فاروق عطية
الحوار المتمدن-العدد: 3293 - 2011 / 3 / 2 - 04:53
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بعد عبودية طالت حتى ظنناها لن تنتهى وديكتاتوريات تعفنت على الكراسى حتى ظننا أنها والكراسى جزء لا يتجزأ, وبعد سكون شعوب ظنناها خانعة مرتعشة ترضى بالذل والهوان وتخشى سطوة النظام فلا تتحرك, فجأة اندلعت الثورات لتعم عالمنا الشرق أوسطى الذى ظن العالم أنه قد مات وتوارى تحت التراب. ثورة عارمة كسّرت السدود وطاحت وماجت فى تونس ومصر وطردت نظاميها الفاسدين واستسلم حاكميها عنوة لرغبة الثوار. ولم ينتهى الأمر بهذين القطرين فقد بدأ زحف الفوضى الخلاقة التى بشرتنا بها كوندوليزا رايس, واندلعت الثورات فى كل بلدان الشرق الأوسط من الجزائر وليبيا إلى الأردن واليمن والعراق وسوريا حتى إيران الملالى, وظنى أن الشعوب جميعها ستنجح فى التخلص من ديكتاتوريها وجلاديها وأنظمتها الفاسدة وتنعم بالديموقراطية التى طال زمن الحلم بها وآن الآن أوانها.
فى فترات حكم العسكر فى مصر الذى بدأ بديكتاتورية عبد الناصر بعد تخلصه من محمد نجيب الذى كان يفضل الديموقراطية البرلمانية, سادت مفاهيم مغلوطة, فقد تبنى عبد الناصر فكر القومية العربية ومحى إسم مصر أيام الوحدة وأسماها الإقليم الجنوبى متنكرا للقومية المصرية الفرعونية وكان قبلها قد غير علمها, ويقينى أن هذا الفكر المشوش هو السبب المباشر والحقيقى لعدم استمرار الوحدة أو انتشارها, وذلك لأن القومية العربية قومية وهمية تخص فقط دول شبه الجزيرة العربية أما باقى الدول الناطقة بالعربية فلها قومياتها التى تعتز بها وتفخر بتاريخها ( الفرعونية والبابلية والفينيقية والآشورية والآرامية والأمازيجية والبربرية والنوبية والزنجية وغيرها ). وحتى تنجح أى وحدة لا بد أن ترتكز على مفاهيم إقتصادية وتجانس حضارى مع الحفاظ على قوميات وديانات كل دولة من دول الاتحاد أو الوحدة, وهذا سر نجاح الاتحاد الأوربى وعظمته واستمراره رغم اختلاف القوميات واللغات. وبعد عبد الناصر جاء السادات الذى تبنى فكر مختلف وهو فكر الانتماء الدينى والحلم بعودة الخلافة وهذا أيضا فكر مغلوط فعقارب الساعة لا يمكن أن تعود إلى الخلف, فزماننا هذا يختلف تماما عما كان عليه السلف. العالم الآن أصبح مفتوحا ومتداخلا ويخضع لفكر ومبادئ حقوق الإنسان ويؤمن بالديموقراطية التى تساوى بين أبناء الوطن الواحد فى الحقوق والواجبات وتعطيه حرية اعتناق فكره الدينى أو السياسى, أما فى دولة الخلافة الحاكمية لله أى أن الخليفة يحكم بتفويض إلهى ولا وجود للديموقراطية أو تبادل السلطة, ولم يرد في القراّن و لا في السنة ذكر للدستور بل الحكم يكون للإله نفسه, ولكن هل يزعم أحد أنه يملك توكيلا من الله للعمل نيابة عنه في الأرض وأنه الفاهم الأوحد لمراد الله دون بقية المسلمين؟ والخليفة يحكم حتى يموت فيولّى خليفة غيره والإسلام لا يعرف مُدة للحكم إنما يبقى الخليفة مدى الحياة و عقوبة الخارج عليه هى القتل، و أنه لا معارضة في صحيح الإسلام, وأنه " إذا بويع لخليفتين فاقتلوا أحدهما", و ليس في الإسلام برلمان و لا مجالس نيابية, فيه البيعة وهي إقرار إذعان من الناس لمن يستطيع بقوته وجبروته الوصول إلى سدة الخلافة فيجلس أولا و تتم البيعة بعدها, و فيه الشورى أي أخذ النصيحة من الحاشية أو الندماء و له أن يعمل بها أو لا يعمل, و لم يحدث أن عمل بها أحد من الخلفاء حتى الأربعة الراشدين ذاتهم. وفى زمن الخلافة كان هناك تمييز بين المواطنين فهناك مواطنين مسلمين لهم كل الحقوق ومواطنين ذميين يعتبرون مواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة ليس مسموح لهم بركوب الخيل ولا ارتداء ملابس المسلمين ويدفعون الجزية عن يد وهم صاغرين, وإذا سار ذمى وهو راكبا حماره ومر على مسلم فعليه أن يترجل ويحنى قامته, وإذا تهدمت كنيسته أو معبده فلا حق له فى إعادة بنائها, وهذا قليل من كثير لا مجال لذكره فى هذه العجالة.
وأتمنى أن تنتهى الفوضى الخلاقة الدائر رحاها الآن بالإيجابيات أكثر من السلبيات, وأتصور بعد نجاح الثورات وتحرر الشعوب وأخذ الزمام بيديها أن يبدأ التفكير فى المصير. فالكيانات الصغيرة التى يريدها الاستعمار لنا بهذه الفوضى الخلاقة ومحاولة تفتيت ما هو قائم هى خطر محدق ولا تحقق الطموحات, لذا أفكر فى أسلوب يجمع ولا يفتت, أسلوب وحدوى جديد لا يرتكز على القومية العربية كما أراد ناصر ولا على الفكر الينى كما أراد السادات. ولكنى أفكر فى وحدة أو اتحاد بين دول متجاورة يربطها علائق جغرافية وتاريخية ووحدة مصير. أتصور أن تنشأ وحدة أو اتحاد كونفدرالى بين دول شمال أفريقيا ( مصروليبيا وتونس والجزائر والمغرب والسودان ) ويمكن تسميتها "إتحاد شمال أفريقيا", وتحافظ كل دولة منها على قوميتها ولغتها وعاداتها وعباداتها دون تدخل. تبدأ بالتخلص من الحوائط الجمركية بينها حتى تصل إلى السوق المشتركة ووحدة العملة المتداولة ويمكن تسميتها " شمفرو". وأتمنى أن يكون الاتحاد تكامليا وليس تنافسيا, يمعنى أن تفعّل الصناعات الموجودة يكل دولة ولها فيها ميزة نسبية ومقومات متاحة لديها, ولا تنافس دولة أخرى فى هذه الصناعة إلا للتكامل وتصدير الفائض. على سبيل المثال تهتم مصر بصناعة النسيج والصناعات الكيميائية, وتهتم ليبيا بالصناعات البتروكيميائية, وتونس بصناعة الآسمدة الفوسفاتية والحواسب والجزائر بالصناعات الكهربائية. وتكون السودان سلة الغذاء لكل هذه الدول حيث تنتقل إليها الأيدى العاملة الزراعية المدربة لزراعة الأرض الشاسعة المهملة التى تكفى حاجة الاتحاد وتصدر الفائض للعالم أجمع.
وعلى الجانب الشرقى للدول الناطقة بالعربية هناك بالفعل اتحاد ناجح بين دول الخليج يمكن لليمن الانضمام إليه للتشابه الجغرافي والتاريخي بينها. أما باقى الدول كسوريا والعراق والأردن وفلسطين يمكنها الاتحاد كدولة الشام الكبرى, ويمكن لإسرائيل بعد تخليها عن عنصريتها وإعطائها حق الوطن والعودة للفلسطينين أن تنضم لهذا الاتحاد. هى أحلام راودتنى لما بعد الثورات وأتمنى أن تتحقق وألا تكون مجرد أضغاث أحلام.
#فاروق_عطية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟