عبدالوهاب حميد رشيد
الحوار المتمدن-العدد: 3208 - 2010 / 12 / 7 - 07:59
المحور:
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
بدأت الموجة الثانية لهجرة العراقيين ممن هربوا من مذابح ذروة الحرب في العراق وعادوا إلى الوطن، ليواجهوا مرة أخرى ظروف العنف، علاوة على الضآلة الحادة في فرص العمل التي أخذت تدفعهم للهروب من البلاد مرة أخرى.
منذ الغزو/ الاحتلال الأمريكي العام 2003، صار اللاجئون مقياساً للحالة غير المستقرة في البلاد. يتدفقون إلى الخارج فترات العنف، ويعودون كلما لمحوا الاستقرار في العراق. تكشف هذه الهجرة الجديدة كم أن البلد ما زال بعيداً عن الاستقرار والأمن.
غادر أبو مريم العراق بعد أن قتلت قذيفة أخاه غير الشقيق العام 2005. وترك عمّار العبيدي البلاد بعد أن داهمت العصابات المسلّحة محله وهددته بالقتل. بينما هرب حازم هادي محمد التميمي من البلاد بعد أن فَرَّ الأطباء المعالجون مرض سرطان المبيض ovarian cancer لزوجته. انضمّ هؤلاء الثلاثة إلى موجة اللاجئين العراقيين العائدين كلما أنحسر العنف، لكنهم الآن يستعدون للرحيل مرّة أخرى.
"الشيء الوحيد الذي يمنعني هو أني لا أملك المال،" قالها أبو مريم، دون كشف هويته، خوفاً من انتقام المتطرفين في الحي الذي يُقيم فيه. عاد إلى البلاد بحدود مائة ألف لاجئ منذ العام 2008، وذلك من أصل أكثر من مليوني لاجئ عراقي في الخارج، وفقاً لحكومة الاحتلال في بغداد والمفوض السامي للأمم المتحدة لشئون اللاجئين.
ولكن مع عودتهم، لآسباب جاذبة- قناعتهم بتحسن الوضع الأمني في العراق- أو لأسباب دافعة- غياب فرص العمل- وجد العديد منهم أن الوطن لا زال غير مستعد لاستقبالهم.. بيوتهم ما زالت مشغولة من قبل الغير، أحيائهم غير آمنة، فُرص العمل بقيت ضحلة..
في أحدث مسح ميداني لمكتب الأمم المتحدة للاجئين العائدين إلى بغداد، ظهرت النتائج التالية: 61% أعربوا عن أسفهم لعوتهم لعدم شعورهم بالأمان.. 87% غير قادرين على توفير ما يكفي من دخل لإعالة أسرهم.. وهكذا ارتفعت طلبات اللجوء في سورية إلى أكثر من 50% منذ أيار/ مايو.
في حين، يُكافح العراق والعراقيون باتجاه العودة إلى الاستقرار، يتحمل اللاجئون العراقيون مخاطر أن يصبحوا مشردين في غياب دولة تضمهم. فرغم تراجع موجة المهاجرين من البلاد منذ العام 2008، إلا أن الموجة الجديدة من الهجمات الأخيرة ضد المواطنين المسيحيين العراقيين، قادت إلى تدفق هجرة جديدة.
العبيدي- الذي استخدم لقبه العشائري بدلاً من اسمه، لجأ لسوريا بعد أن انفجرت قنبلة بدائية بالقرب من أبن أخيه/ أبن أخته nephew أرعبت الصبي، بينما هددت العصابات المسلّحة بقتله. في إحدى الأُمسيات مؤخراً في بغداد، شعر العبيدي صعوبة في السيطرة على تنفسه في ظروف الانفجارات المستمرة في الحي الذي يسكن فيه. "قبل بضعة أشهر، وجدت نفسي واقفاً قرب انتحارية.. ثم كنت في شاحنة أخي عندما فتح مسلّحون النار على الجسر.. وقتُل صديقي أمامي بسكين.. لقد صرتُ مُدمّراً.. والدتي بحاجة إلى إجراء عملية لعينيها، وأنا لا أملك المال. نحتاج إلى مَنْ يُساعدنا... أشعر بمعدتي كالصخر.. تكاد أن تنفجر."
قبل أن تسرق العصابات المسلّحة محلات الأدوات tool shops التي كان يمتلكها العام 2006، وحسب قوله، كان إيراده بحدود ألف دولار في الشهر، ويُخطط للزواج. ولكن بعد عدة رحلات قام بها في الخارج، لم يجد عملاً. منذ عودته إلى بغداد، كافح من أجل الحصول على عمل بأجر يومي، وأخذ يحقق ستة دولارات دخل في اليوم. المرأة التي أراد أن يتزوجها صارت زوجة لرجل آخر.
دفع مرتين للمهربين لأخذه إلى استراليا في مناسبة واحدة، وإلى إيطاليا في مناسبة أخرى. لكن في كل مرّه كان المهربون يأخذون نقوده دون مساعدته. "الحياة كانت أفضل في سوريا، ولكن لا استطيع العمل هناك، وكذلك الحال في الأردن وتركيا، والمعيشة مكلّفة في الأخيرة. هذا هو سبب عودتي. لكن وطننا.. ليس وطننا our country is not our country.. إنه وطن إيران، نحن بحاجة إلى مَنْ يُساعدنا."
تُوفر الأمم المتحدة بعضاً من تكاليف النقل ومبلغاً صغيراً للعائلات التي تعود إلى العراق، لكن أقل من 4% من العائدين يستفادون من هذا البرنامج الأممي. أما لجهلهم بالبرنامج أو أنهم يبقون الطريق مفتوحاً أمامهم للعودة إلى بلد اللجوء، ويرغبون في استمرار مساعدة الوكالة الأممية لهم باعتبارهم لاجئين لا كعائدين يفقدون حقوقهم المادية والمعنوية في اللجوء.
بخصوص أبو مريم وأسرته الذين غادروا إلى سوريا العام 2005 وعادوا للعراق العام الماضي، فقد حان وقتهم لاتخاذ القرار بين خيارات سيئة. ووفقاً له: سوريا آمنة، لكنه شعر بـ "الإهانة humiliated" في سياق كونه لاجئاً أجنبياً يبحث عن عمل. يبيع ما لديه للحفاظ على استمرارية أسرته. بعد العودة إلى هنا (العراق)، لم يتمكن من العثور على عمل، والجيران في الحي ممن اعتادوا على احترام الأسرة "ينظرون إلينا نظرة متدنية look down on us."
بعد ظهر أحد الأيام مؤخراً، جلس في شقته من غرفتين فقط، مع بعض الفراش على الأرض، وقليل من الحاجات المنزلية، ليست عنده ثلاجة، ولا يتلقى من الكهرباء يومياً سوى بضع ساعات.
"كان عندنا جيران من الطائفة الأخرى سابقاً، ولم تكن هناك مشاكل على الإطلاق.. الحكومة خلقت الطائفية المقيتة،" حسب قوله. وهذا يعني أن الأحزاب السياسية تشكلت وفق قواعد عرقية/ طائفية، لإضفاء الطابع الرسمي على هذا التشرذم العراقي.. وصار الحي الذي يسكنه قاصراً على طائفته فقط، كما في بقية الأحياء التي صارت تضم أما هذه الطائفة أو تلك..
جلس على حافة الفراش وأمّه خلفه. قال: في الأشهر القادمة، سيرسل أخواته وأمه مرة أخرى إلى سوريا لضمان سلامتهم وأمنهم. بينما هو وزوجته وأطفاله الثلاثة سينتقلون عند عمِّه في العراق، وبذلك تنقسم العائلة إلى جزئين. متى يستطيع لم شمل العائلة في سوريا.. هذا أمر لا يعرفه الآن. "لقد انتهى الأمر.. وهذا كل شيء.. لن أعود.. كيف استطيع العودة..؟.. لا اعتقد أن للعراق فرصة أخرى.."
قال التميمي الذي شارك في حرب الثماني سنوات الدامية ضد إيران، بأنه كره ترك العراق العام 2006. "أنا أُحب بلدي." ولكن بعد سنوات من العقوبات والغزو/ الاحتلال الأمريكي للعراق، صار البلد يُعاني من ندرة في الأطباء والأدوية.. واحدة من الآثار السمّية الموذية التي دفعت باتجاه التشرد واللجوء. في الأردن وجد الأطباء لعلاج سرطان زوجته، لكنه لم يستطع العثور على عمل.. وقال بأنهم لا يُعالجون بشكل جيد.
الآن، وبعد مرور شهرين على عودته للعراق، إنه (التميمي) جاهز لترك وطنه مرة أخرى. رغم تحسن الأمن- كانت الرعاية الصحية هنا في العراق نموذجاً للمنطقة- ما زالت غير كافية، والأطباء لم يعودوا.. وقال: "حتى وإن اضطررت للنوم في الشارع، سأبقى أُراعي زوجتي."
تتلخص خطته التالية في الحصول على اللجوء في الولايات المتحدة، لكنه يعلم أن كل الاحتمالات ضده. توتّرت أحواله أثناء ذلك، في بلد لم يعد وطنه.. "أتأسف على عودتي.. لكن المشاكل المالية دفعتني للعودة.. العراق لم يَعُدْ يُساعد/ يحتضن العراقيين!!"
ممممممممممممممممممممممـ
Iraq’s Troubles Drive Out Refugees Who Came Back,By JOHN ELAND,uruknet. info, December 1, 2010.
Duraid Adnan contributed reporting.
#عبدالوهاب_حميد_رشيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟