وصفي احمد
الحوار المتمدن-العدد: 3137 - 2010 / 9 / 27 - 15:56
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
العراق في ظل الاحتلال البريطاني
دخل العراق في دائرة حسابات المصالح البريطانية من خلال شركة الهند الشرقية التي تأسست سنة 1600 و إتخذت من سرات الهندية مقرا لها . و للسيطرة على تجارة الخليج العربي دخلت في صراع مع البرتغاليين ثم مع الهولنديين . وفي سنة 1639 وصل ممثلوها إلى البصرة و أقاموا لهم فيها مركزا تجاريا . وعد نزاع مرير مع الهولنديين استمر حتى سنة 1642 انسحب الاخيرون منها بيخلوا الجو للانجليز ولو إلى حين . و في القرن التاسع عشر , توالت البعثات الاستكشافية التي جاءت لدراسة صلاحية نهري دجلة و الفرات للملاحة .
ثم دار صراع آخر بنهم و بين الالمان على امتياز استخراج النفط ليتوصل الطرفان في النهاية إلى اتفاق بينهما تأسست بموجبه شركة النفط التركية إلا ان المشروع توقف يسيي قيام الحرب العالمية الاولى . و كان هذا الاتفاق الاساس الذي استغلته بريطانيا للحصول على امتياز التنقيب على النفط في المرحلة اللاحقة .
الواقع أن بريطانيا تحركت لاحتلال البلاد حتى قبل إعلان الحكومة التركية الدخول في الحرب إلى جانب المحور. فقد جرى اتفاق بين دلهي و لندن على إرسال حملة عسكرية بغية احتلال البصرة , ففي آب و أيلول 1914 تحركت القوات البريطانية صوب الخليج لتصل إلى شماله في 3تشؤين الثاني من السنة نفسها . أي فبل إعلان الحرب على تركيا .
يمكن القول أن معظم العراقيين فرحوا بالاحتلال البريطاني لبلادهم بسبب معاناتهم من الحكم التركي , غير أن هذا الترحاب سرعان ما انقلب إلى تذمر شديد لأسباب أهمها :
أولا : كانت الحكومة التركية تسيير الحكم على الطرية التي يمكن تسميتها ب ( الحكم السائب ) اذ اعتادت أن تترك الناس يفعلون ما يريدون دون أن تتدخل إلا فيما يخص الضرائب. فلما جاء الانجليز شهد الناس حكما من نوع ثاني تمثل في التشديد على تطبيق القوانين .
ثانيا : حصل تضخم نقدي شديد في الايام الاولى للاحتلال بسب الأموال التي كان ينفقها الجيش البريطاني على شراء المؤن و بناء الثكنات ما أدى إلى حصول فوارق طبقية شديد حيث استفادت القلة فيما تضررت اغلبية الشعب العراقي .
ثالثا : كان العداء مستفخلا بين الحكومة التركية و العشائر , لهذا سارت الحومة على تاجيج النزاعت بين العشائر لاضعافها و نع اتحادها ضدها . في حين سار الانجليز على سياسة توحيد العشائر في المنطقة الواحدة بعد ان يختاروا شيخا واحدا يمدونه بالمال و السلاح للسيطرة عليها مما اثار سخط بقية شيوخ العشائر لاسيما و انهم لم يكونوا يراحوا السنن العشائرية المتعارف عليها عند اختيارهم للشيخ المذكور.
رابعا : من الجدير بالذكر أن الحكام السياسيين البريطانيين ممن تولوا الحكم في الالوية (المحافظات ) كانوا من الضباط الشباب الذين كان معظمهم على درجة عالية من الفظاظة في التعامل مع الناس خصوصا المتنفذين منهم و كانوا يعتقدون انهم يحققون العدل بين المواطنين في تصرفاتهم هذه .
دور الموجهين :
نقصد يالموجهين رجال الدين و الشعراء و سائر المثقفين . رغم المحولات التي ابداها الانجليز بعد الاحتلال لكسب هؤلاء إلى جانبهم بكنهم لم يفلحوا الا مع القلة. فعلى مستور الملائية, أي رجال الدين من السنة و الشيعة,استطاعوا كسب الصنف الاول لكنهم لم ينجحوا مع التاني وقد عزى ويلسون الحاكم البريطاني يومها ذلك إلى طبيعة رجال الدين الذبن ينفرون من كل حكم مدني منظم إلا أن الحقيقة هي ان رجال الدين السنة اعتادوا التعامل مع السلطة , أي سلطة , بينما توثقت ثقافة المعارضة لدى رجال الدين الشيعة التي نقلوها إلى مريديهم حتى تحولت إلى ثقافة سائدة و الدليل أن حركة الجهاد ضد البريطانين قيدت من قبل هؤلاء على الرغم من أنهم كانوا مضطهدين من قبل الدولة العثمانية .
و من اللافت للنظر أن تعاونا شديدا حصل بين المثقفين و رجال الدين الشيعة , وكان لهذا التقارب الدور الأكبر في التعاون الطائفي في تلك الحقبة رغم المحاولات التي بذلها الانجليز لدق أسقين بين الطائفتين لكنهم فشلوا , و السبب لبحقيق لهذا التعاون يرجع إلى ايمان المثقفين بعدم قدرتهم على تحريك الشارع لوحدهم
وقد لعبت الوعود البريطانية التي أغدقت خلال الحرب ة أشعرها إعلان مود و التصريح البريطاني – الفرنسي الذي صدر بعد انتهاء الحرب مباشرة و كان غرضه تهدات السوريين الذين إستفزتهم التحركات الفرنسية في لبنان و للتأثير على الوفد الأمريكي في مؤتمر الصلح و خاصة الرئيس ودرو وبلسون في تأجبج روح الاستقلال لدى العراقيين .
دور الدعايات الخارجية في تأجيج الاوضاع ضد الاحتلال :
في الوقت الذي كان الملائية و الأفندية دائبين في بث الدعاية ضد الانجليز كانت هناك العديد من الدعايات تأتي من خارج الحدود أهمها :
الدعاية من سوريا :
كان قي سوريا حكومة عربية براسها الملك فيصل بين الشريف حسين و يتولى العراقيون الكثير من مناصبها المهمة , و كان هؤلاء يشعرون ألا مستقبل لهم هناك لذلك صاروا يتطلعون إلى بلدهم العراق مما دفعهم إلى بث الدعايات عن قوة العراقيين قي سوريا و عن قدرتهم على إخراج الانجليز منه .و كان حزب العهد في سوريا يصدر جريدة أسمها (( العقاب )) تتميز بأسلوبها الحماسي , و كانت تهري الى البلد مع بعض الجرائد السورية . بلغت الدعاية الآتية من سوريا ذروتها في آذار 1920 , ففي 8منه بويع فيصل ملكا على سوريا , فاتهز العراقيون الموجودين فيها هذه المناسبة إذ اجتمعوا و أعلنوا استقلال بلدهم و بايعوا الأمير عبد الله ملكا عليه . و أرسلوا هذا الخبر مع سعاة من البدو إلى علماء الفرات الاوسط و شيوخ عشائره.
الدعاية من تركيا :
كان في العراق يومها كثير من العراقيين يحبون الأتراك و يتمنون عودتهم وهم الذين أطلق عليهم (( كيلورلر )) أي عائدون . حدث في النصف الثاني من سنة 1919 أن قام مصطفى كمال أتاتورك بحركة إنقاذ كبرى في تركيا رادا على الهزيمة التي حاقت بها , و كانت أخبار إنتصاراته تيرب إلى العراق حتى أصبحت مثار حديث الناس خصوصا بين رجال الدين و شيوخ العشائر و الوجهاءفي كربلاء و النجف كما أشارت التقارير الاستخباراتية البريطانية حينذاك .
الدعاية من إبران:
كانت الفتاوى التي أصدرها رجال الدين العراقيين أثناء الحرب العالمية الأولى بوجوب حرب الانجليز الكفار تصل إلى ايران وقد بذل الألمان جهودا كبيرة لإيصالها إلى هناك وتروجها بين الإيرانيين .
وبعد إنتهاء الحرب ظل العداء قائما ضد البريطانيين و حل البلاشفة محل الألمان في العمل على تنمية ذلك العداء , خصوصا بعد أن قاموا بإلغاء الإمتيازات القيصرية التي كانت لهم في إيران مما دفع الإيرانيين لأن يطالبوا الإنجليز بالعمل ذاته , وكانت أخبار الاضطرابات الحاصلة في ذلك البلد تصل إلى العراق عن طريق زوار العتبات المقدسة .
الدعاية البلشفية :
في 7 تشرين الثاني قامت ثورة اكتوبر بقيادة البلاشفة في روسيا , وكان من أولوياتها على صعيد السياسة الخارجية مساندة كل حركة مناوئة للإستعمار في مختلف بلدان العالم , لا سيما القريبة منهم .
جاء دعاة البلشفية بزي زوار و طلبة إيرانيين فقد ورد في التقارير السرية البريطانية أن المنشورات البلشفية كانت متداولة في المدن المقدسة , كما أشارت هذه التقارير أن المجتهد الكبير المرزا محمد تقي الشيرازي كان قد أصدر فتوى أن البلاشفة يجب اعتبارهم أصدقاء للإسلام .
ساعدت كل العوامل المذكورة إلى زيادة حدة التذمر الجماهيري غير إن السبب الرئيسي تاذي صعد من حدة هذا الإستياء هو تصرفات الحاكم السياسي البريطاني ( ويلسون ) الذ كان يعتقد أن العراقيين لم يصلوا إلى درجة من النضج كي يتمكنوا من حكم أنفسهم , لذا لابد من قيام الانجليز من حكمهم حتى يصلوا إلى تلك الدرجة من الوعي . وهذا الرأي يمثل امتداد لتوجهات المركز البريطاني في الهند .
#وصفي_احمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
