أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - رباح حسن الزيدان - دور منظمات المجتمع المدنى فى التحول نحو الديمقراطية في العراق















المزيد.....


دور منظمات المجتمع المدنى فى التحول نحو الديمقراطية في العراق


رباح حسن الزيدان

الحوار المتمدن-العدد: 3337 - 2011 / 4 / 15 - 00:03
المحور: المجتمع المدني
    


هناك صلة وثيقة بين المجتمع المدنى والتحول الديمقراطى، فالديمقراطية كما هو معروف مجموعة من قواعد الحكم ومؤسساته التى تنظم من خلالها الإدارة السلمية للصراع فى المجتمع بين الجماعات المتنافسة أو المصالح المتضاربة، وهذا هو نفس الأساس المعيارى للمجتمع المدنى حيث نلاحظ أن مؤسسات المجتمع المدنى من أهم قنوات المشاركة الشعبية. ورغم أنها لا تمارس نشاطا سياسيا مباشرًا وأنها لا تسعى للوصول إلى السلطة السياسية إلا أن أعضاءها أكثر قطاعات المجتمع استعدادا للانخراط فى الأنشطة الديمقراطية السياسية، وبالإضافة لهذا فإن الادارة السلمية للصراع والمنافسة هى جوهر مفهوم المجتمع المدنى.
ويمر العراق حاليا حاليًا بعمليتين مترابطتين، ونعني بهما: بناء أسس المجتمع المدنى والتحول نحو الديمقراطية على الرغم من المخاطر والتحديات التي تواجه هاتين العمليتين. والصلة بين العمليتين قوية، بل أنهما أقرب إلى أن تكونا عملية واحدة من حيث الجوهر، ففى الوقت الذى تنمو فيه التكوينات الاجتماعية والاقتصادية الحديثة وتتبلور، فإنها تخلق معها تنظيمات مجتمعها المدنى التى تسعى بدورها إلى توسيع دعائم المشاركة فى الحكم.
وهكذا فإن الدور الهام للمجتمع المدنى فى تعزيز التطور الديمقراطى وتوفير الشروط الضرورية لتعميق الممارسة الديمقراطية وتأكيد قيمها الأساسية ينبع من طبيعة المجتمع المدنى وما تقوم به منظماته من دور ووظائف فى المجتمع لتصبح بذلك بمثابة البنية التحتية للديمقراطية كنظام للحياة وأسلوب لتسيير المجتمع وهى من ثم أفضل إطار للقيام بدورها كمدارس للتنشئة الديمقراطية والتدريب العملى على الممارسة الديمقراطية.
ولا يمكن تحقيق الديمقراطية السياسية فى أى مجتمع مالم تصير منظمات المجتمع المدنى ديمقراطية بالفعل باعتبارها البنية التحتية للديمقراطية فى المجتمع بما تضمه من احزاب ونقابات وتعاونيات وجمعيات أهلية وروابط ومنظمات نسائية وشبابية.. الخ. حيث توفر هذه المؤسسات فى حياتها الداخلية فرصة كبيرة لتربية ملايين المواطنين ديمقراطيا ، وتدريبهم عمليا لاكتساب الخبرة اللازمة للممارسة الديمقراطية فى المجتمع الأكبر بما تتيحه لعضويتها من مجالات واسعة للممارسة والتربية الديمقراطية.
لحداثة التجربة يواجه العاملون في هذا الميدان الهام طائفة من العوائق. ومن اجل تجاوز ذلك وخلق ديناميكية للعمل . وهنا يجب التأكيد على:
- لابد ان يستعيد المجتمع وان تستعيد الجماهير شعورها بجدوى المشاركة وجدوى التضحيات، أي ببساطة ان تنعكس عليها ثمار عملها وجهدها رفاها وحرية سواء في الانتاج او في العمل النقابي او المدني او السياسي.
- ولابد من زعزعة الاسس الاقتصادية والسياسية لعملية الفساد كي يمكن اعادة الاعتبار للانتاج والمنتجين وللابداع والمبدعين في المجتمع.
- لابد من تكريس جملة الممارسات الحقوقية والتنفيذية التي تمنع كل اشكال التعدي على حقوق المواطنين الفردية والجمعية. ولابد هنا من ايلاء اهتمام استثنائي لضحايا النظام الدكتاتوري المقبور ممن تعرضوا للاذى والتهميش والتجاوزات على حقوقهم.
- لابد من المزيد من تكريس الحقائق الديمقراطية في الحياة السياسية سواء عن طريق تشجيع منظمات المجتمع المدني او عن طريق المزيد من المبادرات الديمقراطية وتكريس دور المؤسسات الدستورية.
- ضرورة الحذر من تسطيح فكرة المجتمع المدني وتخفيضها واختزالها إلى جمعيات غير حكومية تهتم بقضايا جزئية، وتسعى إلى الحصول على التمويل والتدريب والتشبيك مع الجمعيات المشابهة، مما يجعل مركز الحركة الاجتماعية خارج المجتمع، ويوجه النشاط الاجتماعي خارج الحقل السياسي الوطني، وينتج تصوراً قطاعياً للإصلاح الديمقراطي المطلوب، ويفضي إلى جعل القوى المحلية استطالات لقوى خارجية تتكفل هذه الأخيرة بإعالتها والإنفاق عليها وتمويلها، بغية إفسادها، حسب قابليتها لذلك، على نحو ما يجري في العديد من البلدان.
- يتعين على العاملين في منظمات المجتمع المدني التاكيد على استقلالية هذه المنظمات وبما يحقق اهدافها في تنشيط الحياة العامة واستعادة المواطنين إلى حقل العمل العام والمشاركة الإيجابية، وإلى إعادة إنتاج الثقافة والسياسة في المجتمع بوصفهما بعدين أساسيين من أبعاد الحياة الاجتماعية، وشرطين أساسيين من شروط التقدم والبناء الديمقراطي، وإلى إرساء الوحدة الوطنية على مبدأ المواطنة والحقوق المتساوية وسيادة القانون، فإنها تعمل في سبيل إطلاق حوار ديمقراطي بين جميع الاتجاهات الفكرية والسياسية حول جميع القضايا الوطنية، وتنشيط المنتديات والندوات والملتقيات الثقافية، ونشر الثقافة الديمقراطية وثقافة حقوق الإنسان، والدفاع عن الحريات الأساسية ولا سيما حرية الفكر والضمير وحرية الرأي والتعبير.
- ضرورة النضال من اجل جعل حركة المجتمع المدني في بلادنا لا تنفصل عن حركة المجتمع المدني العالمية التي تدعو إلى السلام، وإلى عولمة إنسانية، وتتبنى قيماً كونية، وتناهض الحرب والعنف والإرهاب، والتي عبرت عن تفهم عميق لقضايانا الوطنية الديمقراطية وتضامن غير مسبوق معها.
- دعوة منظمات المجتمع المدني إلى مواصلة عملها في مجال الإصلاح الدّيمقراطيّ واعتماد نهج نقديّ بنّاء مع كلّ المبادرات والتنبيه إلى ما ينطوي عليه بعضها من محاولات هيمنة واحتواء وانغلاق.
- دعوة المنظمات المذكورة إلى تطوير استراتيجياتها ورؤاها للتأثير في عمليّة إصلاح المنظومة التربوية واقتراح مشاريع وتصوّرات بديلة.
- دعوة المنظمات إلى القيام بخطط لنشر ثقافة حقوق الإنسان والمشاركة الديمقراطية لدى الأوساط الرسميّة والشّعبية.
- تطوير الديمقراطية داخل المنظمات بما يتطلبّه ذلك من قدرة على التسيير في إطار الشفافية والمساءلة والتّداول
- دعم المجتمع المدني العراقي بكافة مؤسساته ومنظماته وتوفير الفرص المناسبة له للتدريب والتطوير والتنشئة على قيم العدالة وحقوق الإنسان.
- تفعيل الحوار بين مكونات المجتمع العراقي بهدف بناء عراق جديد على أساس ديمقراطي اتحادي يضم كل مكوناته.
الأن، وبعد أن حددنا مضمون كل مفهوم من المفاهيم الثلاثة السابقة، يتعين علينا إعادة تركيب للافكار الواردة، أي تحديد مضمون العلاقة بين العناصر المذكورة. ولكي لا تكون التحليلات المذكورة في الصفحات السابقة ذات طبيعة تجريدية، يتعين أن ننتقل الى الملموس، الى البلدان المسماة بالنامية، ومنها بلداننا العربية، انطلاقا من سؤال، نراه حاسما بالنسبة لنا وهو : ما هو السبب الذي جعل التشكيلات السائدة في هذه البلدان، التي قطعت اشواطا كبيرة في دولنة Etatisation الاقتصاد وحققت الاستقلال السياسي، عاجزة تاريخيا في مواجهة مسألة الديمقراطية وبالتالي اعادة تشكيل العلاقات الاجتماعية الداخلية بما يسمح بخلق الشروط لتبلور المجتمع المدني ؟ ما هو شكل الدولة الذي اكتساه المسار الاجتماعي والاقتصادي لهذه التشكيلات ؟ وهل يمكن تعليل بروز دول قوية وديكتاتورية بعيدا عن الادانات الاخلاقية أو التصنيفات الحقوقية الشكلية ؟
لكي تكون الاجابة ممكنة على هذه الاسئلة المصيرية يتعين التأكيد على الملاحظات التالية :
• إن مجمل المسار الاجتماعي والاقتصادي القائم في البلدان النامية منذ القرن التاسع عشر بالنسبة لأمريكا اللاتينية، ومنذ القرن العشرين بالنسبة لأفريقيا واسيا هو مسار تكون " طبقة حاكمة " على المستوى السياسي ومهيمنة على المستوى الاقتصادي. وهذا في مرحلة نمط اقتصادي سبق أن هيمنت عليه الرأسمالية في بلدان " المركز الامبريالي ". إن هذا المسار ليس متجانسا في جذوره ولا هو متنافر كليا، إذ تبدو التشكيلات الاجتماعية في هذه البلدان، في نفس الحين، ذات سمات مشتركة وفوارق مهمة. تتمثل السمات المشتركة في أن كل هذه التشكيلات ترتطم بمشكلة انطوائها ضمن التقسيم الدولي الرأسمالي المعاصر للعمل، وبالنتيجة، بعلاقتها البنيوية بالرأسمالية المركزية. إنها كلها تتحمل تمفصلات اجتماعية داخلية حيث تبدو القوى المسيطرة في وضع يختلف جذريا عن الجماهير والفئات الاجتماعية في الريف والمدينة التي يجري تبلترها وتهميشها بسرعة بالغة وبالتالي تعاظم التناقضات، التي تؤثر بشكل بالغ على التوجهات السياسية والاستراتيجيات الاقتصادية التي تنتهجها السلطات السياسية السائدة في هذه البلدان. ونشير كذلك الى أنه في أي من هذه التشكيلات، لم تتم محاولة جدية لإعادة تشكيل علاقات الانتاج الراسمالية (بإستثناء عدد محدود)، فقد ظلت علاقات الانتاج المهيمنة علاقات رأسمالية من نمط جديد لا يمكن مقارنتها بتلك التي في " المراكز الامبريالية ". إن علاقات الانتاج هذه وشكل الرأسمالية الناجمة عنها ليست متخلفة ولا " شبه رأسمالية " بل هي، على الاصح، اللون الخصوصي المحدد للرأسمالية في هذه البلدان. إنها، على وجه التحديد، مرحلة من النظام الاقتصادي الرأسمالي العالمي متسمة بضعف الطبقات الاجتماعية بنيويا. وهذا الضعف البنيوي هو، على وجه التحديد، الذي كان أصلا أو جذرا لتشكل السلطة السياسية في هذه التشكيلات الاجتماعية : أي سمة قصور الديمقراطية السياسية وغياب السوق الثقافي القوي وشلل المجتمع المدني وضموره.
• إن غياب الديمقراطية في بلداننا هي سمة دائمة، لا تمت بصلة الى " الوراثة التقليدية " عن العهود السابقة، كما يروج لها في بعض الخطابات بمفاهيم من قبيل الاستبداد الشرقي ..... الخ. إن هذا الوضع هو ناتج ضروري لمقتضيات التوسع الرأسمالي، كما هو قائم بالفعل. إن الاستقطاب الناشئ على الصعيد العالمي، المرتبط بمقتضيات التوسع الراسمالي يخلق بدوره استقطابا اجتماعيا داخليا يتجلى في ظواهر عديدة أهمها التفاوت في توزيع الدخول والتهميش المتعاظم لفئات اجتماعية واسعة .
• إن الوطنية والتنمية والعصرنة، وما الى ذلك من المصطلحات السياسية، ينبغي – حتى يمكن فهمها في كل ابعادها – أن تدرج ضمن اشكالية التشكل التاريخي لهذه " الطبقات السائدة " في كل من التشكيلات الاجتماعية في بلدان " العالم الثالث، وما يميز هذا التطور عن المسار التاريخي لتشكل البرجوازية الاوربية الغربية، منذ القرن الثامن عشر. إن الفارق يكمن اليوم في عدم تماثل الثورة الصناعية وعدم تمفصلها مع الثورة الديمقراطية. إن الرأسمالية الغربية، باعتبارها مسارا تاريخيا، هي التي ولّدت الثورة الديمقراطية التي كانت في حاجة اليها لتتطور. في حين كان مسار التشكل التاريخي للطبقات السائدة في "التشكيلات العالمثالثية " ليس غير مولد لميكانيزمات تحكم ديمقراطي فحسب، بل أن نشأته غير ممكنة ايضا الا على أساس تحطيم الممكنات الديمقراطية في صلب هذه التشكيلات تحطيما كاملا وشاملا. يحدث ذلك وكأن الثورة الصناعية والنمو والعصرنة لا يمكن أن تتجسم إلا في تناف مع الثورة الديمقراطية، أي أساس حكم سياسي معاد للديمقراطية. وينبغي تحليل هذه الملاحظة والتفكير في كل تبعاتها إن أردنا أن ندحض نهائيا التحاليل التبريرية التي تبثها القوى المسيطرة في هذه البلدان ( مثل مقولة : لننم الاقتصاد وسوف يأتي دور الديمقراطية فيما بعد، أو : الشعب غير ناضج للديمقراطية، ونخبته يجب أن تقوده على درب التقدم !)
• يجب أن نعي وجود تناقض بنيوي بين السيرورة الاجتماعية في هذه التشكيلات الاجتماعية أي صعود الفئات الوسطى الى مرتبة " الطبقة الحاكمة "، من ناحية، والايديولوجيا والممارسات الاقتصادية التي تبرز من خلالها هذه المسيرة من ناحية ثانية. لقد برزت هذه الفئات باعتبارها قوى مستقلة داخل التشكيلات الاجتماعية المعنية. هذه الاطروحة مهمة، لأنها تتيح لنا أن نفهم مدلول الايديولوجيات الراديكالية التي ترفعها القوى المسيطرة، وكذلك نظم الدولة، التي يبرز من خلالها مسار هيمنة الفئات الوسطى. إن شكل الدولة والدور البارز المناط بسلطة الدولة يجسدان طريقة جديدة مؤقلمة مع ظروف العصر. ومن هنا ينبغي فهم دور الجيش وتحليله في كل عمقه. إنه ليس مظهرا من مظاهر فرض إكراه الطبقات المالكة على بقية السكان (نموذج الدكتاتورية العسكرية التقليدية) بل وعلى الاصح، أنه جزء من تشكل العنف " الشرعي " في سيرورة نشأة الفئات الوسطى بوصفها " طبقات " حاكمة.
• أخيراً، ينبغي تعليل أشمل لدلالة المؤسسات السياسية الخاصة بهذه الدولة الاستبدادية. على هذا النحو ندرك أن شكل الدولة هذا ينشأ عبر التحطيم الشامل للممارسة السياسية الجماعية، وعبر ابعاد القوى الاجتماعية غير وثيقة الصلة بالدولة والحزب الحاكم من الاهتمام بالسياسة، وعبر نظام الفروض الملزمة (أنواع التعبئة العسكرية، جيش شعبي، كتائب شباب، طلائع ..... الخ)الذي تفرضه السلطة على التشكيلة الاجتماعية. بإختصار عبر قطع الطريق جذريا أمام مسار الثروة الديمقراطية/على المستوى السياسي، والتي كانت ينبغي أن تواكب كل ثورة اقتصادية، خاصة في ظل المصاعب التي تتخبط بها البلدان النامية الساعية لتعزيز موقعها ضمن الاقتصاد العالمي. إن الدولة الاستبدادية الجديدة التي سادت لأكثر من ثلاثة عقود، بقطع النظر عن الايديولوجيا التنموية التي روجت لها لفترة طويلة، وبقطع النظر عن مناهضتها الظاهرية للنظام الرأسمالي العالمي، كان أثرها الاساسي على الدوام، ولا يزال، تعطيل الجدلية الاجتماعية، أي الالغاء التسلطي للصراعات الاجتماعية والطبقية من أجل تأمين الظروف الاكثر ملائمة للفئات التي صعدت الى السلطة بفعل " انقلاب القصر " حتى تتحول الى فئات سائدة. وقد تعلق الامر باعتماد منظومة من الاجراءات والترتيبات الحاسمة تمثلت في :
- مصادرة الوظيفة السياسية في التشكيلة الاجتماعية، بشكل استبدادي قمعي فاقع الحدة،
- ابعاد الشرائح القديمة من البرجوازية الصناعية وكذلك المجموعات الاكثر فقرا في الحركة العمالية، ومجمل الجماهير الريفية والمدينية غير المرتبطة بسيرورة الانتاج عن حقل اتخاذ القرارات الاستراتيجية.
لقد أدى هذا الوضع الى ترجيح وزن الدولة في التشكيلة الاجتماعية، والى تفتيت مجموعات كاملة من القوى الاجتماعية والى اعادة الانتاج الموسع لعملية تحطيم العلاقات الاجتماعية. وبعبارة اخرى يستطيع المرء أن يغامر باستنتاج قوامه أن فشل الدولة الاستبدادية في هذه البدان لا يكمن في السياسات الاقتصادية المتبعة أساسا ولا في النوايا الواعية أو اللاواعية لدى الماسكين بمقاليد السلطة السياسية فقط بل في شكل الدولة نفسه وفي محتواه الاجتماعي وفي وظائفيته الموضوعية وفي علاقته بالمسار التاريخي لتشكل الطبقات الحاكمة.
ولهذا يتعين التأكيد على ضرورة اكتشاف ودراسة التحولات التي حصلت في شكل ومضمون الدولة في هذه البلدان، ليس عبر أثارها البسيطة، ولكن في التحولات العميقة لتمفصل الاقتصاد والمجتمع السياسي، لكي يمكن أن نفهم الاسباب الحقيقية لضمور المجتمع المدني وضعف ( أو انعدام فاعليته) من جهة، وسطوة الدولة ومؤسساتها المتنوعة من جهة أخرى. لهذه الاسباب، وغيرها، تصبح المطالبة بالديمقراطية ليست ترفا فكريا عابرا بل هي ضرورة تمتع براهنية ملحة ، لأنها ستسمح بفك الاشتباك بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي، بما يسمح بخلق الشروط لتطور الاول وتحرره من سطوة الدولة وعسفها وقمعها في أن.
ومن جهة اخرى نستطيع أن نقول إن المجتمع الديمقراطي في البلدان المتطورة جاء مكملا وامتدادا للدولة الديمقراطية التي كانت في أصل نشوئه. وهي لا تزال ترعاه حتى لو كانت تخاف من تجاوزاته على الصلاحيات الجديدة التي أخذت تحصر عملها فيها. فالدولة تدرك أيضا أن ما يقوم به المجتمع المدني، لا تستطيع هي أن تقوم به، وأنه في مواجهة المنافسة الدولية المفتوحة والتي ستفتح أكثر فأكثر، من مصلحة الدولة عموما والمجتمع ككل أن تتطور وتتدعم المؤسسات المدنية وتزداد نشاطا في الداخل والخارج. فهي لا تجنب حصول فراغ داخلي يتيح تدخل مؤسسات مدنية خارجية فحسب ولكنها يمكن أن تشكل أكثر من ذلك أدوات لمد النفوذ الوطني في الفضاء الدولي ولدى المجتمعات الأخرى.
وبالعكس من ذلك يأتي الحديث المتزايد والمتضخم عن المجتمع المدني في البلاد النامية، ومنها البلاد العربية كتعويض عن غياب هذا المجتمع تماما وكرد على الفراغ الذي أحدثه في الفضاء العمومي تفسخ الدولة وتحلل السلطة العمومية إلى سلطة أصحاب مصالح خاصة، وانهيار أي قاعدة قانونية ومؤسسية ثابتة وراسخة للدولة والمجتمع معا. ولذلك فهو يبقى هنا ويستمر يعمل في إطار الايديولوجية، مما يعني أيضا سهولة استعماله كأداة أو كوسيلة لتحقيق أهداف وتدعيم مواقف وتأكيد مساعي متنوعة وأحيانا متناقضة، سياسية وعقائدية واقتصادية من دون أن يكون غاية في ذاته. فهو ليس مقصودا لما يمثله من إطار نظري وقانوني لبناء سلطة اجتماعية مستقلة بالفعل عن النزاعات السياسية وقادرة على المشاركة مباشرة في ايجاد الحلول من خارج المجال السياسي الرسمي للعديد من المشاكل والتحديات المجتمعية، وإنما لغيره، أي لأهداف تتعلق سواء بالسياسة بمعنى الصراع على السلطة كمواقع ومناصب أو بالوجاهة أو بالمنافع المادية التي تزداد قيمة بقدر ما تزداد مساعدات الدول الصناعية لهذا القطاع الجديد من النشاط الدولي.
وبقدر ما تبدو الدولة في البلدان النامية بشكل عام بوصفها أكثر فأكثر تجسيدا لمجال المصالح الخاصة والجزئية وغياب القانون، ينمو نزوع قوي إلى البحث عن المواطنية والعمومية والمصالح الوطنية والحرية في المجتمع المدني ذاته، أي خارج الدولة. فالمشكلة الحقيقية التي تحاول أن نرد عليها هنا إشكالية المجتمع المدني ليست تنظيم المصالح الخاصة، ولكن بالعكس تنظيم المصالح العامة. ومن هنا التخبط والصعوبة الهائلة في تحديد هذا المفهوم والتناقض الكبير الذي يفترضه استخدامه بينه وبين الدولة. فالاشكالية تبدو هنا مستحيلة، نعني محاولة بناء العام في قلب الخاص، مما يعني في الواقع إعادة ولادة الدولة من رحم المجتمع، مما يجعل النخبة المسيطرة على الدولة تشعر بأن فكرة المجتمع المدني تنطوي على إنشاء دولة بديلة أو دولة نقيض!.
ومصدر كل هذا الاختلاط والتخبط هو إخفاق الدولة القومية، بمعنى الدولة/الأمة، دولة المواطنين، في هذه البلاد. مما يضعنا أمام مسار تاريخي مختلف تماما عن ذاك الذي عرفته المجتمعات الغربية، وأحيانا معاكسا له.
وهذا يعني في الواقع أنه كما أن تطور المجتمع المدني في البلدان الراسمالية المتطورة ليس منفصلا عن تطور الدولة الديمقراطية، بغض النظر عن مضمونها، فإن غياب الدولة الديمقراطية في العالم النامي، والعالم العربي بشكل خاص، ليس منفصلا أيضا عن غياب المجتمع المدني أو تحييده وما يضمه من مؤسسات اجتماعية مستقلة فاعلة تقوم بتأدية مهام مرئية وثابتة في المجتمع وتكتسب نتيجة ذلك مواقع وصدقية وشرعية حقيقية.
ومن جهة ثانية فإن المجتمع المدني الذي نتحدث عنه اليوم، لم يعد مجرد مفهوم يشير إلى مستوى من مستويات النشاط المجتمعي يتسم بالتعددية والتناقض والجزئية والمصلحة الخاصة، ولكنه يشير إلى مجموعة من المنظمات النشيطة التي يمكن تعيينها وتحديد موقعها ومكانها والأدوار الكبيرة التي تلعبها، بموازاة الدولة أحيانا، وأحيانا ضدها. لكن ما هو أهم من ذلك أن المجتمع المدني لم يعد ينظر إليه على أنه تجسيد للخاص والمصالح الجزئية في مقابل الدولة المجسدة للعام وللمصالح الكلية ولكن كـ " دولة مقابلة "، أي كمنظمات ذات نفع عام وأهداف كلية تخدم أهدافا عامة وتشكل مصدرا للنظام والعقلانية والترشيد والاتساق داخل نظام اجتماعي هجرت الدولة العديد من ميادينه أو أصبحت غير قادرة على بث النظام والسلام فيها. لقد تحول إلى هيئات عامة (سياسية) داخل الدولة المعدلة سياسيا أو التي خفت درجة احتكارها لما هو عام.
ويمكن الاستدلال من الملاحظات السابقة أن في مفهوم المجتمع المدني الجديد اعتراف بضرورة عودة السياسة إلى المجتمع وإلغاء الاحتراف السياسي لا إلغاء السياسة، وتقليص من أهمية السيطرة على جهاز الدولة كشرط لتحقيق أهداف إجتماعية عامة. وهذا يمثل طفرة عميقة في مفهوم السياسة ذاتها تسير في الاتجاه نفسه الذي تحدث عنه ماركس للالتقاء داخل الفرد ذاته بين المصالح العامة والمصلحة الخاصة، حيث تكون حرية الفرد شرط لحرية المجموع.

وفي الختام يمكن الاتفاق مع الاستنتاج الذي توصل اليه برهان غليون " بأننا نسير اليوم نحو حقبة التحرر من المفهوم الكلاسيكي الحديث للدولة كمركز أحادي ووحيد للتنظيم والتنسيق الاجتماعي وهي الحقبة التي دامت أكثر من قرنين. وهذا التحرر من المفهوم التقليدي للدولة لا يعني بالضرورة زوال الدولة وإنما زوال شكل من أشكالها. لكن الأهم من ذلك هو معرفة طبيعة الهيئات والتنظيمات والمؤسسات التي ستحل محلها وتشكل جماع نشاط القرن القادم كله وربما القرن الذي يليه. إن العودة الراهنة إلى المجتمع هي موجة عميقة الجذور، لكن طرق هذه العودة وأشكالها والنماذج التي ستنجم عنها، كل ذلك لا يزال في بداياته الأولى " .
واليوم، والحياة السياسية في بلادنا تمر بمرحلة من التوتر والتشتت والفوضى والالتباسات الفكرية والسياسية، بات لزاما علينا التاكيد على المنطلقات الوطنية الديمقراطية ، واعادة النظر في بعض المفاهيم التي شابها شيء من الغموض أو اللبس، جرَّاء الظروف التي استجدت بعد احتلال العراق ، واعادة صياغة بعض التوافقات التي تستدعيها هذه الظروف الصعبة. وفي مقدمة هذه التوافقات إخراج مشروع دمقرطة المجتمع من دائرة التجاذب بين الاطراف المتصارعة وتوكيد استقلاله وانبثاقه من حاجات المجتمع ومن توق جميع القوى الاجتماعية الراغبة في التغيير الديمقراطي إلى الحرية والحياة الكريمة. ويقتضي ذلك توكيد الروابط الضرورية، المنطقية والتاريخية، بين الوطنية والديمقراطية وأن إلغاء أي منهما هو إلغاء للأخرى، إذ الديمقراطية التي تستمد جميع عناصرها من الشعب، الذي هو مصدر جميع السلطات، هي مضمون الدولة الوطنية، وهذه الأخيرة هي شكلها السياسي وتحديدها الذاتي وتجريد عموميتها. إن علاقة الوطنية بالديمقراطية هي علاقة جدلية بامتياز، ومن المؤكد ان فك الاشتباك بين المجتمع السياسي والمجتمع المدني، وتحرير هذا الاخير من هيمنة الدولة سيساهم في وضع مشروع دمقرطة المجتمع موضع التطبيق، وبالتالي المساهمة في بناء عراق ديمقراطي فيدرالي موحد، تلعب فيه مؤسسات المجتمع المدني، على تنوعها، دورا مهما وبناءً.



#رباح_حسن_الزيدان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بعض الاشكاليات العامة للديمقراطية
- الديمقراطية : بعض الاشكاليات العامة
- بعض الاشكاليات المرتبطة بمضمون الدولة
- المجتمع المدني بين كرامشي من جهة وهيجل وماركس من جهة اخرى في ...
- المجتمع المدني العالمي : تعدد التفسيرات
- نرجسية المثقفين العرب
- العلمانية بين التضامن الاجتماعي و الواجبات تجاه الله
- دور الاشتراكية والشيوعية في تشكيل المدرسة العلمانية الفرنسية
- الإكليروس و العلمانية في النموذج الفرنسي للعلمانية
- اصبح الاسلام موضوع من لا موضوع له
- مفهوم العلمانية
- مفهوم المجتمع المدني العالمي
- رؤية هيجل للمجتمع المدني
- مفهوم المجتمع المدني
- العلمانية في الدساتير الفرنسية
- هل تغيرت العلاقة بين الدين والدولة في فرنسا ؟
- إشكاليات قانون العلمانية في فرنسا
- إدارة العلمانية في ألمانيا
- الولايات المتحدة : العلمانية والدين بين المجتمع و الدولة
- الثورة اليسارية في الاسلام


المزيد.....




- اليونيسف تُطالب بوقف الحرب الإسرائيلية على لبنان: طفل واحد ع ...
- حظر الأونروا: بروكسل تلوّح بمراجعة اتفاقية الشراكة مع إسرائي ...
- الأمم المتحدة: إسرائيل قصفت الإمدادات الطبية إلى مستشفى كمال ...
- برلين تغلق القنصليات الإيرانية على أراضيها بعد إعدام طهران م ...
- حظر الأونروا: بروكسل تلوّح بإلغاء اتفاقية الشراكة مع إسرائيل ...
- الأونروا تحذر: حظرنا يعني الحكم بإعدام غزة.. ولم نتلق إخطارا ...
- الجامعة العربية تدين قرار حظر الأونروا: إسرائيل تعمل على إلغ ...
- شاهد بماذا إتهمت منظمة العفو الدولية قوات الدعم السريع؟
- صندوق الامم المتحدة للسكان: توقف آخر وحدة عناية مركزة لحيثي ...
- صندوق الامم المتحدة للسكان: توقف آخر وحدة عناية مركزة لحديثي ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - رباح حسن الزيدان - دور منظمات المجتمع المدنى فى التحول نحو الديمقراطية في العراق