محمود جلبوط
الحوار المتمدن-العدد: 3285 - 2011 / 2 / 22 - 13:52
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
ما يجري في ليبيا يشوبه الغموض , لا يستطيع أحد من خلاله أن يتكهن بما يجري بالضبط على الأرض في المشهد هناك في ظل الهيجان الشعبي , لشحّ في التغطية بالصورة الحية والمباشرة التي تعودنا على بثّها عن طريق الفضائيات كما جرى في المشهد التونسي والمصري معطوفا عليه اليمني والبحريني , ولكن ما يمكن للمرء استخلاصه من كلمة نجل القذافي المطولة التي ألقاها بالأمس هو أن النظام وعائلته مستعدة لإحراق ليبيا وممارسة القتل العشوائي للمواطنين وإغراقها في حرب أهلية عشائرية شاملة , إن هي شعرت أن فترة حكمها التي امتدت لأكثر من أربعين عاما قد شارفت على الإنتهاء متشبها بنيرون روما والعديد من المصابين بجنون العظمة حال معظم حكام العرب الحاليين وليس القذافي فقط , وفي الحقيقة وللتاريخ إن هذه الرغبة قد راودت بن علي في تونس ومبارك في مصر وعلي صالح باليمن , ويمكن الاستدلال عليها من خلال تحليق طائرات الهوليكبتر والمقاتلات الحربية فوق رؤوس المتظاهرين هناك , ليس هذا وحسب بل هي تراود بقية الحكام العرب : الفارق بينهم أن القذافي يتميز عنهم بأنه سكر زيادة .
ما يحاول مجنون ليبيا فعله , إلى جانب إرضاء هوسه المريض بممارسة هذه الطقوس الدموية لإشباع عصاباته النفسية المريضة , هو إعادة بناء جدار الخوف عند الشعوب العربية الذي تم تحطيمه في سياق الانتفاضة التونسية الذي أكملت عليه شقيقتها المصرية .
وما يريد المجنون أن يقوله أيضا هو للحكام العرب المتبقين بأن عليهم عدم الاستسلام أمام الجماهير المنتفضة والانسحاب من كرسي الحكم بكل هذه البساطة والتسليم لمطالبهم بالرحيل , بل عليهم الدفاع عن كرسيهم ويخلصوا له كما أخلص لهم ولو حتى آخر مواطن عربي , وما بين أيديهم الكثير للقتال به : أسلحة متنوعة كلف شراؤها البلايين من الدولارات على حساب لقمة الشعب وكرامته , وعبيد علفوهم كثيرا وأعدوهم لمثل هذا الأمر , ولديهم أيضا سلاحا سحريا يدخرونها لمثل هذه اللحظة : تفجير الحرب الأهلية التي بذلوا جميعا طيلة فترة حكمهم لتأبيد بقائهم في هذا الكرسي اللعين الجهود والخطط والبرامج لنثر بذورها في ساحات الدويلات التي حكموها : توترات عشائرية , طائفية , مذهبية , إثنية , قومية ....إلخ
إن ما يجري في ليبيا لهو خطير وخطير جدا يمكن أن يمثل سيناريو يحتذيه بعض الأنظمة العربية المتبقية والتي تعاني عملية التغيير السياسي فيها أصلا من استعصاء صديد بسبب ما تتصف به بنيتها السكانية الفسيفسائية المتفجرة كما أسلفنا : طائفية-مذهبية-إثنية-عشائرية-قومية , أي بعبارة أخرى تفجير الأنظمة لصاعق الحرب الأهلية إن وصلت سكين الانتفاضة إلى رقابهم , وهذا يعتمد على مقدار الوعي الذي سيتحلى به المنتفضون .
نتمنى أن يتحلى الثوار الليبيون بالحكمة والشعور بالوحدة الوطنية في مواجهة النظام وعدم الانجرار لدعوته للاحتراب العشائري والقبلي لكي تحقق انتفاضتهم أهدافها المرجوة .
#محمود_جلبوط (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟