أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - أحمد صقر - قضايا العولمة الثقافية وموقفنا منها















المزيد.....



قضايا العولمة الثقافية وموقفنا منها


أحمد صقر

الحوار المتمدن-العدد: 3266 - 2011 / 2 / 3 - 21:32
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


قضايا العولمة الثقافية وموقفنا منها
الأستاذ الدكتور / أحمد صقر
كلية الآداب- جامعة الإسكندرية
===============================
نعرض بإيجاز رأى وموقف العلماء والمفكرين من هذه الهجمة الشرسة للعولمة وقضاياها ليس فقط على اقتصادنا ولا على سياستنا لأنهما أضحيا معولمين بحجة أن علينا أن نستجيب للتطور الفكرى والاقتصادى وكذا السياسى فى إطار ملاحقة بعضنا البعض والتوحد فى نظرتنا إلى الغد فيما يتعلق بانظمتنا السياسية والاقتصادية ولكن فى الجوانب الاجتماعية والثقافية إذ ظل موقفنا من الفكر الاجتماعى والثقافى محل رفض ليس فى مجتمعنا ولكن فى كافة المجتمعات الدولية فلا تزال الكثير من دول أفريقيا وأسيا وأوروبا وجنوب أمريكا تتمتع بخصوصيات فى الجوانب الاجتماعية والثقافية لن تنجح العولمة فى إضاعة ملامحها وخصوصياتهما المتفردين.
إن هجمة العولمة الثقافية المتمثلة فى طرحها الكثير من القضايا التى كانت فيما مضى محل تجاهل وتعالى من قبل من يعلنها اليوم- الاجتماعية والإنسانية - وربطها بالقضايا الثقافية الغير مبررة. إذ كيف يمكن لمجتمع يعانى من مثل هذه القضايا أن يقبلها ويرضى عنها ويعلنها من خلال وسائطه الإعلامية دون أن يحرك ساكناً لمعالجتها. كيف يمكن ذلك فى ظل عصر الحريات الذى ينادى به اليوم من كان يتجاهل ويتعمد تجاهله لواقع الآخرين بالأمس.
أ‌- قضايا حقوق الإنسان عديدة مثل ( قضايا العولمة الثقافية– الفقر – البطالة- الأمراض المرتبطة بالبيئة – الجهل والأمية- العنوسة – الانحرافات الجنسية).

هل برزت إلى السطح اليوم وخاصة فى العقدين الآخرين من القرن العشرين كافة حقوق الإنسان التى كانت كمّاً منسياً من خلال راعى حقوق الإنسان كما أسماه بعض المتخصصين أقصد وحيد القرن" الذى تزعم حملة ضرورة تحقيق حقوق الإنسان وضرورة المحافظة عليها ضد العابثين بها، إلا أن " وحيد القرن" كثيراً ما ينسى أن يذكر بنفسه بأن العالم يعيش على أرضه أناسا آخرين لابد أن يراعوا أحقية الآخرين وحقوقهم.
لاشك أن انهيار الاتحاد السوفيتى وتحطم حائط برلين وانفراد " وحيد القرن" بالقيادة وبنجاحه فى عزل بعض الدول العربية اقتصادياً ونسيانه فى خضم سعيه الدؤوب تحقيق حقوق الإنسان فيما آل إليه حال الإنسان الليبى فى أعقاب العزلة الاقتصادية التى فرضها جبروت المتغطرس والمتحكم الأوحد، كذلك كيف نجح هذا المتفرد بقيادية العالم فى التخطيط والإيقاع بحرب الخليج الأولى بين إيران والعراق وسعيه لكى يصفى كل منهما الآخر دون الالتفات إلى آدمية الإنسان وحقوقه ورغبته فى أن تنتهى هاتين القوتين الإسلاميتين من خريطة القوى العسكرية العالمية، ثم سعيه وتخطيطه للإيقاع بالنظام العراقى فى براثن التحلل والتبخر والتلاشى عندما دفعت برابع قوة عسكرية فى العالم إلى الدخول إلى الكويت وما ترتب على ذلك من انتهاك حقوق الإنسان فى كلا الدولتين وصولاً إلى تراجع أوضاع الإنسان فى العراق وتعرضه للموت حتى رجعت العراق إلى الوراء مائة سنة بين الشعوب التى ماثلتها من قبل.
أين هى حقوق الإنسان فى افريقيا وانتشار المجاعات والأمراض ؟ أين هى حقوق الإنسان فى أوروبا الشرقية؟ أين هى حقوق الإنسان فى الجنوب الأمريكى؟ لماذا فقط يهتم " وحيد القرن " بحقوق الإنسان فى العالم العربى ؟ أو ما أصبح يسمى بالشرق الأوسط الجديد، لماذا فقط تتدخل أمريكا لمحاسبة المقصرين فى حقوق الإنسان فى العالم العربى فى أى دولة" ؟ لماذا تتهم مصر أو السعودية أو ليبيا أو السودان أو إيران أو سوريا بأن حقوق الإنسان فيها غير متحققة وهى التى عانت ولا تزال من حرمان بعض مواطنيها من أصول غير أوروبية أو أمريكية من الحصول على كافة حقوقهم الإنسانية والدستورية.
إن إطلاق أمريكا لمصطلحات الحرية والديمقراطية والمجتمع المدنى وحقوق الإنسان أثبتت أنها إنما تستخدم هذه المصطلحات التى تتعطش إليها كثير من دول العالم، إلا أنها لا تحمل معها مكيالاً واحداً بل تزن بأكثر من مكيال، فها هى تعولم حقوق الإنسان من وجهه نظر مشرعيها، ولا تهتم بأن المواثيق والأعراف وهيئه الأمم المتحدة التى كانت هى ولا تزال من أعضاءها الداعين قد شرعت هذه الحقوق لتحقيق الحياة الكريمة للإنسانية نكتشف أن ما شرعته أمريكا إنما هو منافى تماماً لما ورد عن حقوق الإنسان وهى لا تلتزم- أى أمريكا – فى " هذا المجال بالمفاهيم التى أقرها المجتمع الدولى، وعدم تجزئة حقوق الإنسان التى هى كل مرتبط يضمن للإنسان حياة كريمة".
إن اللافت للانتباه فى هذه المرحلة أن أمريكا قد رفعت شعار حقوق الإنسان فى الصين واليابان ودول الشرق الأوسط- باستثناء إسرائيل طبعاً- والجنوب الامريكى، فالكل مقصر من وجهه نظرها فى تحقيق حقوق الإنسان. والأمر يرتبط بمصالحها الاقتصادية والسياسية فى المقام الأول فإذا تعارضت مصالحها مع الصين تبحث لها عن تمسك تراه لا يتناسب مع الأعراف والمواثيق الدولية- من وجهة نظرها طبعاً- فتقول أن الصين لا تطبق حقوق الإنسان وأنها تنتهك الحريات وهذا ما يحدث بطبيعة الحال فى كل دولة تختلف مع سياستها.
أما باقى دول العالم مثل إسرائيل وتركيا وبعض بلدان الاتحاد السوفيتى المتحلل، أو بعض من دول العالم العربى التى أذعنت الولاء لأمريكا، فهم دول لا يضرب بها الأمثال إن جاء الحديث عن المقصرين، ولاشك أن نجاح أمريكا فى فرض هيمنتها على مجلس الأمن الدولى وهيئة الأمم المتحدة لأضحى أوضح مثال على نجاح أمريكا فى تسيس قضايا حقوق الإنسان وقدرتها على استصدار قرارات لن يختلف معها فى الرأى أو التوجه أو حتى فى النوايا.
يرى كلاً من د. زكريا طاحون و د. محمد مقدادى قضايا أخرى من الطبيعى أن تدرج فى إطار قضايا حقوق الإنسان، فقد عدد د. طاحون" هذه القضايا وذكر فيها قضية العولمة وحرية الإنسان المعاصر فى التعامل معها رابطاً ضد بعض الشعوب والأنظمة وأسبابها، هذا إلى جانب قضية ضرورة صياغة حياة تكرم حياة الإنسان رغم أنف العولمة، هذا إلى جانب قضايا مثل التنمية والفقر والبطالة والعنف والتلوث البيئى، هذه قضايا يرى د. طاحون ونرى معه ونؤكد أنها فى الأساس قضايا إنسانية لابد أن يراعى فيها جانب حقوق الإنسان، فمن حق المواطن أن يعمل ومن حقه أن يعيش فى مجتمع آمن، ومن حقه على المجتمع أن يوفر له بيئة صالحة دون أى تلوث، ومن حقه أن يحدث ذلك كله فى ظل مجتمع ديمقراطى من حقه فيه أن يختار بين الأنظمة المطروحة لتكتمل آدميته وإنسانيته كما زادت بذلك الأعراف والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان.
عرض د. مقدادى أيضاً بعضاً من القضايا الإنسانية التى لابد أن تسعى الأنظمة إلى ضرورة تحقيقها وإلا أضحت هذه الأنظمة مسئولة عنها على سبيل المثال قضاياه " المياه والعولمة " والديمقراطية والشورى والحرية " وتحرير الأدمغة من عقالها " وإشكالية الجوع وربطها بمقولته " نحن لا نصنع الجوع وكلها قضايا إنسانية أرى أنها كانت ولا تزال فى عمومها مصادر للمبدع العربى ليتناولها بين إبداعاته الأدبية الثقافية سواء فى قصة، أو رواية، أو مسرحية أو مقالة، أو قصيدة شعر، فلابد أن يعود إليها، حقيقى أن بعضاً منها لم يكن مطروحاً من قبل وإنما حركته اليوم حركة عولمة العالم اقتصادياً مما جعل بعض القضايا الإنسانية كقضية المياه ترتبط بالعولمة وتصبح الحروب القادمة هى حروب المياه " وليس فقط كما يظن البعض.
أثارت دراسة إماريتاصن " التنمية حرية الكثير من القضايا الإنسانية التى أصبحت تحظى بكثير من اهتمام المنظمات الدولية والشعوب فى كافة أنحاء العالم فقد عنون هذا الكتاب بعنوان أراه سياسياً تفسيرياً وهو:
" مؤسسات حرة وإنسان متحرر من الجهل والمرض والفقر " وهى بطبيعة الحال ليست جديدة فهى موجودة منذ قديم الأزل ولكن الذى حركها هو محاولة بعض المؤسسات الدولية ذات المنفعة من إثارتها- الاستفادة منها حيال الوضع العالمى الساعى إلى تحقيق العولمة فتصبح هذه القضايا ذات الشق الإنسانى والاقتصادى والاجتماعى ومن ثم الثقافى محل اهتمام هؤلاء المسئولين.
تضمنت دراسة أمارتيا اثنتا عشرة فصلاً تضمنت هذه الفصول الكثير من قضايا التنمية وغلف هذه الدراسة أيضاً ضرورة تحقق مبدأ الحرية الذى تراه ونراه جميعاً مناخاً هاماً للإصلاح كما تضمنت هذه الفصول الكثير من القضايا الإنسانية مثل الحرية والعدالة والفقر كحرمان من القدرة، وأهمية الديمقراطية والمجاعات والأزمات الأخرى وفعالية المرأة والتغير الاجتماعى والسكان والغذاء والحرية والثقافة وحقوق الإنسان.
1- قضية الحرية (من قضايا حقوق الإنسان والعولمة الثقافية)
أثارت المؤلفة قضية الحرية من منظور قدمها فهى تعود كممارسة فعلية إلى حوالى القرن الثامن قبل الميلادى، ويؤكد أن افتقاد الحرية يترتب عليه الكثير من السلبيات منها " المجاعات " والحرمان من " حق الرعاية الصحية" أو مرافق التصحاح " أو حق الحصول على " ماء شرب نقى" وعدم المساواة بين المرأة والرجل الذى يضر حياة ملايين النساء وربما يوردهن مورد التهلكة قبل الأوان، كذلك الحرمان من الحرية السياسية ومن الحقوق المدنية الأساسية وهى تؤكد أن هذه بعض مظاهر عدم توافر الحرية وعدم السعى إلى تنميتها وهو ما لا نراه من قبل ولم يشهده التاريخ العالمى حيث لم " يشهد مجاعة فى ظل ديمقراطية حقيقية فاعلة سواء أكانت ديمقراطيات غنية أم فقيرة نسبياً. لقد كان المألوف أن تقع المجاعات فى الأقاليم المستعمرة الخاضعة لحكام خارجين أجانب أو فى بلدان خاضعة لنظام الحزب الواحد، أو فى ظل الديكتاتوريات العسكرية وهكذا نقول إن افتقاد الشعوب لحرية الاختيار هو أسوأ أنواع القهر وسيطرة الفكر الديكتاتورى وممارسة سلطة الإرهاب الفكرى حتى ولو تم ذلك من قبل من ينادى بالعولمة.
2- الفقر وعدم المساواة (البطالة):
تحدثت إمارتيا عن الفقر وارتباطه بالحرمان وعدم المساواة وما يترتب عليه من مشاكل تتمثل فى تكون جيل فاقد قدراته الأساسية وقدراته الأولية التى تنعكس سلباً عليه، كذلك تحدثت عن البطالة التى تسود كثير من بلدان أوروبا وأمريكا و " تقضى إلى مظاهر حرمان لا تنعكس واضحة فى إحصائيات توزيع الدخل " ثم تستطرد قائلة إن البطالة مصدر إضعاف بعيد المدى للحرية والمبادرة والمهارات الفردية والمعروف أن البطالة لها آثار عديدة، من بينها أنها تسهم فى الاستعباد الاجتماعى لبعض الجماعات وتسبب فى شعور بفقدان الاعتماد على الذات والثقة بالنفس، علاوة على إضرار تصيب الصحة النفسية والبدنية ".
وهكذا تطرح المؤلفة قضايا الفقر وعدم المساواة والبطالة وما يترتب عليها من انعكاسات سلبية خاصة فى مجتمعات لا تتحمل فيه الدول مسئولية إعالة العاطلين وهو ما يسبب أضرارا اجتماعية عديدة تؤدى إلى انتشار أمراض اجتماعية ونفسية وأخلاقية كلها أمراض لازال يعانى منها مجتمعنا العربى كما فى مصر على سبيل المثال" وعليه نرى أن كثير من هذه المشكلات قد وجدت بنسب مافى المجتمعات الإنسانية إلا أننا نرى أن العولمة تسهم بدورها السلبى فى ازدياد نسب البطالة والفقر فى كثير من دول العالم فهى " تزيد الفقراء فقراً والأغنياء ثراءً وثروة وهذا القول صحيح ولا يجانبه الخطأ .
3- الديمقراطية وأهميتها وعلاقتها بالعولمة.
يحدثنا د. محمد مقدادى عن الديمقراطية والشورى ويرى أن الشورى منهج إسلامى خالص جاء مع الرسالة السماوية وبأمر مباشر من الله تعالى، فى حين تمثل الديمقراطية منهجاً سياسياً قادماً من بيئة مغايرة هى بيئة الغرب، الذى لم يمتلك أمر الشورى ولم يكلف بها، فإنها- أى الديمقراطية- تمثل واحداً من الإنجازات الوضعية التى توصلت إليها المجتمعات بحكم حاجتها لتنظيم علاقات سياسية واجتماعية، تساعدها على فض نزاعاتها وحل جل مشكلاتها الداخلية متخذة سبيل الحوار والمكاشفة " .
مما سبق يؤكد د. مقدادى على توافق الديمقراطية والشورى فى منهجها وأهدافها، إلا أن الفارق أن الشورى نظام إسلامى كتب له أن يؤيد من قبل الغرب وحل محله الديمقراطية كبديل يعرفه الغرب فى حل مشكلاتهم على اعتبار أن الديمقراطية تعتمد وتقر الرأى والرأى الآخر، وهو ما يحققه نظام الشورى ولا يختلف مع الديمقراطية المعاصرة، وعليه فليس هناك ما يمنع من أن ننادى بالديمقراطية فى مجتمعاتنا العربية ونسعى إلى تحقيقها بكافة السبل لأنها الترجمة الصحيحة لفكر المجتمع المعاصر الذى ينادى بالتعددية وينبذ الانفرادية.
يؤكد د. طاحون على ضرورة تلازم الديمقراطية والعولمة، بل أكثر من ذلك يرى ضرورة أن تتسم العولمة بالديمقراطية فنحن فى بداية " ثورة كوكبية" لكنها مع ذلك لحظة حاسمة، تستدعى أن نذكر بأنه بات أمراً ملحاً إضفاء طابع ديمقراطى على العولمة، حتى لا نفاجأ بأن العولمة قد شوهت الديمقراطية كما أنه من الضرورى أيضاً إعادة تأكيد أن هذه العملية لابد أن تصاحبها تنمية فى العالم الثالث. وما لم نضع فى حسابنا أولوية الأمرين السابقين، فقد نجد أنفسنا معرضين لخطر اندلاع صراعات جديدة، لا يشكل عدوان الحادى عشر من سبتمبر 2001 سوى نذير شئوم بها ".
إن إلصاق صفة الديمقراطية بالعولمة يترتب عليه ضرورة أن تتحقق التنمية فى هذا المجتمع الذى يطالب بقبول العولمة- أقصد العالم الثالث تحديداً- لذا كان من الطبيعى أن يسمح لهذا العالم بأن ينمى قدراته الاقتصادية وألا يخضع لقانون التبعية والاستبدادية وديمقراطية الأغنياء فقط وحريتهم فى انتقال رؤوس أموالهم ونجاح مشاريعهم، إن حدث هذا- أقصد تنمية مجتمعات العالم الثالث- فمن المنطقى قبول العولمة لأنها ستقبل فى أجواء من الحرية والديمقراطي .
لاشك أن تتحقق وتوفر مناخ الديمقراطية والشورى سوف يسهم- كما سبق القول- فى تحقق الاستقرار الاقتصادى وهو ما سوف يسهم بدوره فى تحقيق مفاهيم الأمان للمواطنين العاديين إذ لا يقتصر السوق على الأغنياء، بل سيشمل على الجانبين. ولعل هذا التفكير لابد أن يتحقق كما حدث من قبل أمريكا لأوروبا إذ سعت الولايات المتحدة الأمريكية فى أعقاب الحرب العالمية الثانية إلى ضرورة مد جسور التواصل والتعاون مع دول أوروبا وأسيا لأنها أدركت " أن نموها الاقتصادى سيظل محصوراً فى حدودها من دون تفعيل الاقتصاديات لشراء هذه المنتجات، وكانت مساعدة أوروبا وأسيا على استعادة عافيتها هى الشئ الصحيح المفترض القيام به، والفشل فى القيام بذلك قد يخاطر بالسماح للشيوعية بالانتشار، لذلك وضعت خطة " مارشال" لمساعدتهم فى إعادة البناء".
وهكذا جاءت مساعدات أمريكا لأوروبا وأسيا لاستمرار سيطرتها على اقتصاديات السوق وهو ما يجعلنا نتساءل هل تسعى أمريكا فعلاً لتقديم يد العون تحت مسميات مختلفة لكثير من دول العالم ولكن نسأل: خشية من هذه المرة، هل خشية من تيار الإسلام الزاحف عليها أم من ازدياد قوى أوروبية أخرى- اليابان- ألمانيا- فرنسا مثالاً واقتلاع دفة القيادة منها، إن الدارسين لتاريخ الشعوب بحق ليدرك أن أمريكا لا تتحرك لدفع خطوات العولمة بكل هذه القوة إلا خشية من عدو سيقاسمها أمجادها أو لعله سينفرد دونها بقيادة العالم.
4- الكراهية المتولدة ضد بعض الشعوب:
تثير قضايا الكراهية ضد أمريكا ومن يناصرها من شعوب الغرب مثل انجلترا أو فرنسا أو من شعوب الشرق مثل إسرائيل تساؤلات عديدة لماذا نمت قضايا الكراهية حتى أصبحت مثار استفسار ودفاع من قبل الساسة والمتحدثين الرسميين الأمريكيين، ولماذا ازدادت الكراهية فى الفترة الأخيرة، هل بحق تكون الكراهية وليدة العولمة وهل بحق ما يمارس ضد العرب والمسلمين فى أعقاب الحادى عشر من سبتمبر 2001 من بين الأسباب التى أدت إلى كراهية المسلمين للأمريكيين، ولعلنا نقول هل اتهام المسلمين بالإرهاب وتشويه صورة المسلم كانت من بين الأسباب الأساسية وإن لم تكن الوحيدة التى حركت الكراهية ضد شعوب أمريكا هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية حظت انجلترا فى عهد تونى بلير بهذا المقدار من الكراهية ضده شخصياً وضد شعوب انجلترا ولعل تصفحنا للمقالات السياسية والإخبارية لدليل بين على ما تحظى به انجلترا المؤيدة للسياسة الأمريكية من كراهية ورفض.
أيضاً تحركت مشاعر المسلمين غضباً واستثارت حقداً على فرنسا عندما أصدرت القوانين التى تمنع حجاب المسلمة وتمنع ارتداء الحجاب فى المدارس وهو الوضع الذى أقدمت عليه تركيا لبلوغ رضا الغرب والانضمام إلى المجموعة الأوروبية من كل هذه الممارسات اتضحت بعضاً من أسباب تنامى قضايا كراهية المسلمين لبعض من شعوب العالم.
ولعل مطالبة الغرب بضرورة أن نتمتع بالتسامح، المطلب بحاجة إلى وقفة إذ كيف يمكن فى عصر الحريات والعولمة والديمقراطية وحرية الأديان والمعتقد يحارب الاسلام والمسلمين وكيف يمنع الحجاب ولا تمنع الفتاة من ارتداء الموضة ولا يمنع الشباب من الدعوة لعقيدة " عبادة الشيطان" أو ارتداء الحلى والتخنث وغير هذه من دعوات العولمة.
ب - قضايا حقوق المرأة
شهدت مصر مؤتمر المرأة والسكان الذى عقد عام 1994 واتبع بالمؤتمر الثانى فى الصين عام عام 1995، وجاء المؤتمر الأول ليفجر الكثير من القضايا التى روجت لها بعض النساء العالمات من داخل المنطقة العربية ووجدت فيه ضلاتهن المنشودة. حقاً أين هى حقوق المرأة ؟ ولماذا تسكت المرأة عن حقوقها ؟ وكيف تسكت وقد وضعت قضاياهن على طاولة النقاش؟ ولابد أن يصرخن طلباً لتحقيق طموحاتهن فى أن ينافسن الرجال وتصبحن وزيرات ؟ ولماذا وقد كن قبل هذا التاريخ بعقود وزيرات ؟ وقد حصلن قبل 1400 سنة على حقوقهن ؟ هل يسعين إلى الحقوق المشروعة أم إلى الحقوق غير المشروعة دينياً وترفضها الشرائع السماوية ؟ هل تسعى النساء إلى الخلع مثلاً أو إلى الاجهاض أو إلى حقهن فى ممارسة أمراضهن الجنسية على الملأ دون رادع أو ماذا ؟
إن هذا المؤتمر المسيس من قبل مروجوا النظام العالمى الجديد إنما أثبت فشله وهذا ما حاول الرافضين له أن يثبتوا أو يواجهوا رأيهم إلى العالم ويقروا أن الغرب- من خلال هذا المؤتمر- إنما سعى إلى أن " يصدر أمراضه الاجتماعية إلى ثقافات العالم، بوصف ذلك جزءاً من التطويع الثقافى للعالم الثالث لمقتضيات النظام العالمى الجديد".
إن المتابع لتوجهات هذه النوعية من المؤتمرات ليؤكد فشلها وتراجع دورها على خريطة المد الغربى على المستوى الاجتماعى والثقافى نظراً لما تحمله هذه المؤتمرات من أفكار من الصعب بمكان أن تسود عالمنا العربى المسلم أو المسيحى. ولعل الكثير من المثقفين وعلماء الاجتماع ورجال الدين فى الكثير من الدول العربية قد ترددوا حول ما جاء به مؤتمر المرأة والسكان وادركوا خطورة ما يطرحه من أفكار عارية عن الحقيقة وبعيدة عن روح الإسلام، وهو ما دفع بالقائمين على هذا المؤتمر إلى ابعاده عن مصر عندما عقد فى المرة الثانية ولاقى مالاقاه المؤتمر الأول من رفض وهجوم.
إن الدارس لديننا الإسلامى والمتابع لثقافتنا العربية المقروءة أو المرئية أو المسموعة ليؤكد أنها ثقافة حريصة على المرأة ومكانتها وحقوقها فيكفى أنها الأم والزوجة والابنة والحبيبة فما أجمل ديننا الذى وقرها وما أجمل وأحن وأرحم رسولنا الذى نادانا وطالبنا بالرفق بالقوارير، وما أروع ثقافتنا العربية الإسلامية التى أجلت المرأة وميزتها عن مثيلاتها فى العالم الغربى الذى وضعها فى مكانه – منذ ظهور المسيحية وصولاً إلى عهد قريب- لا تزيد عن كونها زوجة أو راهبة فى الدير ولم يسع الغرب إلا فى العصر الحديث لاستنهاض المرأة وإشراكها شراكة اقتصادية دافعها هو الانتاج لتبقى على حساب كافة المواثيق والأعراف التى تنادى بأحقية المرأة فى مكانة أفضل وهذا ما حققه الإسلام.
إن الراصد للتغيرات الاجتماعية والأخلاقية التى مر بها المجتمع الغربى منذ العقدين الأخيرين من القرن الماضى ليرى كيف سعت المجتمعات الغربية إلى القضاء على مفهوم الأسرة، وها هو الكاتب الفرنسى" اندريه جيد " يعلن رفضه للإسرة، ولهذا النظام الخانق بقوله " أيتها العائلة إنى أكرهك" وهلل الكثير من المتحمسين له، وأكدت من بعدها الاحصائيات " تنامى ظاهرة الزواج الحر، والإنجاب خارج مؤسسة الزواج، وتزايد أعداد الأفراد الذين يعيشون بمفردهم سواء من الرجال أو النساء. وبمعنى آخر، توقف الزواج عن أن يكون الفعل المؤسس والشرعى للعلاقات الثنائية، وأصبح سجناً لا يطاق ويرى علماء الاجتماع أن الفرد كسب ذاته فى هذه الأجواء، فى مقابل تراجع أو خسارة أو ضياع العائلة ".
وهكذا يسعى أشياع العولمة إلى غرس مجموعة من القيم الجديدة تأتى كلها على حساب المرأة – الأسرة – الزوجة الأمة، لكى تستحدث نظاماً جديداً فى مجال الحرية والتخلص من العلاقة الزوجية الكلاسيكية، وبالتالى إباحة وإتاحة الفرصة للمرأة لأن تفعل ما تراه يناسب ميولها الجنسية.
تحدثت د. نهاد صليحة عن مشاكل تتعلق بتجسيد وتصوير قضايا المرأة فى المسرح المصرى خاصة والعربى عامة وأشارت إلى أن ثقافتنا العربية تعلى من شأن الكلمة على حساب الجسد وما ترتب عليه " تقييده وتقسيمه لصالح أفعال القول" وهكذا تعرض د. نهاد لقضية ذات أهمية فى الإبداع المسرحى المتعلق بكيفية النظرة وكيفية التعامل مع المرأة كممثلة على خشبة المسرح وكيف أهدر الكثير من المبدعين مكانة المرأة حين تحول الكثير من المخرجين إلى مخاطبة الغرائز الحسية والجسدية، بعيداً عن فكر وعقل المرأة، هذا من ناحية.
من ناحية ثانية فإن الكثيريات من الممثلات اللائى يعجزن عن إقناع المتلقى بفكرهن يستبدلن ذلك بالإثارة الجنسية ويجيدن توصيل ذلك ويجدن لهن جمهور عريض.
فى المقابل سعى بعض المبدعين إلى التركيز على الكلمة أكثر من الصورة (الجسد) لذلك بدأت رحلة المسرح المصرى بالمحافظة على مكانة المرأة وصورتها، فلم تقدم المرأة وقضاياها إلا من منطلق يحفظ لها الاحترام حتى تبدو كالرجل فى بعض الأحيان كما فعلت فاطمة رشدى حينما جاء أداؤها لا يختلف عن أداء الرجال كثيراً.
وهكذا يطرح السؤال هل نحن أمام المحافظة والكلاسيكية فى النظرة إلى المرأة سنضحى بفن المسرح ؟ أم سننفتح على الخارج ونتيح التعامل مع المرأة بكل حرية ؟ إن سؤالنا يركز بطبيعة الحال على قضايا المرأة وعلى كيفية تجسيدها على خشبة المسرح فى ظل العولمة التى تنادى بأحقية المرأة فى ممارسة حقوقها كاملة.
إن ما سوف نقرأه أو نشاهده من أعمال مسرحية قدمت فى العقدين الأخيرين من القرن العشرين ليؤكد أن الكثير من الكتاب- وهم الأكثرية- والكاتبات- وهن أقلية لا تذكر- قد عرضوا لقضايا المرأة ونادوا بضرورة حدوث التحول الفكرى من قبل الرجل والمجتمع فى تقبل الجديد فيما يتعلق بحقوق المرأة. ذلك أن الحركة النسوية التى ظهرت فى الغرب وانتقلت إلى الشرق لم تظهر بشكل واضح وجلى فى الكثير من الأعمال المسرحية النسائية أو التى كتبها الرجال، حيث أن كافة هذه الأعمال قد ركزت على العلاقة بين الرجل والمرأة وكفاحها من أجل الحصول على حقوقها المتمثلة فى المساواة بالرجل وحقها فى العمل وحقها فى الزواج وقتما تشاء وكيفما تشاء وقد نسيت الكثير من القضايا المرتبطة بالعولمة التى ظهرت فى الغرب فى أعقاب الحداثة وما بعد الحداثة وفى إطار مهرجانات القاهرة للمسرح التجريبى.
لا تزال هناك مساحة فاصلة بين المبدع الغربى والمبدع العربى وبين المتلقى الغربى والمتلقى العربى وبينهما تتمثل المضامين والموضوعات التى لا تزال ثقافتنا العربية وأذوقنا عصية على تقبلها، لذا لن تجد العولمة سبيلها بسهولة فى ثقافتنا العربية وإن روج لها المروجين ذلك أن ثقافتنا العربية قد تعرضت عبر رحلة الحياة والفن إلى العديد من التأثيرات التى لم تدم طويلاً وجاءت جميعها سطحيه سرعان ما تتراجع بفعل رسوخ عادتنا وتقاليدنا وثقافتنا وصعوبة الإحلال بثقافة الغير.
قضايا الإرهاب (العنف – الجريمة):
إذا كنا لم نتوقف لتعريف المقاصد بالقضيتين السابقتين فإن الأمر يعود إلى شيوع المعانى المحددة والاستخدامات المتكررة لقضايا حقوق الإنسان أو حتى قضايا حقوق المرأة. أما الجديد هنا فهو مصطلح " الإرهاب " الذى أضحى يستخدم استخدامات إعلامية متكررة حتى كاد المعادل لكلمة عنف أو جريمة أو كفاح ضد المستلب أو غيرها من المعانى التى تفضل الكثير من الدول وخاصة أمريكا وإسرائيل استخدامها لكل من يقدم على عمل لا يحظى برضاها وموافقاتها.
تحدث عدد من المتخصصين عن قضايا الإرهاب وارتباطها بالعنف والجريمة سواء على مستوى الأفراد أو على مستوى الشعوب والحكومات إلا أن رأى د. أسعد السحمرانى فى تحديد الإرهابى أراه موفقاً وأتفق معه انطلاقاً لما آل إليه حال العالم فى تعامله مع الإرهاب على مستوى الفاعل له والمنظر له والداعى له وعلينا أن نقتنع بصحة ما يطرح حول تعريف الإرهابى الأول فى العالم حين يقول " إن تحديد الإرهابى وتعريف الإرهاب بدقة سيبين بوضوح أن الأمريكى هو مصدر الإرهاب ومنتجه حالياً، وعبر تاريخ يمتد إلى الوراء خمسة قرون- فمنذ خمسة قرون ونصف عند اكتشاف العالم الجديد- القارة الأمريكية- ذهب قراصنة من أوروبا إلى هذا العالم ومارسوا على امتداد سنوات عملية إبادة سكان البلاد الأصليين- الهنود الحمر- وبعد ذلك راحوا باتجاه القارة الأفريقية فى أوسع عملية استرقاق عبر التاريخ ورحلوا الملايين من السكان المستعبدين الملونى البشرة إلى امريكا يستعبدونهم ويستخدمونهم فى الإعمار والخدمة ".
وهكذا يحدد السحمرانى مصدر الإرهاب ومنتجة ويركز على امريكا التى أضحت لا تكتفى بإزاحة السكان الأصليين عن وطنهم ولكنها محت ثقافاتهم واحلت محلها ثقافة السكان الجدد الأوروبين، بل أكثر من ذلك استقدمت الزنوج من افريقيا واستعبدتهم فى إسلوب يغلب عليه ممارسة سياسة الإرهاب الفكرى لمن يجرؤ على المخالفة، بل أكثر من ذلك مارست امريكا إرهابها وعنصريتها على كثير من شعوب العالم الأخرى وساهمت فى استقدام اليهود من كل بقاع العالم وإزاحة الفلسطينين عن اراضيهم ومسحوا هويتهم وزرع هوية جديدة للمكان، ذلك ما مارسته امريكا ضد شعوب العالم فى اليابان، أو فيتنام أو العراق وما مارسته اسرائيل ضد لبنان وسوريا والفلسطينين والجنود المصريين فى حرب 1967 وكيف مارست الارهاب وكانت تدفنهم أحياء فى مقابر جماعية وهو ما حدث فى حرب تحرير الكويت إذ دفن الجنود العراقيون فى صحراء الكويت- ما بين المطلاع والعبدلى" .
نعم هذا هو الإرهاب فأين موقع المسلم من هذا الإرهاب وكيف يصبح كفاح الشعوب فى فلسطين أو أفغانستان أو العراق أو لبنان أو غير ذلك من دول العالم كيف يصبح هؤلاء إرهابين ويوصف كفاحهم بالإرهاب بينما تنادى أمريكا وأوروبا والأمم المتحدة باليهود شعب يكافح ضد كارهيه وأعداء السامية " إن قضية الإرهاب هى أبرز تناقضات العولمة الثقافية. ومع أن أحداً لا يجادل فى تجريم الإرهاب وتأثيمه، فإن جدلاً واسعاً يدور حول تحديد الأفعال التى تندرج تحت وصف مصطلح الإرهاب. ومن المثير للدهشة أن مطالبة المغلوبين على أمرهم بحقوقهم ومقاومتهم للاحتلال والعدوان أصبحت توصف بالإرهاب، فى حين أن الصمت غير البليغ يظل سيد الموقف حال ممارسة الأصدقاء والحلفاء لإرهاب أصيل يلحق بالمدنيين الأبرياء العزل" .
يؤكد د. طاحون أن الإرهاب الذى مارسه الساسة ورجال الدين فى العصور الوسطى فى أوروبا وخاصة فى فرنسا لا يزال يعمل بنفس القسوة حيث شهد العالم فى النصف الثانى من القرن العشرين" صنوف من المعارضين والرافضين سواء فى الاتحاد السوفيتى عام 1950 والصين 1965 واشياع الشيوعين 1975 حيث نجحت الشيوعية فى الصين. وهكذا ساد كل هذه الفترات اعداداً من المعارضين الذين كانوا فى كل العصور، ضحايا الإرهاب الفكرى، وعوملوا كرجعيين، وفاشيين، ورأسماليين، واستعماريين، ومحتالين وعنصرين، وكارهين للآخرين، ذلك لمجرد أنهم اختلفوا مع التوجهات العامة فى هذه الأزمنة، وكان جزاؤهم أن يعودوا صاغرين إلى الصمت والكبت كالأحياء الأموات".
إن الجريمة والعنف إنما هما شكلان من أشكال الدفاع اللذين مارسها الإنسان فى حالتى الإعتداء على حقوق الغير أو الدفاع عن الحقوق ضد المعتدين، إلا أن البعض يرى أن الجريمة والعنف إنما هما شكلان أرتبطا فى الفترة الأخيرة بالعولمة، فيرى د.مقدادى أن " من بين ما حققته العولمة فى خدمة التجارة العالمية الحرة قد انسحب ليصب فى خدمة المجرمين، إذ كان للجريمة نصيبها من وليمة الإنجازات العالمية، حيث تمكن محترفوا الجريمة من الإفادة من شبكات الاتصال السريع وأدواته" ولم يصنفوا من قبل القائمين على العولمة بأنهم إرهابين، بل وجه هذا الوصف إلى الآخرين.

4- قضايا الأقليات والاضطهاد الدينى:-
تسعى اليوم امريكا- اقصد تحديداً فى العقدين الأخيرين من القرن العشرين – إلى ضرورة إعطاء الأقليات الدينية وحقوقها الدينية وأن لها الحق فى أن تمارس خصوصيتها الدينية كيفما تشاء وإلا يصبح هذا البلد محل تشهير وتجريم لأنه يمارس الاضطهاد الدينى لهذه الأقليات والعرقيات.
لاشك أن هذه الصحوة التى مارستها امريكا فى مصر مراراً وتكراراً على الأخوة المسيحيين الذين هم وبحق ضمن النسيج الحضارى للمجتمع المصرى تظهر من قبل دعوات تنادى بضرورة مراعاة حقوقهم على اعتبار أنهم أقلية، أو أنهم محرومون من إقامة كنائسهم أو شعائرهم. فالقارئ لحقوق الأقباط فى مصر بدير سانت كاترين يدرك ضمان كافة حقوقهم من خلال الوثيقة التى وقع عليها الخلفاء الراشدين الأربعة وعدداً من قادة الإسلام وقتها كفل لهم كافة حقوقهم. ولكن اليوم تنادى أمريكا بحقهم المسلوب وأن على الحكومة المصرية ألا تمارس عليهم سياسية الاضطهاد الدينى.
ظهر إلى الوجود عددٌ من القضايا المرتبطة بالأقليات فى كثير من دول العالم فقد نادت أمريكا بحقوق الأكراد فى شمال العراق ولكن فى تركيا لا، ونادت بحقوق الأقباط فى كثير من الدول العربية والخليجية فاستجابت الكويت وبنت لهم عشرون كنيسة لممارسة شعائرهم كما سمحت لأصحاب الأقليات الدينية من إقامة أماكن أداء شعائرهم الدينية كالهنود، كذلك نادت فى السعودية بحقوق اليهود التاريخية إلا أن الواقع أثبت بعدم وجود هذه الآثار الخاصة باليهود هناك، كما نادت بأحقية كافة حقوق من هم على غير دين الإسلام فى كافة أرجاء العالم.
إن الحديث عن قضايا الأقليات والاضطهاد الدينى الذى علت صيحاتها فى القرن العشرين فى كثير من بلدان العالم الغربى فى الربع الأخير من القرن العشرين إنما نجد لها صدى أمام ما حدث فى العصور الوسطى حيث يشير "لين سكيلز" فى مقالة " هل نحن أمام ردة إلى بربرية العصور الوسطى" ؟ يشير إلى " مأساة التطهير العرقى فى العصور الوسطى، ويخلص إلى أن العصور الوسطى قد شهدت بالفعل موجات من العنف والاضطهاد وبسبب التباين العرقى، ولكن هذه الموجات- رغم ذلك – كانت أقل ضراوة وتكراراً عما هى الحال اليوم فى ظل " مدينتنا المعاصرة ".
إن الرأى السابق الذى يدمغ العصور الوسطى بأنها عصور العنف والاضطهاد الدينى ومحاربة الأقليات إنما يؤكد فى جانب آخر منه أن ما يحدث اليوم فى القرن الحادى والعشرين من تصفيات وإبادات عرقية لكثير من دول العالم خاصة من المسلمين ليؤكد أن ما حدث فى أفغانستان والصومال وفلسطين وكوسوفو إنما تنسحب عليه صفة جلساء العصور الوسطى. فقد " دأب مراسلو وكالات الأنباء والمحللون على وصف ما وقع فى البلقان من أحداث دامية بأنه إنما ينتمى إلى روح البربر والهمجية والسادية والتعصب المقيت " ونسى هؤلاء أن ما حدث ارتبط بتصفيات الأقليات المسلمة- كما يرون – بين الأكثريات المسيحية وهو ما حدث فى العصور الوسطى بين المسيحية ومن هم على غير المسيحية وشهدت هذه الفترة استشهاد كثير من رموز الدين المسيحى ومن معتنقى المسيحية.
أشار لين سكيلز فى دراسته السابقة عن أساليب التعامل مع بعض هذه القضايا المرتبطة ببعض العرقيات ويؤكد أن العصور الوسطى شهدت ما يشهده القرن العشرين من حروب لأسباب عرقية، وأيضاً موجات من الاضطهاد الدينى العرقى وأيضاً حروباً لأسباب عرقية وموجات من الاضطهاد وترحيل شعوب بعينها ونسوق أمثلة من العصور الوسطى:-
1- قام الاسكتلندنيين بطرد البريطانين واستأصلوا شأفة البكت وتمكنوا بعدها من الاستيلاء على الأرض التى هى فى حوزتهم الآن.
2- قيام شارلمان الامبراطور الفرنجى بتهجير عشرة آلاف من أهل سكسونيا مع عائلاتهم بعيداً عن موطنهم الأصلى بعد أن ثاروا عليه.
3- قيام الملك ادوارد الأول فى شمال أقليم ويلز فى ثمانينات القرن الثالث عشر، بترحيل جماعات من السكان الأصليين وتوطينهم فى بقاع أخرى، وذلك لكى يخلق مناطق متكاملة لا يسكنها إلا انجليز خلص على أرض ويلز.
4- قيام ادوارد الأول فى سنة 1290م بتهجير اليهود.
5- وفى اسبانيا سنة 1492 فى ارجونه وقشتاله. وكذلك فى المانيا.
بلغ عدد اليهود الذين طردتهم السلطات الفرنسية من البلاد قرابة 10 آلاف نسمة أما الذين طرودوا من أسبانيا فقد تراوح عددهم ما بين 12 ألفا و15 ألف نسمة.
ونضيف نحن أنه فى القرن العشرين شرد المجتمع الدولى – امريكا – انجلترا- فرنسا- شعب فلسطين من أراضيه وزرع مكانهم اليهود وأعطاهم وطن بديل عندما عجزوا عن توفير ذلك فى الغرب .
هل حقيقى تسببت العولمة فى ظهور ايديولوجيات الهويات العرقية والدينية ؟.
إن قيام أعداد كبيرة من شعوب العالم الذين استلبت حقوقهم فى داخل اوطانهم أو استلبت أراضيهم أو من ضاعت احلامهم داخل مجتمعاتهم أو من هاجروا بمحض ارادتهم لاستكمال دراساتهم العليا ثم رفضوا العودة إلى مجتمعهم الأم لما يدركوا من الفوارق المتاحة بين كلا المجتمعين. كل هؤلاء بعدوا على أراضيهم أو ابعدوا عن أراضيهم كما حدث مع شعب فلسطين والعراق وليبيا والسودان وغيرهم من دول العالم، وهكذا " أيقظت العولمة فى هذه الدول – التى سمحت بإستقبال المهجرين – نعرات التعصب العرقى والدينى بين الأقليات العرقية والأثنية التى كانت تعيش – قبل ذلك – جنباً إلى جنب وتحتكم لقانون مركزى، وتزامن بروز هذا التعصب مع الدعوة المتصاعدة للتحرر الديمقراطى".
وعليه اسهم مناخ الديمقراطية والحرية فى هذه المجتمعات الغربية بظهور أجواء التعصب والفكر المتطرف، إذ سعى السكان الجدد إلى ضرورة تحقيق معتقداتهم الدينية وشعور أنهم أقليات داخل هذه المجتمعات- كما حدث فى أوروبا وامريكا – وبعد أن منحتهم هذه البلاد بعض الحقوق الدينية فى ظل مناخ الحرية والديمقراطية أدركت أنها تواجه بتيار من المتشددين أو المختلفين عن اقرانهم من أبناء الديانات الأخرى فى هذا المجتمع مما أوصل، بهذه البلاد إلى رفضهم ووصمهم بالمتطرفين والمتعصبين.
أما عن الشعوب الأخرى التى تعيش على اراضيها اقليات لم يكونوا محل رفض أو نبذ ولكن الأمر الداعى لرفضهم أو رفض أحوالهم جاء من خارج هذه البلاد كما حدث فى افغانستان إذ دعمت أمريكا كفاح الافغان فى نضالهم ضد الروس، إلا أنهم تحولوا ضدهم وأصبحوا وأصبح " بن لادن " الذى قواه الامريكان نموذج للمتطرف الإرهابى وهكذا تصبح هذه الأقليات المنسوبة إلى " بن لادن " نموذج للتطرف على حين تصبح الاقليات المسلمة الموجودة أيضاً فى بعض بلدان أوروبا متطرفة أيضاً بينما التى تعيش داخل الأرض العربية من الأكراد أو الأخوة المسيحيين هم الأقليات ولابد ألا يتعرضوا للإضطهاد الدينى.
وكأننا نقول أن هذه هى أمراض العولمة فقد نجحت العولمة وبكفاءة فى ظهور ايديولوجيات الهويات العرقية والدينية من خلال ما اعتقدته فى ظل أجواء من الحرية والديمقراطية غير أننا نقول أن ما أفرزته العولمة من قضايا متعلقة بالدين والمعتقد إنما نعانى نحن لا هم منها. ذلك أن مجتمعاتنا لم تشهد هذا الصدام الدينى من قبل إنما جاء مع الحملات الصليبية أو مع الإبادة العرقية التى مارستها شعوب بعينها .




#أحمد_صقر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العولمة الثقافية
- النقد النسائي (النسوي)
- نظرية العرض المسرحي في المسرح العرائسي للطفل
- تاريخية العولمة والقوي التي دفعت العالم إلي التغيير
- الارشادات المسرحية في مسرحية الزفاف الدامي للكاتب الاسباني ل ...
- البيئة العربية في مسرح لوركا الاسباني
- المسرح بين التجريب والعولمة
- في النقد التطبيقي ..مسرح نصرة المرأة
- سينوجرافيا المسرح ..المرجعية النظرية للعرض المسرحي
- آلية التلقي في المسرح ..دراسة في النقد الأدبي والمسرحي
- المسرح وتحديات العولمة
- الأسرة في المسرح الأمريكي المعاصر


المزيد.....




- مسجد باريس الكبير يدعو مسلمي فرنسا لـ-إحاطة أسرة التعليم بدع ...
- جيف ياس مانح أمريكي يضع ثروته في خدمة ترامب ونتانياهو
- وثيقة لحزب الليكود حول إنجازات حماس
- رئيس الموساد: هناك فرصة لصفقة تبادل وعلينا إبداء مرونة أكبر ...
- لقطات جوية توثق ازدحام ميناء بالتيمور الأمريكي بالسفن بعد إغ ...
- فلسطينيو لبنان.. مخاوف من قصف المخيمات
- أردوغان: الضغط على إسرائيل لوقف حرب غزة
- محلات الشوكولاتة في بلجيكا تعرض تشكيلات احتفالية فاخرة لعيد ...
- زاخاروفا تسخر من تعليق كيربي المسيء بشأن الهجوم الإرهابي على ...
- عبد الملك الحوثي يحذر الولايات المتحدة وبريطانيا من التورط ف ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - أحمد صقر - قضايا العولمة الثقافية وموقفنا منها