أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - عبد الرحمن بن عمرو - هل إيقاف عضوين في المجلس الأعلى للقضاء يساهم في إصلاح القضاء أم في عرقلته ؟















المزيد.....



هل إيقاف عضوين في المجلس الأعلى للقضاء يساهم في إصلاح القضاء أم في عرقلته ؟


عبد الرحمن بن عمرو

الحوار المتمدن-العدد: 3121 - 2010 / 9 / 10 - 17:31
المحور: حقوق الانسان
    


هل إيقاف عضوين في المجلس الأعلى للقضاء يساهم في إصلاح القضاء أم في عرقلته ؟
تعليق للنقيب عبد الرحمن بن عمرو من هيئة الرباط [email protected]


ملخص الوقائع ذات الصلة بالتعليق:

جاء في قصاصة صادرة عن وكالة المغرب العربي، في 19/08/2010 وتحت عنوان: " توقيف قاضيين عضوين بالمجلس الأعلى للقضاء على إثر إفشائهما سرية بعض نتائج مداولاته الأخيرة " جاء فيها ما يلي:
" قرر وزير العدل توقيف قاضيين عضوين بالمجلس الأعلى للقضاء وإحالتهما على هذا المجلس كهيئة تأديبية، للنظر في أفعال تتعلق بإفشاء سرية بعض نتائج مداولاته الأخيرة.."
وأوردت القصاصة نص البلاغ حسبما يلي:
" على إثر المقال الذي نشر بجريدة "الصباح" في عدد 3204 الصادر بتاريخ 29 يوليوز 2010 تحت عنوان " لائحة جديدة لتنقيل وعزل قضاة أمام الملك – المجلس الأعلى للقضاء بث في مسؤوليات وتأديبات وتنقيلات وحسم صراع القضاة بتطوان"، أمر وزير العدل النيابة العامة لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء بإجراء بحث شامل ومعمق لتكشف عن المتورطين في إفشاء سرية بعض نتائج أشغال المجلس الأعلى للقضاء في دورته الأخيرة وتحديد من زود الجريدة المذكورة، بالمعلومات المتعلقة بالمداولات السرية للمجلس قبل رفعها والمصادقة عليها من طرف السدة العالية بالله صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأعز أمره كما ينص على ذلك القانون. ونظرا لما أسفر عليه البحث من نتائج، فقد تقرر توقيف القاضيين جعفر حسون ومحمد أمغار، عضوي المجلس الأعلى للقضاء وإحالتهما على هذا المجلس، كهيئة تأديبية للنظر في الأفعال المنسوبة إليهما".
وقد دخلت على الخط، عدة صحف، اعتمادا على البلاغ المذكور أو من خارجه لتعطي معلومات إضافية متعلقة بالموضوع والتي من بينها:
- جريدة "المساء"، التي من بين ما جاء في عددها ليوم 21 غشت 2010 ما يلي: " إن التوقيف شمل القاضي جعفر حسون الذي يرأس في الوقت نفسه المحكمة الإدارية بمراكش، والقاضي محمد أمغار، الذي يشغل منصب نائب وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بإفران بناء على نتائج البحث الذي باشرته الفرقة الوطنية للشرطة القضائية مع الصحفيين ومدير نشر جريدة " الصباح " حول المقال الذي تضمن، حسب مصادر رفيعة، معطيات غير دقيقة تخص " الديوان الملكي " وتضيف نفس الجريدة بأنه:" جاء في بلاغ وزارة العدل أن البحث الشامل، الذي قامت به الفرقة الوطنية، هو الذي قاد إلى الكشف عن المتورطين في إفشاء سرية بعض نتائج أشغال المجلس الأعلى للقضاء في دورته الأخيرة وتحديد من زود الجريدة المذكورة بالمعلومات المتعلقة بالمداولات السرية للمجلس قبل رفعها والمصادقة عليها من طرف الملك" واستمرت جريدة المساء في إعطاء المزيد من التفاصيل حسب ما يلي: "وذكر مصدر مطلع أن الخلية التقنية بالفرقة الوطنية أطلعت على المكالمات التي توصل بها الصحافيان بالجريدة المذكورة، بعد أن تم حجز هاتفيهما النقالين، وقد قاد البحث، الذي قامت به الخلية التقنية، إلى التعرف على هوية مصدر المكالمات، وهو مسؤول قضائي بمدينة تطوان، تمكن من "استدراج" أحد القاضيين الموقوفين للتعرف على مداولات المجلس قبل أن يوظفها في صراعه مع مسؤول قضائي آخر بالمدينة نفسها، كما أن الفرقة الوطنية حسب المصدر نفسه، لم تجد أي صعوبة في الوصول إلى المصادر التي استند إليها الصحافيان في تحرير خبرهما بعد أن كشف المعنيان بالأمر (خالد الحري وخالد العطاوي) أثناء التحقيق معهما عن جميع الملابسات بتحرير الخبر ولائحة المصادر التي كانت وراء تسريبه ..."

- وختمت جريدة "المساء" تغطيتها كما يلي: "وأشار المصدر ذاته أن توقيف القاضي جعفر حسون لم يكن الأول من نوعه، إذ تم توقيفه سنة 2003 على إثر رسالة احتجاج وقعت من طرف بعض القضاة في عهد وزير العدل الأسبق بوزوبع تنديدا باعتقال بعض القضاة في ملف مخدرات له علاقة بقضية منير الرماش باستئنافية تطوان..."
- وجاء في جريدة "الصباح" ليوم 20/08/2010 بأن هذه الأخيرة تعلن: "أن لاعلاقة لها بالقاضيين عضوي المجلس الأعلى للقضاء، ولم يسبق ذكرهما في التحقيق الذي أجرته الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، وتتشبث من جديد بكل التصريحات المتضمنة في محاضر الضابطة القضائية."
- وجاء في جريدة "أخبار اليوم" الصادرة في 20 غشت 2010 بأنه في اتصال مع خالد الحري رئيس تحرير "الصباح" فإن هذا الأخير: "نفى أن تكون الجريدة ذكرت في تحقيقات الشرطة معها اسم القاضيين وأكد أن "الصباح" لا علاقة لها بالقاضيين المعزولين."
- وقد نشرت جريدة الصباح في عدد 23 غشت 2010 مضامين البحث الذي أجرته " الفرقة الوطنية للشرطة القضائية" والذي يتضمن أسئلة موجهة إلى كل من خاالد الحري، رئيس تحرير يومية "الصباح"، وخالد العطاوي، الصحافي بها، والأجوبة عليها:
- ومما جاء في أحد أجوبة رئيس التحرير:
- "... بأن المجلس الأعلى للقضاء يضم في تشكيلته قضاة بينهم ستة منتخبون مباشرة من قبل قضاة المملكة على صعيد المحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف، وهؤلاء القضاة المنتخبون يساءلون من قبل ناخبيهم عن مداولات وقرارات المجلس، ومن حقهم ذلك...، وحتى يكونوا صلة وصل بينهم والقرارات التي تصدر عن المجلس، فلو أن 10 قضاة فقط اتصلوا بكل عضو من الأعضاء الستة المنتخبين فإن المعلومة ستصل إلى 60، ويرتفع العدد كلما راجت الأخبار بين الستين وزملائهم، مما يجعل الخبر في المتناول والحصول عليه سهلا جدا."
- وجاء في جواب خالد العطاوي:
- "... بأنه تلقى مكالمة هاتفية، عبر الهاتف الثابت للجريدة من شخص لا يعرفه، قدم نفسه على أنه يملك معطيات أكيدة حول التنقيلات والتأديبات والقرارات التي اتخذها المجلس الأعلى للقضاء وبدأ يسرد عليه مجموعة من المعطيات والمعلومات التي وردت جلها في المقال...، وأنه الوحيد الذي تكلف بتحرير الخبر واعتمد على قصاصات مماثلة بجرائد أخرى.
- وجاء في التغطية المذكورة لجريدة "الصباح" بأن ذاكرة هاتف الصحفي خالد العطاوي خضعت للبحث التقني، وأن النتيجة كانت سلبية كما خضع لنفس البحث التقني بريده الالكتروني...، وأن استجوابه استمر بمقر الفرقة الوطنية بالدار البيضاء من حوالي الساعة الواحدة والنصف ظهرا إلى حدود العاشرة ليلا عندما سمح له بالمغادرة.

التعليــــق:
سأتناول من خلال هذا التعليق، عدة محاور من بينها:
مدى قانونية الوسائل التي استعملت في محاولة إثبات مصدر تسريب بعض نتائج مداولة المجلس الأعلى للقضاء
- حسب الوقائع التي استعرضناها أعلاه، فإن وزير العدل أمر النيابة العامة لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء بإجراء بحث شامل ومعمق للكشف عن المتورطين، وأن هذه الأخيرة (النيابة العامة) أمرت بدورها الفرقة الوطنية "للشرطة القضائية" بإجراء البحث المطلوب...،
- والسؤال المطروح هو: هل الفرقة المذكورة "الفرقة الوطنية للشرطة القضائية" موجودة من الناحية القانونية أم لا؟ " إذ طبقا لقاعدة فقهية مشهورة، فإن " الموجود قانونا كالموجود حسا، والمعدوم قانونا كالمعدوم حسا".
- ونرى، مع العديد من رجال القانون، بأن الفرقة الوطنية للشرطة القضائية لا وجود لها من الناحية القانونية؛ فالشرطــة القضائية تنظمها المواد من 27 إلى 35 من قانون المسطرة الجنائية (ق م ج). وحسـب المادة 22 (ق م ج) فإن: ضباط الشرطة القضائية يمارسون اختصاصاتهم في نطاق الحدود الترابية التي يزاولون فيها وظائفهم. ويمكنهم، في حالة الاستعجال، أن يمارسوا مهمتهم بجميع أنحاء المملكة إذا طلبت منهم ذلك السلطة القضائية أو العمومية". ويستنتج من هذه المقتضيات أمران:
الأول: عدم وجود فرقة وطنية للشرطة القضائية، وإنما فقط وجود شرطة قضائية تعمل في نطاق دوائر جغرافية محلية لا يجوز لها تجاوزها.
الثاني: إن ضباط الشرطة القضائية، الذين يعملون في نطاق دوائر محلية مرسومة لهم، لا يمكن لهم ممارسة اختصاصاتهم خارجها إلا بتوفر شرطين مجتمعين: الأول: حالة الاستعجال – الثاني: أن يصدر لهم أمر بذلك من قبل السلطة القضائية أو العمومية.
- وطبقا لقاعدة ما بني على باطل فهو باطل، فإن جميع ما أنجزته "الفرقة الوطنية للشرطة القضائية" من أبحاث بشأن تسريب بعض مقررات المجلس الأعلى للقضاء، المتخذة في دروته الأخيرة، تعتبر أبحاث باطلة لا يمكن الاحتجاج بها بأي وجه من الوجوه...
- ويجب التذكير، بهذه المناسبة، بأن ما يسمى ب "الفرقة الوطنية للشرطة القضائية" طالما أسند لها القيام بالبحث والتحقيق في القضايا الخطيرة المتعلقة بالمس بالأمن الداخلي للدولة والأمن الخارجي وقضايا التهريب والمخدرات... ومن القضايا التي حققت فيها مؤخرا، قضية عبد القادر بليرج ومن معه، وقد طعن الدفاع، في مرافعات مطولة، ببطلان محاضر الأبحاث التمهيدية التي أنجزتها الفرقة الوطنية المذكورة، لكن المحكمة لم تستجب للطعن. كما طعن الدفاع، بناء على تصريحات المتهمين، بالتزوير في الوقائع التي سطرتها الفرقة المذكورة بمحاضرها، ومرة أخرى لم يستجب إلى طعنهم، سواء من طرف قاضي التحقيق، أو من قبل المحكمة،...
- البحث التمهيدي الذي أنجزته "الفرقة الوطنية للشرطة القضائية" باطل لأنه خرق قاعدة دستورية تتعلق بمنع انتهاك سرية المراسلات:
- في المادة 11 من الدستور تنص على تحريم انتهاك سرية المراسلات. وكما يقول الفقهاء فإن المطلق يؤخذ على إطلاقه الأمر الذي يعني أن التحريم يشمل جميع أنواع المراسلات سواء كانت بريدية أو فاكسية أو برقية أو هاتفية أو تلكسية أو بريدية الكترونية...
- وحسب الوقائع التي استعرضناها أعلاه، فإن الفرقة المعنية، أطلعت على جميع المكالمات الهاتفية المسجلة بالهاتف المحمول للصحفي خالد العطاوي، وعلى مراسلاته المسجلة ببريده الالكتروني، كما استخرجت مراسلات ومكالمات مسجلة تتعلق بالمعني، أمدتها بها مؤسسات تنظيم الاتصالات العامة، وبدون شك فإن الفرقة ستكون سلكت نفس الخرق سواء بالنسبة للهاتف الثابت لجريدة "الصباح" أو لهاتف رئيس تحريرها، ولم لا الإطلاع على جميع المكالمات الصادرة عن جميع أو بعض أعضاء المجلس الأعلى للقضاء...
- ومن المعلوم فإن القانون يجرم ويعاقب على انتهاك سرية المراسلات (المادتان 232 و448 من القانون الجنائي، والمادتان 115 و116 من قانون المسطرة الجنائية).
- نعم قد يقال أن القانون يسمح للشرطة القضائية في حالات معينة، بالإطلاع على جميع أنواع المراسلات، بما في ذلك المراسلات الهاتفية والالكترونية...
- إلا أننا نجيب على هذا القول: بأن الحالات الاستثنائية المنصوص عليها في القانون غير متوفرة في موضوع تسريب بعض نتائج مداولات المجلس الأعلى للقضاء في آخر دورة له، وذلك حسب التوضيح الآتي:
- فحسب المادة 108 من قانون المسطرة الجنائية كما عدلت وتممت بمقتضى القانون رقم 03. 03 المتعلق بمكافحة الإرهاب فإنه: "يمنع التقاط المكالمات الهاتفية أو الاتصالات المنجزة بوسائل الاتصال عن بعد وتسجيلها أو أخذ نسخ منها أو حجزها. غير أنه يمكن لقاضي التحقيق، إذا اقتضت ضرورة البحث ذلك، أن يأمر كتابة بالتقاط المكالمات الهاتفية وكافة الاتصالات المنجزة بواسطة وسائل الاتصال عن بعد وتسجيلها وأخذ نسخ منها أو حجزها. كما يمكن للوكيل العام للملك، إذا اقتضت ذلك ضرورة البحث، أن يلتمس كتابة من الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف إصدار أمر بالتقاط المكالمات الهاتفية أو الاتصالات المنجزة بوسائل الاتصال عن بعد وتسجيلها وأخذ نسخ منها أو حجزها وذلك إذا كانت الجريمة موضوع البحث تمس أمن الدولة أو جريمة إرهابية أو تتعلق بالعصابات الإجرامية، أو بالقتل أو التسميم، أو بالاختطاف وأخذ الرهائن، أو بتزييف أو تزوير النقود أو سندات القرض العام، أو بالمخدرات أو المؤثرات العقلية، أو بالأسلحة والذخيرة والمتفجرات، أو بحماية الصحة..."
- وتبعا لمقتضيات المادة المذكورة، فإذا افترضنا بأن السيد الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء هو الذي أمر، في نطاق تنفيذ أمر السيد وزير العدل، أمر " الفرقة الوطنية للشرطة القضائية" بإجراء البحث الشامل والمعمق في موضوع التسريبات مع الإذن لها بالتقاط المكالمات الهاتفية أو الاتصالات المنجزة بوسائل الاتصال عن بعد، فإن الإذن المذكور سيكون باطلا وما بني عليه سيكون باطلا بدوره، لأن موضوع خرق سرية المداولات لا علاقة له، بأي وجه من الوجوه، بالجرائم الواردة على وجه الحصر والتي يسمح القانون، استثناء، بمناسبة إجراء البحث التمهيدي بشأنها من طرف الشرطة القضائية، الإذن لهذه الأخيرة، من قبل النيابة العامة، بالتقاط المكالمات الهاتفية أو الاتصالات المنجزة بوسائل الاتصال عن بعد...
عدم ثبوت كون التسريبات تمت من طرف عضوي المجلس الأعلى للقضاء الموقوفين:
- حسب الوقائع التي استعرضناها أعلاه، فإنه ليس هناك ما يثبت كون التسريبات تمت من طرف عضوي المجلس الموقوفين.
الفرقة الوطنية "للشرطة القضائية" خرقت سرية البحث والتحقيق:
- طبقا للمادتين 15 و105 من قانون المسطرة الجنائية فإنه تكون المسطرة الجنائية فإنه تكون المسطرة التي تجرى أثناء البحث والتحقيق سرية. وكل شخص يساهم في إجراء هذه المسطرة ملزم بكتمان السر المهني ضمن الشروط وتحت طائلة العقوبات المقررة في القانون الجنائي (م15)، وأن كل إبلاغ أو إفشاء لوثيقة وقع الحصول عليها من تفتيش يتم لفائدة شخص ليست له صلاحية قانونية للإطلاع عليها، دون الحصول على موافقة المشتبه فيه أو ذوي حقوقه أو الموقع على الوثيقة أو من وجهت إليه وكل استعمال آخر لهذه الوثيقة، معاقب عليه بعقوبات حبسية ومالية.
- وحسب الفصل 446 من القانون الجنائي فإنه يعاقب، بعقوبات حبسية ومالية، كل شخص يعتبر من الأمناء على الأسرار، بحكم مهنته أو وظيفته، الدائمة أو المؤقتة، إذا أفشى سرا أودع إليه، وذلك في غير الأحوال التي يجيز له فيها القانون أو يوجب عليه فيها التبليغ عنه...
- وتجيز الفقرة الثانية من الفصل المذكور (446ج) التبليغ للسلطة القضائية أو الإدارية، بدون تعرض المبلغ إلى العقوبة المنصوص عليها في الفقرة الأولى من نفس الفصل، في حالتين: الأولى: تتعلق بجريمة الإجهاض علم به المبلغ بمناسبة ممارسة المهنة أو الوظيفة، والثانية: بارتكاب أفعال إجرامية في حق أطفال دون الثامنة عشرة علم بها المبلغ بمناسبة ممارسته لمهنته أو وظيفته...
- وكما ذكرنا أعلاه، بمناسبة سرد وقائع الموضوع، فإنه جاء في جريدة "المساء" ليوم 21/08/2010 بأن "مصدرا مطلعا ذكر بأن الخلية التقنية بالفرقة الوطنية أطلعت على المكالمات التي توصل بها الصحافيان بالجريدة المذكورة، بعدما تم حجز هاتفيهما النقالين، وقد قاد البحث، الذي قامت به الخلية التقنية، إلى التعرف على هوية مصدر المكالمات، وهو مسؤول قضائي بمدينة تطوان تمكن من "استدراج"، أحد القاضيين الموقوفين للتعرف على مداولات المجلس...".
إن ما ذكر بجريدة المساء يقتضي فتح تحقيق تقوم به الشرطة القضائية:
- مع أعضاء "الفرقة الوطنية للشرطة القضائية" من أجل التعرف على اسم وصفة المطلع الذي تم تبليغه وقائع الأبحاث التي تجريها.
- ومع المصدر المطلع لمعرفة من بلغه، الوقائع المذكورة، من أعضاء "الفرقة الوطنية للشرطة القضائية" ولمن بلغ بدوره ما أطلع عليه،.
- ومع جريدة "المساء" التي ستكون أمام اختيارين:
- إما أن تفصح عن اسم وصفة المصدر المطلع، فتكون بذلك خرقت قاعدة وجوب المحافظة على السر المهني التي يسائل عن خرقها القانون.
- وإما أن تمتنع عن الإفصاح المذكور متذرعة بالقاعدة المذكورة، وهذا من حقها بل من واجبها، فتتهم عندئذ بنشر خبر زائف، ولا يزول عنها هذا الاتهام إلا إذا أثبتت قضائيا بأن ما نشرته استنادا على المصدر المطلع هو عين الحقيقة...
- عدم وجود نص قانوني يلزم أعضاء المجلس الأعلى للقضاء بعدم تسريب مقرراته قبل المصادقة عليها، حسب الأحوال من قبل الملك أو وزير العدل وذلك حسب التوضيح الآتي:
- يجب التذكير بأن الدستور اكتفى في تطرقه للمجلس الأعلى للقضاء على التحدث عن تشكيله (م.86) وعن اختصاصه، وهو السهر على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة فيما يرجع لترقيتهم وتأديبهم (م.87)، وبالتالي فإن الدستور لم ينظم أنواع الاختلالات والأخطاء التي يمكن أن يتابعوا تأديبيا عند ارتكابها.
- أما النظام الأساسي لرجال القضاء (ن ا ق)، الصادر بشأنه ظهير 11 نوفمبر 1974، فقد نص في مادته 58 على أن القاضي يكون محل عقوبة تأديبية عند إخلاله بواجباته المهنية أو بالشرف أو بالوقار أو الكرامة.
والمقصود بالقاضي هنا، ليس هو عضو المجلس الأعلى للقضاء، سواء كان معينا أو منتخبا والذي مهمته في المجلس، طبقا للدستور، هو السهر مع باقي الأعضاء، على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة فيما يرجع لترقيتهم وتأديبهم وليس النظر في النزاعات المعروضة عليه. إن النظر في هذه النزاعات، سواء كانت ذات طبيعة مدنية أو جنائية، يكون، حسب الأحوال، من اختصاص قضاة النيابة العامة أو قضاة التحقيق أو قضاة الأحكام، فهؤلاء القضاة هم الذين عناهم الفصل 18 من النظام الأساسي لرجال القضاء بالقول: "يؤدى كل قاض عند تعيينه لأول مرة وقبل الشروع في مهامه اليمين التالية: أقسم بالله العظيم أن أقوم بمهامي بوفاء وإخلاص وأن أحافظ كل المحافظة على سر المداولات وأسلك في ذلك كله مسلك القاضي النزيه المخلص"
- وأخيرا يبقى التساؤل فيما إذا كان النظام الداخلي للمجلس الأعلى للقضاء يلزم أعضاءه على المحافظة على سرية المداولات؟
- إننا نجيب على هذا التساؤل من زاويتين: الأولى: هل هذا النظام يتمتع بالسند القانوني الذي يخول العمل بمقتضياته. والثانية: هي على فرض وجود هذا السند، فهل يوجد بين مقتضياته ما يوجب على أعضائه المحافظة على سرية المداولات ؟ :
- ففيما يخص الزاوية الأولى: فإن العديد من رجال القانون يرون بأن النظام الداخلي للمجلس الأعلى للقضاء لا يمكن العمل به لأنه لا يتمتع بأي سند قانوني يرتكز عليه، فهو (المجلس الأعلى) مؤسسة دستورية وبالتالي لا يمكن أن ينظم بمقتضى نظام داخلي صادر عن مجلسه إلا إذا خول له هذه الصلاحية الدستور أو القانون، ومن المعلوم أن الدستور، وكذلك الظهير الشريف بمثابة قانون الخاص بالنظام الأساسي لرجال القضاء، لا يخول للمجلس الأعلى للقضاء صلاحية وضع نظامه الداخلي، كما فعل القانون رقم 08 – 28 المنظم لمهنة المحاماة وهو القانون الذي خول، من خلال مادته 91 لمجلس الهيئة، صلاحية وضع النظام الداخلي للهيئة وتعديله.
- ولا يمكن القول بأن النظام الداخلي للمجلس الأعلى للقضاء، المحرر بوزارة العدل (كتابة المجلس الأعلى للقضاء) بتاريخ 5 رجب 1421 ه الموافق ل3 أكتوبر 2000 م قد صادق عليه الملك، كما أشير إلى ذلك في مادته التاسعة والخمسين، لا يمكن القبول بذلك لسببين على الأقل:
الأول: إن اختصاصات الملك محددة في الدستور وليس من بينها المصادقة على الأنظمة الداخلية للمؤسسات الدستورية، وضمنها مؤسسة المجلس الأعلى للقضاء.
الثاني: أنه طبقا للمادة 29 من الدستور فإن الملك يمارس السلطات المخولة له صراحة بنص الدستور بمقتضى ظهائر، هذه الظهائر التي من المفروض أن يكون لها تاريخ ورقم وتنشر بالجريدة الرسمية، الأمر الذي لا يشير إليه النظام الداخلي للمجلس الأعلى للقضاء ولو بالهامش.
- احتمالات كثيرة لتسريب مقررات المجلس الأعلى للقضاء للغير قبل المصادقة عليها تجعل حصر التسريب في القاضيين من رابع المستحيلات:
- حتى مع الفرض جدلا بأن وجوب المحافظة على سرية المداولات لا يقتصر على مداولات القضاة بمناسبة ممارستهم المهنية وإنما يمتد إلى مداولات أعضاء المجلس الأعلى للقضاء، فإن السؤال يبقى مطروحا كالتالي:
- من يكون من أعضاء المجلس سرب نتائج مداولات المجلس الأعلى للقضاء في دورته الأخيرة سواء كلها أو بعضها، وسواء مباشرة لجريدة "الصباح" أو للغير الذي أمد بها جريدة "الصباح" وغيرها من الصحف؟ ! وهل التسريب لا يمكن أن يقع إلا من أعضاء المجلس كلهم أو بعضهم، دون غيرهم من موظفي وزارة العدل الذين لهم علاقة مباشرة، أو غير مباشرة، بأعمال المجلس؟؟
- يجب التذكير بأن المجلس الأعلى للقضاء لا يتكون من القاضيين الموقوفين فقط، وإنما من:
- ستة قضاة منتخبين، بالإضافة إلى نائب الرئيس، وهو وزير العدل، والرئيس الأول للمجلس الأعلى والوكيل العام للملك به ورئيس الغرفة الأولى به والكاتب العام للمجلس الذي يحضر دوراته دون أن يشارك في المناقشات والتصويت، إن كل هؤلاء، وعددهم أحد عشر شخصا، يمكن أن تتسرب من أحدهم أو بعضهم أو جميعهم، ولو بحسن نية، معلومات كلية أو جزئية، عن نتائج مداولات المجلس الأعلى للقضاء.
- ومن ناحية أخرى، فإن المجلس الأعلى للقضاء لا يعمل في جزيرة منعزلة، وإنما في مقر وزارة العدل التي تضم المئات من الموظفين عدد منهم يعمل في اتصال مباشر مع المجلس، سواء على مستوى الطبع والأرشفة أو على مستوى نقل الملفات بين الأقسام والمصالح. وبحكم مهامهم هذه في إمكانهم الإطلاع على مداولات المجلس وتسريب نتائجها للغير وفي مقدمتهم السادة القضاة المتلهفين على معرفة النتائج قبل المصادقة عليها.
- قرار وزير العدل بتوقيف العضوين، جعفر حسون ومحمد أمغار، وتوقيف راتبيهما، وإحالتهما على المجلس الأعلى للقضاء، كهيئة تأديبية، للنظر في الأفعال المنسوبة إليهما، إنما هو قرار مجانب للصواب سواء من الناحية القانونية أو الواقعية:
- لقد كان في إمكان السيد وزير العدل، أن يؤجل إيقاف العضوين في انتظار التحقيق الذي سيباشره المجلس الأعلى للقضاء عند نظره في الاتهامات، وما قد يسفر عنه هذا التحقيق من قرارات بالمؤاخذة، نقول التأجيل للأسباب التالية
- لأن المادة 62 من قانون النظام الأساسي لرجال القضاء لا يلزم وزير العدل بإيقاف القاضي المتابع جنائيا أو المنسوب إليه ارتكاب خطأ خطير، وإنما يجيز له ذلك، وكان في إمكان السيد وزير العدل استعمال إمكانية الجواز.
- ولأنه، وإن كانت المادة المذكورة تجيز لوزير العدل التوقيف، فإن هذا الأخير (التوقيف) مقيد بوجوب توفر أحد الشرطين اللذين لا وجود لأي منهما في هذا الملف:
- ففيما يخص شرط المتابعة:
- فإن العضوين الموقوفين غير متابعين جنائيا.
- وفيما يخص شرط ارتكاب الخطأ الخطير:
- فمن المعروف، أن النظام الأساسي لرجال القضاء، لا يعرف الخطأ الخطير.
- وإذا كان قانون العقود والالتزامات ينص على الخطأ ويعرفه ( المادة 78 من ق.ع.ل) فإنه لا يتضمن الخطأ الخطير فبالأحرى أن يكون معرفا له.
- ومع ذلك يمكن إلقاء السؤال الآتي:
- هل تسريب نتائج مداولات المجلس الأعلى للقضاء، بصفة كلية أو جزئية، يمكن اعتباره خطأ خطيرا ؟، وإذا افترضنا ذلك فما هو نوع هذه الخطورة يا ترى؟
- هل التسريب من شأنه أن يمس بالأمن العمومي أو بالأخلاق الحميدة أو باستقلال القضاء أو بكرامته ؟؟ ، لا نعتقد ذلك.
- هل التسريب سيحول دون التصديق، على النتائج المسربة، من قبل وزير العدل أو الملك، كل فيما يخصه؟، لا نرى ذلك، فالقانون لا ينص على عدم المصادقة على النتائج المسربة، كما هي أو بعد إدخال بعض التعديلات عليها، وإن كان المعمول به، عادة وفي الغالب، هو المصادقة على نتائج مداولات المجالس التأديبية، كما هي ودون أي تعديل، سواء منها المتعلقة بالموظفين أو بالمجلس الأعلى للقضاء.
- ومن ناحية أخرى، فإن الهدف من عدم جواز تسريب مداولات المجالس التأديبية، ليس هو المحافظة على سرية النتائج؛ لأن هذه يجب الإعلان عنه للعموم فبالأحرى ومن باب أولى، للمعنيين بها، بعد انتهاء المداولات، وبعد المصادقة عليها، فإذن فإن المنع مؤقت وليس دائم، وإنما المنع الدائم ينحصر في عدم تسريب مناقشة أعضاء المجالس التأديبية، أو بعبارة أخرى، عدم تسريب أسماء من كان في هذا الاتجاه وأسماء من كان في الاتجاه الآخر المعاكس، لأن مثل هذا التسريب هو الذي قد يعرض أمن أعضاء المجالس التأديبية إلى الخطر وبالتالي يمكن اعتباره خطأ خطيرا، ونتيجة لهذا المفهوم المنطقي، فإن تسريب بعض نتائج المجلس الأعلى للقضاء بدون أن يصاحب ذلك ذكر أسماء أصحاب الآراء التي راجت في المناقشات وفي التصويت على الاقتراحات لا يمكن اعتباره خطأ خطيرا يسمح بالتوقيف للعضوين وبراتبيهما الشهري.
- وما نشر في جريدة "الصباح" لا يتعرض لتدخلات الأعضاء بالاسم والصفة، ولا للنتائج بالاسم والصفة.
- وحسب التجربة فإن نتائج مداولات المجالس، سواء في نطاق الوظيفة العمومية (اللجان الإدارية المتساوية الأعضاء) أو في نطاق القضاء (المجلس الأعلى للقضاء) تتسرب قبل المصادقة عليها، ومع ذلك لم يحدث أن فتح تحقيق في الموضوع على يد "الفرقة الوطنية للشرطة القضائية" لمعرفة المصادر، ولم يحدث أن تم توقيف عضو أو أكثر من أعضاء هذه المجالس وتوقيف مرتباتهم وإحالتهم على المجلس التأديبي بتهمة تسريب نتائج المداولات...
- والخطير في قرار السيد وزير العدل، أنه لم يقتصر على التوقيف والإحالة على المجلس الأعلى للقضاء، كمجلس تأديبي، وإنما امتد ليشمل توقيف المرتب، مع أن هذا التوقيف، الكلي أو الجزئي للراتب هو مسألة اختيارية وليست وجوبية.
- ومما زاد في خطورة قرار متابعة العضوين وإحالتهما على المجلس الأعلى للقضاء، كهيئة تأديبية، هو صدور بلاغ عن وزارة العدل بشأن هذا الموضوع، وإن هذا البلاغ وجه إلى وسائل الإعلام التي نشرت محتوياته، الأمر الذي يعتبر تشهيرا بالعضوين الموقوفين وهو تشهير لا يسمح به القانون كما يتجلى مما يلي:
- فالنظام الأساسي لرجال القضاء لا يسمح بإصدار بلاغ بشأن المتابعة التأديبية للقضاة ونشره على العموم فبالأحرى أن يكون النشر عند متابعة الأعضاء الذين يمثلونهم لدى المجلس الأعلى للقضاء.
- وإذا كان القانون الجنائي لا يسمح بالنشر للأحكام الجنائية المتضمنة، كعقوبة إضافية، إلا بتوفر شرطين مجتمعين معا: الأول: أن تكون هذه الأحكام قد قضت بالإدانة. والثاني: أن تكون الإدانة صدرت في نطاق جريمة معينة يسمح القانون، عند ارتكابها بنشر الحكم الصادر بشأنها (المادتان 36/7 و48 من القانون الجنائي)، نقول إذا كان القانون لا يسمح بالنشر في القضايا الجنائية إلا بتوفر الشرطين المذكورين، فإنه من باب أولى وأحق ألا يسمح القانون بالنشر عند المتابعات التأديبية، ما دامت النصوص المتعلقة بهذه المتابعات وبالعقوبات التأديبية الناتجة عنها لا تسمح بالنشر.
- متابعة عضوي المجلس الأعلى للقضاء، بسبب ما نسب إليهما من تسريب لمعلومات متعلقة بالمداولات السرية للمجلس، ستترتب عنها نتائج سلبية من شأنها المساهمة في عرقلة إصلاح القضاء، ويتجلى ذلك فيما يلي:
- فوزارة العدل، التي أوكل إليها المشرع، في شخص وزيرها، توجيه النيابة العامة لمتابعة من يخرقون القانون الجنائي والنصوص الجزائية المختلفة، لن تعفي من المسؤولية وهي تخالف قواعد القانون، المسطرية والموضوعية، بمناسبة تحقيقاتها ومتابعتها التأديبية في موضوع تسريبات بعض نتائج مداولات المجلس الأعلى للقضاء في دورته الأخيرة...
- والمجلس الأعلى للقضاء، الذي أوكل إليه الدستور مهمة السهر على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاء، أصبح بدوره محتاجا إلى من يحمي أعضاءه من تجاوزات وزارة العدل...
- إن المجلس الأعلى للقضاء، عندما سيجتمع، كهيئة تأديبية، للبث في الأخطاء المنسوبة للعضوين المتابعين، سيكون، بناء على المعطيات المعروضة عليه والبحث التكميلي الذي قد يجريه، أمام اختيارين: الأول: هو تبرئة المتابعين، وهذا ما نتمناه، الثاني: إدانتهما بأحد العقوبات التأديبية المنصوص عليها في التنظيم الأساسي لرجال القضاء، فإذا حصل اختيار الإدانة، مهما كانت درجة العقوبة التي ستطبق فسيكون لها انعكاس سلبي على سير أعمال المجلس: إذ كيف سيعمل أعضاء المجلس، بعد الإدانة، في انسجام وبعضهم أدان البعض الآخر ؟، وهذا هو الذي يفسر لنا لماذا قانون المحاماة لا يخول لمجلس الهيئة متابعة ومعاقبة نقيبه وإنما يخول ذلك إلى محكمة الاستئناف، غير تلك التي توجد الهيئة في دائرتها...
- إن متابعة عضوين من أعضاء المجلس تأديبيا، وبدون حق ولا قانون، لا يمكن إلا أن ينتج عنه جو إرهابي بين أوساط القضاة الأمر الذي سيترتب عنه المزيد من المس باستقلال القضاء...

ما هي الأسباب الحقيقية للمتابعة ؟
- هل هي الأسباب الواردة في بلاغ وزارة العدل ؟ أم أن هذه مجرد أسباب ظاهرة للتغطية وأن الحقيقة غير ذلك؟؟
- ومن هو المستهدف من هذه المتابعة التأديبية هل العضوين معا أم أحدهما؟ وأن الآخر متابع لمجرد التغطية ؟ ومن يكون هذا الواحد؟
- يرى العديد من المتتبعين، وأنا واحد منهم، بأن الأسباب الحقيقية للمتابعة هي المزيد من تحجيم دور المجلس الأعلى للقضاء من خلال تجميد أو إضعاف دور الأعضاء الفاعلين به المقدرين لجسامة المسؤوليات الملقاة على عاتقهم، داخل المجلس، كأعضاء فيه، وخارجه، كقضاة أو كمسؤولين بالمحاكم ؟.. فهل العضوين الموقوفين من هذا الصنف ؟:
- ما أستطيع أن أتكلم عنه وأجزم به هو ما يتعلق بالمواقف المشرفة، للأستاذ جعفر حسون، في إطار الدفاع عن استقلال القضاء وسيادة القانون وكرامة القضاء، والكفاءة المعرفية العالية التي يتمتع بها في ميدان القانون والأحكام القضائية العادلة التي أصدرها في ميدان البث في النزاعات التي فصل فيها واستشير بشأنها.
- ومن بين المواقف المشرفة التي ساهم في قيادتها، مع ثلة من القضاة الشرفاء، دفاعا عن سيادة القانون وكرامة القضاة:
1- إعداد عريضة احتجاج على اعتقال عدد من القضاة سنة 2003 وإيداعهم بالسجن بأمر من وزارة العدل ، بدون تطبيق الضمانات المسطرية الخاصة بالقضاة "الامتياز القضائي". ولم تكتف العريضة بالتنديد على خرق القانون وإنما نددت كذلك بالبلاغ الصحفي الصادر عن "مكتب جمعية الودادية الحسنية للقضاة" الذي، حسب العريضة، يفتقر إلى أدنى شروط الشرعية...، كما عبرت العريضة عن استياء القضاة من أوضاعهم ومن التجاوزات التي طالت أبسط حقوقهم المهنية بما فيها انعدام أي منبر أو مؤسسة لتأطير الفعل القضائي والشلل الذي تعرفه مؤسسته التمثيلية والدستورية كما تضمنت العريضة إعلان القضاة "...تعبئتهم الشاملة واستعدادهم الكامل للانخراط في إصلاح قضاء فعلي هادئ ورصين بعيد عن المزايدات السياسية والإعلامية التي حادت بالإصلاح القضائي عن نهجه ملتمسة في الأخير من جلالة الملك محمد السادس التدخل من أجل إعادة الأمور إلى نصابها حفظا لهيبة القضاء التي هي من هيبة الدولة... "
- وقد وقع على العريضة المذكورة المئات من القضاة تجاوز الألف بمختلف المحاكم المغربية...
- وبينما عدد الموقعين يزداد ارتفاعا إذا بوزارة العدل تتحرك على عدة واجهات من أجل وضع حد لهذه الانتفاضة المجيدة التي قد تخرج مؤسسة القضاء من تحكمها وسيطرتها وهيمنتها عليها. وقد كان تحركها على عدة واجهات:
- الواجهة الأولى: الضغط على القضاة الموقعين لسحب توقيعاتهم، وقد خضع البعض لهذا الضغط دون الباقي.
- الواجهة الثانية: إيقاف الأستاذ جعفر حسون من العمل ومن العضوية بالمجلس الأعلى للقضاء كما تم إيقاف مرتبه ومتابعته تأديبيا وإحالته على المجلس الأعلى للقضاء، كهيئة تأديبية، للنظر فيما هو منسوب إليه من ارتكابه لأعمال تمس بحرمة القضاء وهيبته واستقلاله.
- وقد كان لتصرفات وزارة العدل الغير المشروعة في مواجهة القضاة المعتقلين وفي مواجهة الأستاذ جعفر حسون ردود فعل قوية من طرف العديد من المنظمات الحقوقية والقانونية والدفاعية بالداخل والخارج، وهي المنظمات التي نددت بالتصرفات المذكورة طالبة وضع حد لها...
- كما تشكلت هيئة من المحامين للدفاع عنه أمام المجلس التأديبي..
- الواجهة الثالثة: المساس بحقوق هيئة الدفاع عن الأستاذ جعفر حسون، وقد ظهر هذا المساس أو العرقلة عندما التجأت وزارة العدل إلى تأخير الجلسة التأديبية، من تاريخ لآخر بدون مبرر وبدون انعقاد المجلس التأديبي، فقد تقرر انعقاد المجلس التأديبي في 12 يناير 2004 ليتم تأخيره لجلسة 20 يناير تم ل27 يناير ف9 فبراير وإلى 12 فبراير من نفس السنة (2004)؛ الأمر الذي دفع هيئة الدفاع إلى إصدار بلاغ احتجاجي في الموضوع.
- الواجهة الرابعة التي تحركت في نطاقها وزارة العدل: الضغط على الأستاذ جعفر حسون من أجل التخلي عن دفاعه من ناحية، ومن أجل تقديم ملتمس استعطافي إلى الملك من ناحية أخرى، ويظهر أنها نجحت في هذا الضغط، فقد رفع الأستاذ جعفر الملتمس المذكور إلى الملك، كما استغنى عن مؤازرة دفاعه الشيء الذي ترتب عليه انعقاد المجلس التأديبي في غيبة عن الدفاع وإصدار عقوبة تأديبية من الدرجة الأولى، على الأستاذ جعفر حسون...
2- كما أن هناك معطى آخر، يمكن اعتباره من الأسباب الحقيقية وراء متابعة الأستاذ جعفر حسون بمبرر مصنوع ظاهري هو تسريب بعض نتائج مداولات المجلس الأعلى للقضاء في دورته الأخيرة، هذا المعطى يتجلى فيما يلي:
- أن الأستاذ جعفر حسون هو رئيس المحكمة الإدارية بمراكش التي قضت بإلغاء نتائج انتخاب مجلس مقاطعة المنارة كيليز بمراكش بناء على ما ثبت لهيئة المحكمة من تسرب الورقة الفريدة الخاصة بالتصويت، وقد ترتب عن الإلغاء المذكور بطلان انتخاب عمدة مدينة مراكش المحسوبة على أحد الأحزاب الإدارية المدعمة من طرف النظام السياسي بالمغرب، وقد نتج عن البطلان المذكور تحرك السلطة في واجهتين:
- الواجهة الأولى: هي إقالة والي جهة مراكش...
- الواجهة الثانية: الضغط على القضاء من أجل إلغاء الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية بمراكش وهي المحكمة التي يرأسها الأستاذ جعفر حسون. وقد تم هذا الإلغاء فعلا.
3- السبب الحقيقي الثالث الذي قد يكون ساهم في متابعة الأستاذ جعفر حسون تحت تغطية تسريب بعض نتائج مداولات المجلس الأعلى للقضاء في دورته الأخيرة، هو أن المحكمة الإدارية بمراكش، التي يرأسها الأستاذ جعفر حسون، إلى أن تم مؤخرا إعفاؤه من العمل كرئيس بها، هو أن هذه المحكمة ألغت قرارا إداريا حل جمعية تشرف على إدارة عدة كتاتيب قرآنية وذلك على اعتبار أن القرار المذكور مشوب بعيب عدم الاختصاص: إذ أن حل الجمعيات هو من اختصاص القضاء وليس من اختصاص الإدارة..
- هل المتابعة التأديبية من طرف وزارة العدل لأعضاء من المجلس الأعلى للقضاء، بسبب ما نسب إليهم من تسريبات، لها الأولوية والأسبقية والأهمية، على ملفات كبرى تتعلق بتحقيق العدالة، ومع ذلك لا زالت تنتظر المعالجة أو الحل والتنفيذ منذ العديد من السنين؟ : والتي من بينها، على وجه المثال، وفيما له علاقة بوزارة العدل، ومن خلالها، بالبرلمان وبالحكومة، وبصفة عامة بالدولة المغربية:
- أولا- ملف التوصيات الصادرة عن هيئة الإنصاف والمصالحة، والتي لها علاقة بتحقيق العدالة، ومن بين هذه التوصيات:
+ "تدقيق المساطر والآليات القضائية، القبلية والبعدية، الكفيلة بضمان التوازن بين ضرورة توسيع مجالات الحرية وصيانة كرامة الأفراد وحياتهم الخاصة وما يقتضيه مكافحة الإرهاب..."
- ولا نحتاج إلى التأكيد بأن هذه التوصية غائبة عن التطبيق بصفة مطلقة عندما يتعلق الأمر بملفات الإرهاب...
+ "تعزيز المراقبة القضائية لما بعد صدور الأحكام"، ونحن نعلم والجميع يعلم، بأن العديد من الأحكام القضائية النهائية والصادرة ضد الدولة المغربية وإداراتها ومؤسساتها العمومية لا تنفذ الأمر الذي يعتبر تحقيرا لمقررات قضائية من طرف مؤسسات عمومية من المفروض أن تكون نموذجا مثاليا في احترام أحكام القضاء وعونا له في مواجهة الغير من الخواص الممتنعين من تنفيذ أحكامه وقراراته..
+ "معاقبة مرتكبي الانتهاكات وشركائهم بأشد العقوبات، كيفما كانت رتبهم أو وضعهم أو وظيفتهم..."
- والجميع يعرف أن هذه التوصية لا زالت في الرفوف حبرا على ورق، فالعديد من مرتكبي جرائم الاختطاف والتعذيب والاغتيال، في الماضي، والحاضر، لا زالوا بعيدين عن أية متابعة أو عقاب، بل إن بعضهم لا زال يتحمل مسؤوليات في دواليب الدولة أو يتمتع بامتيازات مالية حصل عليها مقابل ما ارتكبه من جرائم...
+ "فصل وظيفة وزير العدل عن المجلس الأعلى للقضاء"
+ "جعل المجلس الأعلى للقضاء بمقر المجلس الأعلى بالرباط"
+ "متابعة تسريع وثيرة إصلاح القضاء والنهوض بمستواه"
+ "تحفيز القضاة وأعوان العدالة، وتكوينهم الأساسي والمستمر والتقييم المنتظم لأدائهم.."
+ "مراجعة تنظيم واختصاصات وزارة العدل بشكل يمكنه أن يحول دون أي تدخل أو تأثير للجهاز الإداري في مجرى العدالة وسير المحاكمات."
+ "تجريم تدخل السلطة الإدارية في مجرى العدالة."
+ "تشديد العقوبات الجنائية في حق كل إخلال أو مساس بحرمة القضاء واستقلاله."
- إن كل هذه التوصيات، وغيرها ممن له علاقة مباشرة بعمل اختصاصات وزارة العدل لازالت غير مفعلة ...
- ثانيا- ملف تعريب القضاء:
- من المعلوم أنه صدر منذ يناير من سنة 1965، أي منذ أكثر من 45 سنة، قانون ينص على توحيد القضاء ومغربته وتعريبه وفي إطار تطبيقه صدر قرار من وزير العدل، في نفس السنة، يقضي بوجوب أن تكون الوثائق المقدمة إلى القضاء محررة باللغة العربية. ومن المعلوم كذلك، أن الدستور ينص على أن اللغة الوحيدة المرسمة بالمغرب هي اللغة العربية، وأن الوزير الأول الأسبق الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي وجه، سنة، 1998، منشورا إلى جميع الوزارات والمؤسسات العمومية يلزمها فيه باستعمال اللغة العربية وسار على منواله الوزير الحالي الأستاذ عباس الفاسي الذي وجه منشورا في نفس الموضوع يرجع تاريخه إلى سنة 2008، ومع ذلك فلا زالت اللغة المستعملة، من الناحية الفعلية في أغلب الإدارات والمؤسسات العمومية بالمغرب، هي اللغة الفرنسية وليست العربية، الأمر الذي نتج عنه أن تصل إلى المحاكم، بمناسبة النزاعات، الآلاف من الوثائق المحررة بلغة أجنبية، ومع ذلك لا يأمر القضاة، تلقائيا، بترجمتها للعربية، ولا يفعلون ذلك إلا بناء على طلب أحد الأطراف، وحتى في هذه الحالة، فإن الترجمة الرسمية للعربية تتطلب وقتا وجهدا ومصاريف قد تصل إلى حوالي مائتين وخمسين درهما (250.00 د) للصفحة الواحدة...
- هذه بعض الملفات الكبرى التي تتطلب الأولوية في العلاج والبث الفوري بدلا من إضاعة الوقت في المتابعات التأديبية لأعضاء المجلس الأعلى للقضاء بسبب عرائض واحتجاجات مشروعة، وتسريبات غير ثابتة...
- بعد كل هذا وغيره ألا يحق لنا القول، بأن المتابعة التأديبية، بشأن التسريبات، لا تساهم في إصلاح القضاء وإنما في عرقلته...


الرباط في 31 /08/2010
النقيب عبد الرحمن بن عمرو




#عبد_الرحمن_بن_عمرو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عندما يكون التضليل والجهل بالحقائق وبالقانون من أسباب محاربة ...
- إنذار قانوني حول عدم استعمال اللغة العربية
- تعليق على حكم قضائي
- ورقة حول العدوان الأمريكي البريطاني على العراق والشرعية الدو ...
- مداخل الآليات الدولية لحم ...
- المجلس الأعلى مستمر في عدم الإقرار بالنتائج التي يجب ترتيبها ...
- الدستور والحقوق الاقتصادية والاجتماعية
- لا حجية للمحاضر المحررة بلغة أجنبية...5/5
- لا حجية للمحاضر المحررة بلغة أجنبية...5/4
- 5/3 لا حجية للمحاضر المحررة بلغة أجنبية
- 2/5 لا حجية للمحاضر المحررة بلغة أجنبية
- 1/5.........لا حجية للمحاضر المحررة بلغة أجنبية
- استقلال القضاء
- مداخلة النقيب عبد الرحمن بن عمرو حول الجرائم الواردة في النظ ...


المزيد.....




- العفو الدولية: الكشف عن مقابر جماعية في غزة يؤكد الحاجة لمحق ...
- -سين وجيم الجنسانية-.. كتاب يثير ضجة في تونس بسبب أسئلة عن ا ...
- المقررة الأممية لحقوق الإنسان تدعو إلى فرض عقوبات على إسرائي ...
- العفو الدولية: استمرار العنصرية الممنهجة والتمييز الديني بفر ...
- عائلات الأسرى المحتجزين لدى حماس تحتشد أمام مقر القيادة العس ...
- استئجار طائرات وتدريب مرافقين.. بريطانيا تستعد لطرد المهاجري ...
- تعذيب وتسليم.. رايتس ووتش: تصاعد القمع ضد السوريين بلبنان
- كنعاني: الراي العام العالمي عازم على وقف جرائم الحرب في غزة ...
- كيف تستعد إسرائيل لاحتمال إصدار مذكرة اعتقال دولية لنتنياهو؟ ...
- منظمة التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بش ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - عبد الرحمن بن عمرو - هل إيقاف عضوين في المجلس الأعلى للقضاء يساهم في إصلاح القضاء أم في عرقلته ؟