أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الاطفال والشبيبة - معتز حيسو - بحث أولي في إشكاليات الشباب















المزيد.....


بحث أولي في إشكاليات الشباب


معتز حيسو

الحوار المتمدن-العدد: 3304 - 2011 / 3 / 13 - 09:59
المحور: حقوق الاطفال والشبيبة
    


المستوى الأول: إشكالية الوعي:
تشكل الفئات الشبابية الأفق المستقبلي للتطور الاجتماعي،والوقوف على إشكالاتها وأزماتها يعتبر ضرورة ملحة لتحديد إمكانيات وآفاق التطور الاجتماعي وسيرورته المستقبلية.و تتحدد الأسباب البنيوية لتجليات هذه الإشكالية بتناقضات الواقع الموضوعي والذاتي،ومن الصعوبة بمكان الفصل بين المستويين،وبين ما تعانيه المكونات والبنى الاجتماعية من إشكاليات تدلل على أنها تخضع نسبياً لذات العوامل السائدة والمهيمنة. لكن ما يفُترض ملاحظته هو أن الشباب بما يمتلكونه من اتقاد فكري وقدرة على التطور والتلاؤم والتكيف مع الحداثة والتعامل مع الوسائل والأدوات العلمية الحديثة وتوظيفها بما يعبر عن مصالحهم،وإنتاج كل جديد ومتطور،إضافة لما يتمتعون به من حماس وشعور بالاستقلالية والتفرد، يدلل على قدرتهم في إحداث التغيير وفتح آفاق صيرورة جديدة لما يمتلكونه من قوة كامنة تمكنهم من إحداث تحول ديمقراطي.مما يعني بأنهم يشكلون طليعة المجتمع في سيرورته التغيريّة والتطورية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انطلاقاً من الواقع العياني، نرى بأن هاجس النظم الشمولية يتركز على استقطاب واحتواء الفئات الشبابية في تنظيمات وتشكيلات وهيئات ومنظمات مدنية، سياسية، تربوية، مؤدلجة، لتنميط وعيها، وضبط آليات تفكيرها وحركتها،أي تنميط حركة المجتمع وضبط تجلياته السياسية والمدنية. ولكون التشكيلات السياسية والمدنية المستقلة تفتقد إلى التأثير الاجتماعي،إضافة لتموضع الطليعة الشبابية عموماً ضمن المؤسسات الرسمية،فإن هذا يشكل خللاً في تشكّل ونمو وانبساط وتطور التشكيلات المدنية المستقلة،والقوى السياسية المعارضة،لتنعكس عليها بالضعف والترهل والتشتت وعدم التجذّر في القاع الاجتماعي،لذا لا يمكنها التعبير عن المصالح الاجتماعية و غير قادرة على التواصل مع القاع الاجتماعي والتأثير فيه،وهذا ينبئ بإمكانية تجاوزها من قبل قوى اجتماعية غير مؤطرة سياسياً في سياق تراكب الأزمة الاقتصادية مع أزمة سيطرة سياسية.بمعنى إن تمظهر الأزمة العامة لا يمكن حلها أو تجاوز تناقضاتها إلا بتغيير الأشكال والآليات السياسية المسيطرة،التي تشتغل على توسيع وتعميق دور الأجهزة الأمنية حتى باتت تتحكم بمفاصل الدولة والمجتمع..،زيادة حدة التأزم الاجتماعي والسياسي والاجتماعي،إبعاد الفئات الاجتماعية وتحديداً الشبابية،عن حقل الممارسة المدنية و السياسية،كونها تشكل الحوامل المادية لتّغيير.ويتقاطع في هذا المستوى تعمّق أزمة التشكيلات السياسية المعارضة الذاتية والموضوعية. وهذا يمكّن الفئات السياسية المسيطرة من تجديد ذاتها في سياق أزمتها البنيوية. وبما أن غالبية الفئات المسيطرة لا تمتلك نمطاً من الوعي تكون من خلاله قادرة على تجاوز الأشكال الثقافية السائدة،فإنها تميل في سياق تكوين وعيها الثقافي والسياسي إلى توطيد وتكريس وترسيخ ما هو قائم (تحديداً الوعي الديني لكونه يشكل غطاءً شرعياً لسيطرتها) وبهذا فإنها تفرض تعايشاً توافقياً براغماتياً بين جملة من الأشكال والأنماط الاجتماعية والثقافية المتباينة لضمان استمرار وتجديد سيطرتها الطبقية في إطار وعي ثقافي موروث.هذا التعايش ينعكس بأشكال مختلفة ومستويات متباينة على أشكال ومضامين المشاريع السياسية والاقتصادية،وعلى الشرائح الاجتماعية،ويتجلى بتراكب شتات من ثقافات متباينة،وهذا يعني بأن البناء المعرفي الذي يتأسس على التضايف والتجاور ينطوي على التناقض وتحديداً لحظة الأزمة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إن أشكال تجليات الوعي الاجتماعي المتعيّنة في حقل الممارسة المعرفية والسياسية توضّح الأشكال الثقافية التي تعمل الفئات المسيطرة على تكريسها اجتماعياً، ومن سمات هذا الوعي أنه يتشكل على ركام معرفي لا ينتمي لأي منظومة معرفية أو سياق معرفي.إن سيرورة هذا الشكل من الوعي يساهم في تمكين سيطرة الأشكال السياسية الراهنة،على أسس ثقافية تعزز مفاهيم التسليم،الطاعة،الولاء،التبعية،النفاق،الرضوخ،الاستزلام،التضخم النرجسي،تأليه القائد وتقديسه
،تصنيم تقديس العقائد الأيديولوجية، صهر الأنا الجماعي في شخص الأنا الحاكم....وتعتبر هذه التجليات مناخاً مناسباً لنشوء وتعميم وتعميق الفساد ،وتحديداً في ظل سياسية الإفقار وفرض ثقافة القوة والخوف والتغييب والتهميش،والاحتواء واحتكار مصادر وعوامل القوة المعنوية والمادية ... ولكون العام يتعيّن في الخاص،و الخاص تعبيراً عن العام المذوتن.فإن الشباب في سياق السيرورة الاجتماعية تخضع إلى ذات المفاعيل الاجتماعية العامة،لكن الإرادة والحماس والأمل بتحقيق مستقبل أفضل،يضعها في طليعة المجتمع كونها قادرة على التغيير.لكن تقاطع الوعي المتأثر بالثقافية المعولمة مع وعي ما قبل وطني في سياق تشكّل الوعي في أطر المؤسسات الثقافية السائدة والمسيطرة،التي تعمل على تنميط الوعي العام لضمان استمرار سيطرتها السياسية.يطرح تساؤلات جدية عن شكل التغيرات المحتملة.
وفي ظل تراجع الأمل بالتغيير السلمي الديمقراطي فإن الوعي الاجتماعي يميل إلى العطالة والخلاص الفردي متقاطعاً مع تخلع هيكلي عام ينعكس اجتماعياً بأشكال مختلفة ومتعددة :
1 ــ موجة الارتداد الديني التي نشهد تجلياتها منذ بدايات تسعينيات القرن الماضي، والتي تعبّر موضوعياً عن ميول نكوصية في مستوى وعي سياسي واجتماعي يتعيّن اجتماعياً لحظة الانحدار والتراجع،متقاطعة مع تزايد حدة الاستبداد وتغييب القوى السياسية العلمانية وتحديداً اليسارية.لكن التحركات الثورية التي يقودها الشباب في هذه المرحلة تثبت قدرتهم وقدرة المجتمع على تجاوز وتغيير الواقع الراهن بكافة مستوياته وأشكاله،وبناء مجتمع أرقى يكون فيه الإنسان هو الأساس والمعيار.
2 ــ ارتباط انكفاء الفكر العلماني بأشكاله الشيوعية،القومية..بانهيار التجربة السوفيتية والتجارب القومية،التي اعتمدت الممارسة السياسية الاحتكارية والاحتوائية و الشمولية والأمنية.
3 ــ تخلع المنظومات القيمية المحدِدة والضابطة للوعي الاجتماعي متأثرة بتنامي الفكر السلفي والحركات الجهادية وانتشار أشكال الوعي العولمي بأشكاله السلبية (الانحلالية والتحللية).
هذه التجليات توضح مخاطر العولمة الثقافية التي تنذر بتحلل مكونات الهوية الثقافة المحلية، وتهدد بتحلل مفهوم الهوية الوطنية العلمانية التي يمكن أن تجبّ أشكال الثقافة/السلفية،الشوفينية، الغيبية،الأصولية../. وفي هذا الإطار يجب أن نؤكد بأن الشباب الذين يمثلون طليعة المجتمع في التغيير يخضعون للتشويه بعدة مستويات:1ــ اشتغال بعض الجهات الرسمية على صياغة الوعي الاجتماعي على مستويين ـ تجذير الانقسامات الإثنوغرافية على أساس المكونات الأولية وتمكين رموز دينية جهوية طائفية مذهبية..تساهم في شرعنة وخدمة وتبرير التوجهات السائدة عبر تشكيل شبكة من الولاءات تعكس نمط وعي دون وطني. ـ المساهمة في نشر أشكال ثقافية تبعد الشباب عن القضايا الوطنية الأساسية والحقيقية.ويترابط هذا المستوى مع انكفاء القوى السياسية المعارضة وغياب تأثيرها في القاع الاجتماعي وتحديداً الوسط الشبابي في لحظة تساهم فيها ثورة الاتصالات والمعلومات في صياغة أشكال تجليات الهوية الثقافية على قاعدة التشابك والترابط والتكيّف مع الأطراف المهيمنة عالمياً.لذا يجب ضبط المفاهيم والمقولات والأشكال الثقافية السائدة في إطار التناقض والتقاطع بين العولمة الثقافية وتنامي الفكر الديني السلفي ،وتحديد تأثيرات هذا التلازم السلبية على الهوية الثقافية الوطنية العلمانية.وتتجلى هذه التأثيرات على شكل أزمات وتناقضات فردية تعبّر عن أزمة عامة ومركبة،وعن أشكال وعي استهلاكي وإعلامي هامشي وسطحي يجسد الميول الثقافية الظاهراتية ويقطع مع المستوى المعرفي القائم والمرتكز على التحليل والتركيب الفلسفي/ العلمي.ويترافق هذا التحول مع تحلل نسبي من القيم الأخلاقية الضامنة للتماسك الاجتماعي نتيجة لعدة أسباب منها ضعف مستوى الحصانة الداخلي / الذاتي على مستوى البنى الاجتماعية والفردية.في هذا السياق نؤكد على أن مفهوم الهوية الثقافية يتطور في اتجاهين.أولاً:التحول إلى أشكال قيمية وثقافية معولمة لا تتوافق مع واقع البنى الاجتماعية ومنظوماتها الثقافية ووعيها الاجتماعي، بل تناقض في المستوى الاستراتيجي المشاريع الوطنية الديمقراطية. وهي بذات الوقت لا تعبّر عن المنظومة الأخلاقية/القيمية الغربية الأصيلة،بل تعبّر عن أشكال وعي مبتذل يساهم في زيادة التحلل الاجتماعي القيمي والثقافي والسياسي، وفي هذا السياق تتراجع فاعلية المؤسسات المدنية والقوى السياسية..بفعل عوامل مختلفة:ــ ازدياد الفجوة والتباين في مستوى التطور التقاني والمعرفي..وهذا يفرض على المجتمعات المتخلفة انفتاحاً تتواجه في إطاره الأشكال الثقافية والمنظومات القيمية وعادات استهلاكية ومفاهيم سياسية إشكالية.
ــ اشتغال الجهات الرسمية على تأطير وتنميط الوعي الاجتماعي بمفاهيم ثقافية لا تتناسب مع أشكال وميول التطور الموضوعي العام.
ــ تقاطع الإشكاليات التي تعاني منها التنظيمات والتشكيلات السياسية والمدنية/سياستها النابذة والطاردة للكوادر الثقافية وتحديداً الناقدة،مساهمتها في تمكين مفاهيم الطاعة والولاء والتقديس ....متماهية بذلك مع الأشكال السياسية السائدة / مع غياب المناخ الديمقراطي الذي يعتبر مفتاح التغيير الديمقراطي السلمي.
ثانياً: بحكم خوف ممثلي الفكر السلفي من التلاشي والاضمحلال وفقدان هويتهم الثقافية، فإنهم يميلون إلى تقوية التكتلات المذهبية الطائفية الأصولية مستفيدين من التناقضات المحلية و الدولية. وننوه بأن الواقع السياسي والثقافي والقيمي السائد في المؤسسات الرسمية،وهامشية التشكيلات السياسية العلمانية والمدنية المستقلة وضعف تأثيرها على الشباب والتعبير عن قضاياهم،يساهم في تصاعد التيارات الدينية/السلفية في القاع الاجتماعي عموماً،والأوساط الشبابية تحديداً،مما يزيد من حدة الضغط على الهوية الثقافية الوطنية / العلمانية. لكن الميول السلفية للقابعين تحت عباءة الدين لمصالح وغايات سياسية تفضح التناقض العميق بين حقل الممارسة السياسية و قدسية النص الديني.وعليه فإن أزمة الوعي الناجمة عن تراجع وغياب فاعلية المؤسسات والجمعيات والأحزاب العلمانية، تعبّر عن أزمة موضوعية يجب تجاوزها بتفعيل وتطوير أشكال ممارسة ثقافية ومدنية وسياسية تكون فيها الديمقراطية القيمة الأساسية.
-----------------------
إن مفهوم الهوية الثقافية قابل للتغيير في سياق التطور الاجتماعي العام وفي إطار الشرط العام،وليس بمقدور أياً يكن المحافظة على شكل محدد ومنمط وثابت للهويه.وإذا قلنا بأن الثبات والمحافظة سمة المجتمعات المتخلفة،فإن بعض التجارب الراديكالية لحظة وصولها إلى السلطة تتكور على ذاتها وتحوّل أدواتها المعرفية إلى أيديولوجيا دوغمائية ونصية جامدة.وهذا ينطبق على الفرد الذي يمثـّل انعكاساً موضوعياً لهذه الأنساق المعرفية والسياسية عند شيخوخته، فنراه يعيش على ذاكرته، ويحن إلى الماضي ويحافظ عليه في مخياله لأنه يحقق له التوازن والاستقرار في عالم يتسم بالتطور والتغيّر المتسارع.ومن الواضح بأن المجتمع الذي يعاني الهزائم والخيبات والانكسارات يعيش على الحنين إلى الماضي لتحقيق الاستقرار والتعايش مع اللحظة الراهنة.
أما الشباب فإن ماضيهم الذاتي لم يتشكل، والحاضر يمثل لحظة تحول وانتقال للمستقبل.ولكونهم صورة الحاضر في المستقبل،فمن المؤسف أن نرى مستقبلنا ومستقبل مجتمعاتنا ومشتتاً مستهلكاً ومفرغاً من مضامينه الأساسية...، تتنازعه الميول الدينية والمذهبية والإثنية والجهوية والطائفية في ظل تغييب المؤسسات والجمعيات المدنية والأحزاب العلمانية.ونؤكد بأن تجاوز الأزمة الاجتماعية يتركز في تجاوز الأطر الأيديولوجية المعيقة، وتمكين التربية العلمية الديمقراطية المتحررة من القيود الغيبية والدوغمائية ... ولن يكون هذا إلا بمشاركة وقيادة الشباب، كونهم الأقدر على تحديد أشكال مستقبلهم.
إن الممارسة النظرية والسياسية الأيديولوجية الرسمية تحاول عبثاُ تضليل وتهميش وإبعاد كافة الفئات والشرائح الاجتماعية وتحديداً الشباب عن الحقل السياسي، لعدم تمكينهم من إدراك عمق الأزمة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية،بالتالي فإن التحرر من ربقة وهيمنة الماضي يمر بالضرورة من بوابة تحرر اجتماعي مفتاحه الديمقراطية و تعزيز حقوق المواطنة و إطلاق الحريات السياسية،وهذا يحتاج لمفاعيل شبابية تمتلك عقول منفتحة ومتحررة، وبالتأكيد فإن مجتمعنا تتوفر فيه الطاقات الكامنة والقادرة على تحقيق التغيير الديمقراطي.
المستوى الثاني: الإشكالية الثقافية.
نوهنا سابقاً بأن مستقبل المجتمع يتحدد موضوعياً على الواقع الذاتي والموضوعي للشباب لكونهم الحامل الفعلي لمشاريع التغيير الاجتماعي، لذلك فإن رصد وتحديد ودراسة واقع هذه الفئات وما تعانيه من إشكاليات يعتبر الخطوة الأولى في سياق رسم إستراتيجية تطور المجتمع. وعلى هذا الأساس يجب النظر إلى أن ما يعانيه الشباب من إشكاليات لا يمكن فصله عن الأزمة الاجتماعية العامة والمركبة،مما يعني بأن واقع اجتماعي مأزوم ينتج إنساناً يعاني جملة من الإشكاليات والتناقضات.ومن المفيد أن ننوه بأن أشكال تجليات نمط الوعي الفردي تتحدد على قاعدة الوعي الاجتماعي السائد الذي يتحدد على قاعدة العلاقات الإنتاجية المسيطرة،ويتجلى وفق أشكال من العلاقات الاجتماعية المرتكزة على الترابط والتحدّد المتبادل.وتشكل إشكالية علاقة الشباب بالثقافة جانباً مهماً من الأزمة الاجتماعية الراهنة،ويمكننا تحديد أسبابها على مستويين:أولاً:عام/كلي يتحدد من خلال سيطرة الشركات الإعلامية الكبرى على وسائل الإعلام والتي من خلالها يتم التأثير على أشكال الوعي والمعرفة والثقافة عالمياً.
ثانياً: خاص / جزئي يترابط مع المستوى الأول من خلال سيطرة الجهات الرسمية على الوسائل الإعلامية المحلية ومراكز صنع القرار والمؤسسات والمنظمات الاجتماعية والتربوية، ويتم من خلالها صياغة وتشكيل وعي اجتماعي يتماهى مع أشكال الثقافة الرسمية/ المسيطرة المتناقضة ظاهرياً وشكلانياً مع النمط الثقافي المعولم.
إن الأجهزة والمؤسسات الإعلامية والثقافية الرسمية من خلال احتكارها المنابر الإعلامية وسيطرتها على المؤسسات الاجتماعية تعمل على ابتذال الإنسان وتسلّيعه والحط من كينونته وقيمته الإنسانية التي يفترض أن تكون قيمة مطلقة .. وهذا يساهم نسبياً بالارتداد إلى وعي دون وطني ويعزز ثقافة الخوف والتهميش وتغييب الفكر النقدي ومفاهيم الخضوع ،التسليم،التقيّة،التملق،المداهنة....
إن إشكالية تغييب الثقافة المدنية والفكر العلماني القائم على التحليل والتركيب والنقد البنّاء الذي يكرس مفاهيم التواصل الثقافي تتقاطع مع إشكالية تغييب القوى السياسية عن جذرها الاجتماعي الذي يشكل الحاضن لمشاريع التغيير والتطور المجتمعي،وبنفس الوقت يساهم في تراجع الاهتمام بتطوير وتنمية المستوى الثقافي بأشكاله العامة والذاتية التي نختصر أسبابها بـ:
1ــ تراجع دور الأسرة التعليمي والتربوي نتيجةً لتزايد الضغوط المادية والحياتية، وزيادة تأثير عوامل تقع خارج نطاق الأسرة المباشرة. ويتحدد أهم هذه الجوانب في التأثير الإعلامي الذي ينمّط ويحدد أشكال التجليات الثقافية،لذا يجب توسيع وتعميق دور الأسرة التربوي والتعليمي للحد من التأثيرات السلبية للوسائل الإعلامية و تجاوز الوعي المشوه الذي يهدد بتفكيك التماسك الأسري والمنظومات القيمية الإيجابية،وهذا يفترض العمل على تجاوز أشكال الأسرة البطريركية/الذكورية في سياق تكريس ثقافة التواصل و الحوار الحر والديمقراطي القائم على الندية والاحترام المتبادل للتعبير عن المكنونات الجوانية للفرد.إن ترسيخ وتكريس علاقة أسرية قائمة على الحوار الديمقراطي يساهم في تجاوز أشكال الوعي والثقافة السائدة ويقلل من آثارها السلبية اجتماعياً، دون أن يعني تجاهل أو إلغاء الترابط بين الأسرة ومحيطها الاجتماعي.أما التركيز على أهمية دور الأسرة التعليمي فإنه يتعلق بتراجع الدور التعليمي والتربوي في المؤسسات التربوية التعليمية،إضافة إلى تراجع مكانتها الاعتبارية في ظل انتشار ظاهرة خصخصة التعليم واشتغالها على تشكيل بنية علمية معرفية عمادها الأساسي التلقين والتجميع التراكمي للمعلومات في سياق استبعاد الآليات المنهجية التحليلية والعقل النقدي .
2ــ إن مناخ سياسي يتجدد على أسس احتواء واحتكار السلطة وتغييب المؤسسات المدنية والسياسية وتكريس نمطاً ثقافياً أيديولوجياً أحادياً يحد من دور المؤسسات الثقافية العلمانية التي يفترض أن يكون لها الدور الريادي في صقل الهوية الثقافية الفردية والمجتمعية.
3ــ وفي سياق إشكالية الهيمنة الأحادية على المؤسسات الثقافية والإعلامية الرسمية، فإنه يتم تسهيل انتشار الفكر الديني عبر وسائل الإعلام الرسمية والمؤسسات الثقافية. ونعلم أن تحقيق التوازن الثقافي يفترض إطلاق حرية التعبير لكافة التيارات الثقافية لتعميق ثقافة الحوار الديمقراطي والإنتاج المعرفي على المستوى الاجتماعي العام. ويتقاطع تراجع الدولة عن دورها الاجتماعي مع دعمها للجمعيات الأهلية والمؤسسات الخيرية الدينية التي تجاوز عددها (1300جمعية خيرية ).
4ــ إن تعثّر المشاريع التغييرية والإصلاحية الرسمية أدى إلى تردي المستوى الاقتصادي الذي تتجلى آثاره بتزايد معدلات البطالة وارتفاع مستويات الفقر والتفاوت الاجتماعي ..نتيجة لتحرير الاقتصاد والأسواق والأسعار،وضبط الحريات السياسية إلى تكريس فكرة الخلاص الفردي والتمسك بمؤسسات المجتمع الأهلي.
5ـــ إن سيطرة ثقافة الخوف من أهم أسباب الابتعاد عن الاشتغال بالحقل الثقافي الذي يمكن أن يكون مدخلاً إلى الممارسة السياسية.
6ـــ إن تأثير تناقضات الأزمة الاقتصادية العالمية على المستوى العالمي زائد النهوض الشعبي العربي سوف يعزز من إمكانية نهوض عام لحركات اليسار العالمي،وهذا يساهم في تغيير الخارطة الثقافية العالمية،وهذا بطبيعة الحال يحتاج إلى تكثيف الجهود الاجتماعية والسياسية والثقافية والمدنية لإيجاد آليات عمل تنطلق من الواقع الراهن / الملموس. لكن يبقى دور الشباب هو الأساس،وقد لاحظنا بأنهم عندما حرروا طاقاتهم الكامنة مستفيدين من الثورة المعلوماتية أكدوا أنهم قادة التغيير في كافة التجارب الثورية( تونس،مصر،ليبيا، اليمن،البحرين...).وقد حولوا النت لأهم أدوات التنسيق والقيادة والتحريض الثوري في مواجهة الاستبداد،وأثبتوا أنهم الأساس الحقيقي للتغيير،وأنهم قادرين على تجاوز التناقضات الاجتماعية طائفية،إثنية، عائلية..
بالتأكيد يوجد أسباب أخرى تساهم في تراجع مستوى الاهتمام بالنشاط الثقافي في المستوى الاجتماعي العام والأوساط الشبابية تحديداً لم نأتي على ذكرها.لذلك يبقى الموضوع مفتوحاً للحوار والمشاركة.
****************************************



#معتز_حيسو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل نسي المواطن السوري الفرح ؟؟؟
- تجليات اقتصاد السوق الاجتماعي في سوريا
- المواطن العربي يفتح باب التغير
- ثورة الفقراء في تونس
- في ذكرى تأسيس الحزب الشيوعي السوري
- حوار في فضاء التقرير الفكري للحزب الشيوعي السوري
- الحوار في عيده التاسع
- عتبة الهدم الديمقراطي (قراءة في التجربة السوفيتية) القسم الر ...
- تهنئة وتعليق - من أجل ثقافة ديمقراطية حقيقية
- عتبة الهدم الديمقراطي (قراءة في التجربة السوفيتية) القسم الث ...
- عتبة الهدم الديمقراطي (قراءة في التجربة السوفيتية) القسم الث ...
- عتبة الهدم الديمقراطي (قراءة في التجربة السوفيتية) القسم الأ ...
- قراءة في الاقتصاد السوري في ضوء التقرير الاقتصادي للحزب الشي ...
- العلمانية في سياق الممارسة
- أشياء من الذاكرة
- بحث في بعض إشكاليات الشباب
- موضوعات الحزب الشيوعي السوري : مدخل لنقد اليسار الرائج
- غزة بوابة لتحولات إقليمية جديدة
- الأزمة اليونانية: الحلقة الأضعف بوابة لتّغيير
- أزمة اليسار : فكر أحادي واقع مستعصي


المزيد.....




- الأمم المتحدة: أكثر من 1.1 مليون شخص في غزة يواجهون انعدام ا ...
- -الأونروا-: الحرب الإسرائيلية على غزة تسببت بمقتل 13750 طفلا ...
- آلاف الأردنيين يتظاهرون بمحيط السفارة الإسرائيلية تنديدا بال ...
- مشاهد لإعدام الاحتلال مدنيين فلسطينيين أثناء محاولتهم العودة ...
- محكمة العدل الدولية تصدر-إجراءات إضافية- ضد إسرائيل جراء الم ...
- انتقاد أممي لتقييد إسرائيل عمل الأونروا ودول تدفع مساهماتها ...
- محكمة العدل تأمر إسرائيل بإدخال المساعدات لغزة دون معوقات
- نتنياهو يتعهد بإعادة كافة الجنود الأسرى في غزة
- إجراء خطير.. الأمم المتحدة تعلق على منع إسرائيل وصول مساعدات ...
- فيديو خاص: أرقام مرعبة حول المجاعة في غزة!!


المزيد.....

- نحو استراتيجية للاستثمار في حقل تعليم الطفولة المبكرة / اسراء حميد عبد الشهيد
- حقوق الطفل في التشريع الدستوري العربي - تحليل قانوني مقارن ب ... / قائد محمد طربوش ردمان
- أطفال الشوارع في اليمن / محمد النعماني
- الطفل والتسلط التربوي في الاسرة والمدرسة / شمخي جبر
- أوضاع الأطفال الفلسطينيين في المعتقلات والسجون الإسرائيلية / دنيا الأمل إسماعيل
- دور منظمات المجتمع المدني في الحد من أسوأ أشكال عمل الاطفال / محمد الفاتح عبد الوهاب العتيبي
- ماذا يجب أن نقول للأطفال؟ أطفالنا بين الحاخامات والقساوسة وا ... / غازي مسعود
- بحث في بعض إشكاليات الشباب / معتز حيسو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - حقوق الاطفال والشبيبة - معتز حيسو - بحث أولي في إشكاليات الشباب