أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فاخر السلطان - الطاعة














المزيد.....

الطاعة


فاخر السلطان

الحوار المتمدن-العدد: 3401 - 2011 / 6 / 19 - 15:26
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



هل يمكن لكلمة "الطاعة" أن تجد لها موقع قدم في الحياة الديموقراطية؟ ما هي دلالات الكلمة، وأين يمكن لها أن تعيش؟
أي مجتمع يعيش في ظل نظام ديموقراطي، يجب ألاّ تنتهك فيه قيم الديموقراطية في إطار القانون والدستور، وعادة ما يأتي هذ الانتهاك عن طريق مفهوم الخضوع لا على طريق حرية الاختيار وسط حالة عامة من الخوف الرسمي والتهديد الأمني، وكذلك عن طريق الدعوة إلى السكوت لا إلى النقد، والدعوة إلى انتهاك حقوق الأقلية لا احترامها، وضرب حقوق الأكثرية بعرض الحائط، والدعوة إلى الرأي الواحد والخضوع له لا القبول بتعددية الآراء واحترامها، والاستناد إلى أيديولوجيا الطاعة الدينية والتاريخية والقبلية بدلا من الاستناد إلى احترام حقوق الإنسان الفرد.
لذلك، لا تستطيع كلمة الطاعة أن تعيش وسط هذه القيم، لأنها ستكون متناقضة معها، معادية لها، طاردة لآلياتها. فالكلمة لا تعكس العلاقة بين البشر في ظل آلية الديموقراطية، بل تعكس العلاقة بينهم في إطار الصورة المؤدلجة للحكم، والتي تشرعن للخضوع واللاسؤال والتهديد والاعتقال، كالحياة في ظل الأنظمة الفردية، والقبلية، وأنظمة الحزب الواحد، والفكر الواحد، والأنظمة المستندة إلى الرؤية السماوية الدينية التاريخية التي تعتبر الحاكم فيها هو ظل الله في الأرض وعدم إطاعته هو معصية لله. في حين كان على الطاعة أن تنظم العلاقة بين الفرد وبين الله في إطار حالة من الخضوع الروحي التام، أن تقنن العلاقة بين السماء والأرض، لا بين من يعيشون على الأرض. فالطاعة تقوم على "التكليف" لا على "الحقوق"، هي أشبه إلى نظام عسكري يؤسس للانصياع التام لإرادة شخص أو نظام.
و"التكليف" مفهوم تاريخي، مشترك بين جميع الأيديولوجيات، الدينية وغير الدينية، ويقوم على نظام الطاعة المحضة (التقليد) ويتعارض مع مفهوم "الحقوق"، كحق الإنسان في الاعتراض، وفي نقد وتغيير الكثير مما يسمى بالثوابت والمسلمات والخطوط الحمراء، دون انتظار رأي حاكم. في حين أن "التكليف" يستند إلى عدم الاعتراض أو النقد، وعدم التغيير.
إن أنصار ثقافة الطاعة، ومن بينهم نواب وصلوا إلى كرسي بيت الديموقراطية عن طريق ثقافة الاختيار وآلياتها، يسعون لإعادتنا إلى الماضي الثقافي، إلى حياة "التكليف"، دون وعي بأن تلك الحياة باتت عبئا على الحاضر، ودون إدراك أن تلك الثقافة غير متوافقة مع طبيعة الحياة الحديثة الراهنة وثقافتها الحقوقية، وأنها لا يمكن أن تعيش مع الديموقراطيات الحقيقية التي تستند إلى مفهوم الانتخاب لا إلى التكليف والسمع والطاعة، فنراهم يتفاخرون بأن حاكما أو زعيما استطاع بكلمة واحدة و"بتكليف" منه تحريك الملايين مع أو ضد مسألة من المسائل. لكن هؤلاء يتعمدون أن يتجاهلوا بأن تلك الثقافة "التكليفية" المستندة إلى الرأي الفردي استطاعت أيضا أن تشرعن لوضع سياسي غير طبيعي، كان صدام حسين في العراق أحد أبرز صوره.
إن انتشار ثقافة الطاعة في أي مجتمع من المجتمعات، يؤسس للفساد، وبالذات من خلال طاعة الحاكم. لننظر إلى ما يجري في المجتمعات العربية التي ثارت على أنظمة الطاعة الفاسدة، كيف ساهم انتشار تلك الثقافة في تسلط الحكام وبروز صور الظلم والغبن والفساد استنادا إلى ضرورة انصياع المحكومين لإرادة الحاكم، ما أدى إلى انفجار صبر الشعب احتجاجا على إهدار حقوقه وكراماته، وإلى عناد الحاكم الذي بات أكثر استبدادا وتشددا وعنفا، لظنه بأنه لابد من وضع حد لعدم الانصياع ومعاقبة كل من يخرج على إرادته وطاعة نظامه. فلا محاسبة ولا رقابة للحكام في ظل سيطرة ثقافة الطاعة والخضوع والخنوع. لذلك نجد أنه في المجتمع الذي تسود فيه طاعة الأنظمة والحكام، لا يمكن مراقبة الحاكم ولا نقده ولا تغييره من منصبه ولا تخطيئه، إلا بعد تدخلات وثورات شعبية لا تخلو من العنف.
ولأن ثقافة الطاعة تتعارض مع التطور السياسي والثقافي والاجتماعي الراهن، بمعنى أنها تتصادم مع واقع العصر القائم على أسس مفاهيمية حديثة مرتبطة بثقافة المجتمع المدني ومؤسساته وقوانينه، النافية للاستبداد الديني والطائفي والعرقي، فإن الحاكم الواجبة إطاعته لا يمكن إلا أن يشكل حركة معاكسة للتطور ومضادة للتنمية السياسية والاجتماعية. فمن أبرز أسباب استمرار الاستبداد وبروز القرار الواحد المطلق الذي لا يمكن ردّه، هو تمركز القوى والسلطات في موقع واحد، وفقدانها في جوانب أخرى مهمة. وهذا الأمر لا ينطبق فقط على الحكام، وإنما أيضا على الأحزاب والتجمعات السياسية وزعاماتها، وأيضا على الوضع الاجتماعي داخل حياة الكثير من العائلات والأسر.
فالتجارب تبرهن أن القوى والسلطات غالبا ما تتركز في يد الرجل أو الحاكم أو رئيس الحزب أو كبير العائلة مما جعله يستبد بالآخر الذي يشاركه الحياة والعمل. فتراكم السلطة وتجمع القوى واحتكار التفسيرات والوصاية على الحلول وتمركز كل ذلك في شخص واحد، من شأنه أن يؤدي إلى الفساد.
ولو أن نشاط مجموعة من الناس أصبح قويا على حساب المجاميع الأخرى في المجتمع المجبرة على وقف نشاطها، بسبب تراكم السلطات والقوى في الأولى وفقدانها في باقي الجماعات، سيترتب على ذلك بروز مظاهر الفساد، التي منها فقدان الأمن وانتشار الخوف، بسبب إمكانية مهاجمة القوي للضعيف، وهو ما يتلازم مع مفهوم السلطة المطلقة. هذا الواقع يبرز بالذات في الأنظمة التي تسيطر عليها القرارات الفردية للحاكم ولو زعمت بأنها تعيش في ظل الديموقراطية. وإذا ما اقتنع الإنسان بأن مواجهة الفردية ومعالجتها هي واجب أخلاقي، يكون بذلك قد اقترب من الديموقراطية بوصفها مفهوما قيميا وآلية لتوزيع القوى في المجتمع.

كاتب كويتي



#فاخر_السلطان (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المضي قدما في التغيير
- العدالة والدين
- الربيع العربي.. والسياسة الخارجية الكويتية
- -الربيع- الكويتي.. متى؟
- الطائفية و-الربيع العربي-
- الكويت و-الربيع العربي- والقبلية
- المكابرة الدينية
- أي الثورات نختار؟
- التحولات الديموقراطية.. والإسلام السياسي
- حدود الليبرالية
- مسؤولية رجال الدين الشيعة
- العقلانية.. والمواجهة مع التراث الديني المقدس؟
- -ثورة الياسمين- التونسية درس للعرب
- جوهر.. والاستجواب.. والأزمة الشيعية
- حقوق الملتحين العسكريين
- الكويت.. وسؤال الديموقراطية مجددا
- تنوير.. والإسلاميون.. وأولية الإنسان
- الخطاب الخوارقي
- النظرة الدينية للأخلاق
- التزوير الديني


المزيد.....




- وزير الدفاع الأمريكي: ترامب هيأ الظروف لإنهاء الحرب الإسرائي ...
- مرشح ليكون أول مسلم يُصبح عمدة نيويورك.. من هو زهران ممداني ...
- مبابي يتهم باريس سان جيرمان بـ-الاعتداء الأخلاقي- في شكوى جن ...
- هل تناول تفاحة في اليوم مفيد حقّاً لصحتك؟
- بين جنون الارتياب والقمع الجماعي... ما تداعيات -حرب الاثني ع ...
- لماذا شددت إسرائيل حصار غزة بعد الحرب مع إيران؟ مغردون يتفاع ...
- سائل ذهبي بلا فوائد.. إليك أشهر طرق غش العسل في المصانع غير ...
- شاهد أحدث الابتكارات الصينية.. مسيّرة تجسس بحجم بعوضة
- هل دفع العدوان الإسرائيلي المعارضة الإيرانية إلى -حضن- النظا ...
- لماذا تركز المقاومة بغزة عملياتها ضد ناقلات الجند والفرق اله ...


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فاخر السلطان - الطاعة