أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد بودواهي - الدولة المدنية و الرهان الصعب















المزيد.....

الدولة المدنية و الرهان الصعب


محمد بودواهي

الحوار المتمدن-العدد: 3145 - 2010 / 10 / 5 - 19:39
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


التفكير العلمي هو أساس كل تقدم حيث لا يمكن لأي بلاد يسيطر عليها رجال الدين أن تعرف تقدما في أي مجال كان مهما علا شأنها وكبر حجمها ومهما تعددت إمكاناتها . وعلى هذا الأساس نجد العلمانيين - بكل نضالاتهم اليومية وعلى جميع الأصعدة السياسية منها وغير السياسية - يستهدفون غاية واحدة هي تأسيس مجتمع مدني يكون فيه الدين لله والوطن للجميع وينشدون دولة مبنية على فصل جميع الأديان عن الحياة العامة وحذف المادة الثانية من الدساتير .
وكما هو معروف ومؤكد فإن ثقافة المجتمع الدني في الدولة المدنية لا تعني رفض كل الماضي ولا استيراد بعض القيم والمفاهيم التي قد تكون غريبة ولا محاربة الازدواجية الأخلاقية ولا حتى محاربة التطرف بشتى أنواعه وإنما تعني في الأساس الثقافة المبنية على العقل وقبول الآخر وترسيخ الفكر النقدي والعلمي ونشر ثقافة حقوق الإنسان والديموقراطية وثقافة التعدد والاختلاف . كما يسعى العلمانيون من خلال الدولة المدنية إلى عودة المجتمع المدني إلى شخصيته الأصيلة قبل أن تستحوذ عليها العقلية الأصولية المتشددة التي ترى في الدين المصدر الوحيد للحياة . مع العلم أنه لا يمكن إلغاء مفهوم الدين من عقول الناس - على الأقل في المدى المنظور - ويجب ألا تكون العلمانية على عداء مع تلك الإحتياجات ولا تدعو للصدام مع الدين .
فقد كان لأوربا عذرها في معاداة استبداد الكنيسة التي حولت حياة الناس إلى جحيم لا يطاق حيث اتسم العصر الوسيط باستبدادها وهيمنتها المطلقة وبعملها على مصادرة كل الأعمال الفكرية والإبداعية التي تخالف توجهاتها الدينية والإيديولوجية والتدخل في كل العلوم الطبيعية والاجتماعية والسياسية وتفسيرها وفق هواها ومصالحها وإعطاء صكوك الغفران ومصادرة الحريات وكل أنواع الإبداع باسم الدين ..... كما عمل المسلمون في مراحل تاريخية كثيرة على إظهار الدين الإسلامي على أنه دين غزو واستعمار زيادة على كونه دين يبيح صراحة كل أنواع القتل والاستعباد لغير المسلمين ويدعو إلى الكراهية والتمييز ضد الآخر وضد المرأة ...... ولما جاء عصر النهضة عرفت أوربا نقطة تحول تاريخية حيث قامت ثورات اجتماعية اقتصادية سياسية وثقافية شاملة أطاحت البرجوازية من خلالها بالنظام الإقطاعي ، وتكونت دولة مثلت قطيعة كلية مع الكنيسة فأحدثت طبقة محل طبقة أخرى وسنت تشريعات وقوانين وقيما وأفكارا لا تتقاطع من قريب أو بعيد مع القيم الإقطاعية القديمة .
إن الدولة المدنية المنشودة - كما هو واقع الحال في ( العالم الحر ) كما سماها بوش الابن - تعمل وفق مبادئ العلمانية التي هي اجتهاد في ميدان التنظيم السياسي للمجتمع حيث تتصارع فيه البرامج السياسية وفق المصالح الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للمواطنين . والعلمانية لا تعني استبعاد الدين عن القيم الروحية والاخلاقية للناس ، وإنما تعني التمييز والتفريق بين الدين والقناعات السياسية المختلفة والمتقلبة ، باعتبار أن الممارسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية مجرد اجتهادات وأعمال قابلة للخطأ والصواب كما هي قابلة للتطوير والتعديل ، وبالتالي فالعلمانية ترتبط أشد الارتباط بحرية الاعتقاد والعبادة وتتصدى لأية إيديولوجية دينية أو أية منظومة فكرية إنسانية تريد أن تكون لسان الدولة أو نظريتها الإيديولوجية في الحكم وذلك لأن العلمانية تؤمن أعمق الإيمان بالتعددية السياسية والثقافية والاختلافات الفكرية والفلسفية وسيادة حكم القانون واستقلال القضاء والمساواة التامة بين المواطنين بغض النظر عن أديانهم وأعراقهم وثقافاتهم ولغاتهم كما تؤمن باتساع مصادر التشريع لتمزج بين عطاءات الثقافة والفكر والأعراف والتقاليد والتجارب المجتمعية المختلفة . كما أن الدولة المدنية تعطي الهيمنة والنفوذ للمجتمع المدني بما هو الأحزاب السياسية والنقابات والصحافة والغرف التجارية والصناعية والفلاحية والمنظمات المدنية والجمعات الخيرية والرياضية والتعاونية والثقافية ..... فحضور هذه التنظيمات المختلفة في الساحة ومشاركتها الفعالة في الحياة السياسية والعامة وتفكيكها لآليات المجتمع التقليدي وتحويله لقوة مدنية هو الذي يجعل المشاركة السياسية والتداول السلمي للسلطة وقيام دولة نظام وقانون تستند إلى دستور يحتكم إليه أمرا ممكنا ، وهو الذي يجعل الحاكم وسلطته غير قادرين على تجاوزه أو التلاعب به أو القفز عليه ، هذا إضافة إلى استقلال القضاء والفصل بين السلطات الثلاث ووجود توازن دقيق وصارم بينها .
ففي ظل الدولة المدنية المنشودة يسمح للمواطنين كافة بممارسة أنشطتهم الدينية بحرية وبدون تمييز وبنفس الشروط والقوانين على أساس حق الجميع في المواطنة بالتساوي بينما نجد الدولة الدينية أو حتى شبه الدينية التي تعتبر أحد الأديان هو دين الدولة تلغي حقوق المواطنين الذين يمثلون الأقليات من حرية التعبير إذا تعارضت مع الحكم وبذلك تنتهك قاعدة المساواة في المواطنة . وفي الدستور المدني تكون العلاقة بين الدولة المدنية والمواطنة مبنية على أساس التفاهم والاحترام اللذان يؤديان إلى الالتزام من قبل المواطن اتجاه الدولة وإلى حماية الدولة لحقوق المواطن ، وبذلك تتعمق الإرادة الوطنية وتتقوى المشاعر المخلصة اتجاه الدولة وتسير قدما في تحقيق السلام والاستقرار والتقدم وتحمي نفسها من خطر العدوان الخارجي .
فالعلمانية إدن - على خلاف ما يروج لها من تعاريف مغلوطة - هي قيام الدولة على أساس مدني وعلى دستور بشري أيا كان مصدره ، وعلى احترام القانون وعلى المساواة وحرية الاعتقاد .... وعلى أن الشعب هو مصدر جميع السلطات التي يجب الفصل بينها واستقلال كل منها عن الأخرى في إطار من التوازن العام ، وهذا المبدأ يتضمن حق الشعب في أن يشرع لنفسه وبنفسه القوانين التي تتفق ومصالحه ، ويحقق المساواة التامة في الحقوق والواجبات بكافة أشكالها ، ومنها السياسية ، بين الرجل والمرأة والمسلم وغير المسلم على أساس المواطنة الكاملة ، وعلى أساس التعددية الفكرية والدينية والسياسية والثقافية .....
إن إقامة الدولة المدنية العلمانية وفق الصورة المنوه عنها باتت ضرورة ملحة لإخراج مجتمعاتنا المتخلفة من شرنقة الجدل الفارغ وحالة اللاحسم حول الكثير من القضايا الصغيرة والكبيرة التي لا تزال تراوح مكانها بسبب إقحام الدين فيها وباللتالي الاختلاف المرير حولها .



#محمد_بودواهي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحلم الاشتراكي
- رد على مقال السيد طلعت : تاريخ العلمانية
- رد على مقال السيد مدبولي : هاجم وانتقد....
- الحركات الاجتماعية واليسار أية علاقة ؟
- النظام الفدرالي وبناء صرح الديموقراطية
- الفشل المنتظر
- الإسلام السياسي مصائب ومآسي
- بعض أوجه الخلاف بين الديموقراطية والشورى
- اوربا وتطور النزعة الإنسانية
- الإيجابيات المزعومة للعولمة وسياسة التضليل
- مصر والجزائر رياضة وإعلام
- الحوار المتمدن منبر كل المحاصرين
- الدولة غير العلمانية وسياسة الإجحاف الديني
- الإنماء الاقتصادي رهين بالإنماء الثقافي
- الإقصاء والتمييز الهوياتي و سياسة التخلف
- النظام الرأسمالي وسيرورة التطور نحو الحتف
- استقلالات الوهم في ظل الاستعمار الجديد


المزيد.....




- فريق سيف الإسلام القذافي السياسي: نستغرب صمت السفارات الغربي ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف مواقع العدو وتحقق إصابات ...
- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...
- الأوقاف الإسلامية في فلسطين: 219 مستوطنا اقتحموا المسجد الأق ...
- أول أيام -الفصح اليهودي-.. القدس ثكنة عسكرية ومستوطنون يقتحم ...
- رغم تملقها اللوبي اليهودي.. رئيسة جامعة كولومبيا مطالبة بالا ...
- مستوطنون يقتحمون باحات الأقصى بأول أيام عيد الفصح اليهودي
- مصادر فلسطينية: مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى في أول أيام ع ...
- ماذا نعرف عن كتيبة نيتسح يهودا العسكرية الإسرائيلية المُهددة ...
- تهريب بالأكياس.. محاولات محمومة لذبح -قربان الفصح- اليهودي ب ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد بودواهي - الدولة المدنية و الرهان الصعب