|
الأعور والعميان
ناصرقوطي
الحوار المتمدن-العدد: 3220 - 2010 / 12 / 19 - 15:43
المحور:
الادب والفن
ان الطريق الواحد الأحد الذي سيقودنا _ وبسرعة الضوء _ الى النجاة والالتحام بمؤسسات الثقافة العربية ، هو أن نبارك قاتلينا ولاعنينا ، أن نقبّل أكف الحكومات الدكتاتورية ، ونغض الطرف عن الغربان وضباع التاريخ ونهلل لكل كذبة تقال . أن نغدو مثل النمور في يومها العاشر في قصة الكاتب السوري زكريا تامر ونأخذ باجترار الحشائش والخطب الوطنية الرنانة ، تلك النمور التي اعتادت ، أو عودها الجلاد على المواء كالقطط .!. طبيعة المثقف الحقيقي _ لا الذنب _ طبيعة متمردة على كل مايمت بصلة الى القبح والتشويه ، وكل ما يحط من قيمة وقدر الانسان ، وعلى حد تعبير الفيلسوف الألماني فردريك نيتشة ( كل من ينهق بالرضا حمار بين الحمير ) . فليعطني أحد العربان المتباكين على الطاغية الساقط من روزنامة تاريخ العروبة الممتلئة بأمثاله ، ليعطني مثلا واحدا ، وعن حكومة واحدة تنظر إلى شعوبها برفعة وشفافية ، وتعامل أفراده معاملة ترتفع عن التعامل مع الغنم ، مواطن له رأيه وله امتيازاته التي نصت عليها منظمة حقوق الإنسان ، اعتقادا وأعرافا وعرقا ، ولنسأل أنفسنا ..ترى أي بلد عربي لم يهجر _ بكسر الجيم _ ويقصي مفكريه ومبدعيه الحقيقيين ، ويقوم بتصفيتهم بكواتم الصوت مرة ، والسجون مرات ، والإقصاء وتكميم الأفواه والنفي ملايين المرات ، والاسماء والوجوه كثيرة لاتحصى وقد تحتاج الىمجلدات لذكر الشهداء الشرفاء ممن لم يساوموا على كلمة حق ، أوليس الحجاج بن يوسف الثقفي ، هذه الشخصية الدموية التي يعتز بها الكثير من أبناء عمومتنا صورة صارخة حين يقول ( من تكلم قتلناه ومن سكت مات بدائه غما ) . عراق اليوم ليس عراق الأمس ، وان كان ثمة طغاة جدد فأول ما ستطاردهم وستفضحهم أقلامنا ، ولكن هل كان المثقف والأديب العراقي قبل السقوط ، صادقا مع نفسه وهو يرمم ماتخربه الأيادي الآثمة ، ويترجم بصدق ومسؤولية معاناة الناس والكوارث والحروب العديدة ، أم كان يزيف ويكذب ويجمل صور الخراب التي يراها . في وسط الثمانينيات وأيام الحرب مع ايران قرأت عدة مقالات في صحيفة الدولة لفنان عراقي معروف ، صدمت حينها من هول ماقرأت ، وكيف كان يصف صور المعركة ويصور الجثث المتفسخة والأشلاء المتناثرة ، من أنها أجمل الصور ، أيامها شعرت بالغثيان بل القيء ، ولم يعد ذلك الفنان الذي يرسم أجمل الصور بفرشاته والذي كنت معجبا به الا صورة للانتهازية ، فأي ازدواجية لمثقف هذه وأي تزييف للحقيقة هذا ، وأي مسؤولية يتمترس خلفها مثل هذا الفنان الذي يجب ان يكون مرآة لعصره ، وما أقرب حالة بلادنا الى حالة ذلك المبصر في رواية ( بلاد العميان ) للانكليزي هربرت ويلز ، حين كان يتخيل نفسه سيغدو ملكا عليهم لانه الوحيد الذي يرى بينهم ، غير انه يفاجأ بأنهم أكثر فطنة منه وهم المبصرون ليقودوه في النهاية الى التضحية ببصره ليغدو مثلهم . العراق الآن أول من تنفس الديمقراطية ، ولكل تجربة مخاضاتها وأخطائها ، فما ان تغير الحال بعد سقوط الدكتاتور ، حتى فوجئنا بموقف اتحاد أدباء العرب من عدم أهلية اتحاد أدباء العراق ، بحجة أوهى من خيط العنكبوت تلك الحجة التي تتعلق بالتحالف وقوات الاحتلال . ثمة سؤال يطرح نفسه ، ، هذه الجيوش المتعددة الجنسيات .. من باركها وخضب أكفها بحناء الدخول إلى العراق ..!!.. هذه الجيوش التي وطأت تربة الوطن ، لتلغي أكبر خطأ في تاريخ العروبة وهو ايقاف أكبر طاغية في المسرح العربي ، إيقاف استخفافه بالناس والقوانين الوضعية والسماوية ، هذه الجيوش كأنما لم تباركها الدول العربية ولم تسمح لسمائها بمرور طائرات العدو ، وتسخر أراضيها لسرفات مجنزراته ، قطعا نحن لسنا مع الاحتلال ولن نكون ، بعد ان كنا محتلين من أزلام الطاغية وأذنابه ، إلا اننا _ وخاصة من عاش في الداخل _ قد وصلنا إلى حافات الانهيار واليأس الشامل إزاء صمت الحكومات العربية وفي أشد المراحل قسوة ووحشية لم يحرك أحدهم ساكنا ، فأي مسوّغ هذا يجعل مثقفا وأديبا ، يرفع اصبعه ضدنا ، نقول .. لقد تركت آثار أقدام حفاة العُرب على وجه العراق ندوبا أكثر مما تركته سرفات الدبابات وللفوضى طريق .
#ناصرقوطي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السلالات السعيدة
-
فتيات الملح
-
خضرقد
-
غرباء
-
أعماق
-
الحائك
-
ايقاع الأمكنة
-
قصة
-
المحنة
-
عين النخلة
-
وهم الطائر
-
قصة قصيرة
-
قراءة في مجموعة - خمار دزديمونة - للقاص فاروق السامر
-
رواية شلومو الكردي (وأنا والزمن)دراسة نقدية
المزيد.....
-
طرد مشاركين من ملتقى تجاري في أوديسا بعد أن طالبوا المحاضر ب
...
-
المخرجة والكاتبة دوروثي مريم كيلو تروي رحلة بحثها عن جذورها
...
-
أولاد رزق 3 وعصابة الماكس.. شوف أقوى أفلام عيد الأضحى 2024 خ
...
-
الرِحلَةُ الأخيرَة - الشاعر محسن مراد الحسناوي
-
كتب الشاعر العراق الكبير - محسن مراد : الرِحلَةُ الأخيرَة
-
6 أفلام ممتعة لمشاهدة عائلية فى عيد الأضحى
-
فنانة مصرية مشهورة تؤدي مناسك الحج على كرسي متحرك
-
قصة الحملات البريطانية ضد القواسم في الخليج
-
أفراح وأتراح رحلة الحج المصرية بالقرن الـ19 كما دونها الرحال
...
-
بسام كوسا يبوح لـRT بما يحزنه في سوريا اليوم ويرد على من خون
...
المزيد.....
-
الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد
...
/ الويزة جبابلية
-
تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً
/ عبدالستار عبد ثابت البيضاني
-
الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم
...
/ محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
-
سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان
/ ريتا عودة
-
أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة
/ ريتا عودة
-
صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس
...
/ شاهر أحمد نصر
-
حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا
/ السيد حافظ
-
غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا
...
/ مروة محمد أبواليزيد
-
أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية
/ رضا الظاهر
-
السلام على محمود درويش " شعر"
/ محمود شاهين
المزيد.....
|