أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - بوابة التمدن - هيثم حسين - «الترام الأخير» للتركيّ نديم غورسيل















المزيد.....

«الترام الأخير» للتركيّ نديم غورسيل


هيثم حسين

الحوار المتمدن-العدد: 3144 - 2010 / 10 / 4 - 00:37
المحور: بوابة التمدن
    


«الترام الأخير» للتركيّ نديم غورسيل
الراوي جسرٌ بين المدن.. والذكريات أنفاق الزمن


هيثم حسين
يعدّ الروائيّ التركيّ نديم غورسيل من الكتّاب الترك المعاصرين البارزين، حيث يتناول في أعماله العديد من القضايا المفصليّة. أنجز عدداً من الروايات الهامّة، يمتاز أسلوبه بالشاعريّة والمرونة.
وكعيّنة من إبداعه الروائيّ، يمكن الوقوف على روايته «الترام الأخير»، الصادرة ترجمتها لشفيق السيد صالح (دار علاء الدين)، حيث يقدّم نديم غورسيل في هذه الرواية، صوراً من حياة المهاجرين الأتراك في فرنسا. يسلّط الأضواء على جوانب من المعاناة التي يتعرّضون لها في طريقهم المُفترَضة إلى برّ الأمان. يسرد غورسيل روايته التي يتبدّى فيها الجانب السّيريّ جليّاً، لا سيّما في تركيزه على توصيف ساحة جامعة السوربون، التي درس الأدب المقارن فيها، ويدرّس حالياً الأدب التركيّ الحديث فيها، تلك الساحة التي يصف تفاصيلها بدقّة، يسترجع أثناء ذلك ذكرياته، حين كان يعبر به قطار العمر من مدينة إلى أخرى.
يتشظّى مفهوم الترام في الرواية، يمارس الروائيّ عبره تورية موظّفة، يوهِم بمعاني عديدة، يحيل على أمور متباينة، لربّما يودّ الإشارة إلى قطار الزمن الذي يمضي بالمرء، ينتقل به من محطّة إلى أخرى، لتكون له في كلّ محطّة عمريّة ذكريات، مآسٍ، أفراح، يعيشها بملء روحه، حين تفلت منه، يحاول استعادتها بأكثر من طريقة، لا يملك أحد إزاء سير القطار المحتوم أيّ اقتراح أو رأي، لأنّه يكمل دورته الطبيعيّة.. ولربّما يشير به إلى القطار الذي كان يستقلّه في رحلته إلى باريس، حيث يطوف به في عدّة أماكن ومدن، يتعرّف إليها، يسيح بين جنباتها، يخوض فيها مغامراته العاطفيّة، يرتاح فيها، ليكمل بعدها مشواره الحياتيّ، يستكمل طرقه إلى باريس التي يتوقّف فيها قطار العمر بالنسبة إليه، تكون باريس محطّته الأخيرة، التي يستقرّ فيها، يعاود بعدها الرجوع إلى المحطّة بين الآونة والأخرى، ليتذكّر مراحله السابقة، ويتأمّل السفر من جديد مرّة أخرى.. كما قد يكون المقصود بالقطار الأخير، هو ذاك الذي يدخل النفق الذي تحاول عائلة تركيّة عبوره إلى فرنسا، في محاولتها التسلّل عبر الحدود، حيث يغافلها القطار، ولا يترك لها مجالاً للهرب، لأنّ النفق يكون مشقوقاً على مقاس القطار، وليس هناك متّسع لأحد أو شيء مهما كان صغيراً، فتقضي العائلة نحبها. تكون نهايتها في النفق، يدوسها القطار الذي يكون الأخير الذي تراه العائلة الحالمة بالوصول إلى نعيم باريس. يتّخذ الروائيّ من حياة تلك العائلة مادّة لروايته، حيث يسعى إلى تقديم حكايتها في فيلم سينمائيّ مع مخرج فرنسيّ، يكون «جاك» جار الراوي وصديقه، يقدّم مقترحاته لإنجاز سيناريو الفيلم، ينبّهه إلى وجوب الحرص على المشاهد، لا على الكلمات، يؤكّد له أنّ المونتاج يحلّ محلّ الكلمات في مهمّة الربط والتوصيل، وما عليه سوى تدوين المشاهد. يقول له إنّ كلّ شيء يقرّر عند المونتاج، ولا يمكنه كتابة الجملة الأولى قبل أن يختار المشهد الأوّل، وإنّ السينما شيء آخر، أي يجب عليه بناء الحكاية بالمشاهد وليس بالكلمات، لا بدّ من التعوّد على التفكير بالمشاهد، حيث الصور هي أساس السينما الأوّل، وتكمن مهمّة الفريق في ربطها بعضها ببعض عن طريق المونتاج، وليس الكلمات.
البوح الوجدانيّ
يغرق الراوي العجوز في أنفاق الذاكرة، يحاول القبض على الزمن بالكلمات، يرسم الآثار التي يخلّفها بعد مروره، يسترجع السنين التي مرّت من حياته، يجد بأنّه سيكون من العبث القول إنّ الكتابة هي أيضاً من صميم المونتاج، وإنّ لغة المشاهد لا تختلف أبداً عن لغة الكلمات. إذ يؤكّد أنّ الأدوات مختلفة، لكنّ المنهج متشابه.. يسترجع ذكرياته عن المدن الكثيرة التي زارها، ترتبط كلّ مدينة بقصص عاشها هناك، يرافق في روما فتاة صادقها، يروي ذكرياتهما المشتركة، يصف تفاصيل جولته في برشلونة، التي تبدو كأنّها تعيش كرنفالاً دائماً، يتحدّث عن لندن وغيرها من المدن الإنكليزيّة العريقة، عن مراكش وقسنطينة ونيويورك، عن عدد من مدن المتوسّط، وعن مدن أخرى كثيرة زارها، شكّلت بالنسبة إليه محطّات توقّف فيها قطار العمر للاستراحة بعض الوقت، ثمّ استكمل مسيرته غادياً ورائحاً بين اسطنبول وباريس.
يتّخذ السرد في معظم الفصول شكل البوح الوجدانيّ، كأنّما يدوّن الروائيّ مذكّراته، يقول بأنّ الهاوية تغدو وطناً، لا تبقى إسطنبول بالنسبة إليه مدينة يعود إليها، إنّما يذهب إليها، مثل باريس، دائماً ما يذهب الى مكان ما، لكنّه لا يعود إلى مكانٍ. تستعير إسطنبول عنده من الجسر الواصل بين طرفيها الآسيويّ والأوروبيّ سمات العبور، تغدو جسراً للعبور، تمنحه أجمل ما فيها، فيظنّ أنّه نفسه يغدو «ممرّاً، جسراً دعائمه غير مستقرّة في الأرض، لا هنا ولا هناك. هنا وهناك في الوقت نفسه». يغدو جسراً متنقلاً، يربط بين الأمكنة والأزمنة، جسراً مرتحلاً في الزمان المكان.. كأنّما تغدو الجغرافيّات المزارة بدائل غير كافية عن جغرافيّة اضطرّ إلى الابتعاد عنها.. سكنته مدينته التي يرتحل بها في كثير من المدن، من دون أن يفلح في الشفاء منها، ولا هو يريد ذلك.
أساطير
يروي الكاتب على لسان راويه بعض أطوار الكتابة وأحوالها معه، يصف الكتابة بأنّها أسلوب حياة، يؤكّد بأنّه لا يستطيع التخلّي عن الأوراق التي تعوّد عليها، يكتب ويشطب، يعيد الكتابة والشطب، تتملّكه الحيرة بعد كتابة الجملة الأولى، ولا يعرف إلى أيّ قرار ستحمله كلماته التالية، يقول باختلافه عن دستويفسكي الذي كان يبدأ بتشكيل رواياته كلّها في رأسه حتّى أدقّ التفاصيل، وعندما كانت تحين لحظة الكتابة، كان يسكب المونتاج على الورق من دون أيّ تعديل، ذاكراً بأنّه أملى رواية «المقامر» على أمينة سرّ «أنّا جريجوربيفنا سنيتكين» التي تزوّجها في ما بعد.. ثمّ يصوّر أحوال غيره من الكتّاب، مفصّلاً في الحديث عن مؤتمر للكتّاب الأتراك في المنفى، يفضح فيه زعم الكثيرين منهم، وتسترهم بمنع كتبهم، كي يتخذوها مبعث تفاخر وقوّة وجرأة.
يحاول تجاوزَ رغباته، الهربَ من نفسه، التخلّصَ من ملاحظاته وذكرياته وأحلامه الخاصّة ليصبح صدى لأحلام الآخرين وتطلّعاتهم. يذكر صديقه «سيهموز» الذي انتهى به المطاف في السجن، كغيره من المناضلين اليساريّين أمثال ناظم حكمت، وكان «سيهموز» الابن البكر لأسرة فقيرة، لم يصبح مهرّباً مثل بقيّة إخوته، أتمّ دراسته بنجاح وسط آلاف الصعوبات، اعتقل بعد استقراره في إسطنبول كمناضل يساريّ، يحكي عن تجربة سجنه المريرة، يتذكّر نصيحة صديقه له عندما قال: «إنّ السجن ثمن بخس لما كتبناه من كتب في هذا البلد..».
يستعين الكاتب ببعض الأساطير في عدد من الفصول، يقدّمها على سبيل العبرة والموعظة، منها أسطورة «إيكار» التي تقول إنّ إيكار أراد الصعود إلى الشمس، فصنع لنفسه جناحين من الشمع طار بهما، فلمّا اقترب من الشمس انصهر الشمع فهوى «إيكار» في البحر ومات. كذلك استشهاده ببعض أساطير العشق وقصص مشاهير العشّاق في العالم. ربّما يتأتى ذلك عن رغبة في التماهي معها أحياناً، أو رغبة في التنويع وإظهار الاطّلاع.
يعرّج غورسيل، المولود في تركيا 1951م، الحاصل على جوائز أدبيّة عدّة، منها جائزة الأكاديميّة التركيّة، على بعض الانقلابات العسكريّة التي اجتاحت الحياة السياسيّة التركيّة، والتي خلّفت شروخاً عميقة في جسد الجمهوريّة التركيّة، لم تستطع التخلّص منها، كما يعرّج على الصراع التركيّ اليونانيّ المزمن، وكذلك على أوضاع المواطنين في المحافظات المهمّشة من تركيا، تلك التي يسيطر عليها الجيش، معلناً حالة الطوارئ، معطّلاً الحياة بمختلف جوانبها هناك.
«الترام الأخير» رواية تختصر قصّة كاتب مغترب، يلوك ذكرياته، يسعى إلى التغلّب على الغربة بالتذكّر والأحلام، يرتحل من محطّة إلى أخرى، يقف في كلّ منها منتظراً، متمنياً أن يكون الترام الذي ينتظره، أو يستقلّه، الأخير في حياته – رحلته، التي تتكوّن من محطّات كثيرة، وقطار وحيد يشيخ وهو يرتحل به ما بين تلك المحطّات.
(كاتب سوري)


السفير



#هيثم_حسين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أدونيس بين التفكير والتكفير
- المسرح الكرديّ بين الواقع والطموح
- تَتْفيْهُ وتَسْطيحُ كارثةِ حريق سينما عامودا
- بربريّة اللاّ تخصُّص في الدراما السوريّة
- فيلم -المحاربون ال300-، والموقف الإيرانيّ منه
- وتنقلب الأدوارُ.. شهرزاد من رَاويةٍ إلى رِوايةٍ..
- القبرُ المتفجّرُ نبعاً في سوريا.. بدعةٌ للإلهاء..
- الروائيّ الكرديّ محمّد أوزون.. يموت ثانية..؟!!
- معاً نحو تكاملٍ ثقافيّ
- العيدُ.. هل يبهت بريقُه..؟
- عصر الضياع
- تشويه صورة الكرديّ سينمائيّاً عبر الفلمِ التركيّ المؤامرةِ: ...
- فَضْحُ الخطايا التاريخيّة المُرتكَبة بحقّ الكُرد..
- التنوير كرديّاً
- ملف/الجغرافيّة المطعونة تاريخيّاً
- الجغرافيّة المطعونة تاريخيّاً
- التحدّي المُقْلِق..-دُوار الحرّيّة- ل -مالك داغستاني-
- خرق المحظورات.. سمر يزبك في روايتها -طفلة السماء-
- ثقافةُ الريحِ.. أرشيفُ الأسى*
- لا مساوَمة على الحرق، لا مساواة في الحرق


المزيد.....




- لاكروا: هكذا عززت الأنظمة العسكرية رقابتها على المعلومة في م ...
- توقيف مساعد لنائب ألماني بالبرلمان الأوروبي بشبهة التجسس لصا ...
- برلين تحذر من مخاطر التجسس من قبل طلاب صينيين
- مجلس الوزراء الألماني يقر تعديل قانون الاستخبارات الخارجية
- أمريكا تنفي -ازدواجية المعايير- إزاء انتهاكات إسرائيلية مزعو ...
- وزير أوكراني يواجه تهمة الاحتيال في بلاده
- الصين ترفض الاتهامات الألمانية بالتجسس على البرلمان الأوروبي ...
- تحذيرات من استغلال المتحرشين للأطفال بتقنيات الذكاء الاصطناع ...
- -بلّغ محمد بن سلمان-.. الأمن السعودي يقبض على مقيم لمخالفته ...
- باتروشيف يلتقي رئيس جمهورية صرب البوسنة


المزيد.....

- حَمّاد فوّاز الشّعراني / حَمّاد فوّاز الشّعراني
- خط زوال / رمضان بوشارب
- عينُ الاختلاف - نصوص شعرية / محمد الهلالي
- مذكرات فاروق الشرع - الرواية المفقودة / فاروق الشرع
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة , العدد 9 / ريبر هبون
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة ,, العدد 8 / ريبر هبون
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة العدد 7 / ريبر هبون
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة الالكترونية , العدد 6 / ريبر هبون
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة , العدد 5 / ريبر هبون
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة العدد 4 / ريبر هبون


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - بوابة التمدن - هيثم حسين - «الترام الأخير» للتركيّ نديم غورسيل