أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - جوزيف بشارة - مأساة العمرانية دليل إدانة للحكومة المصرية















المزيد.....

مأساة العمرانية دليل إدانة للحكومة المصرية


جوزيف بشارة

الحوار المتمدن-العدد: 3198 - 2010 / 11 / 27 - 00:37
المحور: القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
    



لم تتوقف الانتقادات المصرية لإسرائيل حين كانت قوات الأمن الإسرائيلي ترد بالذخيرة الحية على شباب الانتفاضتين الفلسطينيتين الأولى والثانية. كان السياسيون والإعلاميون والمثقفون والعامة يجمعون بدون استثناء على اتهام إسرائيل بالعنصرية والوحشية لتعاملها الأمني مع شباب عُزَّل كان يعبر عن غضبه بإلقاء الحجارة. هكذا كانت حجة المصريين. لا يَثْبُتُ المصريون على رأي واحد. هم يحكمون على المواقف بحسب هوية المعتدي والمعتى عليه، فإذا كان المعتدي عدواً والمعتدى عليه صديقاً يضخم المصريون الأمور وتعلو حناجرهم بالصراخ والعويل لإنقاذ المعتدى عليه من وحشية المعتدي. اما إذا كان المعتدي صديقاً والمعتدى عليه عدواً فرد فعل المصريين يختلف تماماً إذ يبيحون المحرم ويسمحون بالممنوع ويقبلون بالمرفوض. المسألة لدى المصريين ليست مسألة مبدأ ولكنها مسألة مصالح ومشاعر.

لجأت لكتابة هذه المقدمة لأن موقف الغالبية العظمى من المصريين من الأحداث التي حدثت مؤخراً في بلدة العمرانية التي تقع بالقرب من أهرامات الجيزة الخالدة كان مؤسفاً. لم يتعاطف إلا أقل القليل من المصريين مع الطرف المسيحي الضعيف الذي تحول إلى ضحية على مذبح التطرف الإسلامي. لم ترتفع الأصوات التي اعتدنا سماعها تدين الإفراط الإسرائيلي في استخدام القوة لتدين الشرطة المصرية لاستخدامها العنف ضد المسيحيين العُزَّل الذين عبّر بعضهم عن غضبهم بإلقاء الحجارة على قوات الأمن التي حاصرت كنيستهم ومنعتهم بالقوة من استكمال أعمال البناء بها. كان موقف غالبية المصريين مخجلاً لأنهم ساندوا، ربما للمرة الأولى، الشرطة التي طالما اتخذوها عدواً لدوداً. ساندت غالبية المصريين الشرطة لأن المعتدى عليه كان عدواً مشتركاً. ورغم أن هذا العدو المشترك كان مصرياً أيضاً، وإلا أنه لم يكن مصرياً كغالبية المصريين المسلمين. كان مختلفاً. كان مصرياً مسيحياً.

تتعامل الأغلبية المسلمة في مصر مع قضايا المسيحيين بنوع من الاستخفاف وبالكثير من الشك والريبة كما لو كان المسيحيون هم الشيطان الأعظم الذي يستغفرون منه. إذا ما أراد المسيحيون بناء أو تجديد أو ترميم كنيسة يشتعل بركان غضب المسلمين، وتعلو الأصوات القبيحة التي تدّعي عدم حاجة المسيحيين للمزيد من الكنائس وتزعم أن المسيحيين يبنون الكثير من الكنائس لاستخدامها كمخازن للأسلحة. وإذا طالب المسيحيون بالمساواة مع شركاء الوطن وبحقوقهم السياسية والمدنية والدينية تجد الألاف من الدعاة الذين ينادون بضرورة التعامل مع المصريين على أنهم أهل ذمة بلا حقوق. وإذا ارتفع صوت مسيحي يدعو لحماية المسيحيين من عمليات الأسلمة التي تتم للمجتمع المصري تنطلق مدافع المسلمين الجهورية قائلة بأن مصر إسلامية وأن على الأقلية المسيحية الخضوع للقواعد التي تحددها الأغلبية المسلمة.

كان كل ما طالب به مسيحيو العمرانية هو إنشاء كنيسة، ولكن رفض السلطات منحهم ترخيص بناء حوّل الامر إلى قضية مزمنة. قام المسيحيون على ما يبدو بالحصول على ترخيص لبناء مبنى خدمي على أن تعلوه كنيسة لأداء الصلوات. شرع المسيحيون في عملية البناء التي تشير صور المشروع إلى اقتراب اكتمال المبنى. ولكن خفافيش الظلام المعادين للوجود المسيحي في مصر لم يستحسنوا وجود مبنى تعلوه قبة تشبه قباب الكنائس، فقاموا بتعطيل بمحاولة تعطيل المشروع عبر وضع العقبات القانونية والتنفيذية وأرسولا جيوشاً من قوات الأمن لاحتلال الموقع. هاجمت القوات المسيحيين الموجودين داخل الكنيسة واستخدمت الغازات المسيّلة للدموع وطلقات الرصاص لإجبارهم على ترك موقع المشروع. لم يتقبل عدد من شباب المسيحيين الهجوم الأمني فقاموا بالرد بقذف الحجارة والزجاجات المشتعلة.

تعاطت السلطات المصرية بحماقة شديدة مع القضية، فلا هي قبلت بمطالب المسيحيين الملّحة لبناء كنيسة في العمرانية ولا هي عملت على حل الأزمة بعقلانية وهدوء. وكان إرسال أعداد كبيرة من قوات الأمن للهجوم على موقع المشروع قراراً غابت عنه الحكمة تماماً. فالكنيسة التي أرادوا بناءها حتى وإن كانت لم تحصل على ترخيص رسمي ليست وكراً لتجارة المخدرات وليست مصدراً لتهديد لأمن مصر القومي وليست مكاناً لبث الكراهية والحقد والتطرف. لم تتعامل قوات الأمن مع المسيحيين المعتصمين بالموقع على أنهم مواطنون مصريون، فقامت بإطلاق الأعيرة النارية وقنابل الغاز عليهم. كما قامت في مشهد عجيب لا تراه يصدر أبداً عن قوات أمن بقذفهم بالحجارة. المثير أن قوات الأمن لم تكتف بذلك بل أنها قامت بالسماح وربما تشجيع المدنيين المسلمين على إلقاء الحجارة على المسيحيين. بدا الامر كما لو كان غزوة إسلامية لاقتلاع مصدر كفر وفساد. شاهد مقطع الفيديو المرفق الموجود على موقع الـ "يو تيوب" http://www.youtube.com/watch?v=a772ec-p0pQ

هل نحن بحاجة للمزيد من الدلائل على عدم موضوعية الحكومة وقوات الأمن في التعامل مع قضايا المسيحيين في مصر؟ هل نحن بحاجة للمزيد من البراهين على انحياز الحكومة وقوات الأمن ضد المسيحيين في مصر؟ هل نحن بحاجة للمزيد من الإثباتات على أن الحكومة قوات الأمن شريك رئيسي في كل عمليات الاضطهاد التي يتعرض لها المسيحيون في مصر مثل اختطاف الفتيات والهجوم على الكنائس والممتلكات والمصالح المسيحية؟ لقد كان استخدام قوات الأمن الحجارة للعنف وقذف الحجارة أسلوب رخيص في التعامل مع المسيحيين وإثبات لمشاعر الكراهية التي تكنها لهم. كان ما حدث في العمرانية دليل إدانة للحكومة المصرية. وإذا أرادت الحكومة المصرية أن تثبت براءتها فلتبادر فوراً بإحالة كل المسئولين الأمنيين الذين شاركوا في حملة العمرانية على المسيحيين للمحاكمة.

كان مقززاً أن يجتمع مسلمون وقوات الأمن على هدف واحد وهو قذف المسيحيين بالحجارة. لقد كانت المشاهد التي نقلتها لنا وكالات الأنباء ومواقع الانترنت دليلاً على حال المسيحيين في مصر ودليلاً على أنهم أصبحوا محاصرين بين قوات الأمن المنحازة والمسلمين المتطرفين. وإذا كنا ندين الحكومة المصرية وقوات أمنها والمتطرفين المسلمين الذين اشتركوا في جريمة قذف المسيحيين بالحجارة، فإن من الأمانة الاعتراف بأن رد فعل المسيحيين الغاضب كان خاطئاً، فلا قذف الحجارة والزجاجات المشتعلة ولا أي نوع من أنواع العنف قادر على حل مشكلاتهم. العنف يستحق الإدانة أياً كان مصدره. ولكن قبل أن ندين المسيحيين المجني عليهم يجب توجيه أصابع الاتهام للحكومة وقوات الأمن المسئولين الحقيقيين عن اشتعال الموقف.

لقد ذهب مسيحيان للأسف الشديد ضحية حماقة مسئولي العمرانية والجيزة وعنف قوات الأمن وأصيب العشرات واعتقل المئات من المسيحيين. نكأت احداث العمرانية المؤسفة بقسوة جروحاً مزمنة في وجدان المسيحيين، وحذاري أن يتم التعامل مع الأحداث على أنها شغب قبطي مخطط كما يحلوا للبعض الترديد، وإن لم يتم التعامل مع القضية بشفافية وعدل وحزم. ما حدث ليس عنفاً مسيحياً ولكنه رد فعل غاضب على التعنت الحكومي والتطرف البغيض والكراهية المقيتة الذين يواجههم المسيحيون في مصر. لقد صمتت الدولة كثيراً على التطرف وصَمّت أذانها عن مطالب المسيحيين العادلة حتى اتخذت الأمور هذا المنحى المؤسف. وودعوني اؤكد أن الكرة لا تزال في ملعب الحكومة المصرية وعليها تصحيح الامور من دون أن يصبح المسيحييون ولا المعتقلون منهم كبش فذاء لسياسات خاطئة.



#جوزيف_بشارة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجريمة في مصر والضحايا في العراق
- لماذا تنكر الحكومة المصرية مذبحة نجع حمادي الطائفية؟
- نفي المسيحيين في أوطانهم
- دور حركة حماس في المغامرات الإسلاموية في الدول العربية
- أحداث غزة بين المحرقة الحمساوية والإعلام العربي المضلل
- وسام الحذاء بين الحرية المنشودة والوعي الغائب
- هل يخذل باراك أوباما الشعب الأمريكي؟
- من يصدق ذئباً يدّعي بطش فريسته؟!
- أحدث طرائف محمود أحمدي نجاد
- دور تأويل النصوص المقدسة في مأساة المسيحيين العراقيين
- قرار العفو الرئاسي وثمن حرية إبراهيم عيسى
- اتهام المسيحيين بالحقد على الإسلام والمسلمين باطل
- النظر بإيجابية لتداعيات 11 سبتمبر
- جريمة التحول إلى المسيحية في مصر المحروسة
- صلوات المسيحيين من أجل المسلمين في رمضان
- رصد كوميدي ساخر لواقع تراجيدي مؤلم في حسن ومرقص!
- تحول نجل قيادي حمساوي إلى المسيحية بين الدين والسياسة
- إسرائيل ملجأ المضطهدين الفلسطينيين!
- العدالة الدولية: ضروراتها وتحدياتها
- مزحة عربية سودانية


المزيد.....




- فيديو لرجل محاصر داخل سيارة مشتعلة.. شاهد كيف أنقذته قطعة صغ ...
- تصريحات بايدن المثيرة للجدل حول -أكلة لحوم البشر- تواجه انتق ...
- السعودية.. مقطع فيديو لشخص -يسيء للذات الإلهية- يثير غضبا وا ...
- الصين تحث الولايات المتحدة على وقف -التواطؤ العسكري- مع تايو ...
- بارجة حربية تابعة للتحالف الأمريكي تسقط صاروخا أطلقه الحوثيو ...
- شاهد.. طلاب جامعة كولومبيا يستقبلون رئيس مجلس النواب الأمريك ...
- دونيتسك.. فريق RT يرافق مروحيات قتالية
- مواجهات بين قوات التحالف الأميركي والحوثيين في البحر الأحمر ...
- قصف جوي استهدف شاحنة للمحروقات قرب بعلبك في شرق لبنان
- مسؤول بارز في -حماس-: مستعدون لإلقاء السلاح بحال إنشاء دولة ...


المزيد.....

- الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية / نجم الدين فارس
- ايزيدية شنكال-سنجار / ممتاز حسين سليمان خلو
- في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية / عبد الحسين شعبان
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية / سعيد العليمى
- كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق / كاظم حبيب
- التطبيع يسري في دمك / د. عادل سمارة
- كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟ / تاج السر عثمان
- كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان / تاج السر عثمان
- تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و ... / المنصور جعفر
- محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي ... / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - جوزيف بشارة - مأساة العمرانية دليل إدانة للحكومة المصرية