حسن طويل
الحوار المتمدن-العدد: 3290 - 2011 / 2 / 27 - 17:18
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الفقسة مقولة مغربية بإمتياز, و هي تعني حالة نفسية وجودية يصبح الفرد فيها يشعر بأحاسيس هي مزيج بين المرارة و الغضب الشديد و الفشل نتيجة وجود وضعية مأزقية تتميز بخلل في علاقة الشخص بواقعه . في هذه الحالة يكون نوع من الخرق العنيف لوضعية معينة في الواقع للبناء النفسي المعرفي ( مفهوم les construits de kelley) للفرد الدي يواجه به الحياة ؛ فتصبح علاقة الفرد بواقعه متأزمة و غير متوازنة , ينتج عنها في الحالات القصوى إما نفي عنيف للأنا - رمزيا أو فعليا - أوللواقع . الفقسة هي رد فعل عن وعي أو غير وعي عن نوع من الإنتهاك النفسي الوجودي للفرد من طرف حدث أو أحداث وقعت له في حياته تكسر جدار الثقة بينه و بين واقعه , حيث تضطرب العلاقة مع الآخر ويشوب معناه نوع من الغموض و الخلل ( بمفهوم الدكتور فتحي بن سلامة : العاقل الناطق المنظم للواقع) .
هذا الإغتصاب النفسي ينتج عنه معاناة و جروح , ينتج عنه ثلاث حالات :
1- في هذه الحالة, تكون العلاقة بين الأنا المقهورة والوضعية القاهرةعلاقة تقربن رمزي أو فعلي حسب درجة القوة والعنف الممارس على البناء النفسي المعرفي للفرد . فيتم التضحية بالأنا رمزيا على مستوى التدمير الذاتي و إبداع وسائط ملطفة للقهر كالدين و الخمر و المخدرات و الإكتئاب و العزلة ...و فعليا في الحالات القسوى حيث يتم تحطيم الجسد الساجن للأنا المقهورة و يشكل الإنتحار التجسيد الأمثل لهذا التدمير ( حالة البوعزيزي بطل الثورة التونسية - فدوى المغربية ...) . فيكون نوع من الإبتلاع المؤلم لوضعية القهر من طرف الإنسان المقهور.
2- تتميز هذه الحالة بإستبداد النفي المرضي للواقع القاهر عبر ميكانيزمات الدفاع , من تثقيف و تسامي و كبث عبر التضحية الجزئية أو الكلية بالبناء النفسي المعرفي العاجز و الفاشل عن فك رموز لغة القهر. تمارس في هذه الحالة نوع من البرغماتية النفسية للقبول حياة القهر و لو على حساب الذات ( إدعاء الإستتناء المغربي و الخصوصية - الأمن أحسن من فاتورة التغيير -النفخ من الأنا الكادبة - تشويه الآخر...) . فتبتلع بعنف و ضعية القهر الفرد المقهور, فيتم البحث عبر مسار ليس بسهل للتحول من وضعية اللا قبول إلى وضعية القبول عبر مكر نفسي مؤلم.
3-تكون العلاقة بين الفرد و القهر متأزمة و تتعايش داخلها متناقظات القبول و الرفض و تتميز بتفاعلات عنيفة بين خصائص الحالتين السابقتين . فينشأ نوع من تبادل اللكمات في حلبة الصراع بين البناء المعرفي النفسي للفرد وواقعه القاهر. و ينتج عن هدا التعايش المرضي - حسب درجة التناقض و الصراع - تمردات فردية أوجماعية و تشكل وسائط التعبير وسيلة هامة للتخفيف من تأزمة هذه العلاقة ( مثل الأدب -الكتابة - الإحتجاج - الموسيقى ...).
مناسبة الكلام السابق عن الفقسة, هو ما بدأ يعرفه المغرب مؤخرا من أحداث تبين أن المغربي لم يعد ضحية سياسية و إقتصادية من الإستبداد المخزني فقط بل أصبح
يعاني حتى على المستوى النفسي و الوجودي . علاقة القهر و ظلم المخزن و لا مبالاته بهموم "الرعايا" و الإستعراض المرضي للتمتع بالسلطة و الثروة خلقت من المغربي شبه كائن فاقد للمعنى و الجدوى من الآخر (دائما وفق تعريف الدكتور المهم فتحي بن سلامة ) إنتقل من الإنسان المقهور إلى الإنسان المهدور على حد تعبير الدكتور مصطفى حجازي . بإعتبار الهدر هو إفراغ الفرد من الإحساس بإنسانيته ووجوده. و هنا سأسرد مثالين دالين وقعا مع أحداث 20 فبراير.
فبعد أحداث 20 فبراير و ماتبعها من إعتقالات و ضحايا و التعامل العنيف مع المتظاهرين , خرج شاب يدعى العليوي على الأنترنيت عبر اليوتوب و هو مغربي مقيم بنيويورك و بعد تبيانه لجواز سفره و بطاقته الوطنية قدم رسالة للملك؛ مضمونها هي عبارة عن تساؤلات بكثير من المرارة و الغضب على الأوضاع في المغرب و الإستبداد و الفساد المالي و السياسي و سيادة عائلات معينة على الخيرات . من خلال رؤية الشاب و هو يتكلم يراودك إحساس بفقسته الكبيرة التي جعلته يتحدى الخوف عبر إعطائه معلومات حول هويته ليس شجاعة فقط و لكن على ما أظن هو تعبير عن خليط من الملل و الإحتقار و الغضب ضد هدا الإستبداد الدي بالغ في لامبالاته بالشعب حتى أصبحت علاقته ببعض الفئات تحتقره أكثر مماتخافه.
الحالة الثانية هي لشاب في وجدة بعد يوم واحد من مسيرة فبراير , خرج لشارعها الرئيسي و بدأ يدخل للمقاهي المتواجدة هناك و هو يصيح بقوة و بشكل هستيري للمتواجدين هناك : أفيقوا أفيقوا ....كفى من الذل و الحكرة و القهر .. قوموا قوموا كفى من المعاناة و القهر . ثم أوقف حركة السير بصوت أقوى و بهستيرية و هو يقول أنا مواطن عادي فقسني المخزن و الحكرة و لاأعرف مادا سيقع لي المهم أني لا يمكن أن أسكت عن القمع و القهر , فجاءت قوى الأمن و أعتقلته .
حالة هذين الشابين هي إنعكاس عن وضعية القهر لما تتطور فتصبح لاتحتمل فتؤدي إلى نوع من الرفض العنيف لأ نها تعدت الأبعاد الإقتصادية و السياسية لتهاجم الجهاز النفسي و الكياني للفرد.
للإشارة فبعد مسيرة فبراير , لم يصدر أي موقف من المخزن للجواب على مطالب الشباب , سوى تنصيب مجلس آخر إستشاري بمبالغ ضخمة أخرى تنم عن نوع من السفه و لامبالاة بالمال العام و من ضمن المعينين فيه شخص لم تكتمل القضية المتهم فيها (إستهتار بالقضاء) ,هدا المجلس ينضاف إلى مجالس صورية أإخرى فتصرف ميزانية أخرى في بلد شعبه يعيش فقر مدقع . كما أن هناك إشاعة لتعديل حكومي يأتي بصاحب معمل أحدية معروف بدهابه و إيابه للمناصب الهامة و كأن المغرب عاقر عن إنتاج وجوه جديدة بدل الوجوه المملة المبعثة عن الغتيان و كان قضية فساد أتيرت ضده في الصحافة .
من ضمن ما قاله الشاب العليوي في رسالته: ماذا ستفعل بهذه الأموال و القصور كلها ... وهل المغرب فقط لبرادة و جطو والفاسي ؟ و هدا ماتكرر عند الكشف عن ثروات حسني مبارك و بن علي . أ ظن أن التمتع السادي و المتخلف بالسلطة و الثروة و رؤية بؤس الشعب جواب على هذا السؤال و الجواب المخزني على حركة فبراير لا تؤدي إلى الفقسة فقط بل المخزن و إحتقاره و لا مبالاته يحمق .
#حسن_طويل (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟