدام إسرائيل ...
- نادي الأسير: الاحتلال يستخدم أدوات تنكيلية بحق المعتقلين
- رفح.. RT ترصد أوضاع النازحين عقب الغارات
- ميدل إيست آي: يجب توثيق تعذيب الفلسطينيين من أجل محاسبة الاح ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - ماجد الشيخ - سيرورات التغيير والثورة والديمقراطية