أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناصرقوطي - أعماق















المزيد.....

أعماق


ناصرقوطي

الحوار المتمدن-العدد: 3219 - 2010 / 12 / 18 - 01:32
المحور: الادب والفن
    



ما الذي ممكن أن يهمي عليك من ضباب إن كانت الأشباح تحيط هالة مخك ..!.. ضبابية اعترافاتك .. شطك الذي غدا هزأة لجوابي البحار وقراصنة أرصفة الموانئ البعيدة ، سواحلك الذهب ، شراعك الذي تمزق في غربة الآماد ونهشته مخالب الأهل قبل الغرباء . طيبتك الفريدة .. أنت أيها الفتى الجنوبي الذي لوحته كل شموس ومناخات الأصقاع وأعتكرت فوق جبينه الأسمر كل خطوط الطول والعرض ، مدججا بالصرامة والوجد ، ومازلت تسأل نفسك ولاتجد روحا أكثر حزنا وأنقى من عمق شاطئك المهمل ..!.. تتساءل لاأكثر وأنت تقف خجِلا قرب حافات الصلبة المتقاطعة للجسر .. جسرنا جميعا .. جسوركم التي امتدت وطالت ضفة الروح ـ الوطن ـ حين كنا نرمق بعيون دامعة ذؤابات الصواري التي تغرق ، وقد همس خاطر فينا على أن نخرج ونرى البيوت التي تتهاوى على صدى صراخ كائناتها وهي تبحث عمن يجيرها .. ولا منقذ .. آه .. لاأحد . ثلاثة رجال يقفون حذاء جدار بيت مهدم .. امرأة في نحو الخمسين تولول ، تستجير بهم .. صغارها يقمطهم الرعب .. الزوج جثة هامدة وهم يصرخون فزعا ..!.. ثلاثتنا ننظر بعيون ضفدعية مسمرة بالرعب ، كلس الحيطان يتحرك .. يتساقط احتجاجا على حركة الجرافات الضخمة وهي تحيل كل شيء إلى غبار . جثة أخرى أخرجت أمامنا و.... صامتون ...!... رجال السلطة صامتون أيضا.. ثالثة ... رابعة من تحت الأنقاض و... يلفنا كفن الصمت وقد غدونا أكثر مواتا من الجثث ، كلمة واحدة فهنا بها لخصت ضعفنا ، موتنا الأبدي حين همس أحدنا وقال .
ـ إنها قصة ..!؟ وأضاف الآخر مؤكدا ..
ـ صحيح هذا فهنالك الحبكة المتماسكة بين الجلاد والضحية ..!؟و..إنها حكاية تصدمنا كل لحظة . وكانت البيوت تنهار والأجساد المنخولة بالرصاص تقرفص .. تقعي بوداعة بصفوف طويلة أسفل الجدران المتداعية . جسوم صبية مدماة وجلادون يعلكون لبان اللحظة أمام جثة طفل مشيطة .. ولازلنا ننتظر .. ونسأل مياه الشط ونتساءل عمن أجل موتنا إلى حين.
ـ ماالذي يحدث ..
ـ لن يسعفنا غير الرصاص ..
ـ لا .. لاأتفق معك ..
ـ أنطأطئ لهم ..
ـ علينا أن لانهادن ولننطلق من الجرف ..!.. رد أصغرهم وهو يحلم بالنوارس ويرسل بصره نحو سماء رصاصية بنجوم مبعثرة ، وكانت كلماتنا تخفت .. تستحيل إلى همس .. تفقد نبرتها الإنسانية . ّ
ـ ماالذي ممكن أن يحدث ..!؟ قال كبيرنا
ـ الموت لاأكثر ..
ـ ومياه الشط ..!؟ قال أصغرهم ذلك وألقى بصره بأعماق زورق صغير كان مواربا لحافة الجرف الرملي ، فيما جرذان المياه تحاول أن تتسلق الحبل المشدود بين أعلى الجرف ومقدمة الزورق المستدقة.
ـ لن ينقذنا غير الشط ..!؟ قال نمير
ـ والأعماق ..!؟ أضاف حازم
ـ لاتحلمو أكثر .. العمل خلاصنا ..!؟ قال قدري منفعلا
ـ لنبدأ الآن ..!؟ صاح نمير وهو يفرغ ماتبقى من زجاجته . وعند جرف لشط ، قرب النصب البرونزية اتفق الثلاثة على أن يبعثوا بمخطوطاتهم وأن يضع كل واحد منهم كلماته وماتجول به قريحته في جوف زجاجته ويبعثوا بها إلى جهات الأرض ، عبر المياه التي ستحملها ..!؟
[ المخطوطة الأولى ] ...
إلى من لايهمه الأمر ..!.. أمرنا وأمر بلادنا تحديدا ، أكتب هذه الكلمات قبل أن يلوح الفجر في ( الساعة الخامسة والعشرون )* على توقيت اهتزاز ذنب الدعموص . أقذف كلماتي وأنا ثمل وناقم على ساعات الإنسانية التي لم تعد ترن
( فحتى الساعة العاطلة تكون مضبوطة في اليوم مرتين ) وأنا أتساءل حذرا من وقوع مخطوطتي بيد أبناء جلدتي، أما أنت أيها الغريب فإن كنت منغوليا أوطليانيا ، صقليا أو غاليا ولم تفهم اللغة التي أتحدث فأغلق الزجاجة وأعدها إلى المياه عسى تصل صليبها ، وان كنت عروبيا فلاتهشمها ، أعرف أن أمرنا لايعنيك ولكنني أتوسم فيك خصال عنترة بأن تقرأ مخطوطتي إن وصلت إليك سالمة دون أن يفتك بها غريب أو قرش قريب يتسول على ساحلنا الطيب . اقرأني جيدا وأطلق الزجاجة إلى الفضاء لتستريح بين جناحي موجتين . في ظهيرة هذا اليوم ، قبل أن تعلن ساعة المدينة الواحدة ظهرا هدمت الحكومة عشرة منازل في حارتنا فقط ومئات البيوت على طول البلاد . صورة حاكمنا تصدمنا كل لحظة على شاشات التلفزة بمعية حاشيته الميتة الحواس . أعي جيدا ألا منقذ ولكنها محاولة احتجاج يائسة لغريق يبحث عن قشة لم تلوثها أمواه السواحل . مستفردا بين ضباع السلطة ، كتاباتي لم تنشر حتى اللحظة في صحف الوطن ، اعتقلت مرات عدة مع بعض رفاقي إثر حيازتنا بعض الكتب ـ كتب الأدب ـ التي لاتروق لأزلام السلطة ، والحكاية تطول عما حدث في معتقلاتهم . لم أذهب وأعول كثيرا على منظمات حقوق الإنسان ، كنت أعرف النتيجة سلفا فآثرت الانزواء عند الجرف أقرض مخطوطاتي كالجرذ وأبعث ماتبقى منها في زجاجات استنفدت أرواحها ، وأعتقد أن الماء لن يخذلني بعد ان ألقيت له الكثير من أشلاء الروح وشظايا الأمنيات التي عصفت بها ومزقتها رياح السواحل و... هنا أنهي كلماتي لكي لاأثقل على كائن ما بهذه السطور والهموم التي لاتعني أحدا ، وقد توقفت الساعة عند آخر رشفة من الزجاجة واعتركت الموجات في الرأس و..وداعا ..

ح.ع/ ناقد أدب / التاسع عشرمن شباط/ 1999

[ المخطوطة الثانية ] ...

ريح جنوبية .. جنونية .. رطبة وثقيلة تهب من الشاطئ . الشط يطلق زفراته ، يختنق ، يغرق .. البلاد بأسرها طاحونة هواء فاسد .. أنا أختنق أيضا .. صرخات القتلى تنبثق من بين موج المياه ، تحاصرني من كل مكان ، ثمة كلاب مسعورة تنهش الجثث ، عواؤها يضج في رأسي ، يلتحم بعواء قطارات بعيدة ، رأسي يدور .. و... لاتنصحوني بتعاطي أي عقار كان
فأن العقار الذي أتعاطاه بمقدوره أن يلغي ذاكرة حمار إن كانت للحمير ذاكرة ، عليكم أن تذكروا شيئا واحدا فقط .. هو أني أزدريكم ، ألفظ قوانينكم كبصقة موحلة فوق رصيف آسن و... أُحار في أي لغة أُخاطبكم وأي حوار تفقهون أيها القادة (الفقمات) وأنا أكتب وأتكلم منذ أكثر من ربع قرن ولكن كمالو كنت أُخاطب جثثا لاغير أو أهز فزاعات محشوة بالقش ، ترتكنون إلى الصمت وتعلمون حال بلادنا التي تورمت بسرطانات قائدها ـ الضرورة ـ ولا تفعلون إلا مايرضي نزقه وغروره ..!.. إني لاأُخاطبك أيها المستفرد على ساحل ما ، ربما أنت مثلي ترتكن إلى عزلتك ، خلوتك المريرة لتبحث عن منقذ بين مويجات الشاطئ أو البحر وفي لواعجك تمور كرنفالات فرح سري لن تبوح بها لغير بحرك وساحلك الذي أعتدت ، فإن عبرت خلالك زجاجتي اعتبرها أنين موجة عابرة تهفو لتغيب في محيط ما و.. أشكرك يارفيق المحنة و.. لأصمت فقد خلت الزجاجة وفاض الألم .

ق . ح/ قاص / التاسع عشر من شباط 1999

[ المخطوطة الثالثة ] ...

أكتبها إليّ .. إلى غريب ما على ساحل ما وأتخيل راسما أوقيانوسات فرح لم تتلوث في مكان ما من العالم .. ستراها عين ما ، ربما عين زجاجتي التي تحتضن كنزها الثمين بأكف الموجات المندفعة كالإعصار ، لتحميها من الانزلاق نحو دوامات رعناء تطمرها إلى الأبد في ظلمة الأعماق ان ألغيت عن خاطري كل البرك الآسنة ومستنقعات البلدان المستباحة كما الوطن ، فلابد من مكان آمن تصلب فيه . قد تتمرغ في الوحول عبر رحلتها إليك ولكن يكفي أن ترى خلالها الأقواس المنحنية الهائلة لكائنات البحار الليلية وهي ترسم أقواس قزحها المشعة التي تناور في عتمتها الأبدية ، من يراعات مضيئة تتفتق كالنجوم في سماوات يباب ، وترى الزوارق التي تشطر المياه إلى نصفين وتشهد صبر صائدي الأسماك وهم يصرخون .. / اسحبوا الشباك .. ارموا السلاحف بعيدا / .. فيما القرويات الجميلات يغتسلن عند حافات الأنهر ، بين بيوت الطين والنخيل .. وهناك ياصاحبي .. الفتيان الصغار يودعون زوارقهم الورقية الصغيرة في الجداول والأنهر الفرعية ليناموا على حلم ما ويصحوا على الشاطئ ، ولكن ليس ثمة زورق .. لقد رحل بعيدا وملوا الانتظار .. أيضا أطلق زجاجتي إليك ..!.. زورقي الصغير الهش .. على حلم لاأكثر لأصحو يوما ولا أرى العالم وجر ذئاب .. فأراني أهرب منكم إلى شاطئ ما ، بعيدا عن مقصلة الوطن و.. ما من منقذ .. كانت المرأة تبكي وتستجير ولكن ..!.. الصمت خير متاع .. لأصمت .

ن .ر / رسام / التاسع عشر من شباط 1999

بعد ان قرأ الثلاثة مخطوطاتهم أولجوها زجاجاتهم بينما صرخ حازم وهو ينظر بحزن إلى زجاجته التي رماها دون أن يغلق فوهتها بسدادة الفلين ..
ـ لا .. وصلت من طيـ.....!
ـ ستقرؤها " الركة " ..!.. أجابه قدري ساخرا وهو يلف حول نفسه مترنحا ينوء بكرشه ليقذف زجاجته التي اصطدمت بكونكريت التمثال لتتهشم إلى شظايا صغيرة. ـ هه هه هه ..!.. انهار حازم ضاحكا وهو يضع رزمة الكتب التي يحملها على صلعته المتوهجة تحت ضوء مصابيح الشارع .
ـ أنظر إلى رميتي ..!.. قال نمير وهو ينظر إلى قدري مواسيا إياه فيما زجاجته تنقذف بعيدا ، حين مخر سطح الشط زورق للحرس الخاص فلاذ الثلاثة مترنحين رابعهم قهقهة ساخرة تتلاشى باتجاه شارع الوطن .
___________________________________
*رواية للكاتب الروماني ، كونستانتان جورجيو (تعالج أخطر تحول قيمي في تاريخ البشرية) .



#ناصرقوطي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحائك
- ايقاع الأمكنة
- قصة
- المحنة
- عين النخلة
- وهم الطائر
- قصة قصيرة
- قراءة في مجموعة - خمار دزديمونة - للقاص فاروق السامر
- رواية شلومو الكردي (وأنا والزمن)دراسة نقدية


المزيد.....




- التضييق على الفنانين والمثقفين الفلسطينيين.. تفاصيل زيادة قم ...
- تردد قناة mbc 4 نايل سات 2024 وتابع مسلسل فريد طائر الرفراف ...
- بثمن خيالي.. نجمة مصرية تبيع جلباب -حزمني يا- في مزاد علني ( ...
- مصر.. وفاة المخرج والسيناريست القدير عصام الشماع
- الإِلهُ الأخلاقيّ وقداسة الحياة.. دراسة مقارنة بين القرآن ال ...
- بنظامي 3- 5 سنوات .. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 الد ...
- مبعوث روسي: مجلس السيادة هو الممثل الشرعي للشعب السوداني
- إيران تحظر بث أشهر مسلسل رمضاني مصري
- -قناع بلون السماء-.. سؤال الهويّات والوجود في رواية الأسير ا ...
- وفاة الفنانة السورية القديرة خديجة العبد ونجلها الفنان قيس ا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناصرقوطي - أعماق