محمود فنون
الحوار المتمدن-العدد: 3379 - 2011 / 5 / 28 - 23:25
المحور:
ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة
الموضوع اجابة على السؤال المطروح على الصفحة الالكترونية.
مدخل
قديما وقبل الاف السنين لم تكن الاديان المتعارف عليها اليهودية والاسلام والمسيحية موجودة وكان الناس يتزاوجون.
ولنأت الى الاسلام فقد انتشر الاسلام في جزيرة العرب بالتدريج ,واثناء انتشاره كان الناس يتزاوجون ,وكانت البشرية قد وصلت الى درجات متقدمة في تنظيم العلاقة بين الرجل والمرأة,واغلب الظن ان الدين الاسلامي وافق على تشريعات الزواج الموجودة زمن الجاهلية,وحلل للرجل ان يتزوج امرأة ابنه بالتبني التي كان الناس قد حرموها على انفسهم وحدد تعدد الزوجات باربع بعد ان كان مفتوحا,اما شروط الزواج فكانت معروفة .ولم يكن الرجل يسأل عن دين الزوجة التي يريد ان يتزوجها.
وبعد ان نظمت مسألة الزواج في وقت متأخروبعد ظهور الفقه الاسلامي, حدد الاسلام للمرأة زوجا مسلما بينما فتح الباب للرجل ليتزوج كما شاء من كافرة او كتابية.
لمحة عن نشأة العائلة والعلاقة بين الجنسين
وننوه هنا ان الاسرة نشأت منذ قديم الزمان وقد مر تطورها في مراحل في زمن الحياة البدائية للانسان
في البداية لم يكن من الممكن ان تكون هناك موانع وتحديدات دقيقة للعلاقة بين الرجل والمرأة بسبب صغر حجم الجماعة الانسانية وحاجتها الماسة لحفظ النوع في مرحلة الانسان المتوحش في مرحلة الوحشية ما قبل الحضارة وبسبب حاجة الجماعة الماسة لان يكونوا وحدة واحدة متلاحمة حتى ان الفلاسفة وعلماء الاجتماع توقعوا ان الغيرة التي عرفها الانسان لاحقا لم تكن موجودة لضررها البالغ على وجود الجماعة المتلاحمة وكذلك الحب.
ثم ومع التكاثر وارتقاء الجماعة ,اخذوا شيئا فشيئا بتنظيم العائلة كاتجاه عام, يعتقد علماء الاجتماع انه كان بدوافع الغريزة الاجتماعيةغير الواعية,فمثلا اخذت الجماعة تنبذ العلاقة بين رجل وامرأة من اجيال متباعدة وهذا يعني نبذ العلاقة مع الجدات والامهات ومع البنات والحفيدات بشكل تلقائي غير واعي ,ولا يمكن ان يكون واعيا لان الرجل لا يعرف سوى امه بينما كل من في جيل امه هن امهات له وكل من في جيل جدته هن جدات له والام تعرف اولادها الذين ولدتهم وتعامل كل من في جيل اولادها على انهم اولادها ولم تكن مسألة معرفة الاب مسألة مطروحة والاب غير معروف,والسلطة الاجتماعية والادارية بيد الام والمرأة الاكبر هي صاحبة السطة والقيادة.والجماعة هي العائلة.
ثم تعمق اتجاه التحديد مع تكاثر الجماعة الى مستويات اوسع فاوسع وتعدد العائلات من نسل امرأة واحدة بحيث اصبح بالامكان ان ينتقل الرجل الى مجموعة ثانية ليمارس حياته الجنسية فيها ويكون قد ترك ورائه امه واخواته وهكذا...استمر تطور العائلةوفقا لتقديرات علماء الاجتماع الذين راقبوا العائلة البدائية في مجاهل امريكا قبل ان تصلها الحضارة الحديثة وفي مجاهل الهند واواسط افريقيا ولاحظوا الفوارق بين عشيرة وعشيرة في نفس المكان,ولاحظوا الفوارق في درجات القرابة,ثم لاحظوا التشابه والفوارق بين قارة واخرى ودرسوا الآداب القديمة التي تصور الحياة البدائية في آداب الشعوب والأساطير القديمة وما وجد من آثار الرسومات في الكهوف والكتابة القديمة وشكلوا تصورا علميا وصف نشوء وتطور العائلة البدائية.
والمرحلة اللاحقة الاكثر تطورا هي ما سماه العلماء بالزواج الثنائي الذي مهد لعلاقة الزواج القائمة حاليا.
فالزواج الثنائي هو تساكن غير ملزم للطرفين يستمر مدة من الزمن ما دام الطرفان مستعدان لذلك وبقيود بسيطة على حرية كل طرف منهما آخذين بعين الاعتبار ما توصلت اليه الجماعة في المراحل السابقة.
لقد استمرت اطوار العائلة المذكورة سابقا وفقا لتفاوت التطور من جماعة الى اخرى وظلت العلاقات محدودة بحدود هشة تقوم على قبول العادات والتقاليد الى ان ظهرت الملكية الخاصة.
الملكية الخاصة هي ملكية ادوات ووسائل الانتاج وعائدات العمل من الثروة لصالح المالك الفرد حيث استتبع ذلك ظهور الارث ليس للجماعة بل للابناء واهتمام الرجل بتوريث الابناء بعد ان اصبح هو صاحب السلطة في العائلة واصبحت المرأة تابعة ثم اصبحت في الدرجة الثانية من السلم الاجتماعي .
هنا احتاج الرجل زوجة خاصة به (المقصود هنا الرجال الذين يملكون الثروة وليس كل الرجال ,ولكنهم يصبحون النموذج الذي يحلم الآخرون بثروته وسلطانه وزوجته) .
احتاج الرجل زوجة خاصة به واحتاج لأن يتأكد من ان نسلها من صلبه هو وليس من غيره,مما اقتضى ظهور قفل العفة وبيت المحرم الذي أمنه الاغنياء لمنع امكانية اتصال زوجاتهم برجال آخرين واتخاذ اجراءات قمعية ضدهن في حال عدم امتناعهن عن الاتصال برجال آخرين( فلم يكن بمقدور االفقراء ان يؤمنوا شيئا من هذا وهم اغلبية البشر).
اصبح هذا هو الاتجاه الجديد لتطور العائلة لتصبح مكونة من رجل وامرأة وابنائهما وكل يعرف زوجته ويحافظ ان تنجب من صلبه هو فقط وهذه هي العائلة الاحادية السائدة حاليا مع ما لحق بها من اطوار وشمولية خاصة بعد القضاء على العبودية والاماء وما ملكت الايمان وبعد القضاء على الاقطاع وحرية الاقطاعي في نساء الاقنان وحق الليلة الاولى للاقطاعي في كل بنات الاقطاعية .(لم تكن الاديان تتدخل في ذلك في اوروبا وغيرها)
الوضع راهنا
لقد تعزز النظام السائد نظام الزواج الاحادي والى جانبه تعدد الزوجات في بعض المناطق وتعدد الازواج في مناطق اخرى كاستثناءات على القاعدة يمارسها الاغنياء والموسرون وقليل جدا من الآخرين, وظهر الحب وتعمق ظهوره الى ان اصبح ظاهرة انسانية تتحكم احيانا في سلوك الرجل والمرأة واحيانا تحكم سلوك الاهل ايجابا وسلبا والحب لا يعرف الحدود الطبقية ولا الدينية ولا القومية .
والعلاقات خارج الزواج اصبحت ظاهرة مصاحبة للزواج الاحادي ومتناقضة معه ومكملة له كالزنى وسفاح الاقارب واللواط وما شابه,وهي ظواهر واسعة الانتشار مما اقتضى سن قوانين في فرنسا زمن نابليون تحفظ حق الطفل المولود في العائلة بنسبته للرجل الزوج مهما كان موقفه منه كدليل على استمرار الظواهر القديمة واتساع الظواهر المصاحبة للزواج الاحادي وتعمق القيود المفروضة عليه وظهور ظاهرة الطلاق والهجر وظاهرة الصديق والصديقة التي هي استمرارللعلاقة الثنائية في ظروف جديدة .
ان اتجاهات البشرية في تنظيم اواصر العلاقة بين الرجل والمرأة مستمرة حتى الآن ولم تفي كل التقييدات الماضية بالغرض بل انها لم تكن فعالة واغلبها في صالح الرجل وظهرت في فترات كان يمكن خلالها تجاهل ارادة المرأة والتصرف بحقوقها بمعزل عنها .
ثم جاء النظام الرأسمالي وحول المرأة في كثير من الاحيان الى سلعة وامتهن الكثير من انسانيتها وعمق النظر لها كجسد ومن جانب آخر ظهرت اتجاهات قوية لتحريرالمرأة منذ نهايات القرن التاسع عشر وحتى الآن وحققت الكثير لكن واقع الحياة الاقتصادية الاجتماعية يلقي بظلاله على المرأة .
فيمكن ان تقتل المرأة في الاردن بتهمة تلطيخ شرف العائلة وينال القاتل من المجتمع مباركة ويحكم في المحكمة حكما بسيطا لان المرأة تلوث شرف الرجل وهو عندما يقتلها يعبر عن دفاعه عن الشرف الرفيع.
لقد داخلت الاديان في سياق الحياة وقت ظهورها في شؤون العلاقة بين الرجل والمرأة وحيث ان الاديان لا تجدد نظرتها استمرت الاطوار والتقدم في منزلة المرأة وخروجها للعمل والعلم والا تصال بالحياة.اي تعمق انفتاح المرأة سواء المرأة العاملة التي تخرج من بيتها للعمل في شتى شؤون الحياة او المرأة من الطبقات المالكة التي تمارس درجة عالية من الحرية الانسانية .هذا الانفتاح وسع آفاق المرأة والرجل معا (مع استمرار المحافظة كنمط سائد)وهنا ومع وجود ظاهرة الحب اصبح من الممكن ان يخرج الرجل عن المألوف ويتعلق بأمرأة من دين آخر او طائفة اخرى.
لا بد ان نذكر هنا ان حدوث مثل هذا الامر في اوروبا وامريكا مثلا لا يثير ازمات اجتماعية وقد لا يشعر به احد.ولو قام شاب مصري مسلم بالتعرف على مسيحية قبطية في اوروبا وتزوجها لمرت المسألة مرور الكرام وما تدخل بها احد ,واصلا ها يمارسان طقسهما بمفردهما
.ولكن عندما يحصل هذا في مصر تتجند كل الخلفيات لدى الطرفين وتتدخل في الامر. هنا لا يمارسون طقسهم بمفردهم هنا يتجند الاصدقاء والاعوان ويتدخلون ويظهرون تدخلهم وكأنهم يستهدفون اخراس الطرف الآخر,هنا تتجند العصبيات القبلية والدينية التي لا دخل لها اساسا في (طقسهم) ولم يستنجدوا بها.هنا يتدخل( الشرف الرفيع)لكن ليس على سبيل الوقوف في وجه ارادة المرأة المقصودة او الرجل ولكن من اجل فرض ارادة العصبية .وسوف تكون الطامة اكبر بكثير لو كان المصري مسيحيا واراد مسلمة هنا يتدخل الاسلام القبلي والسياسي المحلي والدولي ويتجند الافتاء والدروس الدينية وكل اسلحة الدين كفرض عين على كل مسلم ومسلمة لوقف هذه الجريمة حتى لو اعلن المسيحي اسلامه.وياتي مثل هذا الموقف مدعما بالأيديولوجيا المجندة بقوة على ايدي بعض تيارات الاسلام السياسي التي تعبيء بأن من واجب المسلمين اخضاع غير المسلمين في ديار الاسلام وفرض الارادة عليهم وهم صاغرون .
ان فرض الارادة عليهم وهم صاغرون تعني اخضاعهم بذلة ويدفعون الجزية وتاتي حقوقهم المصانة مقابل ذلك في الدرجة الثانية ولا يعاملون على انهم مواطنون متساوون امام القانون .
هذا الذي يتدخل في الموضوع وهذا الذي يتاح له التدخل في زمن هذه الانظمة البغيضة التى تدافع عن وجودها بالسماح للنعرات الطائفية والمذهبية والقبلية لتفعل فعلها في المجتمع .
الاصل ان يرتبط المرأ بمن يحب وبمن يختار قلبه او ظروفه وان تعلو عاطفة الحب على كل شيء وتعلي معها كل العلاقات الاخرى وتسمو بالانسان الى العلا والرفعة, فظاهرة الحب هي ظاهرة انسانية تمثل هدفا رفيعا للانسان ويتمنى كل انسان ان يبتلي بها ولا عيب فيها ولا حرام .وعلاقة الحب هي بين الانسان والانسان بمعزل عن الفروقات الاجتماعية الموجودة بل ان الحب يسمو عن كل هذا.
واذا وجد الانسان رجلا او امرأة ضالته من الآخر فمن حقه على المجتمع ومن واجبه تجاه نفسه ان يحقق ذاته بالتوافق حصرا مع هذا الآخر ويستحسن ان يراعي شروط الحد الادنى الاجتماعية السائدة قدر استطاعته.وبما لا يحول دون تمكينه .
ان مجتمعاتنا الآن في مرحلة مخاض ثوري محاط بفكي الثورة المضادة والأصل( ان الثورة مطهر) كما وصفها الخبراء ولكنها هذه المرة وبالرغم من شدة الاحتقانات التي ولدت الثورة الا انها لم تستبق بالثقافة الثورية رغم شدة عوامل التحريض على الثورة
لقد كان التحريض على الثورة مباشرا للقيام مباشرة بالفعل الثوري بالدعوة الى المعركة فورا, فنزلت الجماهير الى الشوارع بسلاح التغيير على عموميته مع بقاء كل الادران .
ان الحال القائم يستدعي تغييرا ثوريا يطال البنى السياسية والاقتصادية والافكار والعادات والتقاليد والقيم بما يتناسب والجديد وبما يكنس معه في مرحلة التغيير الثوري هذه كل المخلفات المعيقة والأسن ومخلفات الرجعية ويبدأ عصر الحرية جديدا زاهرا ليصوغ المجتمع الحديث الجديد المواكب للعصر بل ويتقدم عليه.لكنه كما ذكرنا لا زال بين فكي الثورة المضادة وبين ايدي المحافظين في كل من مصر وتونس وبالأخص مصر المؤهلة اكثر من غيرها .في مصر كما الثورة عميقة الرجعية كذلك عميقة ومنها من يلبس لبوس التغيير ويحيط نفسه بأسوار المحافظة المنيعة .ان من حق المرأة ان تختار ان من حق الرجل ان يختار.
#محمود_فنون (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟