الارهاصات الفنية الاولى لمسرح الكباريه السياسى فى مصر -

محمدعبدالمنعم

الحوار المتمدن-العدد: 3178 - 2010 / 11 / 7 - 20:49
المحور: الادب والفن
    

ان مسرح الكباريه السياسى بشكله القريب من النمر أو الفقرات القصيرة - التى تعتمد على التصوير الكاريكاتورى الساخر الذى يبالغ فى تجسيم العيوب والأخطاء - له عندنا جذور تتردد أصداؤها فى فنوننا الشعبية الدارجة التى عرفها القرن التاسع عشر مثل فنون الفكاهة اللفظية، والنأورة، والتشخيص، والتحبيظ، والفصول الهزلية القصيرة، وغيرها ممن عرفتها الأسواق والموالد والمناسبات المختلفة من فنون شعبية دارجة.

ثم انتقلت هذه الفنون مع التعديل إلى الصالات والكباريهات فى الثلث الأول من القرن العشرين، فخرجت منها شخصيات مثل كشكش بيه وعثمان عبد الباسط بربرى مصر.


ظهر مسرح مسرح الكباريه السياسى فى مصر ظهوراً فعلياً فى أوائل السبعينيات وبالتحديد عام 1972م على يد المخرج المسرحى المصرى هانى مطاوع عندما قدم أول عروض هذا المسرح وهو عرض (البعض يأكلونها والعة)، ومن بعده تبارى المخرجون فى تقديم سيل من الأعمال الكباريهاتية بغزارة مثل (كلام فارغ)، (عالم على بابا)، (باى باى عرب)، (عفواً أيُها الأجداد علينا السلام)، (جحا باع حماره)، (كاسك يا وطن)، (العسل عسل والبصل بصل)، (اللعبة)، (مساء الخير يا مصر)، (لامؤاخذة يا مستر ريختر) وغيرها.


ولكن قبل هذا التاريخ كانت هناك ثلاث محاولات رئيسية مهدت الطريق لظهوره، وساهمت فى تهيئة الجمهور المصرى لتقبل مثل هذه النوعية من العروض الكباريهاتية، هـى:




أ- المحاولة الأولى:

وتتمثل فيما كان يقدمه نجيب الريحانى من خلال فرقته الخاصة من استعراضات موسيقية غنائية فكاهية تأتى فى لوحات انتقادية هزلية ساخرة للأحداث الاجتماعية فيما بين عامى (1917- 1919)، مستندة إلى نص كوميدى، وتحتمل لحظات حماسية، وتصور طوائف الشعب المختلفة، وتطرح شخصيات نمطية كاريكاتورية نفعية هازلة مثل شخصية (كشكش بيه) عمدة كفر البلاص وخادمه (زعرب).


كان نجيب الريحانى يقوم بإخراج هذه الأعمال ويؤدى دور البطولة فيها، ويوفر لها جو المنوعات المطلوب وعناصر الفرجة الممتعة .



عُرفت هذه الأعمال بالفرانكو آراب Franco-Arab ؛ حيث تمتزج فيها الأغنيات العربية بالفرنسية، كما تختلط العامية المصرية بالفرنسية فى الحوار .

وقد اقتبس أمين صدقى هذه الأعمال من المسرح الفرنسى ولعل أشهرها (خليك تقيل) و(هز يا وز) وغيرها، وكان نجيب الريحانى يقدمها فى كباريه (آبيه دى روز).

وقد انتمت هذه الأعمال بحكم ما وفره لها من عناصر فنية منوعة من غناء وموسيقى ورقص وهزل ونمر وفقرات، إلى الريفيو.





ب- المحاولة الثانية:



وتتمثل فيما كان يقدمه على الكسار بفرقته الخاصة من أعمال تدور فى إطار هزلى، من خلال شخصية نظيرة لكشكش بيه أبدعها وجعلها بطلاً لمسرحياته، وهى شخصية عثمان عبد الباسط الخادم المهرج، المفلس، الماكر، والمخادع، الذى يتشابه مع سائر الخدم المهرجين فى الكوميديا الشعبية.


وكان يقدم أعماله فى إطار من الألحان والأغانى والاستعراضات، مصوراً طوائف الشعب المتعددة، ومحملاً إياها غمزات انتقادية فى قالب هزلى ساخر من أجل اجتذاب المشاهد وإمتاعه.

وكانت هذه الأعمال تنتمى هى الأخرى للفرانكو آراب حيث جاءت تقليداً للصيغة الريحانية، وقد قدمها على الكسار فى (كازينو دى بار).


وإذا كان نجيب الريحانى لا يعتمد على الارتجال بشكل أساسى فى عروضه المسرحية نظراً لالتزامه بنص مكتوب، فإن على الكسار لم يتخل عن هذا العنصر فى أعماله فحقق بذلك علاقة حميمة مع الجمهور. مما دفع هذا الجمهور إلى المشاركة فى هذه العروض من خلال الدخول فى حوار وقافية مع على الكسار.



ج- المحاولة الثالثة:


تتمثل فيما كان يقدمه فايز حلاوة من خلال فرقة تحية كاريوكا التى تأسست عام 1963م، حيث كان يقدم العديد من العروض المسرحية السياسية والاجتماعية من إخراجه، وكان يتناول قضايا الواقع المعيش بشكل مباشر لمواجهة المجتمع وتعريته، ويتعرض لمشكلات المجتمع المصرى والتحول الاجتماعى فى عقدى الستينيات والسبعينيات.

وكان يعالج هذه الأمور بأسلوب هزلى انتقادى ساخر من خلال المواقف الدرامية المختلفة والمفارقات المتتالية، فعلى سبيل المثال :

- فتناول أزمة السكن فى (حضرة صاحب العمارة)، وبعض مظاهر الفساد فى الحياة الثقافية وأجهزة الإعلام فى (روبابيكيا).

- كما انتقد مظاهر الروتين والبيروقراطية فى (البغل فى الإبريق).

- وكشف المنافقين والمتسلقين وأساليبهم الملتوية فى (كدابين الزفة).

- وتناول حقيقة المساعدات السوفيتية لمصر ومحاولات سيطرتها على القرار السياسى فى (يحيا الوفد) .

- كما انتقد سيطرة رأس المال ومظاهر الانفتاح وتأثيره على سلوك الأفراد فى (شقلباظ) و(الأوبك) .



وقد وصف النقاد مسرح فايز حلاوة وتحية كاريوكا بمسمى المسرح السياسى من فرط اشتباكه مع الواقع المعيش.


مع تحياتى
د / محمدعبدالمنعم
قسم المسرح بكلية الاداب - جامعة الاسكندرية

#محمدعبدالمنعم (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات