سيد حافظ عبد الحميد
الحوار المتمدن-العدد: 3275 - 2011 / 2 / 12 - 11:55
المحور:
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
18 يوماً مع الثورة
بدأنا وبدأ مولد الثورة العظيمة, هذه الولادة التي استمرت 18 يوماً عانينا خلالها أبناء الثورة الشريفة ما عانينا من مرارة عدم الإيمان بنا كشباب قادر على اكتشاف المصريين من جديد, كجيل قادر على الصمود, جيل قادر على صناعة مستقبل جديد, مستقبل نادى به كل أبناء الحرية وشهدائها, نادى به الطهطاوي, والشدياق, وبطرس البستاني, وعبد القادر الجزائري, وخير الدين التونسي, وجمال الدين الأفغاني, ومحمد عبده, وأديب اسحق, وفرنسيس مراش, وميخائيل عبد السيد, وشكيب أرسلان, ورفيق العظم, وعبد الحميد الزهراوي, وعبد العزيز الثعالبي, وفرح أنطون, وقاسم أمين, ولطفي السيد, وطه حسين, وعلي عبد الرازق, والعقاد, وذكي نجيب محمود, وحسن حنفي, وطارق البشري, وعبد الله العروي, وعصمت نصار, وغيرهم الكثير من دعاة الحرية والكرامة الإنسانية, عانينا مرارة الشك والتخوين, مرارة اليأس الذي زرعه الأستبداد وأعوانه في نفوس آبائنا وسقوه وأطعموه حتى أصبح يمليء أرض مصر وسماؤها, ولكن هيهات هيهات...
لقد صمدنا, وصبرنا وكان الله حاضر بيننا يقوي عزائمنا, كنا كل يوم نكسب أرض جديدة, كل يوم ينضم إلينا أعضاء جدد. كانت دعوة الحرية تنتشر في جموع الشعب, كانت تهز القلوب, وتقلقل الأرض تحت الأستبداد وأعوانه, كانت صيحاتنا تزلزل ربوع مصر. قاومنا قنابل الامن وطلقاتهم, وعصيِّهم, وأيديهم, وأرجلهم, قاومنا (بلطجية النظام) وكان كيدهم في نحرهم, صبرنا على نظرات الريبة والتخوين والعمالة, وإعلام يسب فينا, كان العنف يحيط بنا من كل جانب, كان العنف منهجهم, وأسلوبهم, وكان السلم(سلمية..سلمية)هي طريقتنا المثلى, بدأنا مسالمين, وأستُشهدنا مسالمين, وانتصرنا مسالمين, ثورة بيضاء ناصعة, نقية, طاهرة, شريفة, كل معنى له دلالة, من دون قصد الإطناب, فالكلمات تخرج وحدها, واللغة تجد نفسها, بلا مراجعة, بعد أكثر من يومين بلا نوم, وكيف تنام في خضم هذا الانتصار.
إن الثورة الشريفة, لم تكن ثورة صدفة أو ثورة لحظة, كما قد يُرى من السطح, بل هي ثورة لها تاريخ طويل, هو تاريخ تكوين ونمو الوعي في العقل الجمعي العربي, تاريخ ساهم فيه, أبناء العالم العربي لأكثر من مائتي عام في تاريخنا المعاصر, منذ الشيخ محمد بن عبد الوهاب النجدي, وحسن العطار المصري, ومحمد بن علي الشوكاني اليمني, وسليم البستاني, وعبد الله النديم...ساهم فيه الفلاسفة, والفنانون, والادباء, والشعراء, والسينمائيون, وكل ذو راي وفكر, نشد تقدم ورفعة الوطن, إننا لسنا إلا نتاج ما اسهموا به في تكوين الوعي الجمعي, والحس الوطني, الأمر الذي جعل ثورة الشباب تصبح ثورة شعبية الأولى من نوعها في تاريخ البشر, اشترك فيها أطفال, وصبيان, والشباب, رجال, وشيوخ, ذكور وإناث, مسلمون,ومسيحيون, كلنا مصر كلنا وطن كلنا ثورة.
لقد أظهرت الثورة معدن المجتمع المصري العظيم, الذي كان الاستبداد وأعوانه يمزقون فيه, ويشرزمون, من أجل ضمان البقاء على كراسيهم. أظهرت الثورة أننا مجتمع الوحدة التي تتسع للتعدد, مجتمع الاصالة, مجتمع الأخلاق, مجتمع الحرية, مجتمع الضمير, لقد رأيت كل الأطياف, شيوخ يغنون, وإخوان مسلمون, يعانقون عالمانيون, مسلمون ومسيحيون, يد في يد, وكتف في كتف, رأيت مسيحيون مطمئنون بين يدي ملتحون متدينون, رأيت فنانون, وشعراء, وفلاسفة, وسياسيون, مختلفين في الآراء, متحدون في ميدان التحرير, وهذا هو المجتمع المصري, الذي كان به محمد عبده, وفرح أنطون, محمد رشيد رضا, وجورجي زيدان, حسين الجسر, شبلي شميل, مختلفون في الآراء, متفقون على نهضة الأمة, متحدون في حب الوطن, هذا هو المجتمع المصري, الذي حوى كل التيارات, دون أن تحدث فتنة, اللهم إلى من صنع الاستبداد وأعوانه.
إنني اشعر الآن بأنني حر, ذو كرامة, ذو عزة, أنني أكثر تسامحاً, فكلنا مصر, تسامحا مع كل أبناء مصر, من كان مع الثورة ومن لم يكن, فنحن نعذرهم, وهم الذين رضعوا الاستبداد عقوداً , ونقول لهم, أن الحرية ثدي جديد, لا ينضب, ثدي منه تُصنع النهضة, يتحقق التقدم, يتحقق السلام, والتكاتف. نعم كلنا مصر, كلنا سوف نضع أمامنا وطن يحتاج للجميع, يحتاج لفلسفة العطاء, التي هي شيمة أبناء هذا الوطن العظيم. والتي نحن أشد ما نكون إليها الآن, لأن الثورة لابد أن تنجح, بأن تتحقق العدالة الاجتماعية, وأن يشعر كل مواطن أنه حر كريم مطمئن يأخذ حقوقه كاملة, ويؤدي واجباته على أتم وجه, مواطن يحس بالكرامة, والانتماء والولاء, ويسهم في بناء دولته والمحافظة عليها, ويعمل على تقدمها, ويشعر ان الجميع اخوته.إننا نحتاج للعطاء والتسامح, لأن الرحلة شاقة وبعطائنا نستطيع أن نجعلها هينة, ونجعل طولها قصير, بالعطاء نستطيع أن نتخلص من براثن الاستبداد والفساد التي توطنت في النفوس, أمامنا الكثير من حملات التنظيف والتطهير, كما والله كنا اليوم ننظف ميدان التحرير, نريد ان نطهر التعليم, والقضاء, والإدارة, نريد أن نضبط الأمن, والاقتصاد, نريد أن نجعل سلوك العطاء والولاء والتسامح والسلام سلوك كل المصريين, نريد أن نغرس فكرة التقدم في العقل الجمعي وفي السلوك المصري, نريد أن نرى شارعاً مصرياً جدير بأبناء مصر, نريد الوطن الحر, الآمن المستقر, لنتسامح جميعاً, كلنا مصر, ولنبدا من أول السطر...عاشت مصر..عاش الشعب..
سيد حافظ عبد الحميد.
مواطن مصري 12 - 2 -2011.
#سيد_حافظ_عبد_الحميد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟