الحرب والعقيد سعيد المصلاوي ح 9

سمير بشير محمود النعيمي

الحوار المتمدن-العدد: 3358 - 2011 / 5 / 7 - 03:39
المحور: الادب والفن
    

الحرب والعقيد سعيد المصلاوي ح - 9


بقلم: سميربشير النعيمي


الوقت يقترب من العصر امامنا سيارات مقصوفة عاطلة لم تحترق مازالت ملىء بحمولتها وسيارات اخرى محملة ولم يصبها شيء لانها كانت بعيدة عن مكان القصف احضرنا حبال قوية كانت محملة في سياراتنا وسحبنا السيارات العاطلة بواسطة السيارات السليمة وشمر الجنود عن سواعدهم واخذو ينزلون ما في السيارات بكل همة ونشاط و الخوف من طيران العدو ...جعلهم يسرعون في عملهم وكنا نساعد بعضنا البعض اخذين بنظر الاعتبار سن وقابلية بعضنا وحاولنا جهد امكانيتنا ان لا نتعب الاكبر منا سنا ..... مع ان سحب السيارات العاطلة استنفذ جل وقتنا وجهدنا ولكننا استطعنا والحمد لله انهاء عملنا وافراغ كل السيارات من حمولتها بعد الغروب ...
أطمأنت نفوسنا لانهائنا مهمتنا وتخلصنا من عبء حمولة سياراتنا وقال لنا المقدم برزان وهو فرح::
-ــ خذو راحتكم ارتاحو واتعشو وبعد ساعة او اكثر نتحرك ونغادر العمارة الى بغداد ان شاء الله .

في بداية العمارة على مسافة من تواجدنا يوجد مطعم سياحي جيد ويحتوي على مأكولات لذيذة ومشويات راقية ... فيه السمك المشوي والمقلي وباسعار زهيدة .... و يحتوي حتى على المشروبات الروحية مثل الويسكي والبيرة والعرق....

جلسنا نقيب رعد ون.ض حاتم ور.ع صادق حول احدى المناضد وطلبنا جميعنا الكباب ولفت نظرنا دخول العسكرين (برتب مختلفة ) لملىء زمزمياتهم بالخمر يعني ويسكي او البيرة وحتى العرق ولكن بعد ان يخففوه بالشربت لتقليل رائحته ثم يخرجون ..

نظرنا اليهم باستغراب وكل واحد منا علل وحلل براسه بدون ان يشعر الاخرين وعلق على هذا المنظر ن.ض حاتم قائلا:
-ــ العسكري يمنع من احتساء الخمر علني اذا كان يلبس البزة العسكرية لذا هؤلاء ياخذون شربهم سفري ويذهبون ؟؟
قال صادق: -ـ ربما يعطيهم الشرب نوع من الاندفاع وعدم الخوف .
اجاب حاتم :-ــ ربما هم مجازين وسيشربون في الطريق..

نقيب رعد : -ــ لو كانو مجازين لما اخذو الزمزميات ؟؟

قال حاتم:- فعلا ربما نزلو الى العمارة يتسوقون واستغلوها فرصة ليقتلو الملل وزمزمياتهم لا تجلب الريبة ؟؟

ضحكنا جميعنا ... وصل نادل المطعم واخذ يضع الطعام امامنا وكنا مرتاحين نفسيا واكلنا طعامنا بشهية حتى ان صادق نادى له على (نفر اضافي والح علينا بمساعدته) جلسنا على مسافة عن سياراتنا وافترشنا بطانية احد السواق وجلسنا عليها ..

خطر على بالي سؤال ...فسألت ن.ض حاتم عن وحدته القديمة وهل يحن عليها ...فاخرج علبة سيكاير السومر الذي يسميه العراقيون الالماني لانه نوع محسن وقدم لنا منه ..ونبهنا صادق الى اخفاء ضوء الجمرات فاجابه النقيب رعد باننا قريبين من المدينة وليس بالجبهة
ثم هنا يوجد صفارات الانذار تنبهنا من الغارات ...

اشعل كل منا سيكارته محاولا تغطية ضؤء الاشتعال بيديه ثم اخذ حاتم نفسا عميقا من سيكارته واجاب :
-ــ كنت في احدى الوحدات المزعج أو بالحقيقة .. المرعبة !!

واتجهت انظارنا الى حاتم مستغربين من حديثه ثم سأله النقيب :
-ـــ المرعبة ؟ كيف ؟؟

قال حاتم بثقة واصرار:
-ــ نعم المرعبة هي سرية ضمن لواء مدرع !!
تسمى سرية مغاوير..
قال له صادق: -ــ انا ادري ان سرية المغاوير تكون سرية مقاتلة يعتمد عليها اللواء اثناء زجه بالمعارك الضخمة وتقوم باعمال بطولية ....فكيف مرعبة..
اجاب حاتم :: -ــ كلامك صحيح اثناء الهجومات ..ولكن في ايام اعادة التنظيم تستخدم سريات المغاوير بتعذيب ومعاقبة الجنود المخالفين!!
اجاب رعد :- ان كلمة تعذيب كلمة كبيرة ؟؟
فقاطعه حاتم محتدا:ـ- بل تعذيب وتعذيب !!
اجابه صادق: _-- على كيفك عيني حاتم بس فهمنا اشلون تعذيب؟
اجاب حاتم بعد ان اخذ نفسا عميقا من سيكارته ثم نفخ دخانها بقوة :
_-ـــ اقصد تعذيب لاني لاحظت عقوبات ظالمة منها الضرب بالايدي والعصي والكيبلات (والصوندات) والسب والشتم والبصاق ومختلف انواع التعذيب الجسدي والنفسي بهذه الوحدة التي يطلق عليها سرية مغاوير اللواء ...حيث يرسل اليها الجنود المخالفين من وحدات اللواء ومعهم كتاب رسمي ويسلمهم مامور يشير الى مدة معاقبتهم وينشرون على سرية المغاوير....
ويدخلون سجن السرية ...!!
وعند الصباح يستلمهم احد ضباط الصف ليقوم بابتكار اقسى العقوبات واذلها غير ملتفتين الى كبر سن المعاقب او وضعه الصحي ...فينزعون عنهم ملابسهم في البرد القارص ثم يبدا ضربهم بخراطيم المياه او بيكيبلات الكهرباء او يسحلون بواسطة السيارات وسط الطين ويبصق في وجوههم ويذلون ويهانون ويسمعوهم مختلف انواع المسبة والشتيمة والاهانة ....حتى تحين ساعة الغداء فيتركون ساعة من الوقت ليستلمهم شخص اخر العن واوحش من الاول ويبدأ بابتكارات انواع العقوبات والاهانات ...العجيب كنت اشاهد ضباط ومراتب السرية ينظرون لهذه العقوبات بعدم مبالاة واثناء سيرهم في السرية يمر من جانبهم المعاقبين مهرولين عراة يحف بهم ضباط صف السرية حاملين العصي والكيبلات ويضربوهم بدون رحمة وبقسوة فيصرخون طالبين الرحمة ولا يكترث هؤلاء الضباط لتوسلات هولاء الجنود بل يبتسمون علامة الرضا والقبول وكأنهم لا يسمعون الالفاظ النابية والشتائم المخزية والضربات المبرحة.. فتصورت بان هؤلاء ربما مجرمين عتاة يستحقون اقسى انواع التعذيب لذا تعجز وحدتهم العسكرية عن عقوبتهم فترسلهم بيد مامور لهؤلاء الاوباش !!..
ولكن شاءت الصدف ان ينسبني امر الوحدة للعمل في قلم السرية ودفعني فضولي لقراءة كتب الوحدات المرسلة مع جنودهم المعاقبين وهالني العجب والاندهاش من الاسباب الواهية التي دعت هذه الوحدات بارسال جنودها معاقبين لسبب تاخرهم عن التعداد الصباحي لمدة نصف ساعة ومنهم لدقائق او لغياب البعض عن العرض الصباحي ....حقيقة شعرت بالجزع ....وتسأئلت مع نفسي لماذا وحدتهم لا تعاقبهم باي عقوبة انضباطية او تسجنهم بسجنها بدل من ارسالهم الى هؤلاء الوحوش ......وياليتني لم اعمل بقلم الوحدة لما كنت اطلعت على ظلم هؤلاء الجنود الذين يعاملون كحيوانات بهذه القسوة والوحشية بمجرد تأخرهم لساعة من الزمن لمرض الم به او الم باحد افراد عائلته ولا يستوجب حفلات التعذيب الصارمة المهينة التي رايتها بحق جنود غلطتهم الوحيدة انهم التحقوا بالخدمة العسكرية للدفاع عن وطنهم ولكن شاءت ظروف
حياتهم العسكرية ان تسوقهم ليكونوا تحت رحمة اوباش من ابناء وطنهم ويهانون في احضان وطنهم .....
واخذت انصح بعض الذين يمارسون هذه القسوة بالتخفيف من حدة قسوتهم مع هؤلاء لانهم اخوان لهم ولا يستوجب خطئهم هذه العقوبة ومعاملتهم بهذه الوحشية لانهم اسلام وعراقيين ..ويبدو ان هذه النصائح وصلت الى امر الوحدة بشكل معكوس من نوع التدخل بشؤون السرية ومحاسبتنا ومخالفة الاوامر فاخذ الامر يكرهني وتغيرت تصرفاته معي حتى سنحت له الفرصة فوضع اسمي ضمن احد كتب النقل وشاءت الصدف ان تكون قسمتي وحدتكم .. والحقيقة لا اخفيكم سرأ كنت شديد الفرح بنقلي من تلك السرية .. ..ثم ابتسم واضاف :
-ــ لكني لم اكن احلم بمدير شعبة يشبه عقيد سعيد....
اثارت هذه الملاحظة الاخيرة ضحكنا بالرغم من استغرابنا من وجود هكذا قسوة ووحشية في سرية تقوم بتعذيب وعقوبة جنود من نفس اللواء
....ومع اننا دخلنا بدوامة من التفكير ....ولكن قطع علينا تفكيرنا وصول المقدم برزان ....

وقال لنا: -ـ تاخرت عليكم لانني قمت بانجاز موقف خسائر السيارات ودرجتها بكتاب رسمي والان نتهيئا لمغادرة العمارة ..
الى بغداد باذن الله .
ــــــ

الى اللقاء مع ح-10

#سمير_بشير_محمود_النعيمي (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل