أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمدعبدالمنعم - من المسرح الموسيقى( الاوبرا العالمية )















المزيد.....



من المسرح الموسيقى( الاوبرا العالمية )


محمدعبدالمنعم

الحوار المتمدن-العدد: 3154 - 2010 / 10 / 14 - 02:03
المحور: الادب والفن
    


من المسرح الموسيقى(الاوبرا العالمية ) بقلم: د / محمدعبدالمنعم - قسم المسرح بكلية الاداب جامعة الاسكندرية



تُعتبر الأوبرا فناً من الفنون التى ارتبطت بالإنسان منذ نشأتها إلى يومنا هذا؛ وذلك لكونها فناً متكاملاً، ترتبط فيه الدراما والأدب والصوت البشرى والموسيقى والرقص.

اصطــــــــــلاح الأوبـــــــــــرا

كلمة "أوبرا Opera" مأخوذة من الفعل اللاتينى Operate الذى اشتقت منه أيضاً الكلمة الإنجليزية Operation والتى تُعَبِّر عن إنتاج أى نوع من الأعمال أو الأفعال( )، أى أن كلمة أوبرا هى لفظ لاتينى يعنى "عمل"، وهى جمع للاسم المفرد Opus، وقد دخلت فى اللغة الإيطالية بهذا المعنى، وأطلقت على العمل الذى يجمع بين الشعر والموسيقى فى مسرحية غنائية تقوم على التمثيل إلى جانب التعبير الإيمائى، وهى تُحسب دائماً من النماذج الموسيقية وتدخل ضمن نماذج الموسيقى المسرحية.( )

والأوبرا عمل درامى مغنى بمصاحبة آلات موسيقية غالباً ما تكون أوركسترا، ويمكن أن تنقسم موسيقى الأوبرا إلى قطع موسيقية لأصوات منفردة أو جماعية، وأحياناً مقطوعات موسيقية للآلات فقط مثل (الافتتاحية ـ الفواصل ـ الرقصات)، وتتصل هذه المقطوعات الموسيقية عادة بأغانى موقعة، أو حوار إلقائى، وأحياناً مُؤَلَف فى شكل سيمفونى متصل ولكن بشكل يحدد أجزاءها الكيفية. وهذا يعنى أن الأوبرا عمل موسيقى مسرحى تقوم فيه الشخصيات بغناء أدوارها بدلاً من أدائها بالحوار الكلامى؛ لأنها تقوم على التلحين الكامل للنص الشعرى، لذلك يكون للموسيقى والغناء الدور الرئيسى فيها.

الإرهاصات الأولى للأوبرا

تضرب الأوبرا بجذورها فى عمق التاريخ وترتد إلى فترة الإغريق القدامى، حيث كانوا يقدمون تراجيدياتهم مصحوبة بالغناء، فكانت مسرحياتهم غنائية تلعب الموسيقى والأغانى الدور الرئيسى فيها مثل (الضارعات) لإيسخيلوس، وكذلك (أجاممنون) والتى تعتبر من أروع التراجيديات التى يبرز فيها دور الغناء. وكان للكورس فى هذه الأعمال وظيفة غنائية تتمثل فى التمهيد للمشاهد المسرحية وفى مصاحبتها، وكانت أدوار الكورس تشكل فى مجموعها عنصراً أساسياً فى الدراما، وكان إنشادها يستغرق وقتاً أطول من أجزاء تمثيل الحوار الكلامى. وكان الممثلون يقومون بالغناء من وقت لآخر أثناء تأدية أدوارهم التمثيلية، على حين يستمر العزف على مزمار "الأولوس" خلال بعض الأجزاء التمثيلية بما يضفى على الدراما مسحة المسرحية الغنائية.

وإذا نظرنا إلى حصاد العصور الوسطى فسنجد أنه عبارة عن مسرح غنائى دينى، إذ حرص رجال "الأكليروس" على استخدام الموسيقى فى طقوسهم الدينية لاجتذاب جماعات العابدين، "فظهرت مسرحيات دينية عمادها الغناء وتقوم على نصوص المزامير وقصص الكتاب المقدس، وقد عرفناها باسم المسرحيات (الأخلاقية) و(المعجزات) و(الأسرار)، هدفها إرشادى دينى ، وتتضمن فى صلب سياقها مواقف هزلية لقطع جو الرتابة وتخفيف ما فيها من أوامر ونواهى. هذه الأعمال "تضمنت أغانى فردية وثنائيات وأغانى جماعية، غالباً ما كانت تقدم وسط التمثيلية، أو فى نهاية الفصول، فتبدو كأنها تعقيب على أحداث الفصل، وأطلق على هذه الفقرات الغنائية اسم intermedi (استراحات غنائية)".

ومع نهاية القرن الرابع عشر بدأت ملامح الأوبرا تظهر فى فلورنسا بإيطاليا، وكانت تسمى بالمادريجال Madrigal، وكانت موضوعاتها أسطورية أو دينية أو عاطفية أو فكاهية، وكان الغناء من النوع المرسل Recitative، وأخذ هذا النوع يتجدد ويتطور شكلاً وأسلوباً حتى جاء القرن السادس عشر وظهر أمثال كلوديومونتفردى Claudio Monteverdi (1567-1643)، والذى أسس مدرسة جديدة فى هذا الفن الغنائى واعتنى به.

وفى عصر النهضة أدى الولع بالحضارة الكلاسيكية إلى إحياء التمثيليات الباستورالية (الفردوسية) التى تضمنت موضوعات تدور فى رياض (أركاديا) الممثلة للفردوس فى اليونان القديمة بروعتها ومخلوقاتها العجيبة، وكانت هذه الفقرات تؤدى فى شكل أغانى ورقصات وموسيقى بحتة، أى إنها احتوت على كل العناصر التى تتطلبها الأوبرا ويعوزها -كى تتحول إلى أوبرا معترف بها- ذلك الموضوع الدرامى الذى يلحن بأكمله. أما إذا لم يتيسر ذلك فسيطلق عليها اسم (الأوبرا بالاد) أى الأوبرا المحتوية على فقرات حوار عادى، أو (الأوبرا كوميك) عند الفرنسيين، أو (الزينجشبيل) عند الألمان.

ومع بداية القرن السادس عشر ظهر لون دنيوى من المسليات المسرحية باهظة التكاليف، سميت بمسرحيات "الأقنعة Masques"، وتشتمل على حركات إيمائية وعلى الأشعار والغناء والموسيقى، وتؤدى على مسرح كامل التجهيز بالمناظر والملابس والممثلين ذوى الأقنعة التنكرية، لكنها لم تكن نموذج الأوبرا المرتقب بعد، وإنما كانت إرهاصاً بقرب ميلاده.

•• وهكذا يلحظ الباحث أن الميلاد الحقيقى للأوبرا قد سبقه عدة إرهاصات مهدت الطريق إلى نموذج الأوبرا المرتقب، حيث ظهرت ملامح الأوبرا وجذورها الأولى منذ أقدم العصور فى صور مختلفة بعضها دينى يمثل المواعظ والقصص الدينية، وبعضها دنيوى ترفيهى
.
نشـــــــــأة الأوبـــــــــرا

مع نهاية القرن السادس عشر كان غناء المادريجال هو النمط الموسيقى السائد فى أوروبا بألحانه المتعددة المتشابكة التى أدت إلى ضياع كل أثر لألفاظ الغناء بسبب ضخامة العمارة الموسيقية، إذ كان المادريجال يقوم على أسلوب البوليفونية، ولم تكن البوليفونية عند ظهورها أسلوب تعقيد وتعجيز، بل كانت إبداعات العقل الموسيقى التى أمتعت محبى الغناء والموسيقى خلال مراحلها الأولى، ولكنها بعد فترة من الزمن فقدت بساطتها إلى التعقيد والتركيب ومحاولة استظهار البراعة فى التأليف لأكثر من ثلاثة أصوات متزامنة ووصل الأمر إلى ثمانية، مما أدمج الشعر فى الكيان الموسيقى أولاً ثم إذابته إذابة كاملة بعد حين.



الأثر الفنى لجماعة الكاميراتا


اجتمعت مجموعة من المفكرين والشعراء والموسيقيين ومن المهتمين بالفنون وعلومها فى قصر جيوفانى دى باردى فى فلورنسا بإيطاليا قرب نهاية القرن السادس عشر ومشارف القرن السابع عشر، فى شكل جمعية أدبية فنية تضم بين أعضائها
المغنى كاتشينى Caccini (1550-1681)، الموسيقى بيرى Perri (1561-1623)، الشاعر رينوتشينى Renoccini (1562-1621)، وعلماء فى نظرية الموسيقى أمثال جاليليو الأب Galileo. كانت تسمى هذه الجماعة "بالكاميراتا Camerata" وقد استهدفت الرجوع إلى مبادئ التأليف الموسيقى للدراما الإغريقية التى تتمثل فيها بساطة اللحن مع العناية بالنص الشعرى وتسخير الموسيقى لخدمة الشعر، حتى لا تطغى الموسيقى على الجانب الأدبى وتحطمه نتيجة لتشابك الألحان وتعددها، وهو ما كان قائماً وقتذاك فى مؤلفات عصر النهضةالبوليفونية النسيج. أى إنهم أرادوا أن يعيدوا للشعر سيادته ومجده التليد، ويُرجعوا الموسيقى إلى موقعها الذى اختاروه لها خادمة للشعر، بمعنى أنها تزيد من خفقاته ونبضه عن طريق سيادة الميلوديا، حيث يسود خط لحنى واحد أو صوت لحنى واحد على ما يصاحبه من أصوات وآلات، فاهتدوا إلى الحل الذى وجدوه فى أسلوب الأداء فى المسرح اليونانى القديم، حيث كان الغناء يُؤَدَى بوضوح تام مع مصاحبة موسيقية بسيطة، واتجه تفكيرهم إلى كتابة أعمال درامية لتُلحن بهذه الطريقة الواضحة والبعد تماماً عن البوليفونية، فكتبوا عدة أعمال تعتمد على الإلقاء المُنَغَّم Recitative، وبذلك قادهم البحث إلى شكل موسيقى جديد لم يخطر لهم على بال، إذ تمخض عن محاولاتهم هذه ميلاد شكل فنى جديد يمزج بين الدراما والموسيقى سمى "بالأوبرا"، وقد جَسَّدَ مونتفردى أحلام هذه الجماعة، وخرج بأبحاثهم من عالم التنظير إلى واقع التطبيق الفعلى مقدماً أول أوبرا ناضجة فى الوجود بالمعنى الاصطلاحى للكلمة.

فإذا حاولنا تتبع الفن الأوبرالى على مر الأربعة قرون من القرن السابع عشر حتى القرن العشرين، لوجدنا أنفسنا أمام أولى المحاولات الأوبرالية الكاملة وهى أوبرا "أورفيو Orfeo " والتى عرضت أول مرة فى فبراير عام 1607، وقام بتأليف موسيقاها مونتفردى، ولقد ضمت هذه الأوبرا أنواعاً مختلفة من فنون الغناء والموسيقى مثل المادريجال، الأوركسترا السيمفونى، الألحان المونودية التى طغت فيها الكلمات على الألحان بشكل واضح.

وبعد كتابة عدة أوبرات بطريقة الإلقاء المُنَغَّم Recitative، أدخلوا عليها الأغانى Arias، ثم جمعوا بين الأثنين، فيسبق الآريات عادة الريستاتيف. وبدأت مؤلفات الأوبرا تأخذ طريقها فى التطور، ومن حين لآخر كان يتقدم لإصلاح مسارها عباقرة الموسيقى من أمثال المؤلف الإيطالى أليسندرو سكارلاتى Allessandro Scarlatti (1660-1725)، والمؤلف الألمانى كريستوف فيليبالد جلوك Christoph Willibald Gluck (1714-1787)، والمؤلف النمساوى الشهير فولفجانج أماديوس موتسارت Wolfgang Amadeus Mozart (1756-1791)، وغيرهم.

والجدير بالذكر أن الأوبرا قد نشأت وتطورت فى أحضان الطبقة الأرستقراطية، وقدمت عروضها الأولى على المسارح الملحقة بالقصور فتميزت بالفخامة والبذخ، لكن "أول مسرح عام للأوبرا أنشئ فى مدينة البندقية عام 1637، وبذلك عُرِضَ فن الأوبرا للجمهور... ولم ينته القرن السابع عشر حتى كانت مسارح الأوبرا قد انتشرت فى كل المدن الإيطالية، وبعدها انتشر فن الأوبرا فى كل بلاد أوروبا واتخذ طريقه فى التطور حتى وقتنا هذا".




أشكال الأداء الغنائى فى الأوبرا


تُعتبر الأوبرا من أنواع التأليف الموسيقى التى أُدخل عليها الكثير من الاصلاحات والتعديلات والإضافات، وهى تشتمل على العديد من الصيغ الموسيقية، خاصة وتعتمد على التلحين الكامل للنص الشعرى، لذلك يعرض الباحث هنا للقوالب الغنائية التى تظهر كمكونات أساسية للتأليف الأوبرالى، باعتبار أن الناحية الموسيقية هى العصب الرئيسى الذى يقوم عليه فن الأوبرا، ويورد الباحث القوالب الغنائية للأوبرا فيما يلى:

1- الأغنية الفردية Aria


هى أغنية فردية تتخلل فصول الأوبرا، وتصاغ عادة فيما يسمى بـ Da Capo Aria ابتداءًا من القرن الثامن عشر (A B A)، يُعاد الجزء الأول منها فى الجزء الثالث، أما الجزء الثانى فيشتمل عادة على تناول معين يعطى التنويع الموسيقى مثل تغيير المقام والطابع العام لها، وأحياناً لا يُدون الجزء الثالث وإنما يكتفى بتدوين الرمز الدال على إعادة الجزء الأول Da Capo.

والأغنية غنائية الطابع قائمة بذاتها فى الأوبرا، وتختلف عن الإلقاء المنغم، وتصاحبها الأوركسترا، وهى أكثر غنائية من الأريوزو Arioso التى تتكون ألحانها بين ميلودية الآريا وتنغم الريستاتيف Recitative.



2- الإلقاء الـمُنغم Recitative

يشتمل الإلقاء المنغم على نوعين (إلقاء بدون مصاحبة أوركسترالية)، و(إلقاء بمصاحبة أوركسترالية)، يوردهما الباحث فيما يلى:

أ- إلقاء بدون مصاحبة أوركسترالية: وهو إلقاء منغم جاف Recitative Secco يكون بدون مصاحبة موسيقية أو تصاحبه تآلفات بسيطة من آلة الهاربسيكورد وأحياناً آلة أخرى.( ) وهو يبعث الحياة فى الأوبرا إذ يعرض أبطالها الأحداث من خلاله، ويتكون فى الغالب من نغمات قصيرة ترتبط بالكلمة ومقاطعها، وتبتعد هذه النغمات عن الصفة اللحنية (الميلودية) خاصة عندما لا يُصَاحَب بالأوركسترا.

ب- إلقاء بمصاحبة أوركسترالية: وهو إلقاء غنائى حر على هيئة تلفظ مترنم يتوسط الغناء والتكلم تصاحبه الموسيقى، ويقوم بمهمة الربط بين المقطوعات الغنائية والكورال، وذلك لسرد القصة دون أن تكون له قيمة غنائية.


3- الثنائيات Duetto

هى آريا لصوتين، وتطلق هذه الكلمة على الثنائيات الغنائية فقط، وهى عبارة عن حوار غنائى لحنى لصوتين فرديين تصاحبه الأوركسترا، وهو لا ينتمى إلى غناء المجموعات لأنه يُؤَدَى من فردين فقط، وتبرز ألحانه الحوار بينهما.

4- المجموعات Ensemble

وتؤديها الأصوات الفردية مجتمعة فى توازن وارتباط بين دور كل منهم واللحن الذى تؤديه، بحيث لا تظهر أصوات فردية وإنما يندمج صوت الفرد مع صوت المجموعة الصغيرة التى تتكون من ثلاثة أفراد Terzett، أو أربعة Quartet، أو خمسة Quintet.

5- الكورال (غناء المجاميع)

يلعب الكورال دوراً إيجابياً فى الفن الأوبرالى، وقد أضفى وجوده إثارة فنية على العروض الأوبرالية بما يدخله عليها من تلوين ومباينة بينه وبين الأصوات الفردية أو الثنائيات أو الثلاثيات. وتختلف مكانة الكورال فى أنواع الأوبرا المختلفة، فنجد مثلاً أن الأوبرا الكبيرة Grand Opera تتميز بكورالات ضخمة يتطلب أداؤها أعداداً هائلة من المغنين، بعكس أوبرا عصر البلكانتو Bel Canto التى تكاد أجزاء الكورال أن تنعدم فيها، لذلك ارتبط دور الكورال بالتطور التاريخى للأوبرا وأيضاً باختلاف أنواعها، ففى الأوبرا المبكرة التى بدأت فى مدينة فلورنسا بإيطاليا لعب الكورال دوراً هاماً حيث كان الفريق يقوم بالغناء والرقص معاً، فقد تميزت أوبرات القرن السابع عشر بالاهتمام بالكورال وخاصة فى أنواع الأوبرات الجادة، أما الأوبرات الإيطالية الكوميدية فلم تستخدم الكورال إلا نادراً إذ إن هذه الأوبرات قد كُتِبَت من أجل التسلية، ومن مؤلفى الأوبرا الذين اهتموا بالكورال مونتفردى فى بعض أوبراته، وكذلك جان فيليب راموه Jean Philippe Rameau (1683-1764) وجلوك حيث تميزت بعض أوبراتهما باشتمالها على أجزاء عديدة للكورال والباليه.

أُدِخل الكورال على الأوبرا فى العصر الكلاسيكى لكن دوره لم يكن إيجابياً من حيث ارتباطه بمضمون الدراما أو جوهر النص، وإنما كان استخدامه لأهداف تقنية وتعبيرية، ومن أهم أعلام هذه الفترة موتسارت الذى أدخل على الفن الأوبرالى - إلى جانب غناء المجاميع Ensemble - البناء الموسيقى المركب فى نهايات الفصول، بدلاً من الختام التقليدى بالكورال والأوركسترا الذى يعطى ضخامة مفتعلة فى كثير من الأحيان.

وفى العصر الرومانتيكى ظهر تطوير كبير فى أسلوب تأليف التراكيب الغنائية، فأصبحت مثل التراكيب السيمفونية أى ذات رنين آلى وخاصة فى نهايات الفصول، ومن أهم مؤلفى هذا العصر الذين اهتموا بالكورال جوسيبى فيردى Giuseppe Verdi (1813-1901) حيث مَثَّل الكورال فى أوبراته الشعب بمختلف طبقاته الاجتماعية، وكانت أجزاء الغناء الكورالى سبباً فى نجاح العديد من أوبراته.

ومن أعلام القرن العشرين الذين ساهموا فى خدمة التأليف الكورالى أرنولد شوينبرج الألمانى Arnold Schoenberg (1874 ـ 1951)، إيجور سترافينسكى الروسى Igor Stravinsky (1882 ـ 1971)، بيلا بارتوك المجرى Bela Bartok (1881 ـ 1945)، بنجامين بريتين الإنجليزى Benjamin Britten (1913 ـ 1976)، موريس إيمانويل الفرنسى Maurice Emmanuel، وكارل أورف الألمانى (1895-1982) ومن أشهر أعماله أوبرا "كارمينا بورانا" Carmina Burana" عام 1936 التى غالباً ما تُعْرَض فى قاعات الاحتفالات الموسيقية، كما اهتم داريوس ميلو Darius Milhoud (1892-1974) بكتابته للكورال، وقد ظهر ذلك بوضوح فى أوبراه "كريستوف كولومب Christophe Colomb" عام 1930 التى تميزت بكورالها الفخم، حيث قام الكورال بدور إيجابى فى أحداث الدراما، أما روتلاند بوتون Rutland Boughton (1878ـ 1960) فقد لعب الكورال فى أوبراته دوراً إيجابياً كما فى أوبرا "ميلاد آرثر The Birth of Arthur"، وقد كتب أجزاء هذا الكورال ببراعة، وأعطى مؤلفات الكورال أهمية كبيرة فجاءت أصيلة ومؤثرة فى الأوبرا الإنجليزية.


ارتباط النص الأوبرالى بالتلحين الموسيقى

يُسجل الباحث أن صعوبة الأوبرا تكمن فى كونها فناً متكاملاً يجمع بين الكلمة واللحن، حقاً يستطيع الممثل أن يُعَبِّر بمختلف مشاعره عن الكلمة كما هو الحال فى المسرح الدرامى، كما يستطيع الموسيقىِ أن يُعَبِّر بعزفه عن الألحان التى يقدمها، ولكن عندما ترتبط الكلمة باللحن فى الفن الأوبرالى يتواجد الفن المُرَكَّب الذى يتطلب من المؤلف الموسيقى جهداً كبيراً فى إيجاد التوازن بين قيمة الكلمة وأهمية اللحن، لذلك فإن اختيار النصوص الأوبرالية أمر هام من أهم الأمور التى تسهم فى نجاح الأوبرا. ولاشك أن النص الأوبرالى الجيد يوحى للمؤلف الموسيقى بالتلحين الملائم له، وفى بعض الأحيان يفشل التلحين فى التعبير عن جمال الأدب وقوته، ولا يتحقق العمل الأوبرالى الجيد إلا بالوحدة والتكامل بين الدراما والموسيقى، لذلك رأينا مثلاً فيردى يضطر أن يتصرف فى نصى (ماكبث) و(عطيل) لوليام شكسبير William Shakespeare (1564 ـ 1616) – حين قام بتلحينهما كأوبرات- وذلك من أجل إيجاد التوازن بين قوتى النص والموسيقى، كذلك بذل أريجو بويتو Arrigo Boito (1842 ـ 1918) جهداً كبيراً فى كتابة مسرحية (هاملت) كنص أوبرالى.

لقد كان التقارب بين المؤلف الموسيقى وكاتب النص غير مواتٍ فى بداية التأليف الأوبرالى، ثم أصبح قابلاً للتعاون والترابط بعد ذلك، ومن أهم أمثلة هذا التعاون العلاقة بين فيردى وبويتو، أما موتسارت فقد رأى ضرورة أن يعمل كاتب النص تبعاً لأفكار المؤلف الموسيقى وخاصة فى الأوبرات الهزلية Opera Buffa، ومن مؤلفى الأوبرا الذين سيطروا على أسلوب كتابة نصوص أوبراتهم لودفيج فان بيتهوفن Ludwig Van Beethoven (1770 ـ 1827)، فعندما أراد أن يُغَيِّر فى "فيديليو" وطلب من زونلايتنر Sonnleitner كاتب نصها أن يضم فصولها الثلاثة فى فصلين، فما كان من الكاتب إلا أن أطاعه.

وتُعتبر الموازنة بين التلحين الموسيقى والنص الأوبرالى من الأمور الشديدة الصعوبة، خاصة عندما لا يوجد التعاون الأكيد بين المؤلف الموسيقى والكاتب، وتعتمد هذه الموازنة على اتحاد الكلمة المكتوبة أو المسموعة فى المسرح مع عمق التعبير الموسيقى لها، وقد لخص عالم النظريات الفرنسى ميشيل دى شابانو Michel de Chabanon هذا المفهوم عندما قال "للمسرح قوام وقوانين ومقاييس خاصة، وتتعارض هذه القوانين بشكل أو بآخر مع طرق التأليف الموسيقى، لذلك لابد من التنازلات التى تُقدَّم بالتبادل لتحقيق التوازن بين امتيازات المجالين".

وقد مرت الكلمة منذ نشأة الأوبرا بمراحل كثيرة من حيث مدى الاهتمام بالشعر وإبراز معانيه من خلال التلحين الموسيقى، وهناك مؤلفون موسيقيون قد اهتموا بالشعر اهتماماً بالغاً ووضعوه فى المرتبة الأولى، وآخرون اهتموا بالموسيقى أولاً ثم الشعر، ومنهم من وازن بينهما بتقديم بعض التنازلات أحياناً فى الشعر وأخرى فى الموسيقى، ولَمَا كانت الكلمات هى الأساس الذى يوحى بالتلحين الموسيقى، فإن النص الجيد يعطى المجال للتلحين الجيد، والتلحين الجيد هو الذى يُظْهر كلمات الدراما ويعمق معناها. وهناك كثيرون من مؤلفى الأوبرا العالمية أتقنوا فن التلحين من حيث إظهار معانى الشعر، لأنهم أدركوا طبيعة الفن الأوبرالى التى تتبين من خلال العلاقة بين الموسيقى والنص، وأن الموسيقى بقوة تأثيرها تحقق جواً معبراً دون أن تستقل عن النص الأوبرالى.

وقد اختار الباحث بعض المؤلفين الموسيقيين الذين أحسنوا اختيار نصوص أوبراتهم مع بعض النماذج التى توضح ارتباط النص الأوبرالى بالتلحين الموسيقى.



1- جلوك Gluck (1714-1787)

عبِّرت موسيقى جلوك عن إيحاء الكلمات وعمق معانيها، حيث رأى أن الموسيقى تخدم النص وتخضع له، وتُعبِّر بوجه خاص عن الكلمة وعن المواقف الدرامية، فلم يرتكز على التأليف الموسيقى بمفهومه البحت، وإنما استخدم الموسيقى باعتبارها هدفاً درامياً وليست غاية فى حد ذاتها، لذلك فهو يعُتبر أكثر مؤلفى الأوبرا نجاحاً فيما يختص بإصلاح قالب الأوبرا. ومن أعماله الأوبرالية التى تتمثل فيها أهمية تكامل الموسيقى والنص الأوبرالى أوبرا "إيفجينى فى أوليد Iphigénie en Aulide" عام 1774 وكتب نصها راسين فون دى رول Racine von du Roullet، وأوبرا "آرميدا Armide" عام 1777 وكتب نصها فيليب كوينولت Philippe Quinault، وأوبرا "إيفجينى من توريد Iphigénie en Tauride" 1779 وكتب نصها فرانسوا جيلارد Francois Guillard عن قصائد فرنسية، وقُدمت فى باريس حيث تساوت فيها عناصر الموسيقى مع الدراما فى إظهار المواقف المختلفة.


2- موتسارت Mozart (1756-1791)
يُعتبر موتسارت أحد العباقرة فى العصر الكلاسيكى الذى أثبت جدارة فى اختيار الموسيقى الملائمة للنص، وفاز دائماً بنجاح أوبراته، وما زالت ناجحة حتى يومنا هذا بتعبيرها الصادق عن الطبيعة البشرية. ومن أوضح الأمثلة التى أثبتت حسن اختيار المؤلف الموسيقى للنص هو اختيار موتسارت لمسرحيات بومارشيه Beaumarchais، وتطويع دابونتى Daponte - كاتب النصوص الأوبرالية الشهير - لها.

أوضح موتسارت عبقرية التعبير عن الدراما والربط الروائى من خلال الديالوج والإلقاء المُنَغَّم، كما عَبَّرت موسيقاه عن المحادثات بين شخصيات الرواية، ومن أهم الأمثلة على ذلك أوبرا "زواج فيجارو Le Mariage de Figaro" عن مسرحية كتبها بومارشيه، وأعدها للأوبرا دابونتى، وعندما نقارن بين المسرحية والأوبرا يتضح لنا التنازلات التى تمت فى الأدب من أجل تحقيق الوحدة والتكامل فى التأليف الأوبرالى.

لقد كان لموتسارت حس فطرى عجيب فى تَبَيُّن الكلمات المناسبة للألحان، وفى ابتكار الألحان التى تناسب مختلف الأمزجة المتعارضة فى المواقف الدرامية، إلى جانب ما كان يتمتع به من موهبة فائقة فى ابتكار الأنغام المؤثرة المعبرة الشجية، والخطة المسرحية الخلابة، فقد أدرك الكمال فى كل نموذج من النماذج الموسيقية التى اختار الكتابة.



3- فيردى Verdi (1813-1901)

تَميَّز فيردى بعمق تعبيره الموسيقى عن معانى الموضوعات التاريخية والسياسية التى يعرضها فى أوبراته بطريقة يعيد فيها خلق هذه المعانى فنياً من خلال شخصيات الأوبرا، واقترن هذا التطور بازدياد ميله إلى دراما شكسبير، ولم يضعفها تلحينه لها بل ارتبط بها، وأراد أن يكون الصوت المعبر عن سعى شعبه إلى الحرية.

وبلغ مرحلة النضوج بتأليف أوبرا "ريجوليتو Rigoletto" فى عام 1851، والقصة مقتبسة من رواية (الملك يلهو) لفيكتور هيجو Victor Hugo (1802 ـ 1885)، أما قصة الكسندر دوما Alexander Dumas المشهورة (غادة الكاميليا) فقد نقل فيها صورة المجتمع من خلال التلحين الجيد الذى يُشعِر المتفرج أنه قد يكون بطل هذه القصة، فهو ينفعل لانفعالاته ويتعاطف مع أحاسيسه.
وتناولت أوبراته المأساة والفكاهة الإنسانية تناولاً واضحاً، ووضح فيها أفضل ما أتاحته له عبقريته فى إنشاء تلحينات موسيقية، للنصوص الدرامية التى تُماثلها فى الأهمية الفنية المُعَبِّرة.




4- فاجنر Wagner (1813-1883)

رأى فاجنر أن الموسيقى يجب أن ترتبط بالكلمة ارتباطاً أساسياً حتى تكتمل قدرتها التعبيرية، ولم يفصل بينهما لأنه لم يكن يتصور الموسيقى خالصة على الإطلاق، وإنما كان يتخيلها دائماً مقترنة بالشعر ومُعَبِّرة عن مواقف درامية ظاهرة أحياناً وباطنة فى أحيانٍ أخرى، ومثلما كانت الموسيقى فى نظره خرساء من غير الشعر والمسرح، كانت الدراما فى رأيه سطحية جوفاء من غير الموسيقى، كما رأى أن الموسيقى والشعر عنصران مرتبطان من أجل التعبير عن العاطفة أو إحساس خاص، وقد ساعده على ذلك أنه كتب نصوص أوبراته بنفسه، وكان أول ألمانى أدخل الدراما فى الأوبرا مهتماً بروح الشعر والتعمق فى معانيه.



•• وهكذا حاول هؤلاء المؤلفون وغيرهم، الوصول إلى أسلوب مُعبِّر يقترب من الواقع، كما احتوت نصوص أوبراتهم على قوة درامية متمثلة فى الحركة المسرحية والصراع الدرامى من خلال الموسيقى، ودلت أعمالهم على مدى إمكانياتهم الفنية وعَبَّرت عن مفاهيم وانفعالات البشر وعن مختلف المواقف والشخصيات وكذلك الجو المحيط بها فى أوبراتهم.

الخصائص المميزة للعمل الأوبرالى

بعد أن توقف الباحث عند اصطلاح الأوبرا ونشأة الفن الأوبرالى، راصداً المكونات الموسيقية له، ومؤكداً على سمة ارتباط النص الأوبرالى بالتلحين الموسيقى، يستطيع أن يرصد بعض الخصائص المميزة للعمل الأوبرالى على النحو التالى:

1- يُكتب النص الأوبرالى كله بالشعر حتى يضمن إيقاعاً موسيقياً يؤهله للمعالجة الموسيقية والتلحين الموسيقى.
2- يعتمد العمل الأوبرالى على التلحين الكامل للنص الأدبى -والذى يسمى بالليبرتو- من البداية وحتى النهاية.
3 يأتى الأداء الصوتى فى العمل الأوبرالى مُغنى كله.
4 يتسم العمل الأوبرالى بأنه عمل طويل، تستغرق مدة عرضه الساعات الطوال؛ ذلك لأنه مكون من عدة فصول ويتطلب ديكورات ضخمة ووسائل إخراج معقدة.
5- العمل الأوبرالى ملتقى فنون ثلاثة (الشعر)، (الموسيقى)، (التمثيل/ الأداء الغنائى)، لذلك فهو عمل مركب وشامل.

بقلم/ دكتور محمدعبدالمنعم
قسم المسرح بكلية الاداب - جامعة الاسكندرية





#محمدعبدالمنعم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الالقاء هل هوعلم ام فن؟


المزيد.....




- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمدعبدالمنعم - من المسرح الموسيقى( الاوبرا العالمية )