عبودية خادمات البيوت وجه لهمجية الرأسمالية التابعة

المناضل-ة

الحوار المتمدن-العدد: 3165 - 2010 / 10 / 25 - 09:11
المحور: الحركة العمالية والنقابية
    

يكثر الكلام بوسائل الإعلام عن قرب صدور قانون يحمي الفتيات الصغيرات من استغلالهن واضطهادهن بالعمل المنزلي. هذا فيما لا يطبق حتى حظر تشغيل الاطفال دون 15 سنة. ة قد أعدت وزارة التشغيل مشروع قانون لخدم البيوت لن يكون الا مسوغا لهضم حقوق هذه الفئة العمالية، إذ يبيح اجرا هو نصف الحد الادنى القانوني. ما حقيقة هذه الظاهرة المأساوية وماذا تعمل الدولة ازاءها وما حلها الفعلي؟





فضائح تعيد التذكير دوريا بكارثة مسكوت عنا

جسد عمره 12 يحمل آثار تعذيب، شمل الأعضاء الجنسية، و تأكل جلدي و ازرقاق الدم من فرط الضرب. انه جسد فاطمة الخادمة التي هربت من بيت مشغلتها في الدار البيضاء الى الشارع، و انتهى بها الأمر عند الشرطة القضائية حيث أودعها المواطنون.

هذا بعد ان قضت فاطمة اكثر من عام في جحيم العمل المنزلي، المقرون بالإذلال، وهدر كل ما هو انساني. أُحيلت الى آلة بشرية لانجاز كل اشغال البيت مدة تصل 14 ساعة في اليوم وتفوقها مقابل 500 درهم شهريا. يا للفضيحة، فاطمة فجرت المشكلة في وجه المجتمع بهروبها الى الشارع، لو تحملت كما تفعل مئات الالاف من نظيراتها لاستمرت جهنمها في رتابتها اليومية المعهودة.

المجتمع يشتغل بهذه الفئة البشرية المعذبة ، انه بحاجة اليها، ثمة عمل منزلي يطلب يدا عاملة، ويجدها رخيصة.

المشغلة اعتقلت ومثلت امام القاضي يوم 18 غشت 2010 ، وجرت متابعتها بفصول القانون الجنائي الخاصة بالضرب والجرح وضرب طفل يقل عمره عن 15 سنة. ستدخل المشغلة السجن سنة سجنا نافذة مثل أي أب ضرب ابنه، او أي شخص اعتدى على طفل في الشارع. سيكون القانون عالج بطريقته احدى مستتبعات الكارثة و ليس الكارثة بحد ذاتها. انها كارثة استعباد الفتيات الصغيرات في العمل المنزلي. قانون المغرب يقول استعبدوا الفتيات، فقط بلا سوط، وحتى اذا عذبتم فاستروا .

حالات لا تعد تدفع بين فينة و أخرى بالجريمة المستورة إلى واجهة الإعلام، لعل أكبرها مؤخرا حالة الطفلة المستعبدة لدى أسرة قاضي بمدينة وجدة التي انفجرت بوجه المجتمع صيف 2009 . زينب طفلة عمرها 11 سنة أحرقتها مشغلتها زوجة القاضي بالزيت و كوتها بالحديد بأماكن حساسة من جسدها، وحلقت كامل شعرها. وستقضي زوجة القاضي 3سنوات ونصف بالسجن. ويستمر استعباد فتيات العمل المنزلي.

التعذيب ليس هو هذه المعاملة الوحشية فقط، حياة الخادمات الصغيرات كله تعذيب. مجتمعنا الرأسمالي التابع المتخلف قائم على هذه الظاهرة، ولا يمكن ان يشتغل بدونها ما دائم على أسسه. وهذا سبب تغاضي الدولة عن استعباد الفتيات بالبيوت، واقتصارها على معالجة عقابية لما انفلت من حالات التعذيب.

هذا وجه من الأشد قبحا لمصير اطفال الطبقات الكادحة في المغرب. الاطفال يستغلون بمئات الآلاف في الصناعة، وبوجه خاص الصناعة التقليدية، و في الخدمات، و في الزراعة. الدولة تلزم الصمت، لان استغلال الاطفال، مثل فرط استغلال الكبار، وسحق النساء، من دعائم المجتمع الراسمالي المتخلف. انها اسسه التي متى جرى المس بها اختل توازنه.

واقع مستور

عام 2005 نشرت منظمة هيومان رايتس واتش تقريرا أورد أن عدد الاطفال بين 6 و 15 سنة العاملين بالمغرب بلغ 600 الف. اكبر نسبة من هذا القبيل بمنطقة شمال افريقيا والشرق الأوسط. وقدر التقرير المذكورخادمات المنازل ضمن جيش الاطفال هذا بما بين 60 الف و 80 ألف.

كم ستصل اعداد جنود العمل هؤلاء لو رفعت الفئة العمرية الى 16 او 17 سنة أو 18 سنة؟ وهذا الاخير هو العمر المحدد للاطفال في الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل . لا شك أن الواقع اضخم مما تعبر عنه هذه الارقام.

كل عشر سنوات تقوم الدولة لمغربية بإحصاء السكان، لكنها لا تريد معرفة عدد خادمات البيوت الصغيرات. مرة واحدة قامت مندوبية التخطيط ببحث عام 2001 بالدار البيضاء ، وخلصت الى وجود 14 الف خادمة منزلية بهذه المدينة.

من أين يجري تجنيد اليد العاملة الفتية الى العمل المنزلي والى المعامل والورشات؟ من ابناء الطبقات الكادحة الذين لم يصلوا الى المدرسة او لفظهتهم. كل الافات متكاملة في مجتمع طبقي متخلف. كشف بحث قامت به جمعية "ادرس" [1] باشراف منظمة غير حكومية امريكية أن 380 الف طفل بعمر أقل من 15 سنة غادروا المدرسة سنة 2006. إنها حقيقة تكذب اضاليل المندوبية السامية للتخطيط المدعية أن عدد الاطفال العاملين بالمغرب انخفض من 517 ألف طفل عام 1999 إلى 170 ألف طفل عام 2009.

الفتاة القروية هي الضحية الاولى لهذا الاستعباد، بالقرى اكبر نسب الفقر، و الشروط الاجتماعية الأسوأ. انها نتائج غياب اصلاح زراعي لفائدة القاعدة العريضة من الفلاحين. زهاء ربع الاسر القروية لا تملك ارضا، و57 بالمائة من الفلاحين لا تتجاوز ملكيتهم 5 هكتار ، فيما الذين يملكون اكثر من 50 هكتار يحتكرون 13 بالمائة من الاراضي الصاحة للزراعة بالمغرب. لهذا تلفظ لقرى مئات الاف الفتيات المفقرات.

في غياب بنيات تحتية اجتماعية، استرخاص البنات الصغيرات كشف تقرير أنجز في مطلع سنوات 2000، بتعاون مع منظمة اليونيسيف، أن متوسط أجر الخادمات الشهري يقدر بحوالي 400 درهم. يتباين الأجر حسب سن كل خادمة، إذ لا يتعدى 220 درهم فقط لخادمة بين 7 سنوات و 10 سوات. و347 درهم مابين 11 و 14 سنة ، و500 درهم ما بين 15 و 17 سنة. وأشار إلى أن 70 في المائة منهن تقمن بالإضافة إلى أشغال البيت بجلب المتطلبات من الخارج ومرافقة الأطفال إلى المدارس، و 21.7 في المائة منهن لا تحصلن على عطلة سنوية ولا على يوم راحة حتى في الأعياد.

يلقي المجتمع بأمراضه الاخرى على اجساد الطفلات الخادمات. استنتج تقرير للأمم المتحدة في 2002 بان بالمغرب نسبة عالية من الاغتصاب و المعاملة السيئة للخادمات الصغيرات. ومن جانب آخر كشفت جمعية للعناية بالامهات العازبات أن 36 بالمائة من المستفيدات من خدماتها خادمات صغيرات سابقا. و حسب التقرير المعد بتعاون مع اليونيسيف المذكور آنفا 55 في المائة من الخادمات يتعرضن للضرب من طرف مشغلاتهن و86 في المائة يتعرضن للشتم والقذف بينما تتعرض 4.2 في المائة للاعتداء الجنسي من مشغليهن[ كم من فتاة لها جرأة الاقرار بما تعرضت له جنسيا؟]

الدولة المغربية وعبودية البنات المنزلية

ماذا تعمل الدولة المغربية خارج معاقبة من انفضح امرهم من معذبي الخادمات الصغيرات، مثل زوجة قاضي وجدة؟

لا تقوم الدولة المغربية بأي جهد جدي حتى لتطبيق قانون الشغل بالمصانع والمزارع وشركات الخدمات. مقتضيات قانون الشغل حبر على ورق في الغالبية العظمى من المقولات، و 2.5 مليون عامل غير مسجلون بالضمان الاجتماعي(حسب مندوبية التخطيط ذاتها)، و تأمين حوادث الشغل وامراضه امتياز نادر، و جهاز تفتيش الشغل عاجز بفعل نقص الموارد و ضعف الاختصاصات، فماذا يمكن انتظاره من الدولة ازاء استعباد الفتيات الصغيرات داخل المنازل؟

استرخاص اليد العاملة المنتجة، و استعباد البنات في العمل المنزلي، عامل تنافسية اقتصادية، ولا يعقل ان تقوم دولة الرأسماليين باضعاف تنافسيتهم، و من ثمة خفض ارباحهم، الا تحت ضغط الطبقة الخصم طبعا.

ستكتفي الدولة بستر الفضيحة قدر الامكان، واصدار قوانين لن تطبق، وستصادق على ما شاء منتقدوها من اتفاقيات دولية حول حقوق الطفل، وقد فعلت منذ 1993، واحدثت مؤسسة خاصة ، المرصد الوطني لحقوق الطفل برئاسة أخت الملك. ووضعت برنامجا سمته خطة العمل الوطنية للطفولة "مغرب جدير باطفاله" 2006-2012 ، نصت على تطبيق منع عمل الاطفال دون 15 سنة، وسحب من يعملون منهم وايجاد بدائل. واطلق برنامج "انقاذ" في يناير 2007 بزعم تسريع محاربة تشغيل خادمات صغيرات.

سيظل هذا كله حلما – وحتى نفاقا- ما دام النظام الاقتصادي الرأسمالي التابع الذي يتغذى بلحم الاطفال على حاله.

لن تسعى الدولة الى القضاء على استعباد الفتيات القرويات الصغيرات. هذا يتطلب اصلاحا زراعيا يخرج ملايين الفلاحين من البؤس، و اصلاحا مدينيا يوفر الخدمات الاساسية والشغل ومقومات الحياة لجماهير مفقري الاحياء الشعبية، ونام خدمت اجتماعية فائق الفعالية. وهل يمكن هذا بدون تغيير جذري يطيح بالطبقة السائدة الفاسدة.

من اجل القضاء على الاستعباد المنزلي للطفلات

يعود حجم ظاهرة تشغيل الفتيات الصغيرات في العمل المنزلي الى انتشارها حتى داخل الاوساط الشعبية، اي الى التحولات التي شهدتها الاسرة بخروج النساء المتزايد الى العمل. قسم من النساء الاجيرات- مثل الموظفات و مستخدمات قطاعات خاصة كالبنوك- اللائي يسمح لهم دخلهن باستئجار خادمات يقمن بذلك. لأن البنيات التحتية لرعاية الاطفال و التكفل بالمسنين، والاضطلاع بالعمل المنزلي، مثل المصبنات العمومية، والمطاعم، والحضانات، ودور المسنين، وغيرها غير متوافرة.

إن الرأسمالية تلقي بالمسؤولية الاجتماعية لمن تقوم باستغلال قوة عملهم على الأسرة.

إذ تمثل هذه الية لاعادة انتاج قوة العمل باقل كلفة، وهي بذلك تتيح للرأسماليين تقليص قسط الثروات الاجتماعية المخصص لاعادة انتاج الطبقات الكادحة .

عدم قيام الاسرة بهذا العمل المنزلي سيؤدي الى رفع المستوى العام للاجور أي انها يجب ان تكون مرتفعة بما يتيح شراء المواد والخدمات التي تنتج حاليا داخل الاسرة . بالتالي كل خفض عام للعمل المنزلي الذي تقوم به الاسرة مجانا سيؤدي الى خفض الكتلة الاجمالية للارباح مغيرا التوازن بين الارباح و الاجور. هكذا فظاهرة تشغيل فتيات المنازل تسهم في خفض كلفة قوة العمل لفائدة الرأسماليين ودولتهم.

كما ان تنامي عدد النساء في سوق الشغل يخلق تناقضات عميقة للطبقة السائدة . الرأسمالية تريد استعمال مزيد من النساء للافادة من فرط استغلالهن. لكن هذا لا يسمح باستمرار تحميل النساء مهام العمل المنزلي المجاني ، لذا يتعين على الدولة ان تقوم جزئيا مقام الاسرة بالاضطلاع ببعض وظائفها الاقتصادية الاجتماعية مثل التربية و حضانة الاطفال.

إن اقامة البنيات التحتية الاجتماعية التي ستضطلع بالاشغال الملقاة على الاسرة يتطلب أن يخصص لها جزء من فائض القيمة الذي كان البرجوازيون سيتملكونه. البرجوازية المغربية غير مجبرة بميزان قوة طبقي على الاضطلاع بذلك فتراها ترمي به على كاهل الاسرة المستعبدة للاطفال الصغار القرويين ضحايا سياسات الافقار.

هذه الادوار المسندة للأسرة لن تزول الا بزوال الرأسمالية واضفاء طابع اجتماعي على المهام المنزلية في اطار عملية بناء المجتمع الاشتراكي. وسيرا على هذا الطريق يتعين على منظمات العمال، وكل قوى النضال، ان تدافع عن تلك الفئة المقهورة، فتيات العمل المنزلي، بالمطالبة باصلاح زراعي بالقرى، وبالبنيات الاجتماعية التحتية بالمدن والقرى، وتتصدى لسعي وزارة التشغيل بمشروع قانونها الجديد الى استرخاص اليد العاملة المستأجرة في البيوت.




1- برنامج "أدرسُ" يرمي الى الاسهام في الغاء عمل الاطفال و لا سيما الخادمات الصغيرات والاطفال العاملين في صناعة تقليدية او ميكانيك ، مشروع اطلقته و زارة العمل الامريكية بعد اتفاق مع الحكومة المغربية في يناير 2003 .

#المناضل-ة (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات