أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رضي السماك - -وطار- المثقف الذي أحب كل فئات شعبه














المزيد.....

-وطار- المثقف الذي أحب كل فئات شعبه


رضي السماك

الحوار المتمدن-العدد: 3121 - 2010 / 9 / 10 - 09:09
المحور: الادب والفن
    



- كاتب بحريني (عام)
«07-سبتمبر-2010»


لم يكن رحيل الروائي والمثقف والسياسي الجزائري الكبير الطاهر وطار الذي توفي قبل يومين أو ثلاثة فقط من وفاة الوزير والمثقف السعودي الكبير غازي القصيبي في أوائل رمضان المبارك الجاري بأقل خسارة من رحيل هذا الأخير على الصعيدين الوطني والقومي رغم اختلاف ظروف وخصائص ما يشكله كل منهما من خسارة على ذينك الصعيدين ذاتهما.

وهما أيضا يتقاربان في السن حيث وطار يبلغ الـ 73 والقصيبي يبلغ الـ 70 ويشتركان في مسببات الوفاة والناجمة في الأساس عن مرض عضال.

ولئن تمركزت خسارة القصيبي الفادحة على الصعيد الوطني لما يمثله من شخصية ثقافية تنويرية كبيرة في مجتمع عربي ما برح يواجه صعوبات جمة في التحول إلى الحداثة والتخلص من البنية التقليدية، فإن الخسارة الكبرى التي شكلها رحيل "وطار" على الصعيدين الوطني والقومي إنما تتجسد فيما مثله من عبقرية الجمع بين هويات شعبه الفرعية في هوية واحدة بكل مصداقية.

فهو من مثقفي البلدان العربية النادرين في القدرة على التعبير عن كل هويات شعبه المنصهرة في بوتقة واحدة، وحينما نصف القدرة هذه على الجمع المتجانس غير المتنافر في هوية واحدة مركبة بـ "العبقرية"، فلأن بلوغها في مجتمع متعدد الاثنية مر بظروف تاريخية بالغة التعقيد في ظل الاستعمار الفرنسي طوال قرن وثلث القرن وترك بصماته البغيضة في محاولته سلخ هوية الشعب اللغوية (العربية) ليس بالأمر الهين البتة، وهنا تتجسد بالضبط المأثرة الاستثنائية العظيمة التي مثلتها شخصية الطاهر وطار، وهي مأثرة بلا شك جديرة حقا بالاستلهام من قبل كل المثقفين العرب الوطنيين الغيارى على وحدة أوطانهم وينتمون إلى مجتمعات عربية متعددة اثنيا أو طائفيا أو دينيا، ويعز عليهم أن تنكب شعوبهم بمحن تشطيرها على أساس أو أكثر من تلك التعدديات المذكورة.

مأثرة الطاهر وطار باختصار شديد تتمثل في أنه تمكن من التعبير عن هوية بلاده وشعبه بكل أبعادها ولم تنل أي تعقيدات أو حساسيات قائمة على تلك التعددية من المحافظة على وعيه الوطني صحيا ونقيا من الشوائب حتى في المنعطفات الحساسة الدقيقة، فكونه ينتمي إلى الأمازيغ (البربر) لم يمنع ذلك من شعوره وإحساسه وإقراره بصدق إنما ينتمي أيضا بفخر إلى بلد عربي لغته الأساسية هي العربية ويعتز بها ويكتب بها أروع أعماله الروائية والأدبية لتبز حتى عتاة من الروائيين العرب ليس في بلده فحسب بل في سائر البلدان العربية، بدءا من مجموعته القصصية "الشهداء يعودون هذا الأسبوع" التي يفضح فيها كيف تاجر الانتهازيون والمتسلقون في السلطة بدماء الشهداء بعد انتصار الثورة، وليس انتهاء بروايته "اللاز" التي وصفها النقاد بأنها الأهم بين مجمل أعماله الروائية، وهو إلى ذلك ملم جيدا بالفرنسية من دون أن تكون سببا لسلخ وتشويه هويته الوطنية.

طبقيا فإن "وطار" ينحدر من عائلة فلاحية متوسطة الحال وقد ألحقه والده بجمعية العلماء المسلمين الجزائريين المعروفة بدورها الوطني والديني واللغوي الكبير في صيانة الهوية الجزائرية من مخاطر التغريب والفرنسة اللتين كان الاستعمار الفرنسي يعمل عليهما. وفي هذه الجمعية تعلم هذا الفتى البربري أصول الفقه واللغة العربية الفصحى، كما التحق بجامع الزيتونة بتونس وعرف بنهمه الشديد للقراءة منذ نعومة أظفاره، لكن ثقافته الدينية لم تحل دون إعجابه برموز الشخصيات العربية العلمانية على اختلاف انتماءاتها الدينية والقطرية مثل طه حسين وجبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وبشارة الخوري ونجيب الريحاني وعباس العقاد، كما لم تحل تلك الثقافة أو التأهيل الديني دونما انكبابه على الثقافة اليسارية وتأثره بها على طريقته الخاصة المستقلة بعيدا عن النمذجة والانتماءات الحزبية، ودونما تنكره لكل ما هو مضيء وإيجابي فيما تلقاه من ثقافة دينية ومن ثم ترفعه عليها بمجملها كما يفعل كثيرون من العلمانيين المثقفين العرب الذين مروا بظروف مشابهة في تلقي العلوم الدينية سواء في المجتمع أم في المدرسة أم حتى في مراكز دينية.

لكن يساريته لم تمنعه من نقده تدخل جنرالات الجيش في نتائج الانتخابات النيابية التي فاز فيها الإسلاميون عام 1991 وإلغائها على نحو ما فعل وصفق لذلك الكثير من غلاة العلمانيين العرب، وما ذلك إلا بفضل تبنيه العلمانية بصورة منفتحة مرنة غير متشددة جامدة ولمصداقيته مع نفسه في احترام نتائج الانتخابات كشخص ديمقراطي ينادي بالتعددية السياسية فكرا وممارسة.

بكل هذه التجليات واجه وطار معارك وحروبا على عدة جبهات، فهو المتهم في أوساط غلاة قومه من البربر بـ "المستعرب"، وهو المتهم من الحزب الحاكم بـ "المنحرف" عن الثورة لأنه انتقد الفساد الذي ينخر فيه وفي المؤسسة الحاكمة، وهو المتهم بـ "الرجعي" أو المتملق للتيارات الأصولية لأنه انتقد وقف المسار الذي فازت فيه الجبهة الإسلامية وهو المتهم من الفرانكفونيين بـ "البعثي" وهي تهمة لا يقصد بها في الجزائر انتماؤه إلى حزب البعث كما في المشرق، بل من يدافع بشدة عن عروبة بلاده ويقف ضد الفرانكفونيين، وهو المتهم بـ "التحريفي" من غلاة الشيوعيين رغم أنه عبر عن إدانته ما لحق ببعض أبطال الثورة الجزائرية الشيوعيين من عسف دموي على أيدي رفاقهم من جبهة التحرير في رواية "اللاز".

فكم هي خسارة جسيمة للجزائر والعرب برحيل وطار وكم هي حاجة مجتمعاتنا العربية المنقسمة اثنيا وطائفيا على نفسها إلى مثقفين من طراز وطار في التعبير الجامع الأصيل عن الهوية الوطنية المشتركة!



#رضي_السماك (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مناقشة هادئة في المسألة التخريبية
- هل بمقدور أوباما اجتثاث العنصرية في بلاده؟
- ساحة محمود درويش في باريس
- الرأسمالية تتعرى في مياه خليج المكسيك
- أسطول الحرية والأشكال النضالية المغيّبة
- التلوث بين خليج المكسيك وخليجنا
- والذين يزدرون حضارتهم
- دروس أسطول الحرية (2-2)
- دروس أسطول الحرية (1-2)
- جياع العالم.. والمقتدرون المقترون (2-2)
- حال أول بلد اشتراكي في العالم اليوم (1)
- التعددية في الأسرة الواحدة.. عبدالقدوس نموذجا
- مغزى الاحتفال الروسي بالانتصار على النازية (1)
- الطبقة العاملة.. همومها وعيدها
- كيف مر يوم المرأة العالمي؟
- الإرهاب بين روسيا والعراق
- المرأة والتجربة الديمقراطية الهندية
- من دروس الانتخابات العراقية
- هكذا أصبح حال الشعب الفلسطيني اليوم
- مجلس التعاون ودروس اغتيال المبحوح


المزيد.....




- دينزل واشنطن يحظى بتكريم مفاجئ من مهرجان كان السينمائي
- هل تزوج حليم من سندريلا؟.. أسرة العندليب تنهي الجدل
- كان يا ما كان في غزة : عندما يصبح الفيلم وثيقة عن الحياة قبل ...
- أول فيلم نيجيري في مهرجان كان يفتح الباب أمام سينما -نوليوود ...
- صفاء السعدون فنان من بابل العراقية يعرض لوحاته في قازان الرو ...
- مالك حداد.. الشاعر والروائي الجزائري الذي عاش حالة اغتراب لغ ...
- آرت بازل قطر ينطلق عام 2026.. شراكة إستراتيجية تكرّس الدوحة ...
- بعد وفاة زوجها وابنيها.. استشهاد الممثلة الفلسطينية ابتسام ن ...
- زاخاروفا: قادة كييف يحرمون مواطنيهم من اللغة الروسية ويتحدثو ...
- شاركت في -باب الحارة- و-عودة غوّار-.. وفاة الفنانة السورية ف ...


المزيد.....

- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رضي السماك - -وطار- المثقف الذي أحب كل فئات شعبه