|
مستلزمات انتفاضة وثورة ناجحة لا ينبغي التلاعب بالإنتفاضة!
ريبوار احمد
الحوار المتمدن-العدد: 3320 - 2011 / 3 / 29 - 23:33
المحور:
مقابلات و حوارات
مظفر محمدي: على أرضية الفقر والبطالة والتمييز واللامساواة والقمع السياسي وبالاستلهام من الثوة والحركة الثورية في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بدأت حركة احتجاجية وتحررية في العراق وكردستان العراق. في البداية أود السؤال ما هو نقاط التشابة والاختلاف بين هذه الحركة مع ثورات المنطقة؟ كذلك هل أن أبعاد وأشكال ومضمون هذه الحركة على صعيد العراق متطابقة مع ما يجري في كردستان؟ وإذا لم تكن متطابقة فما هي الاختلافات؟
ريبوار أحمد: التشابه الأبرز بين هذه الحركة الثورية في كردستان والعراق مع الحركات الثورية في تونس ومصر هو حركة وحضور جماهير العمال والشبيبة والمضطهدين الى الميدان من الأسفل ضد الظلم والاضطهاد الذي تمارسه السلطات وضد القمع والفساد. وهذه جميع نتيجة لاتقاد الإرادة الجماهيرية وثقة الجماهير بنفسها في أنها قادرة على تغيير حياتها وصياغة مصيرها من خلال دخول إرادتها الى الميدان. في نفس الوقت ما قام في العراق وكردستان الآن يختلف عن الثورة في تونس ومصر، سوا من ناحية الحركات أو من نحية المطالب والأفق والأهداف وكذلك من ناحية الأوضاع التي تواجهها الجماهير. ففي تونس ومصر جعلت الجماهير اسقاط النظام مباشرة شعارها الرئيسي ومن خلال هذا الأمر فتحت الأبواب أمام التغيير الذي تتطلع إليه. كذلك فإن مستوى وقدرة الحركات كان على درجة بحيث أنه كانت لديها المقدرة على هذا العمل ونجحت فيه. أما ما يجري في العراق الآن فإنه لم يضع إسقاط السلطة في جدول أعماله وليست لديه المقدرة على هذا الأمر الآن. خصوصاً وأن الحكومات في هذه البلدان مختلفة عن بعضها البعض. ما يجري في العراق وكردستان الآن قد وضع مجموعة مطالب سياسية واقتصادية أمامه ويريد من خلال تحقيق هذه المطالب القيام بتغيير بحيث يقلل من حدة الظلم والقمع على المجتمع. أما مسألة أين ستصل الحركة في الخطوة التالية وما هي المسائل التي ستضعها في جدول أعمالها فإنها قضية مرهونة بجملة من العوامل التي من الممكن الحديث عنها أثناء هذه الحوار.
أما فيما يتعلق بالتطابق والتنسيق بين هذه الحركة على صعيد العراق وكردستان، فليس ثمة تنسيق يذكر، وحتى الآن لا منظمي وقادة هذه الحركة عملت على هذا الأمر، ولا هي حركة واحدة من ناحية مطالبها وأهدافها. بالطبع أن أرضيتها مثلها مثل مصر وتونس متشابهة، وهذا التشابه فيما يتعلق بكردستان والعراق هو أكثر، ولكن عملياً هي ليست بحركة متطابقة ملتفة حول مطالب مشتكة وقيادة مشتركة. في كردستان بدأت أولاً ومن ناحية القيادة والمطالب فإنها أكثر تركيزاً نسبياً وفي نفس الوقت أكثر تنظيماً وراديكالية. مجلس ميدان آزادي (ميدان الحرية) الذي هو على الأغلب الناطق باسم هذه الحركة، وعلى الرغم من أنه تركيبة متنوعة من التيارات والاتجاهات السياسية، تتضمن الإسلاميين والقوميين والشيوعيين، ولكنه أوجد اتحاداً داخل الحركة الجماهيرية حول مجموعة من المطالب. أما في العراق فمازال الطابع العفوي للحركة أكثر بروزاً، فالمطالب تختلف من مكان الى مكان آخر وحتى من تجمع لتجمع آخر ومن مظاهرة لمظاهرة أخرى. على سبيل المثال ثمة شعار يتكرر بشكل عفوي كثيراً بتقليد للحركة الاحتجاجية في البلدان المجاورة الأ وهو "إصلاح النظام" وفي بعض الأحيان يتحول بشكل عفوي الى حديث عن إسقاط النظام. أما في كردستان فإن الحركة متمحورة ومستقطبة حول الأحزاب السياسية وخصوصاً وأن هناك في كردستان مجموعة من الأحزاب على الرغم من أختلاف خطابها وسياستها ورؤيتها إلا أنها تقف خلف هذه الحركة وتعلن عن ذلك بصراحة. ولكن في العراق ما عدا الحزب الشيوعي العمالي العراقي ومؤتمر حرية العراق والاتحادات العمالية، والتي تتخندق جميعها في جبهة واحدة، فإن بقية الأطراف السياسية غير واضحة في دعمها للحركة والمشاركة فيها وقيادتها. ودور الحزب وتلك المنظمات ليس بالمستوى بحيث يوحد وينظم هذه الحركة، ولهذا مازال الطابع العفوي طاغياً عليها.
مظفر محمدي: لعقدين من الزمن والأحزاب البرجوازية والقومية مسيطرة في كردستان العراق. في البداية قالوا أنها سلطتنا وتمتعت بدعم بارز من قبل الجماهير المتوهمة بها. هل تعني الحركة الاحتجاجية الجماهيرية الآن نهاية هذا التوهم؟ في حين أن الأجنحة الأخرى للحركة البرجوازية القومية الكردية لها يد في قيادة وتوجيه هذه الحركة. ما مستوى تضاءل هذا التوهم؟ هل أن مطلب الجماهير نقل السلطة من قسم من أقسام البرجوازية والحركة القومية الى قسم آخر أم أنها تطالب من الأساس بالتغيير الجذري؟
ريبوار أحمد: لا شك أن نفس هذه العشرين عام من السلطة البرجوازية الكردية ومعاناة الجماهير على يد القمع والغطرسة والاضطهاد والظلم المنقطع النظير والسلب والنهب الذي لم يعرف الحدود، كان لها دوراً كبيراً في التقليل من وتضاءل التوهم بالبرجوازية – القومية الكردية. ودخول هذه الحركة الى الميدان الآن يخطو خطوة أكبر في هذا المسار وهو ناجح لحد الآن. غير أن أعتبار هذا الأمر انتهاءاً للتوهم بالحركة القومية الكردية، هو باعتقادي أمر خاطئ. حتى الآن مازال هناك الى حد ما توهم حتى في سلطة الأحزاب الحاكمة أيضاً. صحيح أن الجماهير ساخطة وغاضبة من الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي الكردستاني بسبب ممارساتهما وحتى أنها رافضة بشكل واسع لهما، ولكن مازال هذان الحزبان حين يبتدعان سيناريو ومخططاً قومياً لخداع الجماهير، فإن بوسعهما ذر الرماد في عيون الجماهير وسيتورط به قسماً بارزاً من الجماهير. على سبيل المثال خلال هذه الفترة كان يبدو أن احتجاجات جماهيرية ستقوم بشكل واسع في كركوك، خصوصاً وأن سلطة أي من هذه الأحزاب ليست بمسيطرة بالكامل وليس بوسعها السيطرة عليها مثل أربيل أو حتى مثل السليمانية، وكان من المتوقع أن تنزل احتجاجات واسعة الى الشارع، قامت الأحزاب القومية الكردية من أجل التصدي لهذا الأمر بالترويج الواسع بأن موضوع المظاهرات في كركوك هو مخط القوميين العرب ويريدون مهاجمة كركوك وإخراج الكرد منها. ولهذا حركوا قوى البيشمركة نحو هذه المدينة وسيطروا على الأجواء وأجهضوا الحركة الاحتجاجية، ولهذا مازالت كركوك واحدة من المدن التي تعاني من ضعف هذه الحركة. والأدهى من ذلك أن التوهم بالحركة القومية المحتجة التي تمثل (حركة التغيير) الممثل لها كبير جداً. مازال هذا التيار البرجوازي – القومي الذي ليس له أي اختلاف جذري يذكر عن الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي الكردستاني وحتى أنه قادته كانوا الى سنوات قليلة قبل الآن مسؤولين رفيعين في السلطة، يتخذ دوراً رئيسياً من خلال هيمنة أفقه السياسي على الحركات الاحتجاجية الحالية في كردستان. إنني أعتقد أن الحركة القومية ستنتهي في خاتمة المطاف نتيجة نقد شامل للحركة القومية والأكثر من ذلك من خلال قيام بديل آخر بدوره، وخصوصاً يجب أن تقوم الشيوعية بهذا العمل. فمن دون تقدم بديل آخر الى الأمام ينتشل المجتمع من سلطة التقاليد والفكر والسلطة القومية، فإن الحركة القومية بوسعها باستمرار ايجاد التوهم بخصوصها ودخول الميدان بمظهر جديد. وباختصار فإنني أقول أن كل من تجربة العشرين عام وكذلك انتفاضة المجتمع الحالية، لهما دور كبير في تضاءل التوهم بالحركة القومية الكردية وما يطلق عليه بـ"السلطة المحلية"، ولكنه ذلك التوهم مازال لم ينتهي بعد.
إن جماهير كردستان تطالب بالتغيير الجذري في حياتها، والمطالب التي تم رفعها لحد الآن هي باعتقادي تمثل مطالب المرحلة الأولى لهذه الحركة، فإذا تحقق النجاح في هذه المرحلة، فإن تطلعات الجماهير سترتقي وتتنامى وتطالب بتغيير أكثر. ولكن ليس هناك حتى الآن وضوح تام بخصوص كيف تريد الجماهير هذا التغيير أن يحدث. حيث يجري الحديث في هذه الحركة من موضوع إصلاح السلطة وصولاً الى الحديث عن إسقاط السلطة. ولكن هذه الحركة مازالت حتى الآن والى حد كبير تحت هيمنة (حركة التغيير)، وبوسع هذا الآن أن يساوي بالفعل نقل السلطة من قسم من البرجوازية الى قسم آخر.
أما التيارات الإسلامية والقوميين الموجودين داخل هذه الاحتجاجات فإنها تريد تغييراً شلكياً فقط في السلطة، ولكن الحركة على قدر من الراديكالية بحيث أن (حركة التغيير) والإسلاميين ومن أن لا تتجاوزهم هذه الحركة، يجرون خلفها. في البداية وقفت (الرابطة الإسلامية) مباشرة الى جانب السلطة وقالت (حركة التغيير) على لسان نوشيروان مصطفى رئيسها: نحن لم نشارك في هذه المظاهرات ومستعدون للتعاون مع أجهزة السلطة للتصدي لهذه الفوضى، ولكن حين علموا أن الحركة راديكالية ولن تقبل هذا منهم، اضطروا للركض خلفها وغيروا مواقفهم بالمشاركة وتأييد المظاهرات. والآن إذ هم داخل هذه الحركة الاحتجاجية، لهم دور وتأثير على اتجاه ومستقبل ونتائج هذه الحركة.
مظفر محمدي: كما نرى فإن قيادة الحركة وقيادة احتجاجات ميدان (آزادي) في السليمانية هي بيد القوى القومية والإسلاميين والقادة والناشطين الشيوعيين وخصوصاً الحزب الشيوعي العمالي. وقد تم تشكيل مجلس للقيام بهذا العمل يتضمن هذه الأحزاب والمثقفين العلمانيين وحتى القوميين. ما هي النقاط المشتركة بين هذه التيارات؟ ففي الوقت الذي تطالب فيه (حركة التغيير) بإصلاحات في الدستور وفوقية بصالحها، ويطالب الإسلاميون بتدخل الإسلام في الحياة والسياسية، يطالب الشيوعيون بالتغيير الأكثر جذرية، الى أي حد يعتبر هذا الاتحاد راسخاً أم أنه قابل للانهيار؟
ريبوار أحمد: إن أساس مشاركة هذه التيارات السياسية المختلفة في قيادة هذه الحركة وفي نفس مجلس ميدان (آزادي) في السليمانية، مشاركة وتقوية للحركة من أجل التغيير وبهذا الخصوص هناك لحد الآن نوع من الاتحاد والتوافق داخل المجلس على أشكال تنظيم الحركة وعلى قائمة المطالب وأيضاً جعل الحركة حركة شاملة. ولا شك أن جدالاً يومياً يجري بخصوص أية مسألة أو حدث جديد،
وهناك أختلاف أيضاً وكل تيار يريد أن يجر الأمور نحو خطه، ولكن بالنتيجة هناك عمل تم بحيث تبقى حركة انجاز بالتغيير وتحقيق مطالب الجماهير حركة موحدة. وباعتقادي فإن حاجة الحركة هي من خلق هذا الأمر وفرضه. فتقوية الحركة الآن مقابل السلطة وخططها المختلفة لقمعها هو أكثر بروزاً من الاختلافات بين أوساط المعارضة. ومن غير شك أن هناك أختلافات عميقة بين التيارات والاتجاهات السياسية المختلفة. هذه الاختلافات يجب توضيحها للجماهير ويجب الحديث عن السياسات المختلفة، حيث ينبغي أن تعف جماهير كردستان بوضوح ماهي الاختلافات وعلى أية مسائل تجري، وينبغي أن يتضح ما الذي لدى كل تيار من سياسة وبرنامج وافق لهذه الحركة، وحتى ما يقوله كل تيار بخصوص قضايا ومسائل المجتمع، بخصوص نظام لحكم، بخصوص الحرية السياسية وقضية المرأة والتقسيم الطبقي للمجتمع ...؟ كذلك ينبغي أن ينتظم العمال والجماهير الكادحة في صفوف مستقلة داخل هذه الحركة الشاملة. وبالتزامن مع ذلك فإن وحدة الحكة الجماهيرية خصوصاً الآن مهمة جداً وينبغي الحفاظ عليها.
أما ما أطلقتم عليه "اتحاداً" بين القوميين والإسلاميين والشيوعيين، فإنه ليس بإتحاد. خصوصاً على المستوى الحزبي لا توجد أية علاقة بين الحزب الشيوعي العمالي والطرفين الآخرين دعك عن الاتحاد. ولكن بموجب الأمر الواقع، بسبب وجود ومشاركة كل طرف في هذه الحركة ودور ونفوذ كل طرف منها، فإن شخصيات وقادة هذه التيارات المختلفة، ومن موقعها كشخصيات وقادة وناشطي هذه الحركة الجماهيرية، فإنها موجودة في هذا المجلس وتقوم بدورها.
إنني لا أعتبروجود شخص في ذلك المجلس وما لديه من عقائد وبماذا يؤمن وبماذا لا يؤمن مشكلة. المهم هو إصراره على مطالب الجماهير ومصالح الجماهير وسعيه لتقوية الحركة. وهذه هي النقطة المشتركة، وهذا هو الأساس لاستمرار أو إنهيار هذا المستوى من وحدة ناشطي الحركة. ومن غير شك أن كل طرف يريد تقوية موضع قدمه في هذه الحركة، كي يجرها فيما بعد باتجاه أهدافه. التيارات القومية والإسلامية داخل هذه الحركة، كممثلين لقسم من البرجوازية الكردية المحتجة على حصتها وعلى كيفية تقسيم ثروات وأرباح الرأسمال وثمار كدح الطبقة العاملة بين أوساط الطبقة البرجوازية، يريدون جر الحركة باتجاه إصلاح السلطة بها كي يتقوى موقعهم في السلطة، في سبيل الحصول على جزء أكبر من حصة الطبقة البرجوازية. في نفس الوقت فإن الإسلاميين كأحد التيارات البرجوازية يريدون الحصول على مكانة بحيث بوسعهم منح الإسلام دوراً أكبر في السلطة والقوانين وحياة الجماهير. فيما يسعى الشيوعيون لجر الحركة باتجاه تحقيق أعمق تغيير شامل في حياة الجماهير وبالتالي تغيير النظام السياسي والاقتصادي. وهذا من غير شك في محله أن المسائل وقادة الحركة الآن هو ما يحدد مصيرها. ولكن مادام كل طرف يرى أن من مصلحته الوقوف خلف هذه الحركة وخلف المطالب ى المعلنة للجماهير، فإن هذا من الممكن أن يستمر. في نفس الوقت فإن من واجب الشيوعية توضيح كل هذه الأمور لجماهير العمال والكادحين ونقد قلق وعدم استقرار التيارات البرجوازية داخل الحركة الثورية بوضوح وغلق طريق المساومة على مطالب الجماهير أمام تلك التيارات.
مظفر محمدي: في الوقت الذي شهدت مدن الجنوب في كردستان والمناطق الخاضعة لسلطة الاتحاد الوطني الكردستاني احتجاجات واسعة، فإن الأوضاع تحت السيطرة في مدن أربيل ودهوك والمناطقة الخاضعة لسلطة الحزب الديمقراطي الكردستاني. هل ترون من الممكن تقدم وانتصار الحركة في منطقة واحدة دون ارتباط وانضمام المناطق الأخرى؟ وما هو الطريق لتحول هذه الحركة الى حركة شاملة في كردستان؟
ريبوار أحمد: من غير شك أن شمولية هذه الحركة هو عامل حياتي وحاسم للنصر والنجاح. وباعتقادي ليس فقط قادة وناشطي هذه الحركة بل حتى أي مشارك في هذه الاحتجاجات يرى هذه الحقيقة بجلاء أن نقطة ضعف هذه الاحتجاجات بقاءها محدودة ضمن نطاق قسم من كردستان، وهذا أقل فيما يتعلق بالعراق، ففي العراق فإنها شاملة الى حد ما. وقد جرت بهذا الخصوص محاولات لجعلها حركة شاملة. نفس سكان المناطق الخاضعة لسلطة الحزب الديمقراطي حاولوا كثيراً أن ينضموا لهذه الحكة التي بدأت في مناطق السليمانية. ولكن السيطرة الشديدة والقمع الواسع الذي يمارسه الحزب الديمقراطي وكذلك قلة نفوذ الأطراف المعارضة داخل الحركة في المناطق الخاضعة لسلطة الحزب الديمقراطي من جانب آخر عامل كبير في هذه المسألة. والى جانب هذا ثمة عوامل أخرى تاريخية ومستوى نمو وتطور الحركة السياسية في هاتين المنطقتين.
ولكن ما قلته في أن الطابع الشامل هو أحد العوامل الرئيسية للنجاح والظفر، لا يعني أبداً أن هذه الحركة لن تصل الى مكان ولن تحقق مكسباً بدون الطابع الشامل. لقد حققت حتى الآن بعض المكاسب، وتغير كثيراً ميزان القوى بين السلطة والجماهير. وبوسع أي مراقب بسيط أن يلمس ذلك في الأحاديث والوجوه المكفهرة للطالباني والبازاني وقادة كلا الحزبين. حين يظهرون وحين يتحدثون تشعر بأنهم فقدوا مواطئ أقدامهم، فقدوا توازنهم، يعنانون الذلة، على الرغم من أنهم لم يتوقفوا عن التهديد والوعيد، ولكنهم يتحدثون بطريقة تختلف عن السابق. في نفس الوقت فإن السلطة ركعت وخضعت حتى الآن لبعض من مطالب الجماهير وإن كان بشكل مبهم، وأعلم أن هذا الإبهام هو كي يتنصلوا عن المسؤولية فيما بعد إذا ما خفتت الاحتجاجات وتراجعت أو على الأقل كي يجيبوا على تلك المطالب بأقل مستوى. إلا أن تراجعهم وضعفهم بارز وواضح. وما أقصده أنه ظاهر وواضح في هذا المستوى الحالي من تقدم الحركة. في نفس الوقت فإن نمو وتقدم الحركة وخصوصاً وصولها الى بعض المكاسب، سيكون له تأثير كبير على شمولية الحركة وقوة الإرادة الثورية للجماهير في المناطق الخاضعة لسلطة الحزب الديمقراطي الكردستاني. لا يمكن أن تؤثر ثورة تونس ومصر على السليمانية ولا تؤثر الحركة الاحتجاجية في السليمانية والمناطق المحيطة على أربيل ودهوك وزاخو.
على أية حال المهم هو أن لا شك في أن شمولية الحركة هو الشرط الأهم للنصر والظفر وتحقيق مكاسب أكبر. يجب العمل بشكل مخطط من أجل هذا الأمر. إن قسماً من سبيل التحول الى حركة شمولية هو أن تقوي الحركة التي بدأت في تلك المناطق نفسها من كافة الجوانب، أن يكون لها رؤية أدق لخطوات التقدم في طريق النصر والنجاح، أن يكون لها تعريف دقيق لمعنى النصر والنجاح، أن يكون لديها تكتيك صحيح لنجاحها خطوة خطوة، أن تبتعد هم المغامرات والخطوات التي لا تستطيع القيام بها، أن ترفع المطالب الصحيحة في محلها، وأن لا تستعجل الخطو قبل وقته ودون أي أساس. والأهم من كل ذلك أن تخطو من ناحية تنظيم الجماهير واحتجاجاتها بخطوات مخطط لها، وإن قسماً مهماً من هذه المسألة مرهون بدو الشيوعية. التقدم في هذه الميادين يشحن إرادة أكبر وأيضاً يضع أمام جماهير المناطق الأخرى تجربة كيفية دخول الميدان وكذلك يقلل من قدرة السلطات على القمع.
في نفس تلك المناطق من الضروري طرح أسلوب وتكتيك مناسب ممكن، وليس شرطاً أن تبدأ الحركة الإحتجاجية هناك بنفس اشكل الذي بدأت به في السليمانية. يمكن هناك الإضراب والاعتصام بدلاً من التظاهر، يمكن أن تتشكل التجمعات المختلفة للشبيبة والنساء والعمال، ويمكن القيام بأعمال التحريض والتنظيم بين أوساط الجماهير. بأعتقادي أن الأرضية مهيأة هناك ويمكن لمجموعة من الشباب أن تتشكل مثل شباب مصر والسليمانية، ويستطيع العمال قبل أن يبدأوا بالمظاهرات حيث تكون يد السلطة أطول في قمعها أن يبدأوا بالإضراب وبدء الاحتجاج بمطالب بسيطة...الجانب الآخر هو ضرورة تشكل ضغط كبير محلي وعالمي على سياسة القمع التي يمارسها الحزب الديمقراطي الكردستاني، ضغط بحيث يعجزون بهذه اليد الطولى وعلى هذا الصعيد الواسع والوحشي عن قمع كل صوت احتجاجي.
مظفر محمدي: لقد تحول ميدان (آزادي) الى قلب هذه الحركة. هذا في الوقت الذي تقل فيه الحركة في الميادين العمالية والأحياء والمدارس والدوائر. هل يستطيع ميدان (آزادي) أن يتخذ نفس الدور الذي اتخذه ميدان التحرير في مصر؟ وإذا كانب الجواب بلا، فما هو السبيل للتدخل الأوسع لجماهير العمال والكادحين والنساء والشبيبة في أماكن العمل والحياة؟ هل هناك خطوات بدأت أو تحققت في مسار الاتحاد والتنظيم والتوعية والاستعداد؟
ريبوار أحمد: لقد تحول ميدان (آزادي) في السليمانية وساحة التحرير في بغداد في مستوى أقل وفي بعض الجوانب نماذج لميدان التحرير في القاهرة. وباعتقادي أن استلهام التجارب هذا هو نقطة جيدة وقوية للحركة الثوية. ولكني لا أعتقد أنه يمكن اعتبارها بديلاً لميدان التحري، في البداية بسبب أختلاف أوضاع المجتمع الكردستاني والمصري عن بعض ومن ثم أختلاف مكانة القاهرة والسليمانية في هذين المجتمعين وبالتالي بسبب الاختلاف بين الحركة المصرية والحركة الكردستانية واختلاف السلطات. ولأقل هنا أم ميدان التحرير في مصر لم يكن الخندق الوحيد والساحة الوحيدة للثورة. فقبل أن يبرز ميدان التحرير وحتى في السنتين الى ثلاث سنوات الماضية بدأت الحركة العمالية بالتنامي على صعيد واسع، وكانت هناك عشرات بل مئات التحركات العمالية خلال العام، وقد فقد عشرات العمال حياتهم في تلك التحركات، تم اعتقالهم، وطردوا من العمل...وحتى مجموعة 6 أبريل تكونت في قلب الاحتجاجات العمالية وبمساعدتها ودعمها.
ما أقصده هو أن نفس ميدان التحرير في القاهرة في الثورة المصرية لم يكن بداية العمل، بل كان هناك سوابق أقدم وخطوات أهم جرت قبله. المعضلة ونقطة الضعف الأخرى البارزة لهذه الحركة الثورية في كردستان هي أنها لم تتزحزح من ميدان (آزادي). لقد جرت تحركات ومظاهرات ضعيفة في الجامعات، ولكنها مازال لا يوجد أي شيء يذكر في المعامل وفي الأحياء والدوائر. وحتى ليس هناك أي مستوى ولو متدني من التنظيم الجماهيري في تلك المراكز. ولن تفتح أبواب التقدم والظفر أمام الجماهير من دون التنظيم في أطر جماهيرية وحزبية. خصوصاً وأن دور الطبقة العاملة هو أمر حياتي جداً، وبدون الحركة والدور البارز لهذه الطبقة ستعاني الحركة من فراغ كبير ونقطة ضعف كبيرة ويكون أفق الظفر والنصر ضيقاً وعسيراً. فإذا أخذنا التجربة التونسية والمصرية بنظر الاعتبار ستظهر لنا هذه الحقيقة بشكل جلي. على سبيل المثال في مصر وعدا عن الاحتجاجات العمالية للسنوات السابقة، فإن ما غير بالنتيجة ميزان القوى تماماً وحسم قضية إسقاط نظام مبارك هو الحضور الميداني للطبقة العاملة. إنها حقيقة بديهية أن الطبقة العاملة حين تحركت بشكل واسع وخصوصاً انتفاض عمال خليج السويس، جعل نظام مبارك ينكسر ظهره فاضطر للتسليم. والآن في كردستان والعراق فإنها مسألة حياتية جداً وفي نفس الوقت ممكنة ومصيرية أن تدخل الطبقة العاملة الى الميدان. وهذا ما يضمن على مستوى أعلى النصر والظفر وفي نفس الوقت يضمن راديكالية وعمق الجوهر الثوري للحركة. لقد حان وقت اتحاد والتفاف الجماهير حول بعضها البعض في المعامل والأحياء السكنية والدوائر والجامعات والأماكن الأخرى، حان وقت التجمعات العامة، حان وقت الحديث عن مطالبهم ومشاكلهم، وتشكيل منظماتهم. لقد حان وقت ظهور وتنامي مجالس الأحياء والمعامل والجامعات والتنظيمات الأخرى المختلفة مثل النقابات ومنظمات الشبيبة والنساء، وبلورة مطالبها وتحديد سبيل وكيفية تقدمها.
ومن وجهة نظري فإن حركة من هذا النوع من الصعب أن تحقق مكاسب بارزة من دون التنظيم الجماهيري والحزبي القوي، وستهددها بجدية مخاطر الفشل والهزيمة. القضاء على هذه المخاطر ونقاط الضعف هذه هو مهمة الشيوعيين والشيوعية قبل أي شخص آخر، وخصوصاً مهمة الحزب الشيوعي العمالي. باعتقادي أن هذا الحزب والشيوعية الآن على محك التجربة، فإذا لم تكن لديه خطة لملئ نقاط الضعف هذه، إذا لم يقم بهذا العمل بسرعة، إذا لم يتقدم هذه الأيام وبمعايير ملموسة، خصوصاً ما أقصده من ناحية تنظيم العمال والجماهير الكادحة والشبيبة التحررية والنساء حول الحزب واللجان الحزبية للمعامل والأحياء والجامعات والأماكن الأخرى، كذلك فسح المجال والمبادرة في تشكيل المنظمات الجماهيرية في تلك الأماكن...فإن هذا يعني أن هذا الحزب سيخسر أكبر فرصة تاريخية. يعني أن هذا الحزب يتخلى عن الإجابة على أكبر شرط لانتصار ونجاح الحركة. ولن يبقي في المستقبل لأقل مجال وفرصة للقيام بدوره. هذه الأعمال من المحتمل في الأوضاع الروتينية القول أنها عمل يستغرق سنوات، ولكن في هذه الأوضاع ليس هناك سوى مجال عدة أيام وعدة أسابيع وعلى أبعد حد عدة أشهر. فإذا لم يتم إنجازها، فإن الأوضاع والحركة ستسير في طريق آخر، ولن يكون هناك أي مكسب يذكر للشيوعية ولن تحسم على مستوى بارز بصالح الجماهير. إن هذا هو تنبيه جدي لنا نحن الشيوعيين والحزب الشيوعي العمالي.
مظفر محمدي: من منظارك أنت هل أن أحداث العراق وكردستان العراق هي انتفاضة وثورة أو أنها حركة احتجاجية لجملة من المطالب المحددة؟ هل تطالب أنت الآن بانتفاضة وثورة فورية ومباشرة في أقل فترة، أو أنك تعتقد أنه ينبغي الآن تحقيق مجموعة مكاسب وضمان نصر حتى ولو كان صغيراً يمهد الطريق لتغيير أكثر جذرية؟ عموماً كيف ترى قوى وقدرات هذه الحكة لتحقيق مطالبها أو تحقيق تغيير جذري؟ كذلك كيف تقيم العقبات التي تواجه الحركة في العراق وكردستان؟ كيف تعرف النصر الحالي للحركة وكيف ترى عملية النصر النهائي للحركة أو كيف سيكون؟ وما هي المطالب التي تساعد في ضمان هذا النصر والنجاح؟
ريبوار أحمد: حتى الآن جرى استخدام مصطلح انتفاضة ومصطلح ثورة أيضاً من قبلنا هنا وهناك لوصف هذه الحركة، لأن من الممكن إذا لم ندقق في هذه المصطلحات التعبير عن أي حضور ميداني بوصفه انتفاضة جماهيرية، أو التعبير بشكل مزاجي عن أي حركة ثورية ووصفها بالثورة. ولكن إذا أردنا استخدام هذه التعابير والمصطلحات بدقة ونعرف الحركة الحالية بها وبالشكل الذي سألته أنت، سأجيب بدقة على سؤالك وأقول باعتقادي أن ما حدث في الإطار والمستوى الحالي، لا يمكن تعريفه بالثورة أو الانتفاضة التي تعني الهبة الجماهيرية لإزاحة واسقاط السلطة، بالمعنى الذي حدث في مصر وتونس حيث وضعت اسقاط النظام في جدول أعمالها وكانت لها القدرة على ذلك.
دعني أوضح أكثر هذا الأمر. الثورة والانتفاضة تعني حركة لإسقاط النظام، وتتطلب مستوى أعلى من الحضور الجماهيري، تتطلب قيادة ثورية وضعت إسقاط السلطة في جدول أعمالها، تتطلب مستوى من التنظيم الجماهيري حول حزب سياسي طليعي وثوي وومنظم للجماهير، تتطلب حشداً جماهيرياً حول خط وبرنامج سياسي لإسقاط السلطة، وبالتالي يتطلب تحول مطلب تغيير السلطة الى من رغبة جماهيرية الى قرار جماهيري و..و...وباعتقادي أن أياً من هذه الشروط ليس متوفراً في الحركة الحالية في العراق وكردستان. حضور الجماهير الى الميدان مازال محدوداً وضيق النطاق حتى الآن مقارنة بالثورة، الجماهير ساخطة جداً على السلطة ويعجبها تغيير السلطة ولكنها لم تقرر على تغييرها ولم تضع هذا في جدول أعمالها، بل هناك جملة من المطالب المحددة بغض النظر عن طول أو قصر قائمة المطالب إلا أنها وضعتها في جدول أعمالها وتريد تحقيق تغيير في حياتها من خلال تحقيق هذه المطالب التي رفعتها بوجه السلطة الحالية. كذلك فإن هذه الحركة لم تتوفر لها حتى الآن بالفعل قيادة ثورية تريد أسقاط السلطة. على سبيل المثال في كردستان هناك ثلاثة تيارات سياسية في هذه الحركة ومشاركة في قيادتها، (حركة التغيير) التي تمتلك الثقل الأكبر، لا تطالب بأي شكل بإسقاط السلطة وأعلنت بصراحة أنها تريد إصلاح السلطة من خلال حل التشكيلة الحكومية الحالية والبرلمان وإقامة انتخابات برلمانية أخرى...كذلك هناك التيار الإسلامي الذي لا يتحدث بأي شكل من الأشكال عن إسقاط وتغيير السلطة وهم حتى الآن يطالبون بتغيير أقل. أما التيار الشيوعي في هذه الحركة هو ثوري وحديثه واعتقاده أن المجتمع بحاجة لتغيير جذري وهذا يتحقق من خلال الثورة. ولكن الشيوعية هي أضعف تيار داخل هذه الحركة، ثقل الشيوعية في قيادة هذه الحركة ضعيف، ولا يوجد في سياسة وبرنامج الحركة حتى بدور الشيوعية أيضاً مكان للثورة، كذلك إن الشيوعية ضعيفة من ناحية التنظيم الحزبي والجماهيري للناس..لذا فإن شروط حدوث الثورة كما يبدو غير متوفرة من كافة النواحي على الأقل الآن.
ووفقاً للأدلة التي طرحتها فيما تقدم فإنني لست فقط غير مؤيد لوضع الانتفاضة الثورية فوراً في جدول أعمال هذه الحركة، بل وأعتقد أن عملاً من هذا القبيل هو خطأ تاريخي كبير. أنه تلاعب طير جداً بمصير الحركة وجماهير هذا المجتمع. عمل من هذا القبيل وبدلاً من أن ينتظر منه تكرار تجارب مصر وتونس، سينتظر منه خطر تجربة دموية ومأساوية مثل التجربة الليبيبة. وبعد ذلك وبدلاً من أن تفتخر جماهير المجتمع بدورها وإرادتها الثورية وتتقوى إراداتها، ليس بعيداً أن يعطوا اللافتات لأطفالهم كي يطلبوا وبذلة المساعدة من حضرة ساركوزي والسيدة كلينتون كي يغيثونهم. يجب أن تتضح لنا حقيقة أن الانتفاضة المبكرة و في غير وقتها لها مخاطر دفع كردستان الى أوضاع شبيهة بأوضاع ليبيا. خصوصاً وأن نفس ممارسات القذافي الحالية يمكن انتظارها من البارزاني والطالباني والمالكي والصدر والحيم وعلاوي ...و...وأحزابهم. هذا المجتمع بعراقه وكرستانه خاضع لسلطة المليشيا، وهي طائفية وعشائرية، ومن المتوقع من السلطات أن تحارب حتى إراقة آخر قطرة من دماء الجماهير كي تبقى في السلطة. إنني بالعكس أعتقد أن مساراً أطول وأبطأ هو في صالح تيار الثورة، الخطوات البطيئة والراسخة أكثر نجاعة وفاعلية. في روسيا بدأت الثورة في شباط حيث كان البلاشفة أقلية واستمرت حتى تشرين الأول (أكتوبر) حتى تقوى البلاشفة لدرجة بحيث قرروا الثورة وأمسكوا بقيادتها. ونحن لو حظينا بمثل فرصة التحرك مثل البلاشفة وحققنا حتى شباط المقبل ما وصل إليه البالشفة في أكتوبر، باعتقادي سنكون قد قطعنا مساراً ناجحاً بصالح تنظيم الثورة وتغيير النظام السياسي. يجب أن يكون واضحاً أن مهمة الشيوعية هو أن تضمن تقدم واتجاه المجتمع العراقي والكردستاني والحركة الثورية الحالية باتجاه صحيح والابتعاد عن مخاطر التحول الى ليبيا أخرى، التي سيكون لها تأثيرات سيئة على المنطقة والعالم أيضاً.
لقد كتبت مرات عديدة خصوصاً في مقالة "انتفاضة وثلاثة تكتيكات" أن مسار النجاح والظفر والتقدم لهذه الحركة هو عبارة عن الاتجاه في مسار بحيث يعمق الأجواء السياسية في المجتمع، ويرتقي وعي الجماهير كي تحظى بقدرة الاختيار السياسي الواعي بين البدائل السياسية على الساحة، وتتنظم صفوف الجماهير، وفي الخطوة الأولى ضمان مجموعة كاسب حددة للجماهير تقوي من ثقة الجماهير بنفسها وتفسح الجال أمام تقدم الحركة الى الأمام أكثر وتقيد أيدي السلطة في القمع أيضاً. وحتى أنني أعتبرت أن من نقاط الضعف والأخطاء دفع الحركة ومسار المضاهرات باتجاه المبادرة بالعنف حتى لو كان رمي الحجارة على مقر حزب من الأحزاب. لأن ذلك يقدم ذريعة القمع المبكر بيد السلطات. لو تستطيع هذه الحركة الآن فرض مطالبها في عدة مجالات على السلطة، فإنها تتقدم خطوة كبرى الى الأمام وتفتح الباب أمام الخطوات القادمة أيضاً. على سبيل المثال فرض الحرية السياسية: أي حرية النشاط السياسي والجماهيري غير المقيد وغير المشروط، حرية تأسيس الأحزاب والمنظمات وحرية الانتقاد والتعبير عن الرأي وتنظيم الاحتجاجات، ومن الضروري في هذا المجال إلغاء قانون البرلمان بخصوص المظاهرات وقانون الأحزاب والجمعيات وإعلان الحرية السياسية الواضحة. كذلك التصدي للفساد واللصوصية: على سبيل المثال الإعلان عن ثروات المسؤولين الحزبيين والكشف عن مصادرها للجماهير أيضاً، ومن ثم تحديد حد للرواتب الشهرية للمسؤولين وفقاً للمعايير العصرية العالمية، التي على الأكثر لا تتجاوز الأجر الشهري للعامل أو الموظف المتوسط..كذلك الكشف عن كل المتهمين الذين كانت لهم يد بشكل مباشر أو غير مباشر في إطلاق النار وقتل وجرح الجماهير ومهاجمة القنوات الإعلامية وتسليمهم للمحاكم ومعاقبتهم...توفير الخدمات الأساسية مثل الماء والكهرباء والطرق والخدمات الصحية والطبية للجماهير بشكل كافي...ضمان بطالة أو عمل مناسب وبأجور تناسب الغاء في السوق...هذه المطالب أو حتى بعض من المطالب إذا تم فرضها على السلطة في الخطوة الأولى فإنها ستتناسب مع قدرات الحركة وتتناسب مع ميزان القوى وستسهل من خطواتنا المقبلة للتغيير الجذري أيضاً.
مظفر محمدي: في كردستان العراق صفعت الجماهير الأحزاب البرجوازي الكردية وصفعت مشروعية سلطتها. هل يعتبر هذا تراجع اعتبار أو غروب الحركة القومية الكردية وأحزابها في المنطقة؟ كيف هو رد فعل الأحزاب اليمينية والقومية في كردستان إيران تجاه هذه التغيرات في كردستان العراق؟ وماذا يقول "اليساريون"؟ كذلك كيف هو مستوى التضامن النضالي لجماهير كردستان إيران مع جماهير كردستان العراق حتى الآن سواء من قبل الأحزاب والأطراف أو من قبل العمال والجماهير؟ ما هو انتظارك أنت؟ هل أنت راضي عن الحزب الأخ، الحزب الشيوعي العمالي الإيراني-الحكمتي ولجنة كردستان في تعبئة هذا التضامن؟
ريبوار أحمد: لقد اعتبرت أحزاب الحركة القومية الكردية في المنطقة خلال العشرين عام التي وصلت فيها الحركة القومية الكردية في كردستان العراق الى السلطة نفسها أحزاب حركة واحدة، أمة واحدة، أخوة وأخوات بعض، ذات مصير مشترك..والكثير من المصطلحات الأخرى من هذا القبيل التي راجت على ألسنتها، وفي كل نجاحاتها ومكاسبها التي حققتها بمساعدة الغطرسة الأمريكية والاتفاق مع أكثر الحركات والاحزاب ودول المنطقة رجعية أرسلت رسائل التهنئة والدعم لبعضها البعض وشاركت في احتفالات بعضها البعض الآخر. وقفت خلف السلطة المليشياتية والفساد والظلم. وحتى أنها افتخرت بها كتجربة للسلطة الكردية. إلا أن الأخوة والصداقة ووحدة المصير ذات حدين، حيث لا يمكن أن يكونوا شركاء في الفرح والنجاح ولا يكونون شركاء في الحزن والهزيمة. الجماهير نفسها لن تقبل منهم عدم الإنصاف هذا ولن تسمح لهم بمناورة من هذا القبيل. ومن غير شك أن خسارة الحركة القومية الكردية في كردستان العراق لمكانتها واعتبارها وازدهارها سيكون له نفس التأثير والنتائج على الحركة والتقاليد الكردية في كل المنطقة. ومن المحتمل أن لا تكون بنفس المستويات، حيث من الطبيعي أن يختلف الأمر لجماهير تعاني لعشرين عام من الخضوع المباشر لظلم الحركة القومية الكردية مقارنة بجماهير تراقب التجربة من بعيد، ولا أقول بنفس المستوى ولكن سيكون له تأثير كبير من غير شك.
باعتقادي أن دلائل هذا الأمر واضحة الآن. وهذا في نفس الوقت رد على قسم آخر من سؤالكم، فقد كان موقف الأحزاب والأطراف القومية داخل الحركة القومية الكردية في إيران والمنطقة من هذهالحركة الجماهيرية واضحاً وتمثل بالقلق والخوف الظاهر عليها من أن يكون فشل وهزيمة الحركة القومية الكردية في كردستان العراق، فشلاً وهزيمة لها في نفس الوقت. ولهذا استعجلت كي تعلن عن مساندتها ودعمها لسلطة الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي الفاسدة ووقفت في الخندق ضد الحركة الثورية للجماهير. وحين رأيت بلاغهم استذكرت بالضبط موقف القذافي من الثورة التونسية. فقد كان القذافي يعرف أن الثورة التونسية ستكون دافعاً ومحركاً كبيراً لجماهير ليبيا للانتفاضة ضده، ولهذا شعر بالخوف منذ البداية وراح يلوم جماهير تونس لماذا لا تريد "بن علي" ولماذا تنتفض ومن أين لها أن تحصل على رئيس أفضل منه وبدلاً من المطالبة بإزاحته كان يفترض أن تقول بأن يبقى رئيسياً مدى الحياة. الجميع كان يعرف أن كلام القذافي هذا الذي على الظاهر يوجهه لجماهير تونس إنما يقصد به أن تسمعه جماهير ليبيا وأن تتعامل معه بالشكل الذي طرحه في حديثه. والآن فإن الأطراف القومية الكردية في المنطقة تمارس نفس السلوك في الموقف من السلطة والحركة الثورية للجماهير. لقد أصبحت نسخة كردية من القذافي. ومن غير شك أن جماهير كردستان العراق وكردستان إيران والأماكن الأخرى لن تنسى هذا الموقف وسيكون له تأثير على مستقبل مكانتها. سيكون لكل من فشل التجربة البرجوازية - القومية الكردية في العراق وكذلك موقف القوى القومية الكردية في المنطقة للدفاع عن تلك التجربة الفاسدة والرجعية والظالمة أيضاً، تأثير كبير على تراجع وقلة الاعتبار والمكانة الاجتماعية لهذه القوى وكل الحركة القومية الكردية نفسها.
أما بين أوساط الأطراف اليسارية، كان موقف "الكوملة" لافت للنظر، حيث عبرت بشكل خجول وفي الحقيقة بشكل جبان وبموقف مطاطي بحيث ترضي السلطة القومية الكردية. فهم لم يقولوا شيئاً عن قتل الجماهير واعتقال وإخفاء مصير الناشطين، ويقولون بشكل غامض أنهم قلقين من بعض جوانب الأحداث، إذ لا أعرف إن كان قصدهم رمي الحجارة على مقر الحزب الديمقراطي والمظاهرة ضد السلطة الكردية، أو أن قصدهم قتل الأطفال والصبية. كذلك يقولون أن مطالب الجماهير شرعية بالطريقة التي يقول بها جلال الطالباني ومسعود البارزاني وليس فيها أية حكمة. ويبررون موقفهم هذا بأنهم قوة خارجية ولا يسمحوا لأنفسهم بالتدخل واتخاذ موقف أكثر. ولكنهم خلال العشرين عام لم يقبلوا لأنفسهم أية حدود في إرسال الرسائل والبلاغات لمساندة الحكام الظالمين والفاسدين في كردستان والتهنئة والتعبير عن الصداقة واعلان المواقف بخصوص نجاحات الحركة القومية الكردية والتعبير عن التضامن معهم، ولكن حين يصل الأمر الى الحديث عن الجماهير واحتجاجات الجماهير وحركة الجماهير ضد السلطة وقمع الناشطين والشيوعيين، يتحولون الى قوة خارجية ويدعون أن ليس من حقهم التدخل. وفي الحقيقة فإن موقفهم حتى الآن تجاه هذه الأوضاع يمكن تعريفه كتبرير للسلطة ولإرضاءها.
حتى الآن لم يظهر رد فعل على مستوى واضح من تضامن جماهير كردستان إيران مع جماهير العراق وكردستان، ومن الواضح أن جماهير كردستان إيران تساند الجماهير على المستوى العام، ولكنه لم يتجسد في إطار جماهيري أو فعل محدد. أما الحزب الحكمتي فقد كان له موقف واضح وصريح حيث وقف بشدة خلف الجماهير والحركة الجماهيرية ومطالبها وساندها وأعلن عن استعداده عن بذل كل ما يستطيع مع الحزبين الشيوعيين العماليين الكردستاني والعراقي لتقوية وإنجاح هذه الحركة. وانتظاري هو ان يحشد ويعبئ الحزب الحكمتي جماهير إيران وكردستان لمساندة الحركة الثورية في العراق وكردستان، أن يقوي صوت الدعم والمساندة ويجعله أكثر وضوحاً، أن يفضح موقف الأطراف القومية في تأييد السلطة الفاسدة والظالمة للاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي بين أوساط جماهير إيران وكردستان، والأهم من ذلك أن يتخذ الحزب دوراً مهماً في نقل تأثيرات وتجارب ودروس هذه الحركة الى داخل كردستان إيران وإيران كلها وينظم حركة جماهيرية باشكل المناسب وحول خط تقدمي ومطالب محددة. وهذا ما سيمنح قوة وقدرة أكبر لهذه الحركة في العراق. كذلك أن يزيح الستار على صعيد إيران والعالم عن قمع السلطات في كردستان، أن يشارك بنشاط في نشاطات الخارج للحزبين الشيوعيين العماليين العراقي والكردستاني التي لها دور كبير في شل يد القمع الذي يمارسه الحكام وكسب التضامن والدعم العالمي للحركة. وفي خاتمة المطاف أن يفعل ما بوسعه سواء من ناحية التنسيق السياسي وكذلك من ناحية توفير القوة العلية للتعاون مع الحزبين الكردستاني والعراقي. ما جرى حتى الآن من ناحية الموقف والمساندة هو موضع اعتزاز ولكن في الجوانب الأخرى مازالت في مستوى أقل.
مقابلة مظفر محمدي مع ريبوار أحمد حول الحركة الاحتجاجية والثورية في العراق وكردستان
#ريبوار_احمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أي تغيير يتطلع إليه المجتمع الكردستاني؟!
-
مشاركة الأنتربول في مؤامرات الجمهورية الإسلامية مصدر للعار و
...
-
بلاغ ريبوار احمد الى: الرفاق والاصدقاء الاعزاء الذين سألوا ع
...
-
حوار مع ريبوار أحمد، سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي ال
...
-
الدفاع الحقيقي عن اتحاد المجالس هو الدفاع عن وحدة صفوفه - رد
...
-
لقد اغتالوا أبا أمير لأنه كان رمزاً للأمان!
-
رسالة مفتوحة الى قادة وناشطي إتحاد المجالس والنقابات العمالي
...
-
حدث بشع شوّه الحقيقة! - حول إعدام صدام
-
محاكمة صدام أم طمس الحقائق؟!
-
المحاكمة والعقاب كانا ضروريين، ولكن الإعدام ليس سبيلاً للحل-
...
-
الحروب التي تكمن خلف هذه المعركة على العلم
-
إطلاق النار على إضراب طاسلوجة، إنذار للطبقة العاملة
-
يدمرون مجتمعاً بحجة تحرير أسيرين! حول الهجمات الإسرائيلية عل
...
-
لنقل في الخامس عشر من كانون الأول (لا) أكبر من (لا) الخامس ع
...
-
من هم شركاء عصابة -الشيخ زانا- في الجريمة وكيف يتم اجتثاث هذ
...
-
الطبقة العاملة قادرة على إنقاذ المجتمع من هذا المأزق!، نحو ا
...
-
كلمة افتتاح المؤتمر الثالث للحزب قدمها ريبوار احمد
-
كلمة ريبوار احمد سكرتير اللجنة المركزية للحزب في المؤتر الثا
...
-
مقعدا الطالباني و الجعفري يرتكزان على حقد ومأساة القومية وال
...
-
إلى الاحرار في العالم... ساندوا حملتنا لإحباط سيناريو الانتخ
...
المزيد.....
-
لماذا تعتمد شركات عملاقة على الصين بالتصنيع وكيف تؤثر الرسوم
...
-
سانا: مقتل سبعة مدنيين في غارة إسرائيلية قرب العاصمة السورية
...
-
مأساة الفيضانات المناخية في إسبانيا بالصور
-
تحقيقات في هتافات -معادية للسامية- في مظاهرة بهانوفر
-
بوشيلين: القوات الروسية تتقدم في اتجاه كراسنوليمانسكي وتواصل
...
-
نجل ترامب ينشر مقطع فيديو عن اقتراب انتهاء المساعدات الأمريك
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن اصابة ضابطين بجروح خطيرة في جنوب غزة
-
زلزالان يضربان سواحل كوبا خلال اقل من ساعتين (فيديو)
-
رئيس الأركان الإسرائيلي يصدق على توسيع العملية البرية في جنو
...
-
بعد فوز ترامب.. سعي أوروبي لأمن مستقل
المزيد.....
-
قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي
/ محمد الأزرقي
-
حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش.
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ
...
/ رزكار عقراوي
-
ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث
...
/ فاطمة الفلاحي
-
كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
حوار مع ميشال سير
/ الحسن علاج
-
حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع
...
/ حسقيل قوجمان
-
المقدس متولي : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
«صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية
...
/ نايف حواتمة
-
الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي
/ جلبير الأشقر
المزيد.....
|