صلاح بدرالدين
الحوار المتمدن-العدد: 3304 - 2011 / 3 / 13 - 09:41
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
ماذا لو كانت سوريا " ملكية دستورية "
حتى لو تباينت الآراء والمواقف والتعليقات من جانب الاخوة المغاربة حول طبيعة واهداف وتوقيت خطاب مليكهم الأخير وحتى لو شكك البعض من شباب حركة العشرين من فبراير – شباط المنتفضين بقيمته وجدواه وهذا من حقهم الطبيعي وهم أدرى بشعاب وطنهم لايمكن لأي مراقب تجاهل الأهمية البالغة لنصوصه وبنوده المعلنة بالصوت والصورة قبل يومين أمام أبصار وأسماع العالم أجمع مما حدا بالمجلس الأوروبي في بروكسل الى تثمين الخطوة واعتبارها تطورا هاما نحونظام " الملكية الدستورية " .
تميز الخطاب بالدقة والترابط وقبل الاعلان عن تعيين رئيس لجنة اعادة كتابة الدستوروصياغته من جديد بالتزامن مع اجراء الاصلاحات الادارية الشاملة في موعد أقصاه أشهر ثلاث حدد الملك العديد من القضايا الرئيسية التي تتطلب التغيير وتشغل برامج القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني وحقوق الانسان والحركات النسوية وتتصدر شعارات ومطالب الحركة الشبابية وتظاهراتها الأخيرة وقد يفسر ذلك كمساهمة مسبقة في تحسين ظروف عمل اللجنة ومنحها الضوء الأخضر للمضي قدما في اجراءاتها الاصلاحية والنجاح في مهامها ومن غير المستبعد أن تكون الحالة الشعبية الداخلية الضاغطة والمزاج العالمي العام المتلهف للاصلاح وتجارب البلدان الشمال افريقية سببا في التصميم الملكي على حسم الأمور قبل فوات الأوان .
من القضايا الرئيسية البارزة التي أشار اليها الملك في خطابه والمرشحة للتغيير والاصلاح : 1 - " برلمان نابع من انتخابات حرة ونزيهة «يتبوأ فيه مجلس النواب مكانة الصدارة» وإن التعديل الدستوري يجب أيضاً أن يمنح البرلمان اختصاصات جديدة للنهوض بعمله التشريعي . 2 - " تعيين الوزير الأول (رئيس الوزراء) من الحزب السياسي الذي يحصل على المرتبة الاولى في انتخابات مجلس النواب وعلى أساس نتائجها , وتعزيز دوره كرئيس لسلطة تنفيذية فعلية يتولى المسؤولية الكاملة على الحكومة والإدارات الحكومية وقيادة وتنفيذ البرنامج الحكومي " 3 – " التكريس الدستوري للطابع التعددي للهوية المغربية الموحدة الغنية وفي صلبها الأمازيغية، كرصيد لجميع المغاربة, دون استثناء " 4 – " ترسيخ دولة الحق والمؤسسات, وتوسيع مجال الحريات الفردية والجماعية, وضمان ممارستها, وتعزيز منظومة حقوق الإنسان, بكل أبعادها, السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية, والثقافية والبيئية " 5 – " الارتقاء بالقضاء الى سلطة مستقلة, وتعزيز صلاحيات المجلس الدستوري..وتوطيد مبدأ فصل السلطات وتوازنها, وتعميق ديمقراطية وتحديث المؤسسات، مع منح اجتماع الحكومة برئاسة رئيس الوزراء صلاحيات دستورية " 6 – " تقوية دور الأحزاب السياسية, في نطاق تعددية حقيقية وتكريس مكانة المعارضة البرلمانية والمجتمع المدني وتقوية آليات تخليق الحياة العامة، وربط ممارسة السلطة والمسؤولية الحكومية بالمراقبة والمحاسبة " 7 – " أن ينص الدستور على هيئات حقوق الإنسان وحماية الحريات , وشدد الخطاب على إن الدستور الجديد، يجب كذلك أن ينص على الجهوية الموسعة ( لامركزية موسعة) في نطاق وحدة الدولة مشيراً الى رؤساء المجالس الجهوية (منتخبون) يجب أن تكون لهم سلطة تنفيذ مقررات الجهة بدلاً من العمال والولاة (المحافظون)، وضرورة تعزيز مشاركة المرأة في إدارة الجهات. مشيراً الى ان المغرب» لا يريد جهوية بسرعتين، جهات محظوظة تتوفر على الموارد الكافية لتقدمها وجهات محتاجة تفتقر لشروط التنمية» "
محاولة سريعة في تقييم الحدث المغربي
لايمكن قراءة الحدث الا في سياق المد الثوري العارم الذي يجتاح بلدان المنطقة كظاهرة انسانية محتومة في نشدان الحياة الأمثل بعيدا عن الاستغلال والاستبداد والقهر وكتعبير عن ارادة الشعوب في تقرير مصائرها بما في ذلك تحسين ظروفها المعيشية والحياتية تحت ظل نظام سياسي ديموقراطي عصري متقدم وفي بيئة سياسية قانونية مناسبة وفي أجواء الحرية والأمان والاستقرار المجتمعي من المنظور ذاته لابد لنا من اعتبار ماحدث " ثورة دستورية " حقيقية من شأن تحقيقها على أرض الواقع اعادة بناء النظام السياسي والاداري برمته على أسس أكثر ديموقراطية وفي أجواء تعزز صلاحيات الأطراف على حساب المركزية المفرطة واعادة الاعتبار والثقة لدور وشرعية وآلية تأثيرات البرلمان المنتخب كممثل لارادة الشعب وتوزيع صلاحيات السلطة التنفيذية من جديد لمصلحة رئاسة مجلس الوزراء وقد يؤدي الى تقليص بعض الصلاحيات الملكية وهو أمر له جدواه هذا بالاضافة الى تعزيز سلطة واستقلالية القضاء والدعوة للمشاركة الفاعلة في الادارة والقرار من جانب المرأة وسائر قطاعات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الانسان أما ربط تنفيذ هذه المبادىء الاصلاحية الأساسية بصياغة دستور جديد وادخالها في صلب بنوده فهو الخيار الأسلم لتثبيتها وضمان الحفاظ عليها وتفعيلها بالممارسة العملية وبمراقبة متواصلة من ممثلي الشعب وحركة المجتمع المدني وهو دليل الصدقية ومؤشر الى ارادة الحسم دون تردد وهذا ما سيزيد من اطمئنان شعب المغرب الى حاضره ومستقبله .
المسألة الأهم التي حازت على اهتمام المراقبين هي الاعلان الملكي عن التسليم بالوجود القومي – الأمازيغي – وبحقوقه واعتبار المغرب دولة متعددة القوميات ليس من خلال تصريحات أو اشارات حكومية بين الحين والآخر رغم أهميتها بل عبر افساح المجال لامكانية تضمين ذلك بالدستور وللمرة الأولى , وبحسب متابعتي عن بعد فقد شهدت القضية الأمازيغية تطورات عديدة خلال العقدين الأخيرين وبفضل نضالات حركات ونشطاء هذا الشعب وتضحيات نخبه اضطرت السلطات المغربية الى اتخاذ بعض الخطوات في تلبية قسم من الحقوق الثقافية ومن بينها انشاء أكاديمية وجمعيات تعني بشؤون اللغة والتاريخ والثقافة واصدار صحف ومجلات وبرامج تلفزيونية واقرار نوع من الادارة الذاتية على الصعيد النظري الا أن كل ذلك لم يكن يلبي طموحات شعب الأمازيغ في ارادته بتقرير مصيره كحق طبيعي مشروع يجب أن يصونه الدستور والقوانين واعتباره كمكون قومي شريكا في ادارة الدولة وصنع القرار وقومية من سكان المغرب الأصليين , وماعلينا الا انتظار اللحظة التي سيعلن الأمازيغ المغاربة فيها عن موقفهم النهائي تجاه الخطاب الملكي بخصوص قضيتهم القومية العادلة ومايرونه مناسبا من خيارات وحلول وصيغ تندرج مبدئيا في اطار حق تقرير المصير الذي ارتضته البشرية وضمنته مواثيق الأمم المتحدة وشرعة حقوق الانسان والذي يبقى رهن ارادة الشعوب في صيغ واختياراته المتعددة تبدأ بالحقوق الثقافية وتنتهي بأبغض الحلال مرورا باللامركزية والحكم الذاتي والفدرالية والكونفدرالية .
عندما رضخ الملك لقوة قوانين التطور واستجاب لمطالب شعب المغرب وخاصة شبابه لم يتوقف عند الذرائع المصطنعة التي عادة مايتحجج بها الحكام المستبدون كمهرب وستار مثل حكام بلادنا الذين يمارسون دكتاتورية الحزب والفرد في ظل الأحكام العرفية وسلطة المخابرات منذ نحو نصف قرن تحت شعارات زائفة على شاكلة " كل شيء من أجل المعركة لتحرير الجولان " التي لم تحدث أبدا و " الأمن القومي " فهناك بالمغرب مشكلة الصحراء التي مازالت ملتهبة دون حل وهناك أجزاء من الأرض المغربية تحت الاحتلال الاسباني – سبتة ومليلة – ولكن كل ذلك لم يمنع باسراع الخطى تجاه الاصلاح والتغيير والانتقال نحو تخوم – ملكية دستورية – محتملة مأمولة على غرار الملكيات الأوروبية المعروفة بتقاليدها الديموقراطية العريقة مثل السويد والدانمارك وانكلترا واسبانيا .
#صلاح_بدرالدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟