أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - بابكر عباس الأمين - نزع حكومة السودان لأراضي شرق النيل














المزيد.....

نزع حكومة السودان لأراضي شرق النيل


بابكر عباس الأمين

الحوار المتمدن-العدد: 3127 - 2010 / 9 / 17 - 07:41
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    





لم يكتفِ نظام (المشروع الحضاري) بتصفية القطاع العام ورفع الدعم عن الخدمات الصحية والتعليمية, وما نتج عنها من آفات إجتماعية كتصاعد معدل الجريمة والإنحلال واستفحال الفقر ومضاعفة جيش العاطلين فقط, بل سدر في غيه يضايق المواطن في سبل رزقه وطريقة حياته ويسلب ممتلكاته مما جعله يري الكواكب بالنهار وجعل عيشه ضنكا. ضمن سلسلة سياسات خرقاء, قامت الحكومة بنزع أراضي منطقة شرق النيل في الخرطوم, من حلة كوكو مروراً بالجريف شرق إلي أم دوم, من مالكيها وبيعها إلي مستثمرين أجانب لإنشاء منطقة سياحية فيها. حدث هذا رغم أن أهالي تلك المنطقة ظلوا فيها لمئات السنين.

كانت تلك الأراضي, التي تقع علي شط النيل الشرقي, متخصصة في إنتاج الطوب منذ عدة أجيال, يتوارث أهلها تلك المهنة أباً عن جد بحيث أصبحت أسلوب حياة. كما أنها كانت أهم منطقة لإنتاج الطوب, لأن معظم الأراضي التي تتاخم النيل في أطراف الخرطوم متخصصة في البساتين والزراعة بدلاً عن الطوب. وتم إغتصاب تلك الأراضي دون موافقة الملاك وكان التعويض غير مجز. لقد كان من العدالة والإنصاف أن يحصل القائمون بالأمر علي موافقة ورضا ملاك الأراضي بهذا النزع أولاً. وبعد الحصول علي الموافققة أن يُناقشوا في تعويض مجزٍ ومرضٍ يوازي خسارتهم الآنية والمستقبيلة. لم يكن الحال هكذا, فقد تم النزع أولاً دون رضاهم ثم تعويضهم تعويضاً غير عادل قررته الحكومة.

ومن البدهيات أن الإسلام - الذي يدعي المحافظون الجدد منطلقهم - يحرم صفقة كهذه ويعتبرها إغتصاب لأن البيع لا يجوز تحت القهر ودون رضا. إنها أسوأ من عملية تأميم الشركات الأجنبية, لأن التأميم غالباً ما يتوصل فيه الطرفان لإتفاق بشأن التعويض بعد أن تساوم الشركة المؤمَمة الدولة المُضيفة. بيد أن نظاماً قام بتصفية مؤسسات قطاع عام يعود تاريخها إلي عهد الإستعمار, وحافظت عليها كل الأنظمة المتعاقبة, لن يتواني عن فعل أي شيء طالما يزيد من ثروة التنظيم وأفراده. لقد حيرنا أمر النهب لموارد الدولة الذي ليس له حد, بحيث أصبحت أرصدة وثروة الطبقة الحاكمة كجهنم, كلما حشروا فيها إضافة لها تقول هل من مزيد؟

الأمر المؤسف أن الضحية الأكثر ضرراً من تلك الخطوة ليست طبقة مالكي الأراضي, إنما طبقة العمال الذين ترتبط أرزاقهم بالمهن العديدة المتشابكة في تلك الصناعة. يعمل في تلك المنطقة آلاف العمال في تخصصات عديدة ضمن تقسيم العمل, فمنهم من يعمل في الأحواض, ومنهم من يعمل في التصنيع, ومنهم من يعمل في حرق الطوب, ومنهم من يقوم بشحنه في اللواري لترحيله إلي مناطق الطلب, إضافة إلي بعض الطلبة والتلاميذ الذين يعملون في العطلات والأمسيات. كما تضرر أيضاً من تصفية تلك الصناعة أصحاب اللواري والشاحنات. إضافة إلي هذا الخراب الإجتماعي فإن ذلك سيؤدي إلي مضاعفة أسعار الطوب في ولاية الخرطوم.

ولو تمت هذه العملية لفائدة المنطقة وتنميتها, كإنشاء مشروعاً بديلاً يوفر فرص عمل أكثر أو يفيد الإقتصاد بشكل عام لكان الأمر معقولاً ومقبولاً. بيد أن المأساة هي أن النظام قد قضي علي هذه الصناعة في المنطقة لينشيء فيها المستثمرون الجُدد (يُقال أنهم كويتيين) ملاهي ومنطقة سياحة. ومعروف ما تصحبه تلك الصناعة من تأثير سلبي علي بنية المجتمع في منطقة محافظة مازالت تسود فيها روح العشيرة والقبيلة. هذا أشبه بما قامت به إسرائيل مؤخراً من مصادرة لمنازل فلسطينيين في القدس الشرقية لإنشاء حديقة في مكانها, مع فارق أن حديقة القدس متاحة للجميع بدون رسوم وليس للقادرين فقط, كما سيكون الحال في ملاهي شرق النيل.

وبما أن الشيء بالشيء يذكر فإن مقارنة مع سياسة حكومة إسرائيل قد تعكس حجم الكارثة التي أصابت السودانيين من جراء غزو التتار للخرطوم عام 89 من القرن العشرين بعد الميلاد. تعامل الحكومة الإسرائيلية مواطنيها اليهود أفضل معاملة وتعمل علي رفاهيتهم وأمنهم وراحتهم, وهي علي إستعداد لمبادلة أسير واحد, أو حفنة من أسراها, أو حتي رفات مواطنيها بمئات السجناء الفلسطينيين أو اللبنانيين. وفي المقابل, فهي تقوم بإضطهاد الفلسطينيين ومصادرة أراضيهم وإذلالهم وتضييق الخناق عليهم بشتي السبل. هذا بالضبط ما يفعله حكام الخرطوم حين نضع منتسبي الحزب الحاكم في مكان يهود إسرائيل, وبقية الشعب السوداني في مكان الفلسطينيين. لأن الفائدة المادية أو الوظائف التي ستنشأ من هذا المشروع السياحي ستقتصر علي منتسبي الحزب الحاكم, تماماً كبقية موارد الدولة وثرواتها. إن هذا العالم به العديد من الأنظمة المستبدة الفاسدة ولكنها - عكس نظام الخرطوم - تمارس الفساد علي إستحياء.

لم يتناقص السودان من أطرافه فقط في عهد المحافظين الجدد بل تناقص أيضاً من أحشائه ورئتيه وقلبه ببيع مناطق إستراتيجية كحدئقة الحيوان وأراضي شرق النيل ومشروع الجزيرة للمصريين, أعداء الأمس الذين دبروا محاولة إغتيال رئيسهم في منتصف التسعينات.

لقد أصبحت الكتابة عن الحملة التدميرية للمجتمع والدولة السودانية التي يقودها التتار والفساد الذي تزكم الأنوف رائحته تصيب المرء بالغثيان والكآبة والمرارة ويخشي أن تنتقل عدواها للقارئ.



#بابكر_عباس_الأمين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- (جحود وتطاول) السودان علي ليبيا
- عن فتوي رضاعة الكبير
- الحل لمِحنة مسلمي أوربا
- شعب عِملاق يتقدَّمه أقزام
- النفوذ السياسي للشركات متعددة الجنسيات
- نقد ثورة يوليو المصرية
- الصادق المهدي يكرر آراءه العنصرية
- الصادق المهدي يؤجج النعرات العنصرية والدينية في السودان
- عن إنسحاب مرشح الحزب الإتحادي لصالح مرشح الحزب الحاكم في الس ...
- غطرسة إسرائيلية مع غطاء أمريكي
- الرئيس السوداني يحمِّل الأحزاب مسؤولية تعطيل الديمقراطية 20 ...
- هيروشيما ونجازاكي
- الآثار الصحية الضارة لختان الإناث
- إنحطاط القاموس السياسي لإسلاميي السودان
- التدخل الأمريكي في فيتنام 1954-1975
- تفادي القضية الفلسطينية في خطاب حالة الإتحاد لأُوباما
- دور أمريكا في نشأة طالبان والقاعدة
- الإفلاس الأيدلوجي والفكري لإسلاميي السودان
- في ذكري ثورة اكتوبر السودانية
- عن سايكلوجيا المُحافظين الجُدد السودانيين


المزيد.....




- شاهد كيف فصلت الشرطة الأمريكية بين محتجين مؤيدين للفلسطينيين ...
- -أطفالي خائفون، بينما تفتش الكلاب عن طعامها في المقابر القري ...
- قناة محلية: فضيحة ترافق ظهور -المستشارة الرقمية- لخارجية أوك ...
- الجيش الروسي يتسلم دفعة جديدة من مدافع الهاون -2 بي 11- عيار ...
- معزيا بمقتل 3 جنود بكرم أبو سالم.. أوستن يبحث مع غالانت المف ...
- الخبير الهولندي يحذر من زلازل قوية وشيكة ويحدد موعدها
- لبنان.. 3 إصابات بغارة إسرائيلية على بعلبك
- كونوا -شفرات حادة تجتث بحزم-!.. زعيم كوريا الشمالية يخاطب مس ...
- مسؤول في الخارجية الروسية: علينا تعزيز ترسانة البلاد الصاروخ ...
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /06.05.2024/ ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - بابكر عباس الأمين - نزع حكومة السودان لأراضي شرق النيل