أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله تركماني - كي تكون الدولة ملكوت الحرية















المزيد.....

كي تكون الدولة ملكوت الحرية


عبدالله تركماني

الحوار المتمدن-العدد: 3309 - 2011 / 3 / 18 - 08:10
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تعتبر مطالب التغيير، التي تجتاح أقطار العالم العربي بعد ثورتي تونس ومصر، تعبيراً حقيقياً عن الخلل القائم بين المجتمعين السياسي والمدني، إذ تحتل العلاقة بين المجتمعين مساحة واسعة من النقاش بسبب التأثير المتبادل لكل طرف على الآخر. وبادئ ذي بدء، يتعين القول: إنّ الخلط بين السلطة والدولة أمر خطير، يترتب عليه تقابل بين الدولة والمجتمع المدني، بوصفهما كيانين منفصلين غير متكاملين.
إنّ إشكالية الدولة وأسئلتها من بين أكثر الإشكاليات تعقيداً والتباساً في الخطاب السياسي العربي المعاصر، فتاريخياً الدولة العربية المعاصرة هي وريثة الدولة السلطانية، دولة القهر والتغلُّب بالتعبير الخلدوني، حيث العلاقة بين الحاكم والشعب علاقة تسلّط واستئثار وهيمنة. وبالرغم من ذلك فإنّ الرؤية التي نراهن عليها هي التي تجعل إمكان التكامل بين المجتمعين السياسي والمدني ممكناً، وهي التي تمهد لدمقرطة الدولة العربية، من دون أن تفضي إلى تمزقها وتفككها إلى عصبوياتها ما قبل الوطنية، وهي بذلك يمكن أن تؤسس للحداثة والمواطنية والمجتمعات المدنية وحقوق الإنسان.
إنّ التمييز بين الدولة وغيرها من الأجهزة المندرجة في إطارها أمر في غاية الأهمية، لفهم مضمون الدولة وتمثلها من جهة، ولترشيد الفعل السياسي والمدني من جهة أخرى. فحين يصبح هذا التمييز منغرساً في وعينا الجمعي، ومنبثاً في ثقافتنا السياسية، نستطيع ترتيب ولاءاتنا بشكل عقلاني وسليم، حسب رأي الدكتور إمحمد مالكي، حيث تنتصب الدولة في المقام الأول، وتتصدر غيرها من الإعاقات، وهي كثيرة في منطقتنا العربية. ولكنّ هذه الإعاقات قابلة للتجاوز بالتدريج والمراكمة الفعلية، إذا توفرت سلسلة من الشروط المساعدة والميسِّرة لها، وفي مقدمتها حصول مصالحة مزدوجة: مصالحة المجتمع مع الدولة، على أنها بيت للجميع، ومصالحة الدولة مع المجتمع، باعتباره محور الدولة وقطب رحاها.
إنّ اللافت للنظر أنّ الدولة التي دخلت مرحلة الأفول في الغرب، لا تزال مطلباً ضرورياً في الحالة العربية، بوصفها مرجعاً وخياراً للعمل المجتمعي المؤسسي، وتقع على عاتقها مهمة بناء الهوية المجتمعية القوية في بلداننا ذات التكوينات الهشة، التي تتقاذفها مختلف الانتماءات ما قبل المدنية، من طائفية وإثنية وقبلية، وتخطّي تبعات البنى والتكوينات المجتمعية الضيقة، إلى جانب حماية الفرد من بطش سلطة الدولة القمعية والشمولية وسطوتها.
والنتيجة هي ضمور الدولة في الوعي العربي المعاصر، الأمر الذي أدى إلى نتائج عكسية في نمط ولاء الناس لها، حتى بات عصيّاً استقرارها في الوعي الجماعي، بسبب ضعف تأصيلها النظري، وفقر خبرتها في التجربة التاريخية. وعززت خيبات الأمل الناجمة عن فشل وتعثر المشاريع الوطنية والشعور بغربة الدولة وتغرّبها، لذلك فإنّ الحاجة تبدو ماسة إلى وعي جديد قادر على تمثل وهضم فكرة الدولة، وإلى تدشين تفكير عميق في مسائل الدولة والسلطة والمجتمع المدني في الفكر العربي، وتأمل الجدلية التي تحكم الاجتماع العربي المعاصر.
لقد اخفق الخطاب السياسي العربي في مواجهة الدولة التسلطية العربية التي حاصرت المجتمع بممارساتها الفوقية، وأجهضت إمكانيات قيام مجتمع مدني مستقل، بتقديمها الولاء الشخصي على العلاقات المواطنية، مكرّسة بذلك العقل الرعوي الاستبدادي على حساب التوجه الشعبي الديمقراطي.
إنّ مقاربتنا تنطلق من/وتتأسس على فرضية التعارض والتضاد بين المجتمع المدني وتعبيره السياسي الدولة الوطنية الديمقراطية من جهة، والمجتمع الجماهيري وتعبيره السياسي الدولة التسلطية ذات الطابع الشمولي من جهة أخرى. وذلك لاعتقادنا بأنّ هذا التعارض هو التعارض الرئيسي الذي يحكم سائر التعارضات الاجتماعية والسياسية الأخرى، في المجتمعات التي تعاني من مثل هذه الدولة. لاسيما أنّ الدولة التسلطية تقوم على تدمير مختلف الفئات الاجتماعية، وإلغاء جميع أشكال التضامن الاجتماعي داخل كل منها وفيما بينها، وتحوّل المجتمع إلى سديم بشري غير منسوج، أو إلى " جماهير " أو كتل من أفراد سلبيين ومنعزلين وخائفين، أو لا مبالين تقوم بين كل منهم، بصفته الشخصية، وبين السلطة علاقات خطية مباشرة، قوامها الإرهاب والخوف، أو الاستتباع والولاء، لا تنتج سوى الفرار من السلطة أو الفرار إليها، وتطغى على حياتهم قيم الوشاة والمخبرين، بقدر ما يطغى الطابع الأمني على مؤسسات الدولة وآليات عمل السلطة، وبقدر ما تتحول السلطة إلى نسق مولّد للعنف الذي ينتج الجلادين والضحايا والمخبرين.
وما كان للدولة التسلطية أن تحقق ذلك لولا الاحتكار الفعّال لمصادر الثروة والقوة والسلطة في المجتمع، وهذا ما نجد تجسيداً واضحاً له في ليبيا، حيث يستخدم الطاغية معمر القذافي هذه المصادر لقمع إرادة الشعب الليبي في التغيير، وحيث يخوض حرباً فعلية بالدبابات والطائرات ضد شعبه في سبيل الاحتفاظ بالسلطة. ومن ثم فإنّ لإحياء المجتمع المدني ثلاثة مداخل ضرورية: أولها، كسر احتكار سلطة الدولة، وتعزيز طابعها الديمقراطي ووظائفها الاجتماعية. وثانيها، إلغاء طابعها الجزئي، أي إلغاء كونها دولة الحزب، أو دولة النخبة أو دولة الطغمة أو دولة أي عصبية من العصبيات. وثالثها، إلغاء طابعها الأمني.
إنّ تجسير العلاقة بين الأنظمة والمجتمعات المدنية المحلية هو خطوة ضرورية من خطوات الإصلاح المنشود، وتبدأ عملية التجسير بالاعتراف بحق هذه المجتمعات في الوجود من خلال إطلاق حرية تكوين الجمعيات والأحزاب والنقابات وتحرير وسائل الإعلام من كل أشكال الاحتكار. ثم فتح الحوار مع الممثلين الشرعيين للمجتمع المدني، وإشراكهم في إعادة ترتيب الأوضاع الداخلية وصياغة السياسات العامة.
ولكن ثمة شروطاً حاسمة لعلاقة صحية بين الدولة والمجتمع المدني: أولها، المجتمع المدني لا ينشأ من ضعف الدولة أو تراخيها أو استقالتها أو تفسخها. المجتمع المدني، في تحديده الحديث، هو وليد قوة الدولة، من أجل الموازنة معها، ومنع تسلطها والرقابة على حركتها، وتحديد ميادينها وصلاحياتها. وثانيها، المجتمع المدني لا يمكن أن يحل محل الدولة، بفعل اختلاف الوظائف جذرياً. وثالثها، أنّ افتراس الدولة للمجتمع يؤدي إلى دولة تسلطية، كما أنّ تحلل الدولة يؤدي إلى الفوضى.
وهكذا لا يكون من مآل للدعوة إلى الحد من الدولة سوى زوال الدولة، يقال ذلك ويُفعل باسم النضال الديمقراطي والمدني من دون الانتباه إلى أن الدولة الوطنية القوية والراسخة والعادلة والدستورية هي البيئة السياسية الحاضنة للتطور الديمقراطي والمدني، ومن دون الانتباه إلى الخلط الفادح، الذي نقع فيه، بين معنى الدولة ومعنى السلطة.
والعيب هنا ليس في منظمات المجتمع المدني الحريصة على الحوار والتعاون، وإنما في عديد الأنظمة التي لا تزال رافضة لصيغة الشراكة، لأنها ترى في ذلك تهديداً لصلاحياتها وتحديداً لنفوذها، فالأنظمة التي ترفض تقاسم السلطة بالمفهوم الواسع لكلمة السلطة، سيبقى يزعجها وجود منظمات غير حكومية تتحرك خارج السيطرة والاستتباع.
إنّ وضع قواعد واضحة بين الحكومات ومنظمات المجتمع المدني في البلدان العربية أمر ممكن، إذا صدقت النوايا وتوفرت الإرادة السياسية. ولهذا يجب طرح العلاقة الجدلية بين سلطة الدولة و المجتمع المدني من خلال رؤية جديدة لا تتأثر بسلبيات الماضي وتكون مجرد رد فعل لتاريخ تسلط الدولة ومصادرتها لنشاط المجتمع المدني وقواه الحية. وتلك الرؤية الجديدة تستدعي طرح العلاقة الجدلية بين السلطة والمجتمع المدني، من خلال تصور واضح لطبيعة ومهام الدولة. إذ ليس هناك أي تعارض بين دولة الحق والقانون ومؤسسات المجتمع المدني، بل أنّ دور كل منهما يكمل الآخر. فالدولة القانونية لا تلغي مؤسسات المجتمع المستقلة عنها، إنما تساعد على تفتحها. ومؤسسات المجتمع المدني تساعد الدولة في القيام بمهماتها، لأنه هو الإطار السليم لتطور البنية الاجتماعية الدينامية.
وفي الحالة العربية، فإنّ الأولوية تقتضي إعادة السياسة إلى المجتمع، بما يضمن ويمكّن الجمهور العام وقواه الحية من الدخول في الحوار، وتبادل الرأي في كل مسائل الشأن العام، بصبر وروية، والابتعاد عن الشعارات الطنانة، كي نقترب من جوهر السياسة القائم على الاستعداد للتفاعل والتبادل والتسويات، من خلال عقد الاجتماعي مبني على إرادة جماعية عليا، على جميع أفراد المجتمع احترامها وقبولها والانصياع لها. ويقتضي ذلك الموافقة الضمنية والصريحة على كل بنود وعناصر العقد الاجتماعي المبرم الذي يضمن الحقوق المدنية والواجبات مع احترام حقوق الآخرين.
وفي إطار الإصلاحات أيضاً يتعين تطوير نظام فصل السلطات ومراقبة بعضها البعض، إذ لا يجب لمؤسسة بعينها أو شخص مهما كان أن يستحوذ على سلطات كبيرة، كما هو الحال بالنسبة للجهاز التنفيذي الذي يتمتع بصلاحيات متضخمة في معظم أرجاء العالم العربي، وبالموازاة مع ذلك يتعين تطوير الجهاز التشريعي وضمان استقلال القضاء، لأنه بالجهازين معاً يمكن ضمان فصل السلطات وعدم تغوّل إحداها على الأخرى، وهو ما سيجعل الدولة ملكوتاً للحرية.
وهكذا، لن يستطيع العرب الخروج من تأخرهم الحاضر دون إيجاد نظام سياسي كفء، يتناسب مع متطلبات العصر ومعايير الشرعة العالمية لحقوق الإنسان، تستطيع فيه جميع مكوّنات المجتمع المشاركة والتفاعل من أجل حلول أفضل لمشكلاته. نظام ديمقراطي يتوازن فيه الحاكم والمحكوم، ويتم تداول السلطة فيه بطريقة حضارية وتتطور فيه القوانين والأداء بشكل حضاري دون اللجوء إلى قعقعة السلاح و المهاترات الكلامية.



#عبدالله_تركماني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثورة العربية الجديدة وتألق تيار المواطنة
- الربيع الديمقراطي العربي وآفاق دور المرأة
- تحديات التغيير الديمقراطي في سورية
- أسباب تأخر إدراك الشباب السوري لدوره في التغيير
- المنظور التنموي للدرس التونسي
- دروس ثورة الشعب التونسي للسلطوية العربية
- تحديات التحول من الاستبداد إلى الديمقراطية في تونس
- رسالة مفتوحة إلى الرئيس بشار الأسد .. سورية الوطن والشعب هي ...
- تونس تشق طريقها إلى المستقبل
- تداعيات ثقافة الخوف
- إنذارات البطالة والمجاعة في الوطن العربي
- حول دور المثقف في الزمن العربي الصعب .. حراس الفساد المقيم
- في الحاجة العربية إلى التغيير .. قمع وتهميش واستبداد
- حول مستقبل العروبة
- في الحاجة العربية إلى الإصلاح السياسي
- الثقافة العربية وصدمة المستقبل .. لماذا تراجع العرب ؟
- وحش الفساد في العالم العربي
- كونية وشمولية حقوق الإنسان
- التحديات المغاربية في عالم متغيّر
- دروس الإسلام والحداثة في التجربة التركية


المزيد.....




- نيابة مصر تكشف تفاصيل -صادمة-عن قضية -طفل شبرا-: -نقل عملية ...
- شاهد: القبض على أهم شبكة تزوير عملات معدنية في إسبانيا
- دول -بريكس- تبحث الوضع في غزة وضرورة وقف إطلاق النار
- نيويورك تايمز: الولايات المتحدة تسحب العشرات من قواتها الخاص ...
- اليونان: لن نسلم -باتريوت- و-إس 300- لأوكرانيا
- رئيس أركان الجيش الجزائري: القوة العسكرية ستبقى الخيار الرئي ...
- الجيش الإسرائيلي: حدث صعب في الشمال.. وحزب الله يعلن إيقاع ق ...
- شاهد.. باريس تفقد أحد رموزها الأسطورية إثر حادث ليلي
- ماكرون يحذر.. أوروبا قد تموت ويجب ألا تكون تابعة لواشنطن
- وزن كل منها 340 طنا.. -روساتوم- ترسل 3 مولدات بخار لمحطة -أك ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله تركماني - كي تكون الدولة ملكوت الحرية