أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عزيز العرباوي - أسرار الطقوس -- قصة قصيرة -- عزيز العرباوي















المزيد.....

أسرار الطقوس -- قصة قصيرة -- عزيز العرباوي


عزيز العرباوي

الحوار المتمدن-العدد: 3150 - 2010 / 10 / 10 - 03:01
المحور: الادب والفن
    


أسرار الطقوس : قصة


توجهنا إلى الموسم وكلنا أمل في إيجاد شيء ما يغرينا ويخرجنا من براثن الروتين الذي كبس على أنفاسنا. كنا أنا وصديقي مملوءين بالرغبة الدفينة في معرفة أسرار ذلك التقليد الذي دأب عليه سكان هذا الدوار الفقير، لم يكن أحد منا يعرف حقيقة هؤلاء الضعفاء الجهلاء في مدى اقتناعهم بهذا التقليد الذي حافظوا عليه منذ عقود. الطريق مملوء عن آخره بالراجلين وكذا بكل وسائل النقل من سيارات وشاحنات. استغربنا كثيرا من هذا الأمر . يوم ليس كباقي الأيام. سعادة عظيمة تبدو عليه وجوه الصغار والنساء. مسحوقات تجميلية وعطور تتعالى روائحها في الفضاء وتمتزج بالهواء امتزاجا غريبا كأننا أمام معمل لتكرير البترول. واستمررنا في الطريق نلوك الاستغراب والشرود والتردد، بينما الصغار يتظاهرون بالفرح السامي ويبدو عليهم التحرر من قيود لا يعلمها إلا الله وهم أنفسهم.
هذه القيود قد عايشتها يوم كنت طفلا مثلهم، لكني لم أكن أقدر أن أحدد هويتها لصغر سني ولعجزي عن إعطاء معنىً أكيد لشيء مبهم. الطفولة شيء آخر في عمر الإنسان إلا لمن لا يقدر أن يعيشها في التحرر. صديقي لم يكن يعرف آنذاك فيما كنت أفكر، لعله هو الآخر كان يسترجع طفولته، وهل بها ما يتذكر فعلا ويستحق التأمل قليلا أم لا … ؟ .
كان الطريق شائكا وصلبا، وعيوننا مملوءة بالأمل الجديد في اكتشاف مكنونات هذا الاحتفال المعتاد. لم يكن عقلنا يفكر في شيء سوى في الحصول على حقيقة كانت غائبة في بال الكثيرين. كانت الشمس محرقة تلدغ بأشعتها رأسينا وجسدينا النحيلين، وبعض الغيوم تنتشر بصفحة السماء الزرقاء متقطعة كأنها بقع خضراء بصحراء قاحلة. أغلب الأطفال كانوا قد وصلوا مكان الموسم بزاوية سيدي علي بن احماد وانتشروا بين الباعة والزوار مثل حبات الشعير اختلطا بأكوام القمح بالبيدر، فرحين بما يرون، غير آبهين بطقوس الموسم الدينية التي انهمك فيها الرجال الدراويش والفقهاء .
كان الاندهاش هو أول نقطة غير معتادة، استولى علينا دون إنذار، وانسحقنا بين المتجمهرين نراقب تلك الطقوس باهتمام مبالغ فيه. كان الرجال الدراويش يعيدون كلمات لم نفهم منها شيئا ولم نسمع منها حرفا لكثرة الألسن التي تصيح وتدعو، تعمقنا أكثر بين المتجمهرين رغبة منا في معرفة حقيقة هذه الطقوس الغريبة علينا وعن ثقافتنا. لم يسبق لي أن رأيتها في موسم آخر، هي تختلف كليا عنها. سمعت من سكان البلدة من يقول أن هناك امرأة من الدوار كانت قد قتلت حمارا وعاقبهم الله بسنين قحط وجفاف، فأملى عليهم أحد الفقهاء بذبح الذبائح تقربا إلى الله، فما إن فعلوا ما أمرهم حتى بدأت السماء تمطر سيولا جارفة ومطرا غزيرا. وسمعت آخرين يقولون بأن امرأة كانت قد مارست منذ زمن بعيد الجنس مع حمار لها فماتت على إثرها فاتخذ سكان الدوار على أنفسهم هذه الطقوس تقربا إلى الله ليغفر الله لها مادامت مخطئة ومذنبة .
تمكنا من إحاطة الموسم كله بنظرات مختصرة ، وعقولنا مازالت تتابع الطقوس باندهش شديد، اقتربنا من رجل بدين تبدو على سماته أنه من العارفين بكل شيء، وأنه من سكان الدوار الذي اعتاد الاحتفال بهذه المناسبة المجهولة، كان الرجل يتابع الطقوس باهتمام شديد وقلبه متعلق بما يقال من أدعية. لم يكن من بدنا إلا أن نتبادل معه الحديث ونستفسره عن كل شيء استعصى علينا معرفته :
_ اسمح لنا يا سيدي أن نسألك ..
_ تفضلا، أنا رهن الإشارة، لابد أنكما غريبان عن الدوار ؟ .
وكأنه في منافسة كبيرة، قال له صديقي يونس :
_ نحن نعمل بدوار قريب من هنا، لكننا نريد أن نعرف أصل هذا الاحتفال وسبب الحفاظ عليه !
وبطريقة العلماء المفسرين افتتح الحديث :
_ أنتما تعرفان أن المولد النبوي قد مضى عليه أسبوعا كاملا، ومن هنا يظهر أن هذا الاحتفال هو بمناسبة عقيقة السيد الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم، وقد ابتدع هذا التقليد الديني قبل عدة عقود لا أعلم كم عددها، الولي الصالح سيدي علي بن حماد، وهو من آل البيت وينتسب إلى الشرفاء أحفاد المولى إدريس الأول مؤسس الدولة الإسلامية الأولى بالمغرب …
وقاطعته بطريقة لبقة :
_ يعني أن كل ما يقال عليه من بدع وكلام احتقار بأن امرأة قتلت حمارا أو مارست معه الجنس،وبأنه تقرب إلى الله بالقرابين طلبا للمغفرة، ليس إلا كذبا وبهتانا مبينا ؟ .
وبقليل من الاعتراض المفعم بالابتسامة واللباقة رد علي :
_ يا سيدي ، أنت أعرف مني بالوضع بحكم عملك، فالجهل متفشٍ بما فيه الكفاية. فالناس ينجبون أفكارا من مخيلاتهم لا تمت للحقيقة بصلة، وكل واحد يدلو بدلوه في الأمر وكأنه عالم تاريخ ودين. المهم هو الحقيقة التاريخية، هذا الاحتفال الديني يحضر إليه رجال دين من أماكن عديدة بعيدة من المغرب كله، ويدوم ثلاثة أيام، تذبح فيها الذبائح من الأبقار ويقرأ القرآن وتكثر الأدعية والصلوات وتعم الصدقات والهبات. أما هذا الذي ترى من بدع في البيع والشراء، والعشق الحرام الذي يكثر بين الشبان والفتيات، وهذا الخروج عن الطريق السليم والمستقيم وعن تعاليم الولي الصالح سيدي علي بن احماد وكذا الغرق في الملذات والشهوات الدنيوية هو من ابتداع الناس الجاهلين بحقيقة هذا هذا الموسم الديني والبعيد عن جادة الصواب والطريق الصحيح .
ثم سألته :
_ ولماذا يفعل الناس هذه الأمور مادام الاحتفال هو تقليد ديني محض ؟ .
وبشيء من التوتر :
_ قلت لك يا أخي إنه الجهل والكفر من فعلا بهم هذه الأشياء كلها، وأعرقهم في وادي الشهوات والملذات الزائلة …
ثم قاطعه صديقي يونس بلغة بسيطة يسأله :
_ وماذا يقول هؤلاء الدراويش الآن ؟ ولماذا يحملون تلك الرايات ؟
وبابتسامة رقيقة أجابه :
_ إنهم يصلون على النبي الكريم عليه الصلاة والسلام فقط ولا شيء غير ذلك، أما حملهم للرايات فهذا تقليد فقط دأبوا عليه، يعني الكثير بالنسبة إليهم .
ساد بيننا –بعد ذلك- صمت طويل، واكتفينا بمراقبة الوضع والتعليق عليه في أذهاننا. لقد تمكنا أخيرا من معرفة أسرار هذا الموسم، وهذا ما أتينا من أجله وتركنا عملنا في سبيل اكتشافه .
لم يعد لنا من هدف نبقى من أجله في هذا المكان الغارق في المتناقضات. كان الطريق الشائك ينتظرنا، وكنا نفكر في ولوجه كثيرا، بينما الأطفال الصغار يعجبون بما يرون، ولم يتزعزعوا من مكانهم إلا بعد حلول الظلام، حينها كنا قد وصلنا بيتنا وجلسنا نستعيد الزيارة من جديد، فاقترب تفكيرنا من نقطة سوداء في ذلك الموسم كانت هي النهاية … !!!


عزيز العرباوي
كاتب من المغرب



#عزيز_العرباوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بساتين الصمت : قصة
- وجوه الألم ....: قصة قصيرة
- الحاقدون.....: قصة قصيرة
- لقاء محزن ....: قصة قصيرة
- الكتابة لعنة ونقمة...: ق.ق.ج
- نفس القصة : قصة قصيرة
- فشل.....: قصة) قصيرة جدا
- محمد الماغوط رائد قصيدة النثر ومبدعها الكبير :
- إنسان = قصة قصيرة
- تداخل : قصة قصيرة
- انتظار : قصة قصيرة
- الحكامة في التربية والتكوين : الأسس والمعايير :
- المناهج الأدبية في خدمة التنمية : قراءة في كتاب الدكتور حسن ...
- المفاوضات غير المباشرة طريق نحو الهاوية :
- -منظومة التكوين في ضوء المخطط الاستعجالي- موضوع الندوة الوطن ...
- شهادة الشرف --- قصة قصيرة
- عبارة ....: قصة قصيرة جدا
- حوار مع الكاتب المغربي عزيز العرباوي :
- السراب .... : قصة قصيرة جدا
- التكوين الأساسي والمستمر والبعد عن الشفافية :


المزيد.....




- بورتريه دموي لـ تشارلز الثالث يثير جدلا عاما
- -الحرب أولها الكلام-.. اللغة السودانية في ظلامية الخطاب الشع ...
- الجائزة الكبرى في مهرجان كان السينمائي.. ما حكايتها؟
- -موسكو الشرقية-.. كيف أصبحت هاربن الروسية صينية؟
- -جَنين جِنين- يفتتح فعاليات -النكبة سرديةٌ سينمائية-
- السفارة الروسية في بكين تشهد إزاحة الستار عن تمثالي الكاتبين ...
- الخارجية الروسية: القوات المسلحة الأوكرانية تستخدم المنشآت ا ...
- تولى التأليف والإخراج والإنتاج والتصوير.. هل نجح زاك سنايدر ...
- كيف تحمي أعمالك الفنية من الذكاء الاصطناعي
- المخرج الأمريكي كوبولا يطمح إلى الظفر بسعفة ذهبية ثالثة عبر ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عزيز العرباوي - أسرار الطقوس -- قصة قصيرة -- عزيز العرباوي